17 يوليو 2018 م

فَضلُ الْأَمَانَةِ

فَضلُ الْأَمَانَةِ

 عَن أنسٍ رَضِي الله عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» رواه أحمد.
هناك معنيان للإيمان:
- المعنى الأول: الإيمان المتطابق مع الإسلام أو الإيمان المعبَّر به بمسمى الإسلام.
- المعنى الثاني: الإيمان الذي يتفوَّق في درجته ورتبته ومرحلته على الإسلام.
وقد جاء أنَّ الإيمان إيمانان؛ فقد قال الإمام الحسن البصري لمن سأله عن الإيمان: "الْإِيمَانُ إِيمَانَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: 2] قَرَأَ إِلَى قَولِه تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: 4]؛ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا".
والمقصود هنا: المعنى الثاني فلا يصل إلى درجة الإيمان -التي هي الطابق الأعلى بالنسبة للإسلام- من لا أمانة له؛ فالأمانةُ متقدِّمةٌ على الإيمان، وينبغي أن يقدَّم عليه الحياء أيضًا، إلا أنه لما عُدّت توابعُ الإيمان مع الإيمان، جُعِلَ شعبةً منه في الحديث؛ وكالجزء في التعبير فقط، ولعلَّ الأمرَ كما قلنا، والله تعالى أعلم.
فالْإِيمَانُ عُشُّ الْأَمَانَة، وَالْأَمَانَةُ فِي جَوْفه؛ كالفَرْخِ الَّذِي يتفقأُ عَن الْبَيْضَة، ووكَّلَ الْعباد بتربيتها، كَمَا يُربي الطير فرخَه فِي عشه ويزقه وَيَغْدُو فِي طلب تَرْبِيَته حَتَّى ينْقل إِلَيْهِ من أقطار الأرضيين، ويكتنفه ويذب عَنهُ وَيُقَاتل من يرومه فِي عشه، تحنُّنَا عَلَيْهِ وشفقةً وصيانةً حَتَّى ينْبت لَهُ جنَاح ويطير مَعَه؛ فَكَذَا الْمُؤمنُ مُوَكَّلٌ بِحِفْظِ الْأَمَانَة، وَقد قبلهَا مَعَ قبُول الْإِيمَان وَلم يتم لَهُ الْإِيمَان إِلَّا بِقبُول الْأَمَانَة.
ولقد عظَّم الله سبحانه وتعالى أَمْرَ الْأَمَانَةِ التي قبلها الإنسان تَعْظِيمًا بَلِيغًا، وَأَكَّدَهُ تَأْكِيدًا شَدِيدًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ﴾ أَيْ آدَم صَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا﴾ [الأحزاب: 72] أَيْ: لِنَفْسِهِ بِقَبُولِهِ تِلْكَ التَّكْلِيفَاتِ الشَّاقَّةِ جِدًّا ﴿جَهُوُلًا﴾ [الأحزاب: 72] أَيْ: بِمَشَقَّتِهَا الَّتِي لَا تَتَنَاهَى.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 8]، وَقَالَ تعالى: ﴿وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ﴾ [الْأَنْفَالِ: 27]
ومن ذلك: الحديث الذي بين أَيْدِينَا، وفيه: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ».
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: "ثَلَاثَةٌ يُؤَدَّيْنَ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ: الْأَمَانَةُ وَالْعَهْدُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ.
والأمانةُ أعمُّ من العَهدِ؛ إذ كل عهدٍ فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد، وقد يكون هناك أمانة فيما لم يعهد فيه تقدم؛ وهذا إذا أخذناهما بنسبتهما إلى العبد، فإن أخذناهما من حيث هما عهد الله إلى عباده وأمانته التي حملهم كانا في رتبةٍ واحدةٍ.

والسؤال الآن: ما المقصود بالأمانة هنا في الحديث؟
هي في معناها الجامع: كُلُّ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
أما التفاصيل؛ فيقول الإمام الفخر الرازي: "اعلم أن معاملة الإنسان: إما أن تكون مع ربه، أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة.
- أما رعاية الأمانة مع الرب: فهي في فعل المأمورات وترك المنهيات، وهذا بحرٌ لا ساحل له؛ قال ابن مسعود رضي الله عنهما: "الأمانة في كل شيء لازمةٌ، في الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم"، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إنه تعالى خلق فرج الإنسان وقال هذا أمانةٌ خبأتها عندك فاحفظها إلا بحقِّها، واعلم أنَّ هذا بابٌ واسعٌ.
فأمانة اللسان: ألَّا يستعمله في الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها.
وأمانة العين: ألَّا يستعملها في النظر إلى الحرام.
وأمانة السمع: ألَّا يستعمله في سماع الملاهي والمناهي، وسماع الفحش والأكاذيب وغيرها، وكذا القول في جميع الأعضاء.
- وأما القسم الثاني: وهو رعاية الأمانة مع سائر الخلق فيدخل فيها رد الودائع، ويدخل فيه ترك التطفيف في الكيل والوزن، ويدخل فيه: أن لا يفشي على الناس عيوبهم، ويدخل فيه عدل الأمراء مع رعيتهم وعدل العلماء مع العوام؛ بأن لا يحملوهم على التعصبات الباطلة، بل يرشدونهم إلى اعتقادات وأعمال تنفعهم في دنياهم وأخراهم، ويدخل فيه نهي اليهود عن كتمان أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونهيهم عن قولهم للكفار: "إنَّ ما أنتم عليه أفضل من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويدخل فيه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بردِّ المفتاح إلى عثمان بن طلحة رضي الله عنه، ويدخل فيه أمانة الزوجة للزوج في حفظ فرجها، وفي أن لا تُلحق بالزوج ولدًا يولد من غيره. وفي إخبارها عن انقضاء عدتها.
- وأما القسم الثالث: وهو أمانة الإنسان مع نفسه فهو ألَّا يختار لنفسه إلا ما هو الأنفع والأصلح له في الدين والدنيا، وأن لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره في الآخرة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
المصادر:
- "شعب الإيمان" للإمام البيهقي.
- "فيض الباري شرح صحيح البخاري".
- "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي.
- "تفسير الفخر الرازي".
- "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للإمام ابن حجر الهيتمي.
- "تفسير ابن عطية".

جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». يبين الحديث الشريف أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» رواه البخاري.


عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه كان يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه مالك في "الموطأ"، والنسائي وابن ماجه في "سننيهما". الذي دلَّت عليه الأخبار أنَّ مستقرَّ الأرواحِ بعد المفارقة مختلفٌ؛ فمستقرُّ أرواحِ الأنبياء عليهم السلام في أعلى عِليِّين، وصحَّ أنَّ آخر كلمةٍ تَكلَّمَ بها صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم الرفيق الأعلى، وهو يؤيِّدُ ما ذكر.


قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» رواه أبو داود. يقول الإمام أبو طالبٍ المكي: [وروينا في لفظ أبلغ من هذا: «كَفَضْلِي عَلَى أُمَّتِي»] اهـ، وفي روايةٍ: «كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» رواه الترمذي.


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» رواه الترمذي. في هذا الحديث الشريف يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصال النفاق، وهنا يظهر هذا التساؤل: هل المقصود هنا في الحديث نفاق الاعتقاد؛ بمعنى أنه يعدُّ من المنافقين الذين هم في الدَّركِ الأسفل من النَّار؟ أم هو نفاق وراء ذلك أو دون ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 54
العصر
4:30
المغرب
7 : 55
العشاء
9 :28