01 يناير 2017 م

الرفق بالحيوان

الرفق بالحيوان

يظن البعض أن الاهتمام بقضية "الرفق بالحيوان" قد بلغ منزلة عظيمة في ظل الحضارة الغربية الحديثة، في حين أن نظرةً خاطفةً لتراث المسلمين تؤكد أن هذا الاهتمام، بل والتطبيق العملي له، نشأ نشأةً حقيقية بين المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما تلاه من عهود، كيف لا، وهذه القضية مظهرٌ من مظاهر الرحمة، التي جاء الإسلام ليكون عنوانًا عليها، وجاء الرسول ليكون تجسيدًا لها؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ليس للآدميين فحسب، بل للعالمين؛ من إنسانٍ، وحيوانٍ، وماءٍ، وهواءٍ، وجمادٍ، ... إلخ.

وقد كانت التوجيهاتُ الإسلامية في هذا الشأن واضحةً؛ فقد بيَّن الله تعالى أنه يتولى رزق كلِّ من في هذا الكون؛ فقال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]، وبيَّن سبحانه أن هذه الدوابَّ والطيورَ مخلوقاتٌ مثل الآدميين، ومن ثمَّ يجب ألا تتعرض لظلمٍ أو تعذيبٍ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: 38].

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكَّد على هذا المعنى عدَّة مراتٍ في توجيهه وتعليمه لأمته؛ حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» رواه البخاري، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا» رواه مسلم.

وركبت السيدة عائشة بعيرًا، فكانت فيه صعوبةٌ، فجعلت تُرَدِّدُه (أي: تمنعه وتدفعه بشدةٍ وعنفٍ)، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ» رواه مسلم، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا من النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» رواه أبو داود.

كما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللهو بالطيور والحيوانات -كما يحدث من بعض قُساةِ القلوبِ ومن يتلذذون بمصارعة الثيرانِ، ومهارشةِ الديوك، واللهوِ بالطيور-؛ فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ" رواه أبو داود والترمذي.

والتحريش هو: الإغراء، وتهييج بعضها على بعضٍ -كما يفعل بين الجمال، والكباش، والديوك، وغيرها، ووجه النهي أنه إيلامٌ للحيوانات، وإتعابٌ لها بدون فائدة، بل مجرد عبث.

وقد مَرَّ ابنُ عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا، وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقوا، فقال ابن عمر: "من فعل هذا، لَعَنَ اللهُ من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ من اتخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا" رواه مسلم.

ومن هذه الروح وهذا التصور صاغ الفقهاء أحكامًا خالدةً تؤكد على هذه المعاني السامية؛ فلقد نص الفقهاء  على أنه تجب النفقة للبهائم المملوكة، سواء كانت مما يؤكل لحمًا، أو مما لا يؤكل، فإذا امتنع مالكها أجبره الإمام أو القاضي على بيعها، ولو كان لها ولد، ولم يكف لبنها سوى إطعامه امتنع أن يحلبها أحد، ولو أجدبت الأرض وصارت غير قابلة للزراعة، وجب على مالك البهيمة أن يبحث عن طعامها، كما يبحث عن طعام أولاده، ويحرم خصاء البهائم؛ لما يلحقها من التعذيب، ولا يجوز حمل الأثقال على ما لم تُخلق للحمل؛ كالبقرة، والجاموسة، والغزالة، ونحوها، ويحرم أيضًا متابعة السفر عليها دون أن ترتاح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» رواه مسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- "عون المعبود شرح سنن أبي داود" لمحمد شمس الحق العظيم آبادي.

- "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" للمباركفوري.

- "فتح المنعم شرح صحيح مسلم" للدكتور موسى شاهين لاشين.

- "الرفق بالحيوان" للدكتور محمد رجب البيومي ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- مصر).

 

نحن أُمَّةٌ متدينة، امتزجت حضارتنا بعقيدتنا، فكان الدينُ أساسَها وروحَها وموَجِّهَها وسببَ ازدهارها وباعثَ حياتها عبر العصور.


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


عرفت الحضارة الإسلامية القضاء منذ ظهور الإسلام؛ فلقد حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون بين الناس، وبعث النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن للقضاء بين الناس، وبعث كذلك معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث الخليفةُ الصدِّيقُ أبو بكر رضي الله عنه أنسَ بن مالك إلى البحرين ليقضي بين الناس، وبعث الفاروقُ عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وبعث عبدَ الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا.


يمُرُّ الإنسان بأطوار مختلفة في حياته؛ حيث ينشأُ طفلًا ضعيفًا مفتقرًا إلى غيره في أبسط الأمور، ثم يزداد قوَّةً ومعرفةً ومهارةً بمرور الوقت، حتى يصير شابًّا فتيًّا يقدر على الكسب والكفاح في الحياة، ثم يعتريه الضعف مرةً أخرى ويَغْلِبُ عافيتَه البدنية والعقلية رويدًا رويدًا، ولقد بيَّنَ الله تعالى هذه المراحل في قوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54]، فهذا الانتقال من طَورٍ إلى طَورٍ سُنَّةٌ من سُنَنِ الله في خَلقه.


الإسلام دين الرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة، والرحمة في الإسلام سمة حضارية عامة تشمل الأكوان كلها من إنسان وحيوان وطير وشجر وحجر ومؤمن وغير مؤمن


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 يوليو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :3
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :29