01 يناير 2017 م

تفريج الكربات

تفريج الكربات


الكرب بفتح الكاف وسكون الراء هو ما يُحزِنُ المرء، ويجعله في غم وهم، ومعنى تفريج الكربات: رفع الضر وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه.

وقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المثل الأعلى في القدوة والتأسى به، فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله تعالى في وصفها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عند بدء نزول الوحي، قالت: "وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنكَ لَتَصِلُ الرحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَل، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَق" رواه البخاري.

وعن تفريجه صلى الله عليه وسلم لكروب أصحابه ما ورد عند أبى داود عن عَبْد اللهِ الْهَوْزَنِي، قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذنَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ بِحَلَبَ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ، حَدثْنِي كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ؟ قَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ، كُنْتُ أَنَا الذِي أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَنْ تُوُفيَ، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا، فَرَآهُ عَارِيًا، يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي لَهُ الْبُرْدَةَ فَأَكْسُوهُ، وَأُطْعِمُهُ، حَتى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِن عِنْدِي سَعَةً، فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلا مِني، فَفَعَلْتُ، فَلَما أَنْ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضأْتُ، ثُم قُمْتُ لِأُؤَذنَ بِالصلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ قَدْ أَقْبَلَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التجارِ، فَلَما أَنْ رَآنِي، قَالَ: يَا حَبَشِي، قُلْتُ: يَا لَباهُ! فَتَجَهمَنِي، وَقَالَ لِي قَوْلًا غَلِيظًا، وَقَالَ لِي: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشهْرِ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَرِيبٌ، قَالَ: إِنمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعٌ، فَآخُذُكَ بِالذِي عَلَيْكَ، فَأَرُدكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ الناسِ، حَتى إِذَا صَليْتُ الْعَتَمَةَ، رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمي، إِن الْمُشْرِكَ الذِي كُنْتُ أَتَدَينُ مِنْهُ، قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَني، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آبَقَ إِلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا، حَتى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ مَا يَقْضِي عَني، فَخَرَجْتُ حَتى إِذَا أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَنَعْلِي وَمِجَني عِنْدَ رَأْسِي، حَتى إِذَا انْشَق عَمُودُ الصبْحِ الْأَولِ أَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ مُنَاخَاتٌ عَلَيْهِن أَحْمَالُهُن، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: «أَبْشِرْ فَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِقَضَائِكَ»، ثُم قَالَ: «أَلَمْ تَرَ الركَائِبَ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعَ؟» فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: «إِن لَكَ رِقَابَهُن وَمَا عَلَيْهِن، فَإِن عَلَيْهِن كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُن إِلَي عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُن، وَاقْضِ دَيْنَكَ». فَفَعَلْتُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُم انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ؟» قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُل شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، قَالَ: «أَفَضَلَ شَيْء؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُ، فَإِني لَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتى تُرِيحَنِي مِنْهُ» فَلَما صَلى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الذِي قِبَلَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: هُوَ مَعِي لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَص الْحَدِيثَ حَتى إِذَا صَلى الْعَتَمَةَ - يَعْنِي - مِنَ الْغَدِ دَعَانِي، قَالَ: «مَا فَعَلَ الذِي قِبَلَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللهُ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَبرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُم اتبَعْتُهُ، حَتى إِذَا جَاءَ أَزْوَاجَهُ فَسَلمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتى أَتَى مَبِيتَهُ، فَهَذَا الذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ. إن الإسلام يدعونا إلى مشاركة الأخرين في أحزانهم وأفراحهم ومحاولة تخفيف أعباء الحياة عنهم، وإزالة ما بهم من غم وحزن، وفي هذا سبب لتفريج كربات يوم القيامة عن العبد، والقرب من الله، ومحبة الناس، وهو دليل على حب الخير للآخرين .
 

حرَّم الإسلام إيذاء الخَلق، بل والكون أيضًا، إن نظرة الإسلام للحياة تجعل المسلم متسامحًا مع إخوانه وأهله وجيرانه، وسائر مخلوقات الله؛ سواء كانت حيوانات، أم نباتات، أم جبالًا أم ماءً أم هواءً ... إلخ؛ يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ۞ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 57-58]، حيث ذكر سبحانه إيذاء المؤمنين قرين إيذاء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إشعارًا بخطورة هذا الإيذاء، ورَتَّبَ عليه الإثم والعقاب.


الشجاعة خلق عظيم من الأخلاق التي حَضَّ الإسلام على التحلِّي بها، وتربية النفس عليها. والشجاعة هي الثبات ورباطة الجأش عند وقوع المخاوف، والشجاع شخص جريء مقدام، ينصر الحق وينتصر له، ولا يهاب الباطل. ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل قدوة في هذا الخلق العظيم، فعن البراء رضي الله عنه قال: "وَكَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ يُتَّقَى بِهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ" أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد"، أي إن المعركة إذا حميت واشتد القتال كانوا يحتمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


من الطبيعي أن يثور الغضب بين الناس لتجاوزٍ وَقَعَ من أحدهم، أو لسوءِ فهمٍ وقع من آخر، أو لعدمِ ارتياحٍ نشأ عند التعامل... إلخ، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع الخصام ويشتعل النزاع بين الناس بسبب هذا الغضب، وقد أرشدنا الله تعالى ونبيُّه سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم إلى خُلُقٍ عظيم، يجدر بكلِّ مسلمٍ أن يتخلَّق به، ويمارسه في حياته، وهو خُلُقُ "الإصلاح بين الناس" حيث يسعى المرء إلى الإصلاح بين المتخاصمين، والغاضبين من إخوانهم، بإزالة سوء الفهم، والتخفيف من حدَّة الغضب، والنصح للمتجاوز في حقِّ غيره بالتَّراجُعِ عن هذا التَّجاوُز، وردِّ الحقوق لأصحابها أو العفوِ عنها من أصحابها... إلخ.


من الأخلاق الفاضلة التي جاء بها الإسلام، خفض الصوت؛ ومعناه ألَّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد خاصَّة في حضور من هو أعلى منه مكانة. وقد ورد في وصايا لقمان الحكيم ما سجَّله القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19]. ومن صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه ليس بالذي يرفع صوته في الأسواق من أجل بيع أو شراء؛


التعاون من الأخلاق المهمة التي يجب على المسلمين أن يتمسكوا بها وأن يطبقوها في واقعهم العملي خاصة في هذا العصر الذي تسود في عالمه قوى وتيارات تؤمن بالفردية المطلقة، وتدعو لها بقوة، وتبث أفكارها المتعلقة بالفردية والذاتية في وسائل إعلامها بصور مختلفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53