05 يونيو 2017 م

اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف وكتابة الصحيفة (سنوات الحصار)

اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف وكتابة الصحيفة (سنوات الحصار)

ورد بأسانيد مختلفة عن الإمام موسى بن عقبة، عن الإمام ابن إسحاق، وعن غيرهما، أن كفار قريش أجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلموا في ذلك بني هاشم وبني المطلب، ولكنهم أبوا تسليمه صلى الله عليه وآله وسلم إليهم.

فلما عجزت قريش عن قتله صلى الله عليه وآله وسلم أجمعوا على منابذته، ومنابذة من معه من المسلمين، ومن يحميه من بني هاشم وبني المطلب، وإخراجهم من مكة إلى شِعبِ أبي طالب (وهذا فيه تصريح بأن شِعب أبي طالب كان خارجًا عن مكة).

فكتبوا بذلك كتابًا تعاقدوا فيه على ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصل إليهم، ولا يقبلوا منهم صلحًا ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلم بنو المطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم للقتل، وفي لفظ: لا تنكحوهم، ولا تنكحوا إليهم، ولا تبيعوهم شيئًا، ولا تبتاعوا منهم شيئًا، ولا تقبلوا منهم صلحًا .. الحديث. وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة: أي توكيدًا على أنفسهم، وقيل كانت عند خالة أبي جهل، وقد يجمع بأنه يجوز أن تكون كانت عندها قبل أن تعلق في الكعبة على أنه سيأتي أنه يجوز أن الصحيفة تعددت.

وكان اجتماعهم وتحالفهم في خيف بني كنانة بالأبطح ويسمى محصبًا، وهو بأعلى مكة عند المقابر، فدخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم الشعب إلا أبا لهب فإنه ظاهر عليهم قريشًا، وكان سنه صلى الله عليه وآله وسلم حين دخل الشعب ستة وأربعين سنة. وفي الصحيح «أنهم في الشعب جهدوا كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر».

والتزم كفار قريش بهذا الكتاب ثلاث سنوات، بدءًا من المحرم سنة سبع من البعثة إلى السنة العاشرة منها، وقيل: بل استمر ذلك سنتين فقط.

ورواية الإمام موسى بن عقبة تدل على أن ذلك كان قبل أمر الرسول أصحابه رضي الله عنهم بالهجرة إلى الحبشة، وإنما أمرهم بها أثناء هذا الحصار. أما رواية ابن إسحاق فتدل على أن كتابة الصحيفة كانت بعد هجرة أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة وبعد إسلام عمر رضي الله عنه.

وحوصر بنو هاشم وبنو المطلب ومن معهم من المسلمين، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في شعب بني المطلب، وإنما مكة شعاب متفرقة، واجتمع فيه من بني هاشم وبني المطلب المسلمون والكافرون، أما المسلمون فتدينًا وأما الكافرون فحميًّة، إلا ما كان من أبي لهبٍ، عبد العزى بن عبد المطلب، فإنه خرج إلى قريش، فظاهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.

فجهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون جهدًا شديدًا في هذه الأعوام الثلاثة واشتد عليهم البلاء، وفي الصحيح أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر.

وذكر السهيلي أنهم كانوا إذا قدمت العير مكة، يأتي أحد أصحاب رسول الله إلى السوق ليشتري شيئًا من الطعام يقتاته لأهله، فيقوم أبو لهب فيقول: «يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا شيئًا معكم»، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافا، حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون -يصرخون ويبكون- من الجوع وليس في يده شيء يعللهم به.

فلما كان على رأس ثلاث سنين من بدء هذا الحصار، تلاوم قومٌ من بني قصي، فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه، وأرسل الله على صحيفتهم التي كتب فيها نص المعاهدة الأرضة، فأتت على معظم ما فيها من ميثاق وعهد، ولم يسلم من ذلك إلا الكلمات التي فيها ذكر الله عز وجل.

