18 مايو 2022 م

بين الحقوق والواجبات

بين الحقوق والواجبات

بنى الشرع الشريف الحقوق الزوجية على أساس التقابل بين الزوجين، بحيث لا يقوم الزوج بشيء من الأمور تجاه زوجته إلا وكان عليها عملٌ يقابله؛ سواء كان ذلك على سبيل المماثلة أو المكافأة.

وتحديد هذه الحقوق والواجبات وتوزيعها بين الزوجين يرجع إلى عدة مبادئ، أهمها: المساواة بين الزوجة والزوج، ومراعاة الخصائص والوظائف للـذكر والأنثى، وإقرار ما تعارف عليه كل مجتمع من حقوق وواجبات زوجية شريطة عدم مصادمته للأمور المقطوع بها شرعًا، ومراعاة مقتضيات التيسير والإحسان في سائر أحوال الحياة الأسرية؛ وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان.. إن لكم من نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» "سنن ابن ماجة".

وتحمل هذه المعاني في طياتها إشارات مباشرة على الطريق المستقيم الذي ينبغي أن تبنى عليه الحياة الأسرية السعيدة، حيث سيادة منطق التسامح والتراحم والمودة والتعاون، الذي بمراعاته يستوفي كلٌّ حقَّه في غير ظلم ولا طمع، بل يقوم كلٌّ بواجباته تجاه الآخر في غير ملل ولا تقصير؛ لأن الزوجين قد تقاسما هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ بحلوها ومرها في تعاون لا يعرف الأنانية أو الكسل، ومودة لا تتخللها كراهية، فكل واحد منهما بمثابة السكن للآخر ومحل اطمئنان قلبه وواحة الراحة والهدوء التي يلجأ إليها؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

وهذا يؤكد ضرورة تهيئة الحياة الزوجية وإدارة كل أمورها بعيدًا عن مظاهر النفعية الجافة التي تقتضي قيام هذه العلاقة على أساس حَدِّي يؤدي الطرف الأول فيها واجباته تجاه الطرف الآخر بدقة وصرامة، وسبيل ذلك أن تكون وفق المعاملة بالفضل والإحسان والرحمة بينهما حتى تتلاشى في هذه العلاقة المقدسة مظاهر الأنانية وحب الذات، فضلًا عن عدم افتعال المعارك وأخذ الحقوق والتنصل من الواجبات.

ويضاف إلى ذلك المعالجة الحكيمة لما قد ينتج عن اختصاص أحد الزوجين من حقوق وأحكام -والذي هو من قبيل الفضل الوظيفي من شعور بالدونية عند البعض- فقد حثهما الشرع على ألا يتمنى أحدهما مميزات الآخر؛ كما في قوله: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32].

وفي ذلك كشف مهم عن أصل تفكك الأسر وتشرذمها؛ فإن تتبع الحقوق والواجبات اللازمة شرعًا على أحد الزوجين تجاه الآخر بطريقة تجعله دائمًا على صوابٍ والطرفَ الآخر على خطأٍ؛ يعتبر مدخلًا للضغط على الطرف الآخر، وهو تصرف غير رشيد وسلوك غير سديد.

وبذلك فإذا ما تحققت هذه السمات الجليلة لدى الزوجين في استيفاء الحقوق والواجبات والآداب المطلوبة من أحدهما تجاه الآخر ارتقت الحياة بينهما في سائر شئونها نحو السعادة والاستقرار.

***

 

حث الشرع الشريف الزوجين على الآداب الشرعيَّة والاجتماعية وغرسها في نفوس الأبناء؛ لتعويدهم على طهارة البدن والقلب وتزكية النفس والروح، والتمسك بشعار الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الناس عليها.


يُعَدُّ الرضا بين الزوجين من أقوى دعائم الحياة الأسرية السليمة؛ فهو يحتل أولوية في المبادئ الأسرية في مفهوم الزواج قبل أن يكون واقعًا، حيث يقتضي الاجتماعُ الحاصل بقيام الزوجية تحققَ التوافق والرضا بين الجانبين بالقدر الذي يدعم سعادتهما بل وشعور كل منهما بأنه قد وُفِّق في اختيار أنسب شريك لحياته.


جعل الله تعالى الزوج راعيًا ومؤتمنًا على أسرته عبر مراحل حياتهما، يرتاد لها الأحوال المرضية، ويهيئ لها الأجواء السعيدة بدنيًّا وفكريًّا ونفسيًّا، بما يعود عليها بالنفع والاستقرار والأمان والتكامل، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُم». متفقٌ عليه.


أحاط الشرع الشريف الأسرة بالعناية والرعاية والصيانة من المؤثرات المهددة لتثبيت بنيان هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ بكل وسائل الاستقامة والسلامة والاستقرار؛ فأرشد إلى أن الأصل في إنشاء رابطتها هو المودة والرحمة.


اعتنى الشرع الشريف بالأسرة عناية خاصة؛ لما تؤديه من وظائف أساسية تحافظ من خلالها على وجود النوع البشري واستمرار الحياة الإنسانية وفق ضوابط وأحكام ومقاصد شرعية تحفظ مراعاتها ديمومة الصلاح والخير والعمران، فهي نواة أصلية لهذه الحياة، وصورة مصغرة من مجتمعاتها التي بدونها تنقرض السلالة البشرية وتنتهي الحياة الإنسانية.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 يونيو 2025 م
الفجر
4 :11
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34