05 أغسطس 2018 م

"الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ"

"الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ"

 عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» متفق عليه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ».
يتضمن هذا الحديث حكمَين يتناغم أحدهما مع الآخر:
- الحكم الأول: حرمة اليمين الكاذبة من أجل إنفاق السلعة مطلقًا، وقد ورد هذا مبيَّنًا فِي روايةِ أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ: «الْيَمِيْنُ الْكَاذِبَة».
- الحكم الثاني: كراهة الإكثار من الحلف مطلقًا ولو كان صادقًا؛ يقول الإمام السنديّ: يمكن إبقاؤه عَلَى إطلاقه -أي بحيث يشمل الكاذب والصادق-؛ لأن الصادق لترويج أمر الدنيا، وتحصيله يتضمّن ذكر الله تعالى للدنيا، وهو لا يخلو عن كراهةٍ مَا، بخلاف يمين المدّعَى عليه؛ فإنَّها لإزالة التهمة، فلا كراهة فيها إذا كانت صادقة.
ويقول الإمام الدهلوي في "حجة الله البالغة": يكره إكثار الْحلف فِي البيع؛ لشيئين:
1- كَونه مَظَنَّة لتغرير المتعاملين.
2- وَكَونه سَببًا لزوَال تَعْظِيم اسْم الله من الْقلب.
وَالْحلف الْكَاذِب مُنَفِّقَةٌ للسلعة؛ لِأَن مبْنى النَّفَاق فِي تَدْلِيس المُشْتَرِي، ومُمْحِقَةٌ للبركة؛ لِأَن مبْنى الْبركَة على توجه دُعَاء الْمَلَائِكَة إِلَيْهِ، وَقد تَبَاعَدت بالمعصية، بل دعت عَلَيْهِ".
بناءً على ذلك: فالحرمة شيء عارض مرتبط بالكذب، ولَا يلْزم من الْحُرْمَة العَرَضيَّة خُرُوج الْإِكْثَار عَن حكمه، وَهُوَ الْكَرَاهَة من حَيْثُ هُوَ إكثار كَمَا تقرر، والسرُّ في ذلك -والله أعلم- أن الإِكثارَ من الحلف يمكن أن يؤدي إلى الوقوع في اليمين الكاذبة؛ فيكون قد وقع في المحظور قطعًا.
ونظيره قولهُم: يسن للصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة؛ أي: أنَّ إمساكَه عن ذلك من حيث إنه صوم سنة وإن كان في ذاته واجبًا.
وكما جاء في الحديث، فإنَّ ارتكابَ هذه المخالفات رغم أنها قد تؤدي إلى نَفَاقِ السلعة إلا أنَّها في المقابل تؤدي إلى عواقب مضرَّة ومهلكة، على رأسها ذهاب البركة؛ فهي ذات نَفَاقٍ، وذات مَحْقٍ.
ومعنى تمحقُ البركة: أي تُذهبها، وَقَدْ تُذهب رأس المال والربح؛ كما قَالَ الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]، وَقَدْ يتعدّى المحق إلى الحالف، فيُعاقب بإهلاكه، وبتوالي المصائب عليه، وَقَدْ يتعدّى ذلك إلى خراب بيته وبلده؛ كما رُويَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «الْيَمِيْنُ الْفَاجِرَة تَذَرُ الْدِّيَارَ بَلَاقِعَ»، أي: خالية منْ سُكَّانِها إذا توافقوا عَلَى التجرّؤ عَلَى الأيمان الفاجرة.
وأما محقُ الحسناتِ فِي الآخرة، فلابُدَّ منه لمن لم يَتُبْ، وسبب هَذَا كلِّه أنَّ اليمينَ الكاذِبَة يمين غَمُوس، يؤكل بها مال المسلم بالباطل. اهـ "المفهم" (4/ 522-523).
فالحلِفُ مظنَّة لرواج السلعة فِي الحال، لكنه مزيل لبركتها فِي المآل، بأن يسلط الله تعالى عليه وجوهًا منْ أسباب التَّلفِ، إما سرقة، أو حرقًا، أو غرقًا، أو غصبًا، أو نهبًا، أو عوارض أخرى يتلف بها مما شاء الله تعالى، فيكون كسبه، وجمعه مجرَّد تعبٍ، وكدٍّ، وهو عقابٌ من الله تعالى، مع ما ينتظره مِن العذاب الأليم فِي الآخرة، إن لم يتُبْ؛ كما قَالَ عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 55].
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التُّكلان.
المصادر:
- "المفهم في شرح صحيح مسلم" للإمام القرطبي.
- "حجة الله البالغة" للإمام الدهلوي.
- "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" للإمام ابن علان.
- "الفتاوى الحديثية" للإمام ابن حجر الهيتمي.
- "سنن النسائي بحاشية السِّندي".

قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري، وأخرجه مسلمٌ من طريق هشام بن عروة رضي الله عنه عن أبيه بلفظ: «لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا قَصَّ اللهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ». ومن طريق يزيد بن حصيفة عن عروة رضي الله عنه بلفظ: «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتَّى الشَّوْكَةِ، إِلَّا قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفِّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّتُهُمَا قَالَ عُرْوَةُ.


عن أبي الحوراء السعدي قال: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه الترمذي. هذا الحديث الشريف الذي بين يدينا في هذه الأسطر القليلة، يمثل أحد تجليات الرؤية النبوية لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم من صفاء نفسي وثقة كبيرة بما يقوم به، واقتناع بتصرفاته وسائر أعماله. في


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» متفق عليه.


عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَوْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ رضي الله عنه وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا؛ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، فَسَوَّيْتُمِ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ:


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 21 يوليو 2025 م
الفجر
4 :26
الشروق
6 :7
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 55
العشاء
9 :25