03 يوليو 2017 م

وفد النصارى الذين أسلموا

وفد النصارى الذين أسلموا

 لطالما وفدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ضمن هؤلاء الوفود الذين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام وفد من النصارى؛ حكى حكايتهم ابن إسحاق حينما ذكرهم قائلًا: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشرون رجلًا، أو قريبًا من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلَّموه وسألوه، ورجالٌ من قريشٍ في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به، وصدَّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.
فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفرٍ من قريش فقالوا لهم: خيَّبكم الله من ركبٍ! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدَّقتموه بما قال؟! ما نعلم ركبًا أحمقَ منكم. أو كما قالوا لهم، فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه، لم نَأْلُ أنفسنا خيرًا.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالي خبر هؤلاء في القرآن الكريم مبيِّنًا له بالإشارة في وصف عام لبعض أهل الكتاب؛ فقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ۞ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ۞ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ۞ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ۞ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 52-56].
وقد رجح الأكثرون أن هذه الآيات نزلت في نصارى نجران الذين ذكرنا لك الخبر عنهم، ولم تكن الآيات في النجاشي وأتباعه، ويقول ابن إسحاق: إن الذي نزل في النجاشي وأصحابه من النصارى هو ما جاء في سورة المائدة؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ۞ وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۞ وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ۞ فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة 82-85].
ومما ينبغي أن يعلم أن هذه الوفود كانت في مجموعها تمثل فئتين؛ إحداهما فئة المشركين، والثانية فئة أهل الكتاب.
فأما المشركون: فقد دخل عامَّتهم في الإسلام، وما رجعت وفودهم إلا وهي تحمل مشعل الإيمان والتوحيد إلى قومها.
وأما أهل الكتاب: فقد بقي أكثرهم على ما هم عليه، من اليهودية أو النصرانية.
ولقد كان الوفد الذي جاء يمثل نصارى نجران مؤلفًا من ستين رجلًا، ولقد لبثوا عنده صلى الله عليه وآله وسلم أيامًا يجادلهم ويجادلونه في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، ووحدانية الله تعالى.
وكان آخر ما عنده صلى الله عليه وآله وسلم لهم أن تلا عليهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۞ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۞ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾ [آل عمران: 59-61].
فلما أَبَوْا أن يقروا، دعاهم إلى المباهلة كما أمره الله بذلك، وذهب عليه الصلاة والسلام فأقبل مشتملًا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له، وفاطمة رضي الله عنها تمشي خلفه للمباهلة.
فأبى رئيس وفدهم -وهو شرحبيل بن وداعة- المباهلةَ أيضًا وحذَّر أصحابه من عاقبة ذلك عليهم، فأقبلوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم يحكِّمونه فيما دون كلٍّ من الإسلام والمباهلة، وينزلون عند حكمه في ذلك، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجزية وكتب لهم بذلك كتابًا، والتزم فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم -إن دفعوا الجزية المتفق عليها- ألَّا تهدم لهم بيعة، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثًا -أي غدرًا أو خيانةً- أو يأكلوا الربا.
المصادر:
- "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد".
- "خاتم النبيين" للشيخ محمد أبي زهرة.
- "فقه السيرة" للإمام البوطي.

أَخَذَ عناد المشركين يقوى ولجاجتهم تشتد، وقد أرادوا إخراج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحديَه بمطالبته بالإتيان بمعجزات تثبت نبوته؛ قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك. قال: «وَتَفْعَلُوُنَ»؟ قالوا: نعم. قال: فدعا، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت لهم باب التوبة والرحمة؟ قال: «بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال الإمام الذهبي: "الحديث صحيح" .


من الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وهم أحد عشر رجلًا، وأربع نسوة، خرجوا مُشاةً إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار. ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد سرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية، وهم يزيدون على ثمانين رجلًا، وقال ابن جرير: كانوا اثنين وثمانين رجلًا، سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل: إن عدة نسائهم كان ثمان عشرة امرأةً.


هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بن نفيل، بن عبد العزّى، بن رياح، بن عبد الله، ابن قرط، بن رزاح، بن عدي، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، يجتمع مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في كعب، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، ابنة عم أبي جهل وأخيه الحارث بن هشام.


لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يرسل للإنسانية رسولًا من عنده؛ ليأخذ بيد الناس إلى طريق الهداية من جديد، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويصحح بوصلتهم؛ ليكون توجههم وإذعانهم إلى خالقهم الحق سبحانه وتعالى، وليبتعدوا عن خرافات الجاهلية من عبادة الأصنام أو النجوم أو النار، ولِيُحْيي فيهم الأخلاق الكريمة بعد اندثارها وشيوع مساوئ الأخلاق مكانها.


ولما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله عز وجل؛ يقول موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما: "ولما توفي أبو طالب، ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم تكن تنال منه في حياته، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف وحده ماشيًا".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أبريل 2025 م
الفجر
4 :39
الشروق
6 :14
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :55