01 يونيو 2017 م

الحوار في الإسلام

الحوار في الإسلام

دعا الإسلام للتعارف والحوار، وحثَّ المسلمين على ذلك، لأهمية الحوار في نزع فتيل الأزمات، ويمنع من تفاقمها، ويوضح ما خفي، ويبين ما اسْتُبْهِم، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فالغرض من التذكير بأن أصلهم واحدٌ، أي أنهم في الخلقة سواء ليتوسَّلَ بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى، ولقد قامت الدعوة الإسلامية والحوار أهم وسائلها لإقناع البشرية بحقيقة الإسلام، وبيان أحكامه وتصوراتها عن الحياة والموت والسعي والغيب والآخرة والإله.. إلخ.

لقد توجَّه الإسلام كثيرًا لغير المسلمين بالدعوة إلى النقاش الهادئ الملتزم بقواعد العقل وأصول المنطق السليم، حتى في أشدِّ الأمور وضوحًا، ومن ذلك دعوته لهؤلاء الذين يعبدون الأصنام -التي هي عبارة عن حجارة أو طين لا تضر ولا تنفع-؛ فيقول تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: 22]، ويقول أيضًا: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۝ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ۝ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سبأ: 24-27].

فانظر إلى الرِّفق واللِّين في الحوار في أمر جوهريٍّ في اعتقاد الإنسان، يترتب عليه كفره بالله أو إيمانه به، ولكن الله يدعونا أن نقول للكافرين: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وإذا كان هذا الخطاب في مكة وقت استضعاف المسلمين، إلا أن الله سبحانه وتعالى لم يغير من هذا المنهج عندما قويت شوكة المسلمين بعد الهجرة إلى المدينة وتأسيس المجتمع على هدي الإسلام وتصوراته، فنجد أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۝ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61]، وهذا الدعاء إلى المباهلة إلجاء لهم إلى أن يعترفوا بالحقِّ أو يكُفُّوا، وهذه دعوة إنصاف لا يدعو لها إلا واثق بأنه على الحقِّ، وهذه المباهلة لم تقع لأن نصارى نجران الذين قصدهم الله في هذه الآية لم يستجيبوا إليها بالرغم من انتظار الرسول وآله لهم ليتباهلوا.

ويقول الله تعالى أيضًا: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۝ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 64-65]، وهذه نصوص واضحة الدلالة على منهج الإسلام الممتد في مختلف الأوضاع والأحوال، سواء في حال الضعف أو القوة، صحيحٌ أن هذا لا ينفي إمكان وقوع الصراع والنزاع وأن المسلمين مستعدون له بالجهاد والنزال دفاعًا عن النفس وتمكينًا لدين الله في الأرض، إلا أن القتال يظل استثناءً لا يتم اللجوء له إلا في حالات معينة ووفق ضوابط صارمة تمنع وقوع الجور والظلم من المسلمين ضد من يحاربونهم.

وقد كان الحوار وسيلة للتعليم والإقناع المنطقي، وتاريخ المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاهد على تمسُّك المسلمين بهذه القيمة السامية، رغبة في إقناع العالمين إلى الحق والصواب بالحكمة والموعظة الحسنة؛ كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125]، وكما قام المسلمون بتطبيق عمليٍّ لهذا الأمر بالدخول في حوارات ونقاشات مع غير المسلمين، بل وبين المسلمين أنفسهم، بين المذاهب والتيارات المختلفة، وقد سجَّلت المصادر التاريخية نماذج لهذه الحوارات التي تؤكد على مكانة هذه القيمة في الحضارة الإسلامية.

------

المراجع:

- "التحرير والتنوير" للإمام الطاهر بن عاشور (3/ 266-26/ 258).

- "أدب الحوار" للدكتور محمد رجب البيومي، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ص: 123 وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


لا تنفصل الأخلاق في الإسلام عن أي منحىً من مناحي الحياة، فلا يوجد في حياة المسلم أي فعل أو سلوك يمكن أن يقوم به وهو غير متقيد بالمنظومة الأخلاقية التي أقرَّها الإسلام، وإذا كانت السلوكيات الاقتصادية الماديَّة في العصر الحديث وفق الثقافات الغربية منبتَّة الصلة بالأخلاق إلا على سبيل الاستحباب، وأحيانًا الحرمة، فإنها في المنظور الإسلامي لا تقوم إلا على أساس متين من الأخلاق السامية والقيم النبيلة.


عرفت الحضارة الإسلامية القضاء منذ ظهور الإسلام؛ فلقد حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون بين الناس، وبعث النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن للقضاء بين الناس، وبعث كذلك معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث الخليفةُ الصدِّيقُ أبو بكر رضي الله عنه أنسَ بن مالك إلى البحرين ليقضي بين الناس، وبعث الفاروقُ عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وبعث عبدَ الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا.


لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.


إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 يوليو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :3
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :29