05 يونيو 2017 م

فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته

فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته

 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه، أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا» متفق عليه.

لقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قلبه بابان، بابٌ إلى الخالق سبحانه وتعالى، ومن خلاله وصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أقصى منازل القرب، وفي رحلة الإسراء والمعراج صعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء، وتجاوز بذلك النهايات الكونية، فلقد وصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى درجة: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: 9]، ثم انبسط إلى الأرض سراجًا منيرًا، رؤوفًا رحيمًا، هاديًا، يدعو إلى الله على بصيرة هو ومن اتبعه، فانفتح الباب الثاني تجاه أمَّته، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حريصًا كلَّ الحرص عليها وعلى هدايتها ونجاتها، ويحدثنا القرآن الكريم عن ذلك الموقف تجاه أمته بكل تجلياته وآفاقه وشفقته العظيمة؛ فيقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
ويأتي هذا الحديث الشريف ليبين فضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمته، وأنه عليه الصلاة والسلام -كما حَكَى الإمام ابْنُ عَطِيَّةَ فِي "تَفْسِيرِهِ" عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ- أَوْلَـى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ تَدْعُوهُمْ إلَى الْـهَلَاكِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى النَّجَاةِ؛ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فهَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا تَقَحُّمَ الْفَرَاشِ».
يقول الإمام زين الدين العراقي: "ويَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إيثَارُ طَاعَتِهِ عَلَى شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُحِبُّوهُ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ هُنَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَهُوَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا نَفْسِي. قَالَ لَهُ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ نَفْسِك»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاَللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «الْآنَ يَا عُمَرُ».
ويتحدث بعض العارفين عن سر اختيار الفَرَاش في ذلك المثل النبوي لحالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمته؛ فيقول: "إن الفَرَاشَ لا ينجذب إلى النار لضعف تمييزه أو لجهل منه فقط، بل ينجذب للأشعة فوق البنفسجية التي تثيره لعمل عملية التزاوج ويصر عليها لكنه يفاجأ بمصيره الحتمي بوقوعه في النار.
وكذلك حال العاصين والمخالفين للرسول؛ فانجذابهم للنار بسبب غواية الشهوات لهم، وهم لا يرون الأشياء على حقيقتها كالفراش لا يرى النار الحارقة على حقيقتها لكن يراها بعين ترى الأشعة فوق البنفسجية فقط؛ فيرى النار بشكل مختلف تجعله ينجذب إليها، بينما المخالفين تحجبهم رؤية الشهوات والاستمتاع المؤقت بها عن رؤية نار يوم القيامة.
وينطبق على المشبه والمشبه به المثل القائل: رب نفس عشقت مصرعها.
وخلاصة القول: أن لِنَارِ الآخرة جاذبيَّةٌ تجذب إليها الخارجين على حدود الله والمنفلتين من سياج الشريعة؛ بسبب حبهم لمتع الدنيا المحرمة وجهلهم بعواقب أمورهم، كما أن لِنَارِ الدنيا جاذبيةٌ تجذب إليها الفراش بسبب إدراكهم المحدود لما يحبونه، وعدم إدراكهم لعواقب الأمور". 
 
المصادر
- "شرح النووي على مسلم".
- "طرح التثريب" للحافظ زين الدين العراقي.
- "تفسير الشيخ الشعراوي".
 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ -أَوِ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ-، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ-، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ».


عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الإمام الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".


عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآله وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» متفق عليه.


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :21
الشروق
6 :47
الظهر
12 : 45
العصر
4:9
المغرب
6 : 43
العشاء
8 :0