01 يناير 2017 م

في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفَّ عنهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

في مشي قريش إلى أبي طالب ليكفَّ عنهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

عندما يبدأ الحق في الانتشار والتمكن يجن جنون أهل الباطل، ويلجؤون إلى كل السبل التي تعطل مسيرة الحق والحقيقة.

لقد كان من مقتضيات بيان الحق والحقيقة على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون الحديث عن الإله الواحد الأحد في مقابل بيان النقص وذكر آلهة المشركين بالعيب، عندئذٍ انتفض المشركون وأرادوا إيقاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الزُّهري وابن إسحاق: فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومَه بالإسلام وصدع به كما أمره الله، لم يبعد منه قومه ولم يردُّوا عليه، حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا لخلافه وعداوته إلا من عصم اللَّه تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون.

ولكن كان من أقدار الله لحفظ دينه أن جعل من أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجر عثرة في طريقهم للنَّيل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتحكي كتب السيرة كيف كان أبو طالب يصد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ جاء في "سبل الهدى والرشاد": وحدب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمر الله مظهرًا لأمره لا يردُّه عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه لهم، مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا: "يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا وعاب ديننا وسفَّه أحلامنا وضلَّل آباءنا، فإما أن تكفَّه وإما أن تخلِّي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه". فقال لهم أبو طالب قولًا رفيقًا وردَّهم ردًّا جميلًا، فانصرفوا عنه.

وهكذا كان أبو طالب سببًا في انصرافهم عنه، بتقدير من الحكيم الخبير سبحانه وتعالى، فكان سببًا في فتح الطريق من جديد أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكي يمضي على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه.

ولقد أدَّى هذا إلى تذمرهم من جديد واستشرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش من ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينها؛ فتذامروا فيه، وحضَّ بعضهم بعضًا عليه.

وهنا أعادت قريش المحاولة من جديد من خلال توجيه أبي طالب وحثه على الضغط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتحكي كتب السيرة تلك المحاولة؛ فقد جاء فيها: ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب إن لك سنًّا وإن لك شرفًا ومنزلةً فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنَّا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفَّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين -أو كما قالوا له- ثم انصرفوا عنه.

فعظُم على أبي طالبٍ فراقُ قومه وعداوتُهم، ولم يطِبْ نفسًا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا خذلانِه، فأرسل خلفه فقال: "يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا … للذي كانوا قالوا له؛ فأبقِ على نفسك وعليَّ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق".

وهنا يجيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجواب المشهور الذي يعبر عن حقيقة النبوة في كيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي لن يكون لها مرسى إلا بوصول الأمر الجلل إلى جميع خلق الله، حتى يكون من بعد ذلك الظهور والتمكن لدين الله في أرض الله؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «يا عمِّ، والله، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته»، ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهنا يدرك أبو طالب قوة المخبر والمصدر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن للحق صولة وجولة، وهو الدين الحق الذي هو الإسلام يعلو ولا يعلى عليه؛ فينادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلًا: "اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت؛ فو الله لا أُسْلِمُكَ لشيء أبدًا".

ثم قال:

وَالله لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ * حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا

فَامْضِي لِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ * أَبْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونَا

وَدَعَوْتَنِي وَعَلِمْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي * فَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ قِدْمُ أَمِينَا

وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ * مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا

لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِيَ سُبَّةً * لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا

      فصلاة وسلامًا عليك يا سيدي يا رسول الله.

المراجع:

- "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"، لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت942هـ).

 

 

 

 

 

عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيِّين، وإنَّ آدم لمنجدل في طينته» (رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه). قال الطيبي في "شرح المشكاة": المعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء تخلُّقه لم يُفرغ بعد من تصويره وإجراء الروح.


كانت الإنسانية الحائرة على موعد مع منقذها الذي قيضه الله تعالى لها؛ ليخرجها من التردي والانحراف الشديد الذي أصابها حتى تنعم من جديد بنور الوحي الذي تخلت عنه لسنوات فتهتدي من الضلالة وتسترد نقاء الفطرة التي دنستها الممارسات الفاسدة.


هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. كان جدُّه عبد المطلب بن هاشم سيدَ قريش، وأوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، وكان يطعم الناس، وحَفَرَ بئرَ زمزم، وتولَّى سقاية ورفادة الحجاج، وله الموقف المشهور مع أبرهة حين أتى يهدم الكعبة، فطلب منه أن يرد عليه مائتي بعير كان قد أخذها منه في حملته للهدم، فتعجب أبرهة من طلبه، وقال له: "أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه!" قال له عبد المطلب: "إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًّا سيمنعه".


دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم يعبد الله تعالى فيها، ودخل معه جماعة حتى تكامل المسلمون أربعين رجلًا، وكان آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما تكاملوا أربعين رجلًا خرجوا، ولما ولما أسلم عمر قال: يا رسول الله عَلَامَ نخفي ديننا ونحن على الحقِّ، ويظهر دينهم وهم على الباطل؟ فقال: «يا عمر إنا قليل». فقال عمر: فو الذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان.


لا شكَّ أنَّ العقلَ عنصرُ الأخلاق الشَّريفة، ومنه ينبعث العلم والمعرفة. ومن المعلوم لكلِّ ذِي لُبٍّ أنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم من أعقَلِ خَلقِ اللهِ، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاقِ في نفس الأمر، فبحسبِ عقله صلى الله عليه وآله وسلم كانت علومُه ومعارفُه، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام أحسنُ النَّاسِ خلقًا وعلمًا ومعرفةً وعقلًا، وذلك سجيَّةً فيه وطبعًا.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :50
الشروق
6 :23
الظهر
12 : 59
العصر
4:35
المغرب
7 : 34
العشاء
8 :57