01 يناير 2017 م

الطب في الحضارة الإسلامية

الطب في الحضارة الإسلامية


من أبرز العلوم التجريبية التي أسهمت فيها الحضارة الإسلامية بالنصيب الأوفر هو علم الطب، ذلك العلم الذي يهتم بصحة الإنسان ويضع له طرق الوقاية والعلاج من الأمراض، ولم يقتصر إسهام الحضارة الإسلامية في مجال العلوم الطبية على اكتشاف الأمراض المختلفة، ووصف الأدوية المناسبة لعلاج هذه الأمراض، بل اتسع وامتد إسهام المسلمين في الحضارة الطبية حتى بلغ مرحلة التأسيس لمنهج تجريبي دقيق يتفوق ويسمو على مناهج المدارس الطبية التقليدية التي كانت سائدة قبل الإسلام، كالصينية والهندية والبابلية والمصرية واليونانية والرومانية بل والمدرسة العربية قبل الإسلام، فعلى الرغم مما وصلت إليه هذه الحضارات القديمة من مقدرة فائقة على اكتشاف الأمراض وبعض علاجاتها، فإن سيطرة كهنة المعابد والأديرة في هذه الحضارات القديمة على مهنة الطب قد أدخلت فيها كثيرًا من الخرافات والأوهام المتعلقة باعتقاد سيطرة بعض الأرواح الشريرة على جسد الإنسان مما يسبب له معاناة المرض والوجع، ومن ثم فقد مزجوا بين العلاج بالمفردات الطبية والطلاسم والتعاويذ السحرية. (1)

ولما بُعث الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم هدايةً للناس في أمر الدين والدنيا معًا، أرشد إلى قاعدة مهمة في تحرير العقل العلمي من سيطرة عقلية الخرافة الكهنوتية، فقال صلى الله عليه وسلم : «أنتم أعلم بأمر دنياكم» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : «لكل داء دواء» رواه مسلم. وقال: «تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد؛ الهرم». رواه أبو داود. وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تتطبب ولم يُعلم منه طبٌّ فهو ضامن».

وعلى ضوء هذه القواعد النبوية التي حررت العقل من الخرافات والأوهام سارت الحضارة الإسلامية، ولم يقف المسلمون في ممارسة الطب على ما روي في السنة المطهرة من أساليب الطب النبوي، بل تعمق الأطباء المسلمون في دراسة الطب اليوناني وغيره ونشطوا نشاطًا واسعًا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من كتب الطب القديمة وأفادوا منها وطوروها على أُسس علمية جديدة، وتعرف الأطباء المسلمون على الطب اليوناني من خلال مدرسة الإسكندرية ومدرسة جُنْدَيسَابور.(2) وقد قام ماسرجويه الطبيب اليهودي بترجمة موسوعة الكُناش الطبية اليونانية للخليفة مروان بن الحكم (63هـ).(3) وكذلك ما ترجمه خالد بن يزيد الأموي (ت 85هـ) الذي ترجم كثيرًا من الكتب الطبية التي حوتها مكتبة الإسكندرية. وفي العصر العباسي تطور علم الطب في الحضارة الإسلامية حتى صحح كثيرًا من المفاهيم المغلوطة التي كانت منتشرة في المدارس الطبية السالفة، ومنه ما استدركه ابنُ النفيس على جالينوس الذي كان يدعي وجود ثقب بين البطين الأيمن والأيسر في القلب، وبناء على هذا التصحيح عرفت الإنسانية المعنى الصحيح للدورة الدموية التي اكتشفها ابن النفيس. وبرع في علم الطب في هذا العصر أيضًا العلامة الكبير أبو بكر الرازي الذي صنف كتاب الحاوي من أعظم الكتب في تاريخ الطب. لقد اتسم المنهج الإسلامي بالانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى وأفاد منها وطور فيها، والفريدة التي تميز بها هذا المنهج في الطب وفي سائر العلوم التجريبية أنه لم يجعل الطب – تعلمًا أو ممارسة - حكرًا على العرب أو المسلمين وحدهم بل فتح باب العلم والمعرفة لأهل الديانات الأخرى، فظهرت أسماء مسيحية ويهودية بارزة في علم الطب مثل قسطا بن لوقا البعلبكي، وأبي نصر المسيحي، وهبة الله بن جميع الإسرائيلي. وتبوأت عائلة آل بختشيوع النصرانية التي كانت تحترف الطب لمدة ثلاثة قرون مكانة رفيعة في دولة بني العباس، وكان من أشهر علمائهم الطبيب جبرائيل بن بختشيوع الطبيب الخاص لجعفر البرمكي أحد كبار الدولة في عهد هارون الرشيد.

ويعد كتاب القانون الذي ألَّفه العالم والفيلسوف المسلم ابن سينا من أهم وأشهر كتب الطب حتى في عصرنا هذا، وفضلًا عن الشروح الكثيرة التي حظي بها هذا الكتاب من العلماء العرب، فإنه أيضًا قد جذب اهتمام الأطباء والمترجمين الأوروبيين منذ عصر النهضة الأوروبية الحديثة وحتى الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب : رواد الطب في الحضارة الإسلامية لعلي بن عبد الله الدفاع، ص17، ط. مؤسسة الرسالة بيروت. وأيضًا تاريخ الطب في الدولة الإسلامية للدكتور عامر النجار، ص24، ط. دار المعارف.
(2) رواد علم الطب في الحضارة العربية والإسلامية لعلي عبد الله دفاع ص 68، ط. مؤسسة الرسالة.
(3) طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة (1/163).
 

 

اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ. إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه


العدل من القيم الرفيعة السامية التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية، والعدل هو ميزان الكون وأساس الملك، وقد فرضه الله تعالى في كل الكتب المنزلة، واتفقت البشرية في قوانينها الوضعية على وجوب تحقيقه والتزامه وبناء الأحكام عليه، وكلما تحققت الأمم بالعدل ارتقت حضاريًّا، وكلما فشا الجور والظلم في أمة تخلفت وسقطت في درك الشقاوة والفقر والتخلف والجهل،


كان نشرُ العلم أحدَ القواعد الأساسيَّة التي قامت عليها الحضارة الإسلامية؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معلِّمًا وداعيًا، يهديِ به اللهُ من يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقد خاطبه الله تعالى قائلًا له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۞ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53