27 مايو 2019 م

خلق الحياء وآفاقه عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

خلق الحياء وآفاقه عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

لِخُلُقِ الحياء عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آفاق ومعاني لا تَخْلَق عن كثرة المواقف التي تكشف عن مدى عمق هذا الخلق في كيان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فمما قاله واصفوه فيما رواه الثقات من الرواة بالسند إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ" متفق عليه.

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟" رواه أبو داود.

وفي إجمال ما يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان من حيائه لا يثبت بصره في وجه أحد، وأنه كان يكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره.

ويتجلى لنا حياء الرسول صلوات ربي وسلامه عليه في رحلة الإسراء عندما عُرج به إلى السماء وفُرضت الصلاة، فطلب منه سيدنا موسى عليه السلام أن يسأل الله التخفيف في الصلاة أكثر من مرة -والحديث طويل رواه أبو ذر رضي الله عنه-، فما كان من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن قال: «اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي» رواه البخاري.

أما عن حيائه من البشر: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنَّ امرأةً أتتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، فسأَلَته عن غُسلِ الحيضِ؟ فأمَرها أنْ تغتسلَ بماءٍ وسِدْرٍ، وتأخُذَ فِرْصَةً فتوضَّأَ بها وتَطَهَّرَ بها، قالت: كيف أتطهَّرُ بها؟ قال: «تطهَّري بها»، قالت: كيف أتطهَّرُ بها؟ فاستَتَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم بيدِه وقال: «سُبْحَانَ اللهِ، اطَّهَّرِي بِهَا»، قالت عائشةُ رضي الله عنها: فاجتذَبْتُ المرأةَ وقُلْتُ: تتبَّعينَ بها أثرَ الدَّمِ. رواه ابن حبان.

ومِن صور حيائه صلى الله عليه وآله وسلم عدم الطلب بخروج المدعويين إلى وليمة زواجه بعد انتهائهم من الطعام، حتى أنزل الله في ذلك وحيًا؛ فقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بُنِيَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بزينب ابنة جحش رضي الله عنها بخبز ولحم، فأُرْسِلتُ على الطَّعام داعيًا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثمَّ يجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، فقلت: يا رسول الله، ما أجد أحدًا أدعوه؛ قال: «ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ»، وبقي ثلاثة رهط يتحدَّثون في البيت؛ فخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، فقال: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ»، قالت: وعليك السَّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ بارك الله لك، فَتَقَرَّى حُجَرَ نسائه كلِّهنَّ، يقول لهنَّ كما يقول لعائشة رضي الله عنها، ويقلن له كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها، ثمَّ رجع النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدَّثون، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شديد الحَيَاء، فخرج منطلقًا نحو حُجْرة عائشة، فما أدري أخبرته أم أُخْبِر أنَّ القوم خرجوا، فرجع، حتى إذا وضع رجله في أُسكفَّة الباب داخله والأخرى خارجة، أرخى السِّتر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب. رواه البخاري.

والحقيقة أن دلائل ومظاهر الحياء في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحصيها العاد ولا يتسع مقام لذكرها جميعًا. فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

المراجع:

- "المفهم شرح صحيح مسلم" لأبي العباس القرطبي.

- "الفتح المبين بشرح الأربعين" لابن حجر الهيتمي.

بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستجيب لأمر الله بدعوة الخلق إلى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام، ولكنه كان في بداية الأمر يستر أمر النبوة ويدعو إلى الإسلام في السر؛ حذرًا من وقع المفاجأة على قريش التي كانت متعصبةً لشركها، ووثنيتها، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يظهر الدعوة في المجالس العمومية لقريش، ولم يكن يدعو إلا من كانت تشده إليه قرابةٌ أو معرفةٌ سابقة. ولقد استمر الأمر هكذا لمدة ثلاث سنين، وكان أبو بكر رضي الله عنه، أيضًا يدعو مَن يثق به من قومه.


كان التحدث بأمر النبوة والدعوة إلى الإسلام في بَدءِ أمرِه يتمُّ في إطارٍ محدودٍ، حتى لا يقاومَها الأعداءُ وهي لم تزلْ في مهدِها، ثمَّ تغيَّر الحالُ بعدَ ثلاثة أعوامٍ مِن بَدء الوحي، حينما نزل قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: 94]؛


لطالما وفدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ضمن هؤلاء الوفود الذين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام وفد من النصارى؛ حكى حكايتهم ابن إسحاق حينما ذكرهم قائلًا: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشرون رجلًا، أو قريبًا من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلَّموه وسألوه، ورجالٌ من قريشٍ في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به، وصدَّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.


كان أول من آمن بالله وصدق صديقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصديقية؛ قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: «خشيت على نفسي»، فقالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدا.


كانت الإنسانية قبل مبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة من التيه والتخبط؛ فعند التأمل تجد العالم في هذه الأثناء ممزقة أوصاله متفرقة أواصره، ولتزداد الصورة وضوحًا سنلقي شيئًا من الضوء على أحوال الأمم إذ ذاك.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 يوليو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :3
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :29