13 أغسطس 2025 م

بين ضوابط الشريعة وحدود التقنية.. نقاشات موسَّعة حول مستقبل الإفتاء ومخاطر التحيزات الرقمية في الجلسة الرابعة للمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء

بين ضوابط الشريعة وحدود التقنية.. نقاشات موسَّعة حول مستقبل الإفتاء ومخاطر التحيزات الرقمية في الجلسة الرابعة للمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء

وسط زخم فكري وحوار علمي رفيع، ناقشت الجلسة العلمية الرابعة للمؤتمر العالمي العاشر لدار الإفتاء المصرية المنعقد تحت عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، التحولات الكبرى التي تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي على صناعة الإفتاء، حيث شارك في الجلسة نخبة من علماء الشريعة والخبراء الدوليين، وتلاقحت الرؤى بين التجارب الإفتائية التقليدية والآفاق الرقمية الجديدة، في محاولة لرسم خريطة متوازنة تضمن الحفاظ على الثوابت الشرعية مع الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا الحديثة.

وفي إطار الجلسة العلمية الرابعة، ناقشت الدكتورة حكيمة شامي، الباحثة المغربية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إشكالية توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء، من خلال إبراز دور "المفتي الرشيد" كفاعل شرعي راشد قادر على ضبط مخرجات التقنية الحديثة وفق الأصول الفقهية، مُشددةً على أن الفتوى ليست نتاجًا آليًّا بل فعل اجتهادي يتطلب فقه الواقع وفقه المآل.

وحذرت الدكتورة حكيمة، في ورقتها البحثية: "المفتي الرشيد في مواجهة تحيزات الذكاء الاصطناعي: بين التأصيل الفقهي والترشيد الرقمي"، من التحيزات الرقمية التي قد تؤدي إلى اختلال في عدالة الجواب الشرعي، لافتةً الانتباه إلى أن الإفتاء المعاصر يواجه تحديًا جذريًّا في ظل انخراطه المتسارع في بيئة الذكاء الاصطناعي، حيث تتداخل الأبعاد التقنية مع القيم الشرعية، وتظهر الحاجة الملحة إلى تأصيل دور المفتي الرشيد في هذا السياق الرقمي المتحوِّل.

وطرح البحث مجموعة من التساؤلات مفادها: كيف يُمكن للمفتي الرشيد أن ينهض بوظيفته في ظل زحف الذكاء الاصطناعي؟ وما حدود تأثير التحيزات الخفية في الخوارزميات على عدالة الجواب الفقهي؟ وهل يستطيع العقل الفقهي أن يُعيد بناء العلاقة مع الآلة بطريقة تحفظ الاجتهاد وتُراعي الاختلاف وتضبط المخرجات بمنطق الشريعة لا منطق البيانات؟ وأخيرًا، كيف نضمن ألا تتحول الفتوى الرقمية إلى أداة اختزال أو هيمنة، بدلًا من أن تكون وسيلة تيسير وهداية وبناء؟

وفي ضوء ما سبق، خلص البحث إلى أن الفتوى عمل فقهي يتطلب استيعابًا معمقًا لواقع الناس وفهمًا دقيقًا لمقاصد الشريعة وليس ناتجًا آليًّا أو برمجيًّا فحسب، وأن الذكاء الاصطناعي "محدود" في فهم السياقات الشرعية أو استيعاب روح المقاصد، مُشددةً على ضرورة التكامل بين "الاجتهاد البشري والتقنية الحديثة"، أي جعل الاجتهاد البشري، ممثلًا في المفتي الرشيد، الضامن للأخلاق والعدل والمرجعية الشرعية في صناعة الفتوى، مع استثمار التقنية كأداة مساعدة لا كبديل عنه. وأخيرًا ترى الدراسة وجود "تحيزات بنيوية في أنظمة الذكاء الاصطناعي" قد تؤدي إلى تقييد نطاق الاجتهاد وإضعاف التعددية الفقهية وتشويه الصورة الحقيقية للدين.

من جانبه، حدد الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، مدير إدارة الإفتاء وعضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، شروط المُتصدي للفتوى، منها: أن يكون بالغًا، وعالمًا باللغة والنحو والإعراب، وعالمًا بالقرآن، وعلوم الأصول والتاريخ والحديث والفقه، هذا بجانب ضرورة فهمه لعصره ومصره حتى يتمكن من إنزال الأحكام الاجتهادية على مقتضيات العصر.

وأوصى الدكتور الحداد، في بحثه "تكوين المفتي الرشيد العصري"، بضرورة اضطلاع المؤسسات التعليمية والعلمية الرسمية والأهلية بإنشاء جيل يحمل تأهلًا خاصًّا بالفقه وأصوله وعلوم الآلة المعينة على فهم النصوص والقدرة على الاستنباط للنظر في النوازل الفقهية التي تتطلب نظرًا واستدلالًا لاستنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها عليها، وضرورة إلمام المفتي المتدرب على واقعه وعصره ومستقبل حياة الناس حتى يكون اجتهاده وتنزيله للفتوى بما يتسق مع الواقع في ظل ضوابط الشرع الشريف، مع ضرورة تدرج تكوين المفتين من الحلقات الأولى في التعليم حتى التخصص الدقيق في الدراسات العليا، وملازمة كبار المفتين ومستشاري الفتوى في مكاتبهم، حتى يكتسبوا الخبرة والمهارة.

