01 يناير 2017 م

طيب النفس من النعيم

طيب النفس من النعيم


عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: نَرَاكَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ. فَقَالَ: «أَجَلْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ»، ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْمُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى خَيْرٌ مِنْ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنْ النَّعِيمِ» رواه ابن ماجه، وقال فِي "زوائد ابن ماجه": إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

في هذا الحديث الشريف يتأمل بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيلاحظوا حالة عالية من طيب النفس بادية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيلجئهم ذلك إلى أن يفضوا إلى رسول الله بما لاحظوه، فيوافقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحمد الله على تلك الحالة النورانية الطيبة، وكأن هؤلاء الجماعة من الصحابة رضي الله عنهم عندما لاحظوا هذا جرهم ذلك إلى الحديث عن أسباب السعادة وطيب النفس، فاختلفوا على الغنى هل هو من موجبات السعادة وطيب النفس أم لا؟ فجاء بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إجابة على تساؤلاتهم.

فكان أول ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا بأس بالغنى بشرط توفر التقوى؛ لأن الغنى بغير تقوى يؤدي إلى الهلاك والضياع، فغير التقي سوف يجمع المال من غير حقه، وسوف يمنعه من حقه، ويضعه في غير حقه، فإذا كان وجود المال حاصلا مع توفر التقوى لم يكن في ذلك مندوحة، ولا ضير في ذلك، بل المأمول أن يُستعان بهذا المال الزائد في الإنفاق على وجوه الخير.

ثم يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هناك حالة أفضل من تلك الحالة، ألا وهي وجود الصحة مع توفر التقوى، وذلك لأن الصحة تجمع بالإضافة لسلامة الحال في الدنيا الإعانة على أعمال الآخرة من العبادات والطاعات، فالصحة تحتوي على منفعة المال، ولكنه مال يستمر نفعه متجاوزا عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وفي مقابل هذا فإن السقم والمرض عَجْزٌ حَاجِزٌ لِعُمْرِ الَّذِي أُعْطِيَهُ، يَمْنَعُهُ الْعِبَادَةَ، وَالصِّحَّةُ مَعَ الْفقرِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْعَجْزِ، وَالْعَاجِزُ كَالْمَيِّتِ.

والأفضل من هذا وذاك مطلقا طيب النفس، فهو المقصد والمراد والغاية، ورب إنسان حاز الغنى ولم يكن طيب النفس، ورب إنسان حاز الصحة ولم يكن طيب النفس، ورب إنسان حاز على الغنى والصحة معا ولم يكن طيب النفس، فكل من هؤلاء لم يحصل المبتغى وضاع عليه الوصول إلى السعادة الحقيقية التي مردها في نهاية الأمر طيب النفس، فطيب النفس كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النعيم، أو هو النعيم الحقيقي بالنسبة لما عداه من أمور دنيوية كالغنى وصحة الأجسام.

وما هو طيب النفس؟
طيب النفس هو انْشِرَاحُ الصَّدْرِ الْمُقْتَضِي لِلشُّكْرِ، وَالصَّبْرُ الْمُسْتَوِي عِنْدَهُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ، وهو النور الوارد الذي أشرق على الصدر، فإذا استنار القلب ارتاحت النفس من الظلمة والضيق والضنك؛ فإنها لشهواتها في ظلمة والقلب مرتبك فيها؛ فالسائر إلى مطلوبه في ظلمة يشتد عليه السير، ويضيق صدره، ويتنكد عيشه، ويتعب جسمه، فإذا أضاء له الصبح، ووضح له الطريق، وذهبت المخاوف، وزالت العسرة؛ ارتاح القلب، واطمأنت النفس، وصارت في نعيم؛ قال تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]؛ جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا، وَجَنَّةٌ فِي الْعُقْبَى.
 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، وَإِنْ كَانَتْ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» رواه الترمذي. في هذا الحديث الشريف يبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصال النفاق، وهنا يظهر هذا التساؤل: هل المقصود هنا في الحديث نفاق الاعتقاد؛ بمعنى أنه يعدُّ من المنافقين الذين هم في الدَّركِ الأسفل من النَّار؟ أم هو نفاق وراء ذلك أو دون ذلك؟


عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عنه أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآله وسَلَّم لَقِيَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ حَارِثَةُ رضي الله عنه فِي بَعْضِ سِكَكِ المدينة، فقال: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟» فَقَالَ أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا بِاللهِ تَعَالَى حَقًّا، قَالَ: «انْظُرْ إِلَى مَا تَقُولُ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، فَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوُونَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ -وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتَ فَالْزَمْ-، عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ» أخرجه الإمام الطبراني "في الكبير".


عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم. هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: «الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال في باطنها، فإذا كان كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى ليس فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، والمراد بأمره ها


إنَّ في التزوُّجِ بركة عامة لمن طلبه لتحقيق العفاف؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 32]. وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمُ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ».


قال عَبْدُ اللهِ بن مسعود، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ» متفق عليه.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 يونيو 2025 م
الفجر
4 :10
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34