01 يناير 2017 م

"بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"

"بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"

لقد شاءت إرادة الله تعالى أن يرسل للإنسانية رسولًا من عنده؛ ليأخذ بيد الناس إلى طريق الهداية من جديد، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويصحح بوصلتهم؛ ليكون توجههم وإذعانهم إلى خالقهم الحق سبحانه وتعالى، وليبتعدوا عن خرافات الجاهلية من عبادة الأصنام أو النجوم أو النار، ولِيُحْيي فيهم الأخلاق الكريمة بعد اندثارها وشيوع مساوئ الأخلاق مكانها.

وقد اختار الله لهذه المهمة الجليلة رجلًا وسيطًا من بني هاشم، عُرِفَ بين الناس بأمانته وحُسن خُلقه وطِيِبِ عنصره ونقاء فطرته، إنه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

لقد اختاره الله واصطفاه، وأوحى إليه المنهاج الواضح الذي تحتاج إليه البشرية عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا، ووصله بإخوانه النبيين من قبله، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: 163].

اعتاد الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يخلو بنفسه في غار حراء، ويقضي فيه الليالي ذوات العدد متعبدًا متأملًا ملبيًا نداء الفطرة باحثًا عن الحقيقة، وظل على هذه الحال يذهب إلى الغار، وكذلك كان يرى الرؤيا فتقع مثلما رآها؛ حتى تجلى عليه الحق سبحانه وتعالى، وكانت تلك الساعة المباركة التي التقت فيها الأرض بالسماء، ونزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم.

وقد أورد الإمام البخاري تصورًا واضحًا لهذا الموقف المهيب كما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ ولذا سوف ننقل هذه الرواية كاملة حتى تحصل الفائدة.

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث -يتعبد- فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَكُ فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ • خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ • اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق: 1-3]، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: «زملوني زملوني» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي»، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوَمُخْرِجيَّ هُمْ؟» قال: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عوديَ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي» [صحيح البخاري (1/ 7)].

لقد منَّ الله على الإنسانية بهذه المنحة العظيمة في خير الشهور وأعظمها بركة وهو شهر رمضان، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

ومن هذه الساعة انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونه رجلًا كريمًا في قومه مشغولًا بتجارته وزوجته وأولاده، إلى ساحة جديدة هي أشرف الساحات وأكثرها رحابة؛ إنها ساحة الدعوة إلى الله تعالى، وصارت حياته صلى الله عليه وسلم وقفًا لله تعالى ولدينه.

 

بدأ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم حياته العملية برعي الغنم، ثم انتقل للعمل بالتجارة، فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام رافق عمه أَبَا طَالِبٍ في رحلة تجارية إلى الشام وهي تلك الرحلة التي لقيهم فيها راهب نصراني اسمه (بحيرا) وسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، وعندما أمعن النظر في الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وتكلم معه عرف أنه هو نبي آخر الزمان المنتظر، الذي بشَّر به عيسى عليه السلام؛ ولذا فقد حذَّر هذا الراهب أَبَا طَالِبٍ من اليهود، وطلب منه أن يعود به إلى مكة سريعًا وقد أخذ أبو طالب بالنصيحة.


بُعِثَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الثقلين: الإنس، والجن. والجن كائنات مستترة عن أنظار البشر لهم قدرة على التجسد والظهور بأشكال مختلفة.


استقبلت قريش الحبيب صلى الله عليه وسلم بالبِشر والسرور وكانت حاضنته أم أيمن وهي جاريةُ أبيه واسمها برَكة، وأول مرضعاته صلى الله عليه وسلم هي ثُويبة جاريةُ عمِّهِ أبي لهب وكانت قد أرضعت قبله عمه حمزة بن عبد المطلب وبعده أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد فهم إخوة في الرضاع. ولما كانت عادة العرب إرضاع أبنائهم في البادية لينشئوا في أجواء نقية ويتمتعوا برحابة الصحراء بعيدًا عن الحواضر وضجيجها وملوثاتها انتقل صلى الله عليه وسلم مع حليمة بنت أبي ذؤيب إلى بادية بني


كانت الإنسانية قبل مبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة من التيه والتخبط؛ فعند التأمل تجد العالم في هذه الأثناء ممزقة أوصاله متفرقة أواصره، ولتزداد الصورة وضوحًا سنلقي شيئًا من الضوء على أحوال الأمم إذ ذاك.


لما أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيِّه، وإنجاز وعده له خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في موسم الحَجِّ، فعرض نفسَه على قبائل العرب؛ كما كان يصنع في كلِّ موسمٍ، فبينما هو عند العقبة ساق اللهُ نفرًا من الخزرَجِ أراد الله بهم خيرًا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى اللهُ إلا أن يكون من المدينة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 مايو 2025 م
الفجر
4 :19
الشروق
5 :59
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 44
العشاء
9 :13