بدوره، طرح الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام كامل أبو خزيم، أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، جُملة من التساؤلات مفادها: ما حكم الذكاء الاصطناعي في الإفتاء، وما ضوابطه وما أثره في صياغة الفتوى؟ وما المهارات اللازمة لتأهيل المفتين التابعين للمؤسسات الإفتائية في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وكيف تستطيع المؤسسات الإفتائية أن تجابه التحديات والمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي التي تؤثر سلبًا على إنتاج الفتوى الرشيدة؟

وفي بحثه المعنون بـ "أهمية الإفتاء المؤسسي في عصر الذكاء الاصطناعي: واقع الحال، واستشراف المآل"، توصل الدكتور أبو خزيم، إلى أن للفتوى المؤسسية دورًا مُهمًّا في مجال ترشيد الفتوى وتحقيق التماسك المجتمعي بالنسبة للمفتين والمستفتين على حدٍّ سواء، وأنه لا تزال نسبة الفتاوى المهتمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي قليلة مقارنةً بفتاوى المجالات الأخرى، وأن أبرز التجارب الحالية التي تقوم بها المؤسسات الإفتائية في توظيف الذكاء الاصطناعي في صناعة الفتوى تتمثل في نماذج النظم الخبيرة ونماذج الروبوتات الموظفة في الفتوى.

كما انتهى البحث إلى أن "الإفتاء المؤسسي" في عصر الذكاء الاصطناعي بات ضرورة ملحة؛ وذلك لتعظيم جوانب القوة واستثمار الفرص ولمعالجة جوانب الضعف ومواجهة التحديات، وأنه وحده القادر على التعاطي مع كثير من التساؤلات المتداخلة والإشكاليات المتشابكة؛ للبحث عن حلول وإجابات لها، بأسلوب منهجي رشيد.

من جهتها، أكدت الأستاذة الدكتورة ابتسام مرسي محمد المرسي، أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية الدراسات الإنسانية بالقاهرة، أن سهولة الوصول إلى الفتوى، ودقة مضمونها، وموثوقية مصدرها، تمثل عوامل أساسية في تعزيز الاستقرار الفكري والديني والاجتماعي بالمجتمعات المسلمة، مشيرةً إلى أن توظيف التكنولوجيا، وخاصة التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية من قِبل دار الإفتاء المصرية، يشكِّل تحولًا نوعيًّا في أداء المؤسسة وأثرها المجتمعي.

وترى الدكتورة ابتسام المرسي في بحثها: "التحول الرقمي في دار الإفتاء المصرية: قراءة سوسيولوجية ميدانية واستشرافية لتفاعل المجتمع مع الفتوى الذكية"، أن تعظيم الدور المؤسسي لدار الإفتاء يحتاج إلى إطلاق منصة فتوى ذكية تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي بإشراف بشري، وتطوير البنية التقنية للمنصات لتكون أكثر استجابة وسلاسة في الاستخدام، وإعداد دليل للفتوى الرقمية بلغة مبسطة يخاطب فئات المجتمع المختلفة

الْتقى فضيلةُ الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلَّا من الأستاذَ الدكتور عمر الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بأبو ظبي، والدكتور خليفة الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وذلك على هامش المؤتمر العالمي للإفتاء المنعقد بالقاهرة يومَي 12 و13 أغسطس الجاري تحت عنوان: (صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي).


استقبل فضيلة الأستاذ الدكتور: نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم -الدكتور: علي أحمد، نائب شيخ الإسلام في تايلاند. وذلك على هامش فعاليات المؤتمر العالمي الذي نظمته دار الإفتاء المصرية تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي».


"ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة".. مفتي الجمهورية يوجِّه نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب- لا بدَّ من بناء نماذج شرعية للذكاء الاصطناعي بإشرافٍ علميٍّ ومقاصديٍّ صارم ولا مكان للآلة في مقام الفتوى الشرعية ما لم تضبطها مقاصد الشريعة- إذا انفصل الذكاء الاصطناعي عن القيم تحوَّل إلى أداة قمعٍ وعدوان.. وعلى المؤسسات الدينية أن تتصدر المشهد- على العلماء أن يقودوا العَلاقة بين النصِّ والآلة.. والمؤسسات الدينية مطالبة ببناء ميثاق أخلاقي للتعامل مع الذكاء الاصطناعي- غزَّة ليست مجرد مأساة إنسانية بل اختبار فقهي وأخلاقيٌّ يفضح صمتَ الضمير العالمي وانفصال التِّقْنية عن القِيَم - ما يحدث في غزة يكشف خطورة تسليح الذكاء الاصطناعي دون ضوابط .. والفتوى التي تصمت عن غزة تفقد روحها- على علماء الأمة أن يدركوا أن نصرة غزة ليست خيارًا سياسيًّا، بل فريضةٌ وواجب أخلاقيٌّ- مصر تؤدي واجبها تجاه فلسطين بوعي وشرف رغم حملات التشويه.. والقيادة المصرية تتمسك بالحق الفلسطيني بصلابة تاريخية


- الذكاء الاصطناعي ليس محايدًا.. وإن ترك دون توجيه فإنه سيكرس التفاوتات ويرسخ التحيزات-توصية اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تؤكد ضرورة دعمه للتجربة الإنسانية وحماية التنوع الثقافي وضمان السلم والعدالة-إرشادات القادة الدينيين الذين يمثلون البوصلة الأخلاقية لملايين البشر أمر محوري في النقاش حول مستقبل الذكاء الاصطناعي


يشهد العالم تحولاتٍ رقْميةً واسعة بفعل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما ألقى بظلاله على حقل الفتوى الشرعية، وأثار أسئلة عميقة حول حدود استخدام هذه التقنيات في مجال الإفتاء، وقد خُصصت الجلسة العلمية الخامسة من فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر الدولي العاشر للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، لمناقشة هذه القضايا من خلال مجموعة من الأبحاث العلمية التي عالجت أبعادَ الظاهرة من زوايا متعددة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :48
الشروق
6 :22
الظهر
12 : 59
العصر
4:36
المغرب
7 : 36
العشاء
8 :59