22 مايو 2017 م

طلب المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعًا من الآيات وخوارق العادات

طلب المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعًا من الآيات وخوارق العادات

أَخَذَ عناد المشركين يقوى ولجاجتهم تشتد، وقد أرادوا إخراج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحديَه بمطالبته بالإتيان بمعجزات تثبت نبوته؛ قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك. قال: «وَتَفْعَلُوُنَ»؟ قالوا: نعم. قال: فدعا، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت لهم باب التوبة والرحمة؟ قال: «بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال الإمام الذهبي: "الحديث صحيح" .

وإن مطالبهم والرد عليها قد سجلها القران الكريم؛ فقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ۞ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ۞ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ۞ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ۞ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 90-94]. 

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه المطالب في آيات أخرى، وبيَّن أنهم لو جاءتهم لا يؤمنون فقال تعالت كلماته: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۞ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ۞ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ۞ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ۞ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ۞ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: 4-9].

وخلاصة هذه المطالب أنهم:

1- يطلبون أدلة مادية، طلبوا منه أن يوسع عليهم أرضهم، وأن يبعث أمواتهم.

2- وطلبوا أن يبعث لهم مَلَكًا يشهد لنبوته.

3- وطلبوا منه أن يجعل أرضهم القاحلة جنات، وفيها كنوز، وفيها قصور من ذهب وفضة، واتهموه كذبًا بأنه يعلمه رجل من اليمامة.

4- وطلبوا أن يسقط عليهم من السماء كسفًا.

5- وطلبوا منه أن يحضر سُلَّمًا يرقى فيه إلى السماء، وأن ينزل ومعه كتاب في قِرطاسٍ.

طلبوا ذلك لا ليؤمنوا ولكن ليحرجوه عليه الصلاة والسلام، ولو كانوا طلاب إيمان ما طلبوا أن ينزل عليهم كسفًا من السماء؛ لأن ذلك يُبِيدُهم، ولا إيمان بعد هذا الإنزال.

وإذا سبق الاعتقاد الباطل في أمرٍ فإنَّ كلَّ الاتجاهات لإثبات هذا البطلان، بالسلب إذا لم يأت لهم الدليل الذي يريدونه، وبالإيجاب بالإنكار وعدم الإقرار، فإنَّ التعنُّت لا تزيده قوة الدليل إلا إصرارًا، وكثرة الأدلة إلا لجاجة في الإنكار.

وإن الله تعالى قد اختار لهم القران دليلًا، ليعطيهم فرصة للتفكير، وهو يخاطبهم في أمر الدعوة، وقد تتولد التوبة والغفران، أما الأدلة الحسيَّة، فإنها تجيءُ دفعة، فإما العقاب وإما الإيمان، وفي الماضي عبرة فما جاءت آية من نوعٍ ما يطلبون إلا كانت النتيجة هلاكًا، ولم تكن إذعانًا، لأنهم ما كانوا ليذعنوا بالحق، بل قد سبق التكذيب، وقد قال تعالى يشير إلى ذلك: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59].

فكما أن معجزة هود لم تنفع في جلبِ ثمود إلى الإيمان، فإن المشركين من قريش لن تنفعهم قياسًا على ما وقع من عِبَر التاريخ الغابرة.

ما كانت هذه الأسئلة، إلا لإظهار النبي عليه الصلاة والسلام بمظهر العاجز، وإذا ظهر عجزه في زعمهم اتخذوا من ذلك ذريعة لمنع الناس عن اتباعه، وللوقوف ضد ينبوع الإيمان الذي يسري، ولا ينقطع، ولكن هل تحقق ما أرادوا، لقد ثبت بذلك صدقه، وأنه لا يريد إلا الحق، والأتباع يزيدون ولا ينقصون ولا يرتد أحد، بل يزدادون إيمانًا.

وإنهم يحيلون موضع الجدل آيات، والقضية توحيد أو تعدد. فهل يجادلون في الله، وهو شديد المحال.

ولكن أمام إلحاح المشركين وعنادهم استجاب لهم -وقد سألوه آية- فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا جبل حراء بينهما، وقد شاهد الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حادثة انشقاق القمر بمكة، وقد خلّد القرآن هذه المعجزة فقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ۞ وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: 1-2].

وهكذا عللوا رؤيتهم لانشقاق القمر بالسحر، وكانوا يتّهمون به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحققت فيهم سُنة السابقين مع المعجزات الحسيَّة كما أخبر القرآن.

هذا، ولمّا رأى المشركون ضعفهم عن مقاومة المسلمين بالبرهان، تحوّلوا إلى سياسة القوة التي اختارها قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما عجزوا عنه حيث قالوا: ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ كما في [سورة الأنبياء: 68].

أما هؤلاء فازدادوا بالأذى على كل من أسلم رجاء صدّهم عن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتركوا بابًا إلّا ولجوه، فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُجَمِّعُكُمْ»، فسألوه عن الوجهة، فأشار إلى الحبشة.

المصادر

- "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد".

- "السيرة النبوية الصحيحة" لأكرم ضياء العمري.

- "خاتم النبيين" لمحمد أبي زهرة.

- "نور اليقين" للشيخ محمد الخضري.

بعدما لجأ مشركو قريش إلى عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليوغروا صدره على ابن أخيه حتى يتخلى عن نصرته، سالكين بذلك طريق الإيذاء والفتنة، بل والإيذان بالحرب والمنابذة، ووجدوا أن مسعاهم هذا قد باء بالفشل بسبب عدم تخلِّي أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه؛ ارتأوا أن يلجأوا إلى السياسة المقابلة، ألا وهي سياسة الملاينة، والإغراء بالمال أو الجاه أو الملك والسلطان ظنًّا منهم أنه ربما يغري بريق هذه العروض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيفتنوه عن دينه أو يحولوه عن وجهته.


لطالما وفدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ضمن هؤلاء الوفود الذين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أول الإسلام وفد من النصارى؛ حكى حكايتهم ابن إسحاق حينما ذكرهم قائلًا: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشرون رجلًا، أو قريبًا من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه فكلَّموه وسألوه، ورجالٌ من قريشٍ في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به، وصدَّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.


الجزيرة العربية جزء هام من العالم له تميز خاص بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه الديني، ولم تكن الجزيرة بمنأًى عن التأثر بالحالة العامة التي يعيشها العالم هذه الأثناء فهي سياسيًّا قبائل متفرقة تعاني التناحر والاقتتال غالب الوقت بسبب العصبية والحرص على الزعامة ولا أشهر من حرب داعس والغبراء والبسوس دليلًا على ذلك.


استقبلت قريش الحبيب صلى الله عليه وسلم بالبِشر والسرور وكانت حاضنته أم أيمن وهي جاريةُ أبيه واسمها برَكة، وأول مرضعاته صلى الله عليه وسلم هي ثُويبة جاريةُ عمِّهِ أبي لهب وكانت قد أرضعت قبله عمه حمزة بن عبد المطلب وبعده أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد فهم إخوة في الرضاع. ولما كانت عادة العرب إرضاع أبنائهم في البادية لينشئوا في أجواء نقية ويتمتعوا برحابة الصحراء بعيدًا عن الحواضر وضجيجها وملوثاتها انتقل صلى الله عليه وسلم مع حليمة بنت أبي ذؤيب إلى بادية بني


كان أول من آمن بالله وصدق صديقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصديقية؛ قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: «خشيت على نفسي»، فقالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31