01 يناير 2017 م

حقُّ الطَّريق

حقُّ الطَّريق

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ».

وبيَّن الإمام ابن حجر رحمه الله روايات أخرى فيها حقوق للطريق ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول رحمه الله: "قوله: قالوا: وما حق الطريق؟ -في حديث أبي شريح- قلنا: يا رسول الله، وما حقه، قوله: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، في حديث أبي طلحة الأولى والثانية وزاد: «وَحُسْنُ الْكَلَامِ» رواه مسلم (2161)، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الأولى والثالثة، وزاد: «وإِرْشَادُ ابْن السَّبِيلِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذا حَمِدَ اللهَ»، وفي حديث عمر رضي الله عنه عند أبي داود، وكذا في مرسل يحيى بن يعمر رضي الله عنه من الزيادة: «وَتُغِيْثُوُا الملْهُوفَ، وَتَهْدُوا الضَّالَ»، وهو عند البزار بلفظ: «وإِرْشَادِ الْضَّالَ»، وفي حديث البراء رضي الله عنه عند أحمد والترمذي: «اهْدُوُا السَّبِيلَ، وَأَعِينُوا المظْلُومُ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ»، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البزار من الزيادة: «وَأَعِينُوا عَلَى الحَمُولَةِ»، وفي حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه عند الطبراني من الزيادة: «ذِكْرُ اللهِ كَثِيرًا»، وفي حديث وحشي بن حرب رضي الله عنه عند الطبراني من الزيادة: «واهْدُوُا الأَغْبِيَاءَ، وَأَعِيْنُوا المظْلُومَ».
ومجموع ما في هذه الأحاديث الثمانية: "أربعةَ عَشَر أدبًا". "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (11/ 11).

ومن خلال هذه الروايات التي تتحدث عن حق الطريق يتبين لنا الحقائق التالية:
- أولًا: لم يقف الإسلام بالنسبة لحق الطريق عند الحق المدني -كما تعتبره كل الحضارات القائمة الآن-، بل جعله بالإضافة إلى الحق المدني حقًّا دينيَّا يلزم من الالتزام به الثَّواب، ويلزم من الإخلال به العقوبة الأخرويَّة، وهذه الحقيقة أمر النبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتطبيقها في المجتمع، فحثَّ على الحفاظ على سير الطرق واحترامِها، وبين الثَّوابَ المترتبَ على ذلك، وحذَّرَ من الإفسادِ والعبثِ فيها، بل بيَّن أنّ الحفاظَ على الطرق جزء من إيمان الإنسان بالله تعالى؛ فقال عليه الصلاة والسلام: « الإِيمانُ بِضعٌ وسبعونَ شُعبةً، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأَذى عن الطَّريق، والحياءُ شُعبةٌ مِنَ الإِيمانِ»، وهو تطبيق لكلِّيَّات القرآن التي لم تفرق بين الإيمان والعمل، بل هما في الجملة شيء واحد؛ فحفاظ المسلم على قوانين المرور، ورفعه الأذى عنه جزء من إيمانه، وثمرة من ثمرات توحيده لله تعالى.

- ثانيًا: إنه بالتأمل في آداب الطريق وحقوقه سنجد أن المغزى هو حصول الأمن والأمان، وحالة الاحتياج إلى استعمال الطرق والمرور فيها واجتيازها والسير فيها من أجل قضاء الحوائج، فالأربعة عشر حقًّا أو أدبًا كلها عوامل طمأنة وتهدئة للنفوس وإرسال رسائل السلام، بل والإعانة لكل من يحتاج إلى الإعانة أثناء السير والمرور، ولا يخلو الطريق من وجود الملمَّات والمفاجآت غير السارة، فقابل الإسلام ذلك بالضد، والتخفيف من كل ملمَّة يمكن أن تحدث في الطريق ببث روح الإقبال على الناس والبشاشة في وجوههم، والملاقاة بالسلام والأمان فتستقر نفوسهم، بل حتى في أبسط الأمور فإذا عطسوا شمّتوا، وإن أساءوا نبهوا، فيحسن من يلاقونهم معهم قولًا، ويعينونهم فعلًا، وينصرونهم إذا ظُلموا، ويأمنونهم في أعراضهم وأرواحهم، ويحفظونهم في أموالهم، ويعينون المحتاج، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بل والاسترسال في ذكر الله سبحانه وتعالى، وكلها عوامل ستؤدي بالقطع إلى حصول الأمان والسلامة والتقليل بأكبر قدر ممكن من مخاطر الطرق وملماتها التي لا تخلو الطرق -مهما تقدمت العوامل الحضارية- منها.

