الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

التعددية وقبول الآخر

التعددية وقبول الآخر

بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: 108-109].

 وقد بيَّنَ القرآن الكريم أنَّ المسلم عليه أن يتعايش مع غيره وأن يُعظِّمَ شأن المشترك الإنساني، إذا لم يحدث الوفاق الديني، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 12]، فها هي آيات القرآن ناطقةً شاهدةً بالتعايش بين المسلم وغيره، وأنَّ المسلم ليس عليه أن يُكرِه غيره على اعتناق الإسلام، ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 10].

 ومن الوارد جدًّا في بعض المجتمعات أن تكون الأسرة الواحدة متعددة الديانات فالأبوان مثلًا على دين المسيحية والأولاد اقتنعوا بالإسلام أو العكس، فهل يعقل أن يقال مثلًا في هذه الحالة إنَّ الإسلام يأمر الأولاد بهجر الوالدين أو الخصام معهم؟ اللهم لا، بل إنَّ القرآن الكريم قد أوصى بضرورة التعايش مع الوالدين مع البر بهما حتى في حالة مخاصمة الإسلام ومجاهدة الأبناء في تركه، ﴿وإنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15].

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتعايش مع الآخرين بالبر والرحمة والإحسان والشفقة وبذل المعروف والنصح، روى الإمام البخاري في "صحيحه" عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ».

وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: رأى عمر حلة سيراء تباع فقال: يا رسول الله ابتعْ هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود. قال: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له». فأتي النبي صلى الله عليه وسلم منها بحلل فأرسل إلى عمر بحلة، فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟! قال: «إني لم أعطكها لتلبسها ولكن تبيعها أو تكسوها». فأرسل بها عمر إلى أخٍ له من أهل مكة قبل أن يسلم.

فانظر كيف أثبت له الأخوة مع عدم الإسلام، وهي أخوة الإنسانية، وانظر كيف كان في مكة، ومع ذلك لم يمنع ذلك عمر رضي الله عنه  أن يهدي إليه بهدية، والهدية تزيد المحبة، مع الاحتفاظ برجاء الهداية له إلى الدين الحق الذي هو الإسلام.

فالأخوة إن كانت في الدين كانت لها أحكام، وإن كانت الإخوة في الإنسانية أو في الوطن ترتب عليها حقوق وواجبات أخرى، ولا يجور حق الدين أبدًا على حق الإنسانية.

إن الطفرة التكنولوجية الهائلة التي أحدثت ثورة الاتصال والمعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي تحتم علينا أن نتعايش بأمان وسلام مع كل من يسالمنا ولا يظلمنا ولا يعتدي علينا، وكل التعقيدات التي كانت موجودة قديمًا وكانت تعوق إيصال الدعوة وتبليغها إلى جميع الناس أصبحت ميسرة الآن وبإمكان أي إنسان أن يصل بدعوته مهما كانت إلى أي مكان يريد وهو لم يبرح مكانه، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

 

 

بالتأمل في الغاية التي خلق الله سبحانه وتعالى من أجلها الإنسان نجد أنه يمكن تلخيصها في أمرين اثنين: -الأمر الأول: العبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، والعبادة يأتي في المقدمة منها الشعائر التي يؤديها العبد؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك من شعائر العبادات. -أما الأمر الثاني فهو: عمارة الأرض؛ قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، فتعمير الأرض من الأمور التي كلفنا الله بها، وهو يشمل كل عمل مفيد يؤدي إلى التعمير،


الإنسان هو محور هذا الكون، وهو معجزة الله العظمى في هذا النظام المتقن الفسيح، خلقه الله تعالى على هيئة تختلف كليةً عن سائر المخلوقات، وخصه الله سبحانه بالنعمة العظمى؛ ألا وهي نعمة العقل


تعد الرقابة والمحاسبة من أسس العمل الناجح، الذي تنبني عليه قيمة هذا العمل ومدى إمكانية تحقيقه للنتائج المرجوَّة منه، ولقد اهتمَّت الرؤية الإسلامية بهذا الأمر، وأوْلَته ما يستحقُّ من عنايةٍ واهتمامٍ. إن المسلم ينشأ على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى يراقبه ويطَّلع على دقائق أعماله، فلا يكون في كونه سبحانه وتعالى إلا ما أراد، وأن كلَّ ما في الكون بحسابٍ وتقديرٍ، وليس فيه شيءٌ خلقه الله سبحانه زائدًا لا فائدة منه أو مفتقرًا إلى استكمال؛ فينشأ المؤمن الذي في ذهنه هذا التصور على منهجٍ يدفعه


من إبداعات الحضارة الإسلامية التي نشأت تلبية لنداء الشريعة بضرورة الحفاظ على النظام الاجتماعي وشيوع العدل والفضيلة في كافة مناحي الحياة (علم الاحتساب). وقد ذكرنا في مقال سابق أن أمر الحسبة خطير، وأنها أحد وجوه التطبيق العملي لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنها إن لم تنضبط بميزان الشرع فقد تأتي بنتائج سلبية تكر على المقصود منها بالبطلان، وبدلًا من أن تؤدي إلى استقرار المجتمعات تؤدي إلى اضطرابها. وآية ذلك ما نرى من بعض المتشددين الذين لم ينالوا من العلم والدين القدر الكافي، ويسعون في الأرض بغير هدى ولا علم؛ ظانين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.


إن تكريم الإنسان في الإسلام من أعظم التوجيهات التي حرص الإسلام على صيانتها وحمايتها من الجور والانتقاص الذي يمكن أن يلحقها؛ لقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]. فتفضيل الله تعالى للبشر تستتبعه مجموعة من الحقوق تتعلق بالإنسان، وعلى البشر أن يعملوا جاهدين على التوفية بآثار هذه الحقوق وتطبيقها على أرض الواقع، وبالتأمل في هذه الحقوق نجد أنها تتوازن مع واجباتٍ تعبِّر عن نظرة الإسلام المتوازنة المنبثقة عن منظور العدل الذي يميز نظرة الإسلام للكون والحياة عن سائر الفلسفات الأخرى، ونجد أنها لا تقف عند حدِّ (الحق) في التَّمتُّع بالشيء من عدمه؛ كالحياة،


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20