13 فبراير 2018 م

"خِصَالُ النِّفَاقِ العَمَلِي"

"خِصَالُ النِّفَاقِ العَمَلِي"

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» رواه الترمذي.
في هذا الحديث الشريف يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصال النفاق، وهنا يظهر هذا التساؤل: هل المقصود هنا في الحديث نفاق الاعتقاد؛ بمعنى أنه يعدُّ من المنافقين الذين هم في الدَّركِ الأسفل من النَّار؟ أم هو نفاق وراء ذلك أو دون ذلك؟
يجيب على هذا السؤال الإمام الترمذي بقوله: [وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: نِفَاقُ العَمَلِ، وَإِنَّمَا كَانَ نِفَاقُ التَّكْذِيبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، شَيْءٌ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: "النِّفَاقُ نِفَاقَانِ: نِفَاقُ العَمَلِ، وَنِفَاقُ التَّكْذِيبِ"] اهـ.
وقد عقَّبَ العلَّامة ابنُ الصلاح على ما أجاب به الترمذي بقوله: [وَهَذَا الَّذِي نختاره، ونزيده بَيَانا فَنَقُول: النِّفَاقُ نفاقان؛ نفاقُ الْكَافِر، ونفاقُ الْمُسلِم، ويشتركان فِي أَنَّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسرار سوء مَعَ إِظْهَار خِلَافه ....؛ وَمِمَّا يدلُّ على أَنَّ من النِّفَاق مَا قد يُوجد فِي الْمُسلم الموقن الْمُصَدِّق حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: "إِنَّ نَاسًا قَالُوا إِنَّا ندخُلُ على سُلطانِنَا فَنَقُول لَهُم بِخِلَاف مَا نتكلم إِذا خرجنَا من عِنْدهم، قَالَ كُنَّا نعد هَذَا نفَاقًا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم"، أخرجه البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ عَن مُسلم، وَمثل هَذَا مَعْدُود فِي قبيل الْمَرْفُوع الْمسند] اهـ.
وقد ذكر الإمامُ النووي أنَّ جماعةً من العلماء عدُّوا هذا الحديث مشكلًا؛ من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم الـمُجْمَع على عدم الحكم بكفره، وقد أجيب عن ذلك بأنَّ المتصف بهذه الخصال؛ كالمنافق في التخلُّق بأخلاقه، لا أنه منافق حقيقة، وهذا الجواب مبنيُّ على أنَّ المراد بالنفاق في الحديث النفاق في الإيمان، وهذا الجواب مردودٌ بقوله في الحديث: «كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا»، وأجيب أيضا بأن الظاهر غير مراد، وإنما الغرض من ذلك المبالغة في التحذير، والتنفير من هذه الخصال بأبشع الطرق.
وارتضى الإمام القرطبي أن المراد بالنفاق هنا نفاق العمل، ويرى آخرون أنه نفاقٌ في الإيمان.
والمراد بمن وجدت فيه هذه الخصال: من تعوَّدَها وصارت له ديدنًا وخُلُقًا، ويدل عليه التعبير بــ "إذا" فإنَّها تدل على تكرر الفعل، فَالْمُتَخَلِّقُ بها منافق حقيقة يستحق الدرك الأسفل من النار، فتلك أربعة أجوبة تخير منها ما شئت.
ويزيد الأمر وضوحًا الإمامُ الغزالي الذي يتطرَّق إلى مفهوم النفاق عند الصحابة رضوان الله عليهم، والذين ذهبوا في معناه إلى المثاليَّة القصوى؛ بحيث -كما يقول الإمام الغزالي -فإنَّه لن يخلو- بناءً على كلامهم من النفاق إلا من بلغ درجة الصديقية تلك الدرجة العُليا في منازل القرب من الله-؛ يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: [وقد فسَّر الصحابةُ والتابعون النفاق بتفاسير لا يخلو عن شيءٍ منه إلا صِدِّيق؛ إذ قال الحسن: إنَّ من النِّفاق اختلافَ السِّرِ والعلانيَة واختلاف اللِّسان والقلب، واختلاف المدخل والمخرج.
ومن الذي يخلو عن هذه المعاني، بل صارت هذه الأمور مألوفة بين الناس معتادة ونسى كونها منكر الكلية، بل جرى ذلك على قرب عهد بزمان النبوة فكيف الظن بزماننا] اهـ.
إذن النفاق في الحديث نفاق العمل.
ونأتي الآن إلى بيان خصال النفاق التي وردت في الحديث؛ فهنا يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ من وُجدت فيه أربع خصال كان منافقًا خالصًا ومنْ وُجد فيه بعضها كان لديه من النفاق بقدرِ ما وُجد فيه، وتلك الخصال هي: خيانة الأمانة، والكذب في الحديث، والغدر في المعاهدة، والفجور في المخاصمة، ولولا أنَّ هذه الخصال تحمل من الشرور والإثم العظيم ما عدَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علامةً على النفاق.
- فخيانةُ الأمانة ظلمٌ لصاحبها ونزعٌ للثقة من نفوس الناس بخائنها، وهي نوعٌ من السرقة.
وقد فسروا الخيانة بأنها: التصرف في الأمانة بغير وجهٍ شرعيٍ؛ كبيعِها أو جحدِها أو انتقاصِها أو التهاون في حفظِها.
والأمانةُ تشمل كل ما ائتمن عليه الإنسان من مالٍ أو عرضٍ أو حقٍّ، بل تشمل الشرائع التي جعلها الله في أيدينا أمانات نعلمها للناس، ونقوم على حفظها بالعمل؛ ولذلك سمى الله تعالى مخالفة كتابه وسنة رسوله خيانةً في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
- أما الكذبُ في الحديث فإنه أسُّ النفاق والقاضي على الأخلاق، وهو من أمَّهاتِ الكبائر، وهو داعٍ لاحتقار صاحبه، وسقوط عدالته، وعدم الثقة في قوله، وازدراء الأعين واحتقارها له.
- وخَلْفُ الوعود أو نَقْضُ العهود والغدر بها بابٌ من أبواب الكذب، وهو من أمارات النفاق، وخبائث الأخلاق، وقد رتَّب الله عليه نفاق القلوب في قوله: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77].
- وأما الفجور في المخاصمة فهو الميل في الخصومة عن الحقِّ وقول الباطل؛ فالفاجر في الخصومة ينكر حقَّ صاحبه ويستحلُّ مالَه وعِرضَه، ولا يترك بابًا من أبواب الإضرار به إلا اقتحمه، ولو أضاع في سبيل ذلك المال الكثير، بل ولو شغله ذلك عن القيام بواجباته؛ فالفجور في الخصومة داءٌ وبيلٌ، يقطع الأواصر، وينشر الجرائم، ويفتك بالأخلاق، فلا جرم أن كان آيةَ الآياتِ في النفاق.
المصادر
- "سنن الترمذي".
- "فيض القدير" للعلَّامة للمناوي.
- "شرح النووي على مسلم".
- "بداية الهداية" للإمام الغزالي.
 

عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»


جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». يبين الحديث الشريف أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما


عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» رواه الترمذي.


عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» متفق عليه. وفي روايةٍ لمسلمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ».


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 يونيو 2025 م
الفجر
4 :10
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34