22 نوفمبر 2023 م

حائط البراق

حائط البراق

الواقع المعاصر يضطرنا إلى أن نقرر أنَّ ساحة المسجد الأقصى المبارك بكلِّ ما تشمله مِن معالم وآثار تُمثل جزءًا لا يتجزأ مِن تراث المسلمين ومعالم دينهم الواضحة، وأنَّ الحائط الغربي هو أحد هذه المعالم، وإنه لتعود ملكيتُه إلى المسلمين وحدهم؛ لأنه يُمثل جزءًا لا يتجزأ مِن الحرم القدسي الشريف الذي هو من أملاك الوقف الإسلامي.

وليس هذ القول مجرد قرار عاطفي، وإنما هو قرار اللجنةِ الدوليَّة التي تم تشكيلها سنة: 1930م للبت في زعم اليهود وادعائهم ملكية ذلك الحائط. وقد تقدمت هذه اللجنة بتقريرها إلى عصبة الأمم، التي هي منظمة الأمم المتحدة حاليًّا، وهو بعنوان: «الحقُّ العربي في حائطِ المبكى في القُدس»، وتتلخَّص الاستنتاجاتُ التي خرجت بها اللجنة في: أنَّ "حائط المبكى" بالذاتِ هو: أثرٌ إسلامي مقدس، وأنه بكلِّ حجر ومدماك فيه، طولًا وعرضًا -بما فيه الرصيف المقابل والمنطقة الملاصقة له داخل أسوار المدينة القديمة- ملكٌ عربي ووقف إسلامي خالد، وأن كلَّ ما لليهودية علينا هو "حق" الزيارة إلى الحائط ليس إلا. وأن هذا الحق منبعُه التسامح العربي الإسلامي ولا ينطوي على أيِّ نوع من أنواع الملكية لليهود، بل هو مقيَّد بالحدود التي تفرضها الأعراف والتقاليد الإسلامية من حيث أوقات الزيارة أو كيفية أدائها، وما يجوز للمصلين اليهود الإتيان به إلى الحائط من أدوات من أجل الزيارة.

 فهذا مما يشهد به التاريخ ومما يؤكد بما لا مجال معه للريب أن "حائط البراق" معلمٌ إسلامي، وجزء من حضارة المسلمين التي اشتملت عليها بلاد فلسطين العربية الأبية.

وخلاصة ما نود تقريره هو أنَّ "حائط البراق" جزءٌ لا يتجزأ مِن الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف. ويرى المسلمون: أنه المكان الذي ربط فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البراق، ومنه دَخَلَ إلى المسجد الأقصى ليلة الإسراء، وهذا يوضح سبب اهتمام المسلمين به وتمسكهم بكونه معلمًا من أهم معالمهم وحضارتهم.

 ومما نرى إيراده هنا ما يدعيه بعض الناس من أنَّ هذا الحائط إنما هو من بقايا أحد الهياكل التي بُنيت عبر التاريخ القديم، وهو كلام لا حجة عليه ولا مستند له إلَّا الوهم؛ لأن أدلة المسلمين المروية بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الحجة الأقوى التي لا تُرد، وهي بمثابة الشمس الطالعة، ونكرانها لا يزيد المنكر إلا وهمًا وتخبطًا وعنترية كاذبة؛ فمما أثبته المسلمون ووثقوه بخصوص هذه القضية ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والذي فيه: «وخرج معي جبريل لا يفوتُني، ولا أفوتُه حتى انتهى بي إلى بيتِ المقدس، فانتهى البراق إلى موقِفِه الذي كان يقفُ، فربطه فيه، وكان مربط الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

والمقرر أن المسلمين يؤمنون بجميع الأنبياء، وأن ما يتفرد به نبيهم صلى الله عليه وسلم أو يُقِرُّه من عمل إخوانه من الأنبياء إنما يأخذ الطابع الإسلامي، ولا يمكن وجود ما يصرف المسلمين عن التمسك به بحال.

المراجع:

  • الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 166، 167، ط. دار الكتب العلمية.
  • شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 8/ 105، ط. دار الكتب العلمية.
  • حائط البراق "الذي سماه اليهود ظلمًا وعدوانًا حائط المبكى" للدكتورة زينب عبد العزيز ص: 10، 101، ط. دار الحرمين.

قبة الصخرة من العوامل التي يستخدمها العدو في تشويه الصورة الذهنية لدى المسلمين، من جهة ترسيخ صورته في أذهان المسلمين والعرب، على أنه هو المسجد الأقصى؛ ليكون بإمكانهم أن يتحركوا بحرية تامة شيئًا فشيئًا نحو التعدي على المسجد الأقصى الذي هو قضية جميع المسلمين على ظهر الأرض؛ فمعرفة مسجد قبة الصخرة أو مصلى قبة الصخرة مهمة من جهتين؛ الأولى: لتمييز المسجد الأقصى، الثانية: لكونه معلمًا من معالم المسلمين في هذه البقاع الطاهرة المقدسة.


المسجد الأقصى له أسماء كثيرة؛ لشرفه ورفعة مكانته، وقد ذُكر في أسمائه سبعة عشر اسمًا، وأشهرها: المسجد الأقصى، والقدس، أو بيت المقدس، وغيرها. وفلسطين تشتمل على مساجد كثيرة رغم أن موقعها ليس كبيرًا، والمسجد الأقصى من أهمها، وهو الذي أشار الله تعالى إليه في القرآن الحكيم في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1]، ومن هنا تظهر قدسية المسجد الأقصى من جهة، ويظهر ارتباطه وارتباط المسلمين به من جهة أخرى.


لمَّا كانت دولة فلسطين محلَّ اهتمامٍ من الملوك والولاة المسلمين عبر العصور، قاموا بتشييد المباني العمرانية الكبيرة، المُزيَّنة بالزخارف والفنون الجميلة، فأنشأوا العديدَ من المباني الأثرية، كالمساجد والزوايا والتَّكَايا وغير ذلك، ومن بين هذه المباني التاريخية العريقة: "الجامع العمري الكبير" الموجود بقطاع غزة، والذي يُعد جزءًا مهمًّا من تاريخ المدينة المباركة؛ لأن قطاع غزة له موقع جغرافي متميِّز؛ إذ هو يقع عند ملتقى قارتي آسيا وإفريقيا؛ ذلك الموقع الذي جعل لغزة أهميةً إستراتيجية وعسكرية فائقة، فتُعدُّ بمثابة الخط الأمامي للدفاع عن فلسطين، بل والشام جميعها جنوبًا.


مما يؤكد كون المسْجد الأقصى معلمًا إسلاميًّا رفيع المستوى أنَّه مسرى نبي الإسلام وخاتم النبيين، وخطُّ سير أقدامه صلوات الله وسلامه عليه؛ كما جاء في القرآن الكريم فقال عزَّ وجلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الإسراء: 1]، وقد أكد العلماء على ما نصَّت عليه الآية الكريمة من أنه المكان الذي توجه إليه رسول الإسلام عليه السلام في مسراه، ومن ذلك ما قاله ابن إسحاق في «السيرة النبوية»: "أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- وهو بيت المقدس- وقد فشا الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها".


نال المسجد الأقصى -باعتباره أهم معالم الإسلام في فلسطين- اهتمامًا بالغًا من نصوص الشريعة الإسلامية؛ إذ هو مَسْرَى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وإنَّ كل النصوص الواردة في فضيلة هذا المسجد الميمون لا تُعادل النص القرآني الذي أثبت للمسجد ولكل ما حوله ما ليس لغيره من بقاع الدنيا من الفضل والبركة، وهو ما بيَّنه القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53