وبهذه الأدبيات التي أشاعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين قومه عمَّ الأمن والاطمئنان في طرق المسلمين، لذا لم نجد غرابة أن تتقدم المدينة وحواضر المسلمين، وأن يشعر الناس في عهده بالأمن في ديارهم وطرقهم، وهو القائل عليه أفضل الصلاة والتسليم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».

وفي عصرنا الحاضر نحن بأشد الحاجة بالاعتناء بحقِّ الطريق فيما يتعلق بما يمكن أن نسميه "السلامة المرورية"، فأدبيات المرور أو قواعد السلامة المرورية تحفظ الإنسان من الهلاك في الطرق، والإخلالُ بها إيقاعٌ للنفس في التهلكة، وقد قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بأيدِيكُم إلَى التَهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. وهذا قد يدخل -كما قرره العديد من الفقهاء المعاصرين- في الانتحار أو القتل العمد.

أمّا المسلم المؤمن الحق فهو الذي يمشي على الأرض هونًا، مراعيًا آداب الطرق، وقواعد السلامة فيها؛ لأنّه يعلم أنّ هذا داخل في عبادته لله تعالى، ومسؤول عنه يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، فهم يمشون على الأرض هونًا، خاليًا من الكبر والغرور، ولو حاول المفسدون السخرية منهم قالوا سلامًا؛ لأنهم يعملون بذلك رضا لرب العالمين، وحفظًا لأرواح الآمنين، وسعيًا في إظهار النظام والخير للناس أجمعين.

عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا أنه قال: "كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ" أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه". وعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي رضي الله عنه، أن أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟»، قالوا: نعم، قال: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» أخرجه الإمامان أبوداود وابن ماجه في "سننهما".


فأما البر: فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله، وجاء تفسيره في الحديث بأنه حسن الخلق، وعُبَّر عنه في حديث آخر لوابصةَ بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه. فالبرُّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم، وذلك قوله: «البرُّ حسن الخلق»، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكفُّ الأذى، والعفو عن المسيء، والتواصل معهم بالمعروف، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: "البرُّ شيء هيِّن: وجه طليق، وكلام ليِّن".


عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم. هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: «الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال في باطنها، فإذا كان كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى ليس فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، والمراد بأمره ها


روى البخاري في "صحيحه" عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذُهَيْبَة فقسمها بين الأربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي، وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب، فغضبت قريشٌ والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»، فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كثّ اللَّحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: «مَنْ يُطِعْ اللهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي اللهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي»، فسأله رجلٌ قتْلَه -أحسَبُه خالد بن الوليد رضي الله عنه-، فَمَنَعَهُ، فلما ولّى قال: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا- قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ قَتَلْتُهُمْ قَتْلَ عَادٍ» متَّفق عليه.


عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» متفق عليه. يعدُّ هذا الحديث قاعدةً من قواعد الإسلام؛ قال الإمام أبو داود السِّجسْتاني رحمه الله: [يدور -أي الإسلام- على أربعة أحاديث: ...، -منها- حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»] اهـ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :39
الظهر
12 : 50
العصر
4:21
المغرب
7 : 2
العشاء
8 :20