الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

الحرب في الإسلام

الحرب في الإسلام


لم يكن هدف الحرب في الإسلام السيطرة على الشعوب ونهب مقدراتها، وإنما كانت تهدف إلى تحريرهم من نير الظلم والاستعباد، والدفاع عن الدعوة إلى الدين الحق، لقد كان هذا هو محور التوجيهات الإسلامية في القرآن والسنة وإجماع العلماء والتطبيق العملي الواقعي المتمثل في سلوك كثير من القادة العسكريين على مدار التاريخ الإسلامي.

إن القرآن الكريم يحدد الغاية من القتال في كونه مانعًا من الفتنة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 193]، هنا يبين القرآن بوضوح أن القتال أمر محدود، ويسعى لإنهائه بأسرع وقت وأقل تكلفة، وقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39]، والقتال يكون في سبيل الله تحقيقًا لمراده تعالى وتوجيهه، وليس تشهيًّا للقتل والتخريب والتدمير، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ويحذر من قتال من يُسالم ويمتنع عن قتال المسلمين: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: 90]، فإن حدث العكس فإن الله تعالى يبيح قتال هؤلاء المعتدين: ﴿فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 91]، وهذا هو التوازن الذي يمثل جوهر النظر الإسلامي للسعي في هذه الحياة بتطلع إلى مُثُلٍ عُليا، ولكن بواقعية في الوقت ذاته.

كذلك كان الهدي النبوي مؤكدًا على هذه القيم والأخلاقيات الرفيعة السامية؛ فعن حنظلة الكاتب، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمررنا على امرأة مقتولة، قد اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له، فقال: «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ»، ثم قال لرجل: «انْطَلِقْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُكَ، يَقُولُ: لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا» رواه ابن ماجه.

ومن نماذج التزام المسلمين بهذه القيود وتطبيق الهدي الإلهي والنبوي في الحرب وأخلاقياتها ما رواه البيهقي في سننه الكبرى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشًا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير رُبْعٍ من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: "ما أنت بنازل ولا أنا براكب، إني أحتسب خُطاي هذه في سبيل الله". قال: "إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قومًا فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن".

ولقد كانت هناك آداب مرعية في حروب المسلمين بدعوة الخصم للدخول في الإسلام أو الاستسلام ودفع الجزية قبل بدء الحرب، وحسن معاملة الأسرى، وقبول السلم والصلح، قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61]، وغير ذلك من الآداب والأخلاق والضوابط التي أتينا على ذكر بعضها فيما سبق.

لقد خاض المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرات المعارك، وكان عدد القتلى فيها جميعًا يجاوز الألف بقليل، وهو رقم ضئيل جدًّا يؤكد عدم تشوف الإسلام للقتل والتزام المسلمين بهذا المنهج، كما لم يكن من آثار انتصار المسلمين في الحروب التي خاضوها أن أجبروا المهزومين على اعتناق العقيدة الإسلامية، ولقد كانت مِصْرُ بعد أن فتحها المسلمون أحد النماذج الشاهدة على عدم الإكراه في الدين، فقد ظل أهل مصر تحت الحكم الإسلامي يدينون بالمسيحية وتحولوا منها إلى الإسلام عبر تعاقب الحقب والأزمان إلى أن صار المسلمون بها أغلبية كاسحة بعد حوالي أربعة قرون من فتحها.

إن الحرب في الإسلام بأهدافها وضوابطها وأخلاقياتها نموذج فريد يدل على مقدار ما وصلت إليه حضارة الإسلام من رقي وسمو، ودليل دامغ على سعي هذا الدين الحنيف لنشر السلام والاستقرار في العالم بأسره.
 

تعد مقاصد الشريعة من المظاهر الحضارية للشريعة الإسلامية؛ فهي التي تحدد أساس التصور الإسلامي للسعي في هذه الحياة، والإسلام يُعنَى بدرجات مختلفة من المقاصد، تُرَتَّبُ على حسب الأولوية، فهي على ثلاثة مستويات: ضرورية، وحاجيَّة، وتحسينية.


الإنسان هو محور هذا الكون، وهو معجزة الله العظمى في هذا النظام المتقن الفسيح، خلقه الله تعالى على هيئة تختلف كليةً عن سائر المخلوقات، وخصه الله سبحانه بالنعمة العظمى؛ ألا وهي نعمة العقل


علم الجرح والتعديل أو علم الرجال، هو أحد العلوم التي تميَّزَ بها المسلمون عن سائر الأمم، وقد كان الهدف منه التثبت من نقل الأخبار والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوقف على هذا العلم الحكم بصحة الخبر أو الحديث أو ضعفه أو كذبه، وهو توجيه إلهي حث الله سبحانه عليه المؤمنين حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].


علم الحيل هو الاسم العربي لما يُسمَّى بعلم الميكانيكا، والهدف منه معرفة كيفية الحصول على فعلٍ كبيرٍ بجهدٍ يسيرٍ، ولهذا سمَّاه العرب بالحيل، أي استخدام الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات، والآلة بدل البدن. وقد كان لِقِيَمِ رسالةِ الإسلام وآدابها دورٌ كبيٌر في دفع المسلمين للاهتمام بهذا العلم وتطوير الآلات لتوفير المزيد من الإمكانات والطاقات، فإذا كانت الحضارات الأخرى قد اعتمدت على السُّخرة في تحصيل المنافع للنُّخَبِ والطَّبقاتِ العُليا بها من الحكام والأمراء وذوي الجاه، فإنَّ الإسلامَ نهى عن التَّكليفِ بما لا يطاق، وإرهاق الخدم والعبيد، بل والحيوانات أيضًا، فبدت الحاجة ملحَّةً في استخدام آلاتٍ توفِّرُ الجهد والطَّاقة وتحقِّقُ إنتاجًا كبيرًا بأقل مجهود ممكن.


اعتنى الإسلام بأمر الصحة بعامة، وأرشدنا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى جملة من الآداب التي ارتقى بعضها إلى عبادات واجبة؛ ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعًا صحيًّا آمنًا بنسبة كبيرة من الأمراض والأوبئة، وتقليص فرص ظهورها قدر الإمكان، مما ينعكس بشكل إيجابي على كفاءة أفراد المجتمع وطاقته الإنتاجية وقوته وفتوَّته.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20