18 مايو 2022 م

الذمة المالية للزوجين

الذمة المالية للزوجين

أقر الشرع الشريف مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة باعتباره حقًّا لهما، وحثهما على الانطلاق منه في تفاصيل حياتهما الأسرية، كما أطلق حرية كلٍّ منهما في التصرف في ماله؛ فقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بمِاله مِن والدِه ووَلَدِه والناسِ أَجمَعِينَ» "سنن الدارقطني".

وفي هذا الحديث الشريف بيان أن للزوج ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجته، وأن للزوجة كذلك ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجها، وفي هذا ترسيخ للأصول المتينة التي ينبغي أن تُقام عليها أسس الحياة الأسرية السعيدة التي يحترم فيها كل طرفٍ الآخر وحريته في تصرفاته وكرامته واستقلال شخصيته عنه.

ونعني بـالذمة هنا الوعاء الاعتباري المقَدَّر وجوده لدى الإنسان الذي تستقر فيه الواجبات والحقوق جميعًا، سواء كانت حقًّا لله تعالى أو حقًّا للعباد، مالية أو غير مالية، كما قال الحطاب المالكي رحمه الله تعالى.

لقد بيَّن الشرع الشريف من خلال الأحكام الشرعيَّة المتعلقة بالعلاقة الزوجية أنه لا تأثير لعقد الزواج بنفسه على ذمتَي الزوجَين المالية بالاندماج الكُلِّيِّ أو الجُزئِيِّ، ومن ثَمَّ لا يحق لأحد الزوجين بموجب هذا العقد أن يتحكم أحدهما في تصرفات الآخر المالية أو يُقيِّد أهلية التملك والتصرف لديه، كما لا يثبت الشرع الشريف حقًّا ماليًّا لأحدهما على الآخر فوق ما ينتج عن العقد من آثارٍ؛ كمهر الزوجة والنفقة الواجبة لها ولأولاده منها، وما يجب على الزوج تجاه الزوجة في حال إذا ما حدث طلاق بينهما من نفقة العدة ونفقة الحضانة إن كانت حاضنة، وكذلك نفقة المتعة في بعض أحوال الطلاق، وكذلك ما يجب على الزوجة تجاه الزوج في حال الخلع إن طلبت هي الطلاق من غير أن يكون قد أضرَّ بها في شيء، بالإضافة إلى ما قد يُلزِمان به أنفسهما أو يتفقان عليه من حقوق أخرى.

ولا يخفى ما تحمله هذه المعاني الشرعيَّة السامية في طياتها من تأكيد على أن العلاقة الزوجية علاقة مشاركة بين الزوجين تقوم على التعاون بينهما من أجل قيادة هذه الحياة، وليست العلاقةُ علاقةَ تملك وسيطرة بحيث تصبح المرأة مجرد متاعٍ لزوجها يتصرف فيها وفق ما يرتضيه أو يستبيح لنفسه منها؛ فهذا ما حذَّر الله تعالى منه في قوله سبحانه: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: 20]، ويستثنى من ذلك ما كان عن طِيبِ خاطر منها؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4].

وفي هذا الجانب اهتم الشرع الشريف بترسيخ تعاون الزوجة تجاه زوجها؛ فحثها على المساندة والمساعدة في الجوانب المالية واحتياجات المعيشة للحياة الأسرية بجانب ما تقوم به من تدبير للبيت وسياسة شئونه، وما تقدمه في سبيل ذلك يعد لونًا من ألوان التضحية والعطاء تستقر به الأسرة، ويطلب منها ذلك على جهة طيب الخاطر وحسن الإيثار وابتغاء ثواب الله تعالى لها على ذلك؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم في حق زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما، والتي كانت تنفق على زوجها عبد الله وأيتام لها: «نعم، لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة» متفقٌ عليه.

وبذلك تتأسس معالم التعاون التي تكشف عن مظاهر الطريقة المثلى لبناء الأسرة التي يحترم كل طرف فيها حرية الآخر وأهليته المطلقة في التملك والتصرف واستقلالية شخصيته، فضلًا عما تكشف عنه من مظاهر إنصاف الشريعة الإسلامية للمرأة وإعلاء مكانتها وشأنها بعدما كانت مسلوبة الحقوق قبل الإسلام؛ حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وصف ذلك بقوله: "وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ" متفق عليه.

 

جعل الله تعالى على الزوجين واجبَ رعايةِ الأسرة واستقرار الحياة الزوجية بينهما؛ وذلك من خلال شعور كليهما بالمسئولية في الواجبات والآداب اللازمة تجاه بعضهما؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


(1) أهل الفضل: يسعد مركز الإرشاد الزواجي بدار الإفتاء المصرية، أن يقدم لحضراتكم سلسلة من المقالات التنويرية، بعنوان "حبل الوداد". وهي عبارة عن موضوعات منفصلة، ولكن يربطها خيط فكري واحد؛ هو الدعوة للحب، وضبط المشاعر، والتعامل الحاني بين الزوجين. بهدف تنمية الأسرة المصرية، وتحقيق الاستقرار الأسري، أملًا في الحصول على رفاهية الحياة. ونسأل الله تعالى أن يفتح لنا ولكم من خزائن فضله، ورحمته، وبركته، وعلمه، وتوفيقه- ما تطيب به الأنفس، وتقرُّ به الأعين، ويتحقق به النفع للجميع.


الغيرة المحمودة في أصلها من المطلوبات الشرعيَّة والفضائل الأخلاقية؛ حيث تبعث على إظهار كِلَا الزوجين المودةَ والحب والاهتمام للطرف الآخر استجابة إلى ما تدعو إليه طبيعة النفوس من حب اختصاصها بمحبوبها بصفة خالصة حتى لا يشاركها في ذلك غيرها.


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


اعتنى الشرع الشريف بالأسرة عناية خاصة؛ لما تؤديه من وظائف أساسية تحافظ من خلالها على وجود النوع البشري واستمرار الحياة الإنسانية وفق ضوابط وأحكام ومقاصد شرعية تحفظ مراعاتها ديمومة الصلاح والخير والعمران، فهي نواة أصلية لهذه الحياة، وصورة مصغرة من مجتمعاتها التي بدونها تنقرض السلالة البشرية وتنتهي الحياة الإنسانية.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 03 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :15
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 47
العشاء
9 :13