وقد أخبر بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عمَّه أبا طالبٍ، فقال له أبو طالب: «أربك أخبرك بذلك؟ قال: نعم، فمضى في عصابة من قومه إلى قريش، فطلب منهم أن يأتوه بالصحيفة موهمًا إياهم أنه نازل عند شروطهم فجاؤوا بها وهي مطوية، فقال أبو طالب: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط، أن الله تعالى قد سلَّط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فأتت على كل ما كان فيها من جور وقطيعة رحم، فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا وارجعوا عن سوء رأيكم، فو الله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلًا دفعنا إليكم صاحبنا ففعلتم به ما تشاؤون.

فقالوا: قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة فوجدوا الأمر كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالوا: هذا سحر ابن أخيك! .. وزادهم ذلك بغيًا وعدوانًا.

ثم إن خمسةً من رؤساء المشركين من قريشٍ، مشوا في نقض الصحيفة، وإنهاء هذا الحصار، وهم: هشام بن عمرو بن الحارث، وزهير بن أميَّةَ، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود.

وكان أول من سعى إلى نقضها بصريح الدعوة زهير بن أميَّة، أقبل على الناس عند الكعبة فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب وبنو هاشم والمطلب هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم؟ .. والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.

ثم قال بقية الخمسة نحوًا من هذا الكلام، ثم قام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزَّقها، ثم انطلق هؤلاء الخمسة، ومعهم جماعة، إلى بني هاشم وبني المطلب ومن معهم من المسلمين فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم.

 

 

أَخَذَ عناد المشركين يقوى ولجاجتهم تشتد، وقد أرادوا إخراج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحديَه بمطالبته بالإتيان بمعجزات تثبت نبوته؛ قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك. قال: «وَتَفْعَلُوُنَ»؟ قالوا: نعم. قال: فدعا، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت لهم باب التوبة والرحمة؟ قال: «بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال الإمام الذهبي: "الحديث صحيح" .


بعدما لجأ مشركو قريش إلى عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليوغروا صدره على ابن أخيه حتى يتخلى عن نصرته، سالكين بذلك طريق الإيذاء والفتنة، بل والإيذان بالحرب والمنابذة، ووجدوا أن مسعاهم هذا قد باء بالفشل بسبب عدم تخلِّي أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه؛ ارتأوا أن يلجأوا إلى السياسة المقابلة، ألا وهي سياسة الملاينة، والإغراء بالمال أو الجاه أو الملك والسلطان ظنًّا منهم أنه ربما يغري بريق هذه العروض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيفتنوه عن دينه أو يحولوه عن وجهته.


الجزيرة العربية جزء هام من العالم له تميز خاص بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه الديني، ولم تكن الجزيرة بمنأًى عن التأثر بالحالة العامة التي يعيشها العالم هذه الأثناء فهي سياسيًّا قبائل متفرقة تعاني التناحر والاقتتال غالب الوقت بسبب العصبية والحرص على الزعامة ولا أشهر من حرب داعس والغبراء والبسوس دليلًا على ذلك.


كان التحدث بأمر النبوة والدعوة إلى الإسلام في بَدءِ أمرِه يتمُّ في إطارٍ محدودٍ، حتى لا يقاومَها الأعداءُ وهي لم تزلْ في مهدِها، ثمَّ تغيَّر الحالُ بعدَ ثلاثة أعوامٍ مِن بَدء الوحي، حينما نزل قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: 94]؛


من الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وهم أحد عشر رجلًا، وأربع نسوة، خرجوا مُشاةً إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار. ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد سرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية، وهم يزيدون على ثمانين رجلًا، وقال ابن جرير: كانوا اثنين وثمانين رجلًا، سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل: إن عدة نسائهم كان ثمان عشرة امرأةً.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 مايو 2025 م
الفجر
4 :19
الشروق
5 :59
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 44
العشاء
9 :13