13 نوفمبر 2017 م

نشرُ العلمِ وتأسيسُ المدارِس

نشرُ العلمِ وتأسيسُ المدارِس

 كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُعلِّم الصَّحابة رضوان الله عليهم، بشكلٍ دائمٍ، وكان يرسل أصحابه إلى المناطق الجديدة التي دخلت الإسلام؛ ليُعلِّموا أهلها أحكامَ الدين وعلومَ الشرع؛ ومن نماذج الحرص على التعليم ونشره بين المسلمين، أن جعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فداءَ أسرى "بدرٍ" تعليمَ أولاد الأنصار الكتابة؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان ناسٌ من الأسرى يوم بدرٍ لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فداءَهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة". رواه أحمد، فكانت هذه الرؤية واضحةً في تصوُّر النبي لعوامل بناء دولة الإسلام وتأسيس حضارته على قاعدةٍ من العلم المنتشر بين أبنائه، وذلك منذ مطلع تأسيس هذه الدولة بعد الهجرة إلى المدينة.
وكما كان المسجدُ في العهد النبوي مركزَ إشعاعٍ علميٍّ للمسلمين، فقد ظلَّ هذا الدَّور للمسجدِ قائمًا على نشر العلم في عهد الصحابة ثم التابعين ومَن بعدهم، بل توسَّع المسلمون في دور المسجد العلمي بإقامة العديد من الحلقات العلميَّة، وعقد مجالس القضاء به، وإلحاق المدارس بتصميمه المعماري، وبعد عدَّةِ قرونٍ صار يطلق على كثير من المساجد "مسجدًا ومدرسةً".
وقد ازداد عدد المدارس في بلاد الإسلام خلال فترات ازدهارها، وكان ينشئها الملوك والأمراء وأيضًا القادرون من الأفراد.
وبناء المدرسة المثالي كان يتكون من فناء تحيط به إيوانات يتم التدريس بها، وكانت تُلحق بها مكتبة، وكان يجلس الأستاذ في الإيوان ويلتفُّ حوله الطُّلاب في شكل حلقة مفتوحة لمن شاء أن يتعلَّم بها، وكانت حلقاتُ العلم في الجامع الأزهر -على سبيل المثال- تتعدَّدُ حتى تزيد على أربعين حلقةً، كانت تُعقد عند أعمدة المسجد.
وكانت المدارس تتخصَّصُ في مجالٍ أو أكثر من العلوم؛ كالفِقه والحديثِ والقرآنِ وعلومِه، كما كانت هناك مدارس ملحقة بالمستشفيات تُدَرِّسُ الطِّبَ، وتؤهِّلُ الطُّلاب لعلاج المرضى واكتساب خبرة الممارسة العمليَّة للطِّب والعلاج وإجراء العمليَّات الجراحيَّةِ.
ومن نماذج المدارس الشهيرة التي ذاع صِيتُها في العالم الإسلامي "المدرسة النظامية"، التي أنشأها الوزير نظام الملك، ولعلها أول مدرسة نشأت على النظام الحديث للمدارس، وتم إنشاء العديد من المدارس الأخرى على غرار المدرسة النظامية.
وكذلك "المدرسة المستنصرية"، التي أنشأها الخليفة المستنصر بالله، سنة 631هـ، التي تعتبر أوَّل مدرسةٍ جامعةٍ؛ حيث جمعت تدريس المذاهب الفقهية الأربعة.
وقد أنتجت هذه المدارس العديد من العلماء الأفذاذ الذين ملأوا الدنيا علمًا ونورًا؛ كالإمام الغزالي صاحب "إحياء علوم الدين"، وأبي إسحق الشيرازي، وأبي المعالي الجويني، وأبي المعالي بن الكيا الحسن الهراسي... وغيرهم.
وكانت الكثيرُ من هذه المدارس تتمتَّع بالكثير من الأوقاف التي تكفل لها دخلًا مادِّيًّا وعينيًّا كبيرًا يوفِّر لمدرسيها وطلابها -خاصَّةً الفقراء- دخلًا مادِّيًّا وطعامًا وخدماتٍ أخرى تعينهم على التَّحصيلِ العلميِّ، وتضمنُ للعمليَّةِ التعليميَّةِ الاستقرارَ والاستمرارَ، بحيث لا يضطَّر المدرِّسون والطُّلابِ للعملِ في حِرَفٍ أخرى تشغلهم عن العلمِ والدِّراسة.
وكان هناك نظامًا علميًّا صارمًا للترقِّي العلمي واختيار المدرِّسين ومنح الإجازات للتدريس، وكان الطلاب المتفوقون، يشتغلون معيدين للدَّرسِ بعد شرح الأستاذ المعلِّم، ثم يترقى المعيد إلى أستاذ، وبعضهم كان يشتغل مُعيدًا في مدرسةٍ وأستاذًا في مدرسة أخرى.
ولم تكن الدِّراسةُ منفصلةً عن منظومةٍ قِيَمِيَّةِ وأخلاقيَّةٍ ودينيَّةٍ تحكُمها؛ فقد كان العلماء يوصون الطلاب باختيار الدراسة في المدارس التي يكون واقفُها أقربَ إلى الورع وأبعدَ من البدع، بحيث يغلب على الظَّنِّ أن المدرسة وأوقافها من مالٍ حلالٍ، وأن يكون المدرِّسون فيها ذوي عقلٍ ومهابةٍ وعطفٍ على الضُّعفاء، وأن يضبطوا النظام أثناء دروسهم باستبعاد اللَّاعبين، وترغيب الطَّلبة المتفوِّقين، وألا تشغل أهل المدرسة مظاهرَ الصحبة والمعاشرة عن التحصيل العلمي، وأن يُظهر أهل المدرسة الاحترامَ لبعضهم بإفشاءِ السلام وإظهار المودَّةِ والاحترام، وعدم الاطِّلاع على العورات والإزعاج.
لقد مثَّلت تجربة المدارس في الحضارة الإسلاميَّة نموذجًا عمليًّا لحلِّ العديد من الإشكالات التي تواجه العمليَّة التعليميَّة اليوم، مثل التَّمويل، وتجسير الفجوة بين الطَّبقات الاجتماعية المختلفة، وإتاحة التَّعليم المتميز بكرامةٍ وحريَّةٍ لكل قادر على تحمُّل العلم وتبليغه ونشرِه، سواء كان غنيًّا أم فقيرًا، حضريًّا أم ريفيًّا، فضلًا عن الحريَّة الأكاديميَّة سواء للمدرِّسِ الذي يختار ما يرى أنه أفضل لتلاميذه من كتابٍ أو منهجٍ علميٍّ، أم للطَّالبِ الذي يختار من العلم والأساتذة ما يرى أنه أنسب لقدراته وأفضل لاستيعابه، كما ارتبط نظام هذه المدارس بالدِّين بشكلٍ أساسيٍّ، سواء في الرؤية التي تحكم طريقة إدارتها وتسيير أمورها أم في ممارسة العباداتِ والشَّعائر الدِّينيَّة.
المصادر:
- "المدارس التعليميَّة للدكتور أحمد فؤاد باشا، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ص: 662-666، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "المدارس الإسلامية في المشرق الإسلامي" للدكتورة آمال حمزة المرزوقي، مجلَّة كلية التربية، جامعة عين شمس (ص: 183-223، عدد: 24، سنة 2000م).

