الثلاثاء 28 أكتوبر 2025م – 6 جُمادى الأولى 1447 هـ
18 مايو 2022 م

المصارحة بين الزوجين

المصارحة بين الزوجين

تزداد حاجة الزوجين في الحياة الأسرية إلى وجود الشفافية والمصارحة بينهما وصدق كُلِّ طرف منهما مع الآخر في سائر شئون هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وفقًا لما تقتضيه مسئولية كل واحد منهما في الأسرة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.

والشفافية في الحياة الزوجية تعني بوجه عام وضوح كل طرف للآخر في مختلف الأمور حتى يمكن التعرف على حقيقته بصورة واضحة لا لبس فيها ولا تدليس ولا خداع.

ولقد أكد الشرع الشريف على ضرورة وجود مبدأ الشفافية والمصارحة بين الزوجين عبر مراحل العلاقة الأسرية انطلاقًا من قيمة الصدق المفروضة على كل مسلم ومسلمة، ثم شرع أحكامًا في جزئيات النكاح تحقق هذا المقصد، منها مشروعية الخِطبة بينهما، وإتاحة النظر بين الخاطب والمخطوبة، بما يؤكد على العلم بخلو الرجل والمرأة من العيوب الظاهرة أو الصفات غير المرغوبة، أو قبول كل طرف للآخر على ما هو عليه في ظاهره؛ كما ورد في نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرتَ إليها؟» قال: لا. قال: «فَاذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» "صحيح مسلم" (1424).

كما حثَّ الرجل والمرأة عند الخِطبة ووقت التعارف على مصارحة كل منهما الآخر وعدم التدليس عليه والتغرير به بترك التصنع والتظاهر بالديانة والتقوى أو الصلاح والجمال أو بطهارة النسب ورفعته أو بالغنى والمقدرة المالية أو بشرف المهنة والحِرفة، للتأكد من حصول الملائمة والقبول التام بينهما قبل الشروع في عقد النكاح، وما يليه من تكاليف وحقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين؛ رفعًا للضرر الجسيم الذي قد يترتب على الخداع والتدليس وإخفاء ما يمكن أن يترتب عليه بعد ذلك نزاعٌ ونفرة بين الطرفين.

ثمَّ رتب الشرع آثارًا وأحكامًا إذا لم تحصل الشفافية والمصارحة بين الزوجين في أمورهما، مثل ما إذا حدث كتمان للعيوب التي لا يتحقق بسببها مقصود العقد، على خلاف بين الفقهاء فيما يعتبر عيبًا يجيز الفسخ وما لا يعتبر.

والمذهب الحنفي -وهو ما عليه العمل في القضاء في الديار المصرية- يقصر حق طلب التفريق على الزوجة فقط إذا وجدت بزوجها عيبًا مستحكمًا تتضرر منه ولا يمكن الشفاء منه أو يمكن بعد زمن طويل، وسواء أكان ذلك العيب موجودًا بالزوج قبل العقد ولم تعلم به عند إنشائه، أم حدث بعد العقد ولم ترض به، أما بالنسبة للزوج فليس له الحق في طلب التفريق بسبب العيب الموجود بالزوجة مطلقًا، حتى ولو كان العيب مستحكمًا ويمنع مقصود العقد، وحتى لو شرط الزوج في العقد عدم وجود العيب بالزوجة ثم اكتشف وجوده بعد النكاح، وذلك لكون الزوج متمكنًا مِن رفع هذا الضرر بالطلاق، بخلاف المرأة؛ فإنَّه لا يمكنها رفعه إلَّا عن طريق رفع أمرها إلى القضاء وذلك بإثبات خيار العيب لها.

وبهذه المعاني تتأكد أهمية وجود الشفافية والمصارحة في العلاقة الزوجية في سائر الأمور خاصة التي تتداخل وتتقاطع مع مبادئها وإجراءاتها؛ وذلك باعتبارها من أهم العوامل لضمان نجاح واستقرار هذه العلاقة، فبدونها تُبنى الحواجز التي تساعد على قطع هذه الرابطة شيئًا فشيئًا وهو ما ينافي حقيقة تقاسم الزوجين هذه الحياة بحلوها ومرها في تعاون لا يعرف الأنانية، ومودة لا يتخللها كراهية، ومصارحة ليس فيها تدليس أو تغرير؛ فكل واحد منهما بمثابة السكن للآخر ومحل اطمئنان قلبه؛ كما في قولِه تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

****

هيأ الشرع الشريف ودعا إلى إيجاد الأجواء الصحيحة بين أفراد الأسرة من خلال دعم اتصالها الاجتماعي والعاطفي عبر ضرورة إقامة العلاقات الإيجابية مع الأقارب التي تمثل الإطار الاجتماعي لها، وإلا كان إطارًا منتجًا للتحديات والمشكلات الأسرية.


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


باتت زيادة معدلات الطلاق في الآونة الأخيرة معضلة كبيرة تؤرق المجتمعات وتهدد أمنها القومي واستقرارها، وهي باعتبارها ظاهرة من الظواهر الاجتماعية التي تتأثر وبصورة مباشرة بوسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة (الفيس بوك والواتس آب) التي تتسع دائرة انتشارها بشكل كبير بين مختلف الطبقات والأعمار والمناطق في مصر بواقع أكثر من 38 مليون شخص، منهم 14 مليونًا من الإناث، و24 مليونًا من الذكور (وفق آخر إحصاء).


تحتل قضية تجديد الخطاب الديني الأولوية في معالجة الحالة الدينية في الأمة في عصرها الحاضر حتى تعود إلى سيرتها الأولي، انطلاقًا من سنة الله تعالى الجارية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» "سنن أبي داود" (ص: 291).


حث الشرع الشريف الزوجين على الآداب الشرعيَّة والاجتماعية وغرسها في نفوس الأبناء؛ لتعويدهم على طهارة البدن والقلب وتزكية النفس والروح، والتمسك بشعار الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الناس عليها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :38
الشروق
7 :6
الظهر
12 : 39
العصر
3:47
المغرب
6 : 11
العشاء
7 :29