الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
06 فبراير 2019 م

حسن المجالسة

حسن المجالسة

مجالسة الناس أمر مباح في الإسلام إذا تحلت بالآداب الشرعية والأخلاق المرعية، وقد تكون مندوبة إذا قُصد بها تحصيل خير ندبه الشرع، وقد تصل إلى الوجوب إذا توقف عليها تحصيل واجب شرعي من جلب مصلحة أو دفع مفسدة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينعزل عن أصحابه، ولم ينعزل عن مجتمعه، بل إنك لو راجعت سيرته العطرة صلى الله عليه وآله وسلم تجد أنفاسه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم في كل حدث تفوح بين الناس بدلائل الخيرات.
وكذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالعزلة والانفراد، وإنما كان مجلسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجلسهم، فلما انتقل لم ينعزلوا، بل ظلت مجالسهم عامرة بذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يَغْمُر أرواحَهم قولُ الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ﴾ [الحجرات: 7]، وما زالت الروايات الصحيحة تحدثنا بمجالسهم الطيبة.
وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» والمخالطة هنا هي المساكنة والمعاملة. والحديث كما قال العلماء يدل على أن المخالط الصابر خير من المعتزل.
ولا يعني هذا ذم العزلة مطلقا، بل إن العزلة يختلف حكمها باختلاف الحال، ولكل حال مقال، حتى قال الإمام أبو حامد الغزالي: "إياك أن تحكم مطلقا على العزلة أو الخلطة بأن إحداهما أولى؛ إذ كل مفصل، فإطلاق القول فيه بـ(لا) أو (نعم) خُلْفٌ من القول محض".
وحسن المجالسة من أخلاق الإسلام التي يجب أن تتزين بها المجالس ويتحلى بها الجالسون، فيُحْسِنُ كلُّ مسلم مجالسةَ أخيه.
ومن مظاهر حُسْن المجالسة اختيار الجليس الصالح الذي يُذَكِّرُ إخوانه دائما بالله تعالى، ويكون عونا لهم على الخيرات، ومعينا على ترك المنكرات، وقد روى الإمام البخاري رضي الله عنه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».
والحديث يبين أن المجالس لا تَحْسُنُ إلا بمجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، وأنها تتلوث بمجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
وقد روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أي جلسائنا خير؟ قال: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ». وهو وإن كان في إسناده مقال إلا أنه يعمل به في الفضائل.
ومن مظاهر حسن المجالسة حفظ السر، فإن المجالس بالأمانة، وحفظ السر عموما من الأخلاق الأساسية في الإسلام، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والإمام الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ حَدَّثَ فِي مَجْلِسٍ بِحَدِيثٍ، فَالْتَفَتَ، فَهِيَ أَمَانَةٌ». أَيْ أمانةٌ يستوجب على جلسائه أن يحفظوها ولا ينشروها إن كانت مما يستوجب الكتمان، أو قامت القرينة على رغبة صاحبها في ذلك، ولم يكن أمرا يستوجب التحذير أو الإعلان مع مراعاة خلق الستر وضوابط الأمر بالمعروف والنهي المنكر.
ومن مظاهر حسن المجالسة ألا يُقيم المسلمُ أخاه الذي سبق إلى مكان ويجلس محله، فإن ذلك يؤدي إلى البغضاء وضيق الصدر بين الإخوان مع ما فيه من تعال وكبر، وقد أخرج الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» وعند الإمام البخاري بزيادة «وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا».
وهذا في المجالس المباحة على العموم كالمساجد ومجالس العلم أو على الخصوص كما في الولائم الخاصة وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها. والحكمة في هذا النهي منعُ استنقاص حق المسلم والحثُّ على التواضع منعا للبغضاء ونشرا للمحبة.
ولهذا مستثنيات، منها ما ذكره السادة الشافعية من أن الرجل إذا اعتاد في المسجد مثلا موضعا يُفتي فيه أو يقرأ قرآنا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه.
ومن مظاهر حسن المجالسة الاحتفاء بمريدي المجلس بالتوسيع لهم، فمما يُروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "مِمَّا يُصَفِّي لَكَ وُدَّ أَخِيكَ.. أَنْ تُوَسِّعَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ".
وأصل استحباب التوسيع في المجلس مأخوذ من قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾ [المجادلة: 11]، فهذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بالتعاطف والتآلف الذي يظهر في إفساح المجالس لإخوانهم؛ ولا يخفى ما في إفساح المجالس من تربية للنفوس على سعة الصدر وحب الخير للآخرين.
المراجع:
1. "إحياء علوم الدين" للإمام أبي حامد الغزالي.
2. "أدب المجالسة وحمد اللسان" لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي.
3. تفسير الإمام القرطبي "الجامع لأحكام القرآن".
4. "سبل السلام" للإمام الصنعاني.
5. "سنن الإمام ابن ماجه مع حاشية السندي".
6. "سنن الإمام الترمذي".
7. "شرح الإمام النووي على صحيح الإمام مسلم".
8. "صحيح الإمام البخاري".
9. "فتح الباري" للحافظ ابن حجر.
10. "مسند الإمام أحمد".
 

يعد الكرم من الأخلاق الحميدة التي تؤلف بين القلوب، وتوثق عُرَى المجتمع، وتخلصه من الضغائن والأحقاد، ولقد حث الإسلام على هذا الخلق العظيم، وضرب المسلمون عبر العصور أمثلة رائعة في تطبيق هذا الخلق السامي.


جعل الإسلام من تحمل المسئولية أساسًا لبناء المجتمع الراشد، وفي سياق ذلك لم يفرق ‏بين المسئولية الخاصة والمسئولية العامة من حيث الإلزام بالقيام بمتطلبات هذا التحمل، ‏وكذلك لم يفرق بين المسئولية الفردية والمسئولية الجماعية، فكل فرد ملزم بالقيام بما وكل إليه ‏على الوجه المرضي الذي يقبله العقل والشرع.‏


الإسلام دين الحب، والحب منبع الرحمة، والرحمة مفتاح كل خلق محمود عرفته الإنسانية، وقد تكرر ذكر لفظ الحب ومشتقاته في القرآن الكريم فيما يزيد على ثمانين موضعًا جاء في أكثرها مسندًا إلى الله عز وجل نفيًا وإثباتًا.


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام . والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز


علمنا أن الإسلام شدد على تحمل المسئولية باعتبارها أساسًا لاستقرار المجتمعات وحماية الأفراد وحفظ الحقوق. وفي سياق ذلك يجب ملاحظة أن الإسلام نفسه هو المسئولية الكبرى التي تفرعت عنها سائر الواجبات التي يتحملها المسلم في حياته، ولا يكون تحمل هذه المسئولية إلا بالاستسلام والخضوع لرب العالمين سبحانه وتعالى.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20