كان للحضارة العربية الإسلامية مكانة سامقة بين الأمم في خدمة علم الحساب وتطويره، وقد كان العرب يحسبون بواسطة الحروف، فكان لكل حرف قيمة عددية، ثم نقلوا النظام العشري عن الهنود، وهو نظام الأرقام من 1 إلى 9، وكان النمطان المشهوران لكتابة الأرقام موجودَين لدى العرب، وقد أخذ الغرب طريقة كتابة الأرقام المنتشرة هناك الآن عن بلاد المغرب، فيما بقيت البلاد المشرقية على استخدام النمط الآخر المنتشر في مصر ومعظم الدول العربية، وهما مأخوذان من الهند، ولكن قام العرب بتطوير أشكالها، كما أضافوا الصفر الذي أحدث نُقلة كبيرة في علم الحساب، فقد كان الهنود يستعملون الفراغ ليدل على الخانة التي ليس فيها رقم، فوضع المسلمون رسم الصفر في خانة الفراغ.


التكايا والزوايا من المؤسسات المهمة التي أنتجتها الحضارة الإسلامية؛ لتقدم نموذجًا فريدًا في خدمة المجتمع والرسالة الدينية والقيم الإنسانية، وقد كانت –تحديدًا- من ثمار التفاعل الصوفي مع الواقع وتيسير أفضل السبل لتحقيق الغاية من سلوك طريق التصوف. وهناك عددٌ من المفاهيم لا بد من بيانها قبل الحديث عن أثر هذه المؤسسات الصوفية في الحضارة الإسلامية


لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.


تضمن الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأحكام الشرع الشريف عددًا من الإشارات الفلكية كانت دافعًا ومُحَفِّزًا لعلماء المسلمين للاهتمام بعلم الفلك والبراعة فيه، كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189]، كما جاء الأمر بالتوجه نحو قبلةٍ معيَّنةٍ في الصلاة، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وتحديد الاتجاه إلى القبلة جهة المسجد الحرام يحتاج إلى معرفةٍ بعلم الفلك في الأماكن البعيدة عن المسجد الحرام، وكذلك تحديدُ مواقيت الصلاة، وبداية الشهور القمرية؛ لأهميَّتِها في أداء المناسك والعبادات المختلفة.


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ. إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 يوليو 2025 م
الفجر
4 :17
الشروق
6 :1
الظهر
1 : 0
العصر
4:36
المغرب
7 : 59
العشاء
9 :31