05 فبراير 2019 م

وجوب الوجود للواحد المعبود

وجوب الوجود للواحد المعبود

 عقيدتُنا أن الله سبحانه وتعالى موجودٌ وجودًا أزليًّا لا أول له ولا بداية، فلم يسبق وجوده عدم، ولم يخلُ لحظةً عن الوجود.. فهو سبحانه الإله الواحد المعبود بحق، واجب الوجود الذي لا يجوز عليه العدم أزلًا ولا يجوز عليه العدم أبدًا.
كيف يقبل الإلهُ العدمَ وقد ثبت أن كل شيء في هذا العالم محتاجٌ مفتقِرٌ إلى الله تعالى واجب الوجود، الذي بيده الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة، وبيده مقاليد كل شيء.
كيف يقبل العدمَ وكلُّ شيء في هذا العالم -من مخلوقات يستحيل عدُّها لكثرتها ولا تنقضي عجائب ما فيها من إبداع ونظام وتناسق- يُرشدُ العقلَ السليمَ والقلبَ الواعيَ إلى وجوب وجوده، فقد ثبت لكل عاقل أن العالم كله صنعة الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فالخالق الحكيم وهو الله رب العالمين يستحيل أن يكون عدمًا أو يسبقه عدم أو يلحقه عدم. فهو واجب الوجود.
إن كل عاقل يُسلّمُ بأنَّ الذي يقبل العدم يكون دائمًا مفتقرًا إلى غيره، محتاجًا إلى مَنْ يخرجه من العدم إلى الوجود، ومن الوجود إلى العدم، محتاجًا إلى من يحفظ له الوجود حال وجوده حتى لا ينعدم، فهو في جميع أحواله محتاج مفتقر، وهذا شيء لا يجوز على الله الذي خلق كل شيء وأوجده، فهو سبحانه لا يفتقر إلى شيء، إذ لو جاز عليه العدم لكان محتاجًا إلى من يُوجده، وهذا شيء باطل لا يُسلم العقل بنتائجه، ولا يليق بمقام الألوهية الذي يجب له القدرة والغنى المطلق، فمن الخطأ المنهجي أن يبحث العقل عن مُوجد لله فيبحث عن علة لوجود الله؛ لأن الذي يطمئن إليه العقلاء أن مُسَبِّب العالم خارج عن حقيقة العالم، مُخالف له، لا تسري عليه القوانين التي تحكم العالم، فإذا سلَّم العقل أنه رب العالمين فلْيُسَلِّم ضرورةً أنه واجب الوجود.
ولهذا جاء القرآن مؤكدًا على أن الله خالق كل شيء، قال تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد: 16]، ﴿اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [غافر: 62]، وهي إشارة لكل عاقل؛ حاصلها أن الذي قدر على الخلق وكان منه الإيجاد والإعدام لا يكون حادثًا مخلوقًا، ولا يجوز عليه العدم؛ لأن الذي يقبل العدم لا يمكنه أن يُوجِد شيئًا أو يُعدِم آخر، فهو عاجز فيما يتعلق بشئون نفسه، ومن باب أولى عاجز فيما يتعلق بشئون غيره؛ لأنه دومًا مفتقرٌ إلى غيره. فلا يصح أن يكون خالقًا للعالم البديع الإتقان.
وقد أشار القرآن في إخباره عن الله عز وجل أنه: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾ [الحديد: 3] الذي لم يسبقه عدم، وهو ﴿الْآخِرُ﴾ [الحديد: 3] الذي لا يلحقه عدم. وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرحًا يغني عن قول كل قائل؛ فقال في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ؛ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ؛ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ..» فلا بداية لوجوده ولا افتتاح، ولا نهاية لوجوده ولا اختتام؛ فلا يقبل سبحانه العدم أزلًا، ولا يقبل العدم أبدًا.
والفرق بين وجود العالم ووجود الله تعالى؛ أن وجود كل شيء في الكون مسبوقٌ بالعدم، ومستمدٌّ من الله تعالى، فكل شيءٍ أثرٌ لإرادة الله وقدرته، ومفتقِرٌ في وجوده إلى إيجاد الله تعالى له، وأما وجود الله فهو وجودٌ ذاتيٌّ ليس مستمدًّا من شيء ولا أثرًا لشيء، بل هو وجودٌ كاملٌ مطلقٌ لا مثل له ولا نظير: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 17].

المراجع:
• "تحفة المريد" لشيخ الإسلام الباجوري.
• "كفاية العوام في علم الكلام" للشيخ الفضالي مع "تحقيق المقام" للشيخ الباجوري.
• "صحيح الإمام مسلم" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.

البقاء من صفات الجلال والعظمة التي يجب على المسلم أن يعتقد اتصاف الله تعالى بها، ومعنى البقاء في حق الله تعالى أنه لا آخر لوجودِه ولا نهاية ولا اختتام، فلا يتصور في جانب المولى عز وجل انتهاء أو فناء أو انقطاع عن الوجود، بل هو سبحانه باقٍ بقاءً لا يلحقه عدم.


الإيمان في عقيدتنا واجب على كل إنسان بالغ عاقل، ذكرًا كان أو أنثى، عربيًّا أو غير عربي، مادام قد عرف دعوة الإسلام معرفة صحيحة من أي طريق.


إن كل شيء في الكون يهدي إلى الله تعالى، ولو أن الإنسان تُرك وفطرته التي يولد بها لاهتدى إلى الحق من أقرب طريق. وقد ميز الله تعالى النوع الإنساني بالعقل المفكر والنفس الملهمة التي هي الفطرة السليمة. وإن العقل الواعي مع الفطرة السليمة عند عدم العوائق لديهما القدرة على الوصول إلى الله تعالى والتسليم له والإيمان به.


إذا تأمل الإنسان في أطوار حياته عبر العصور، وما صاحب التقدم الزماني من عوامل تغير شملت مناحي حياة الإنسان، فإنه سيلاحظ أن ما يسخر له في الكون في كل مرحلة إنما يلائم احتياجات عصره ويوافقها، وسيعلم أن كل شيء بقدر، وإلا فلينظر إلى منتجات هذا العصر، ويبحث عنها نفسها في القرون الماضية، ويقارن مدى احتياج الناس إليها في كل زمان؛ ليعلم أنها لم تظهر إلا عندما احتيج إليها.


تساءل الفيزيائي السويسري الشهير تشارلز يوجين جاي (1866-1942م): هل من الممكن أن تصنع الصدفةُ الكائنات الحية؟ وما نسبة الخطأ في احتمالات هذه العملية الكبيرة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 مايو 2025 م
الفجر
4 :23
الشروق
6 :2
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 41
العشاء
9 :9