الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
11 مايو 2022 م

تنظيم الأسرة.. تنظيم النسل وقضية الرزق

تنظيم الأسرة.. تنظيم النسل وقضية الرزق

يتناول بعض الباحثين قضية تنظيم النسل بصورة معكوسة؛ حيث يتوهم أنها تتعارض مع قضية الرزق، مع استشهادٍ ببعض النصوص الشرعيَّة المحرِّمة لقتل الأولاد من أجل الفقر والعجز عن الاكتساب؛ كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].

وهو فهم مغلوط؛ لأن الغرض من وسائل تنظيم النسل المتنوعة هو منع تكوين الجنين أصلًا؛ فالجنين لا يتكون إذا ما تم استخدام وسيلة تنظيم النسل، وكل ذلك من قدر الله تعالى؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في شأن العزل –وهو من وسائل تنظيم النسل-: «مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ» "متفقٌ عليه".

نعم، إن الرزق شامل لجميع خلق الله تعالى ولا يأخذ أحدٌ رزق غيره؛ لأن الله تعالى قد بثَّ الأرزاق وقدَّرها للخلق جميعًا بعلمه المحيط بهم، ومع ذلك سهَّل على كل مخلوق الوصول إليها وحثَّ على اكتسابها من خلال الحركة وبذل الجهد والسعي والعلم والعمل؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [تبارك: 15].

ولا شك أن كثرة الأولاد تتطلب مجهودًا أكبر في التربية والمتابعة مع تحمل الأعباء المالية المناسبة لمثلهم في أسرتهم ومجتمعاتهم، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ في دعائه من "جهد البلاء"، وهو قلة المال وكثرة العيال كما فسره ابن عمر رضي الله عنهما، كذلك ورد في مأثورات الصحابة والتابعين رضي الله عنهم التحذير من كثرة العيال خاصة في حالة عدم توفر المال وضيق الأرزاق؛ فقد ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه في بعض خطبه في أهل مصر: "يا معشر الناس، إياي وخِلَالًا أربعًا، فإنهن يدعون إلى النَّصَب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العزة: إياك وكثرة العيال، وإخفاض الحال، والتضييع للمال، والقيل بعد القال، في غير درك ولا نوال" "شرح مشكل الآثار".

وهي معاني مجتمعة تكشف الخلل الحاصل لدى البعض في محاولاتهم التركيز على إظهار أن الإسلام يدعو إلى كثرة النسل وزيادة الذرية؛ لأنها تؤكد على أن المراد هو وجود الذرية الصالحة والولد الطيب بطريقة مناسبة لاستطاعة الوالدين وقدرة المجتمع والدولة على تلبية الاحتياجات المطلوبة، ومن ثَمَّ فإذا أدت كثرة الإنجاب إلى زيادة الأعباء وفقدان القدرة والاستطاعة على تلبية ذلك فإنها تدخل ضمن المنهيات الشرعية؛ حيث يقول تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].

بل العكس في هذه الحالات وفي ظل الظروف والتحديات الراهنة التي تواجه الفرد والمجتمع والدولة هو الصحيح؛ فقد ورد في الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْعَيْشِ، وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ، وَقِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ» "مسند القضاعي"، وقيل لحكيم بن حزام: ما المال يا أبا خالد؟ فقال: "قلة العيال" "مستدرك الحاكم على الصحيحين".

فلا تعارض بين تنظيم النسل مع قضية الرزق، فالعلاقة بينهما مطردة لا عكسية؛ فإن الله تعالى قد أمر بالمحافظة على المال والرزق بعدم إضاعته فيما لا يفيد الإنسان أو مجتمعه، أو يكون وسيلة لإجهاد نفسه أو التسبب بإحداث ما فيه ضرر وتحمل ما هو فوق الطاقة والمقدرة.

ولهذا أمر الشرع بالاكتساب والعمل بأنواعه ومجالاته المتعددة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، وتضمن له ولوطنه الكرامة والعزة، بما يعود على أولادنا الذين هم أمانة غالية في أعناقنا ما يغنيهم ويسترهم ويلبي متطلباتهم، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» "متفقٌ عليه".

****

 الجمعة 10 جمادى الأولى 1442هـ، الموافق 25 ديسمبر 2020م

 

الغيرة المحمودة في أصلها من المطلوبات الشرعيَّة والفضائل الأخلاقية؛ حيث تبعث على إظهار كِلَا الزوجين المودةَ والحب والاهتمام للطرف الآخر استجابة إلى ما تدعو إليه طبيعة النفوس من حب اختصاصها بمحبوبها بصفة خالصة حتى لا يشاركها في ذلك غيرها.


امتن الله تعالى على الأمة الإنسانية باتصال حلقاتها وارتباط أفرادها بعضهم ببعض؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1]، بل وحذَّر من قطع هذه الرحم، وجعل ذلك من الكبائر؛ كما في قولِه تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22-23].


جعل الله تعالى الزوج راعيًا ومؤتمنًا على أسرته عبر مراحل حياتهما، يرتاد لها الأحوال المرضية، ويهيئ لها الأجواء السعيدة بدنيًّا وفكريًّا ونفسيًّا، بما يعود عليها بالنفع والاستقرار والأمان والتكامل، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُم». متفقٌ عليه.


تزداد حاجة الزوجين في الحياة الأسرية إلى وجود الشفافية والمصارحة بينهما وصدق كُلِّ طرف منهما مع الآخر في سائر شئون هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وفقًا لما تقتضيه مسئولية كل واحد منهما في الأسرة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20