08 مايو 2017 م

الإسناد من سمات الحضارة الإسلامية

الإسناد من سمات الحضارة الإسلامية

يُعَدُّ "الإسناد" إحدى خصائص الأمة الإسلامية؛ ذلك أن حضارتنا الإسلامية تتميز بسمة المشافهة، أي: انتقال العلم فيها بالتلقي الشفوي، وهذا النوع أضبط الطرق لتوثيق العلم؛ فالكتابة بمفردها لا توفر الثقة الكاملة بما تفيده؛ لأن كثيرًا من الإشكالات تتعلق بضبط المكتوب، فتم الجمع بين التلقي الشفوي والتوثيق بالكتابة، وهذا أمر تتفرد به الأمة الإسلامية وحضارتها، قال الإمام محمد بن حاتم: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها -قديمهم وحديثهم- إسناد".

ولقد كان توفيق الله تعالى للمسلمين إلى هذا الباب من العلم من دلائل حفظه تعالى لدينه الخاتم؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، فالسنة بيان للقرآن العظيم.

كما كان اهتمام المسلمين بهذا الأمر انصياعًا منهم لتوجيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ورغبة منهم في الحفاظ على سنته وتبليغ شريعته، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه البخاري، وقال أيضًا: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» رواه البخاري.

والإسناد من السند، والسند كل ما يُعتمد عليه -كالحائط مثلًا-.

والسند في علم الحديث يُقصد به رواة الحديث، فَهُمُ السند الذي يعتمد عليه في التثبت من ألفاظ الحديث، ومعرفة مدى صحة الرواية من ضعفها.

والعلم المتعلق بالإسناد علم واسع له مجالاته التي يتم الاستيثاق بها من النصوص، فيتم البحث فيه عن اتصال الإسناد، وهل قام كل راوٍ بالرواية عن سابقه فعلًا، فيبحث هذا العلم في تاريخ كلِّ راوٍ والأمور المتعلقة بحياته وأين يعيش ويُدرِّس، كما يبحث عن عدالة كل راوٍ ومدى ضبطه للرواية؟ وهل ينسى أم لا؟، وهل ظل محتفظًا بقدرته على الرواية المنضبطة طيلة عمره أم أنه أثرت فيه عوامل الزمن فصار ينسى أو تختلط عليه الروايات بعضها مع بعض؟

ثم يبحث في العلل التي قد ترد على الحديث حتى مع اتصال السند وعدالة الرواة، فيُراعي العلماء في هذا الشأن التحقق من عدم شذوذ الحديث المروي، أو أي علة أخرى قد تقدح فيه، ويتناولون هذه العلل بموضوعية ودراسة متأنيَّة، ويجمعون الطرق والروايات المتشابهة لرفع درجة الحديث، ثم يُبينون حكم هذا الحديث ودرجته من الصحة والضعف، والأمر لا يقف عند حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو منهج سارٍ في تراث المسلمين وفي مختلف أنواع العلوم، في التاريخ والفقه واللغة... وغيرها.

لقد حفظت الأمة بذلك العلم تراثًا عظيمًا، وثروة معرفية هائلة، مستخدمة في سبيل ذلك منهجًا علميًّا دقيقًا فريدًا، لا يقف عند حدِّ التثبت من النص، بل يُجاوزه إلى حدِّ كيفية الأداء له، ويفتح الباب للتفسير والوصف التفصيلي حتى يكون المتلقي على بينة من النص أو الرواية الواردة، والسياق الذي وردت خلاله، والهيئة التي قيلت عليها، وهذه العملية العلمية المعرفية بلغت درجات عالية من الدقة والأمانة حتى إنه لا يُجامل فيها أحدٌ غيرَه، بل يشهد بما عرف في حقِّه من حفظ أو نسيان أو سلوك أخلاقي، ومن الأمثلة التي تذكر في الدلالة على تلك الأمانة أن الإمام علي بن عبد الله المديني، وهو إمام الحديث في عصره، لا يُروى عنه حرفٌ في تقويةِ أبيه، بل يُروى عنه ضدُّ ذلك، وغير ذلك هناك ما لا يحصى من الأمثلة على تلك الأمانة الخالصة، والدقة الفائقة التي بُني عليها علم الإسناد والتوثق من الروايات في الإسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- "شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (ص: 40-41).

- "علم دراسة الأسانيد وخطوات دراسة الإسناد" للدكتور ياسر محمد شحاته، ضمن "موسوعة علوم الحديث الشريف" (ص: 534 وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

 

أقام الإسلام المعاملات بين الناس على مبدأ الرضا، فلابد من قبول أطراف المعاملة والرضا بموضوعها وطبيعتها وأوصافها، وذلك كله بما لا يُحل حرامًا أو يحرِّم حلالًا.


تُعَدُّ المذاهبُ الفقهيَّةُ من أعظم المنجزات التي تتميز بها الحضارة الإسلامية، ذلك أنها صاغت عددًا من المناهج الفكرية في طرق التعامل مع النصوص الدينية وتطبيقها على الواقع، يُعَدُّ المذهبُ مدرسةً فكريَّةً بكل ما تعنيه الكلمة من معنًى، حيث يُقدم المذهب منظورًا للتعامل مع النصوص المختلفة، ويحدد طريقًا واضحًا لاستنباط الأحكام باستخدام عدد من الوسائل والأدوات، كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها.


كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


لم يَخْلُ ميدانٌ من ميادين النُّهوض والتَّقدُّم إلا وأسهم فيه المسلمون إسهامًا متميِّزًا؛ ومن هذه الإسهامات ما قدَّموه في ميدان علم التَّشريح، الذي يُعْنَى بالبحث في أعضاء الكائن الحيِّ وتركيبِها وكيفيَّةِ عملِها؛ حيث اعتبروا ممارسة التَّشريح أمرًا ضروريًّا ليس فقط لفهم وظائف أعضاء الجسد، بل ولسلامة التَّشخيص وتقرير العلاج الناجع أيضًا.


اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 27 أبريل 2025 م
الفجر
4 :42
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 30
العشاء
8 :53