الإمام السجاعي

الإمام السجاعي

اسمه ومولده:
هو الإمام العلامة الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوي أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد السّجَاعي -نسبة إلى قرية (السّجَاعية) التابعة للمحلة الكبرى بمحافظة الغربية- المصري الشافعي الأزهري، ولد بمصر ونشأ وتوفي بها.

شيوخه:
قرأ على كثير من مشايخ الوقت نذكر منهم: 

  1. والده العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد السجاعي: أول من أخذ عنه وأحدث فيه تأثيرا قويا لصلاحه وتقواه وورعه وزهده، حيث كان من كبار الأولياء، وكان له الفضل في تنمية شخصيته وملكاته العلمية، وقد توفي إلى رحمة الله تعالى يوم الأربعاء بعد الظهر لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة تسعين ومائة وألف (1190هـ)، ودفن يوم الخميس بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين، وقد أشار بعض الفضلاء إلى هذا التاريخ بقوله:  
    حور جنان النعيم مرت به ورقت للاجتماع
    واستقبلته وعظمته وعانقته بلا قناع
    وآنسته وأرخته بشراك آنست يا سجاعي
  2. العلامة المحقق نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين، الشيخ حسن الجبرتي الحنفي (1110- 1187هـ): لازمه كثيرًا وأخذ عنه علوما كثيرة منها علم الحكمة والهيئة والفلكيات، وقرأ عليه الهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق، وكتاب الجغميني، ولقط الجواهر، والمجبب، والمقنطر، وشرح أشكال التأسيس، وغير ذلك.
  3. الشيخ العلامة المسند اللغوي المحقق أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي (1145- 1205هـ): قرأ عليه وأخذ منه، وأجازه الشيخ وحضر مجالسه في الأمالي وعدة مجالس من البخاري والعوالي المروية عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، المسماة بسلسلة الذهب، وغير ذلك.
  4. الإمام الزاهد المعمر المحدث مسند مصر وعالمها الشهاب أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن يوسف الكريمي الجوهري الشافعي الأزهري (1096- 1181هـ): أخذ عنه وأجازه.
  5. الشيخ العلامة حسن بن علي بن أحمد بن عبد الله المنطاوي الشافعي الأزهري الشهير بالمدابغي (ت: 1170هـ): قرأ عليه وأخذ منه.

حياته:
أخذ الشيخ عن أبيه وغيره من أعيان علماء عصره، وحصل واجتهد وبرع في العربية وغيرها، وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته، وكان متحليا بالتواضع، وصار من أعيان العلماء، وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغريبة، وله في مختلف الفنون تعاليق ورسائل مفيدة، وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه.

يقول عنه تلميذه الشيخ علي البيسوسي في ترجمته له: "هو شيخنا الإمام القائم في ديوان ملاحظة ربه ومراقبته، من طهرت سريرته فحسنت بين العارفين سيرته، الساعي في حياته أحسن المساعي، ملاذنا الشيخ أحمد السجاعي ابن شيخ الإسلام وكهف الأنام العارف بالله تعالى الشيخ أحمد بن محمد بن محمد السجاعي الشافعي البدراوي".

ومن كلامه: 

إن البلاء هو اجتماع الناس كم أودعوا قلبا عظيم الباس
فاعذر هديت من الورى متحذرا من شرهم بالله رب الناس

    ومن كلامه أيضا:

لي فيكم ود قديم والذي يحيي الخلائق وهو حقا ربنا
زال العنا عنه ونال بحبكم كل الهناء مع الغنى وله المنى

    ومنه كذلك:

رام العواذل لا نالوا مرامهمُ مني السلو عن المحبوب ذي الكحل
فقلت: كلا فقالوا: هل لذا أمد؟ فقلت: لا زلت حتى ينقضي أجلي

    ومنه:

غزال غزاني باللحاظ البواتر وصاد فؤادي بالخدود النواضر
وجسمي أضناه بحسن قوامه وإني لأخشى من سهام النواظر

ومن الفوائد التي أخبر بها الشيخ -رحمه الله-: "أنه رأى في المنام قائلًا يقول له: من قال كل يوم: يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش -ثلاثمائة وستين مرة- أمن من الطاعون".

مؤلفاته:
كان للشيخ براعة في التأليف وسرعة فيه مع الإتقان والجودة، وقد ألف المصنفات الكثيرة النافعة التي يصعب حصرها واستقصاؤها، نذكر منها: 

  1. القول الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: فرغ منه سنة 1184هـ، قرظ عليه الشيخ عبد الله الإدكاوي -رحمه الله تعالى- فقال في تقريظه: "سبحان من اختص بالأسماء الحسنى والصفات الحسان، وجعل سره سبحانه في أسمائه وعلمها لأوليائه، فمن تعلق بها أو تخلق فقد تمسك من سننها بالحظ الأوفر والكبريت الأحمر، هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي، ومنح طلابها كنزًا يتنافس في مثله أنبل الفضلاء وأفضل النبلاء، أحمد الاسم محمود الصفات عليُّ الفعل حسن القول والذات نجل العالم العلامة العمدة الفهامة كعبة الأفضال وقبلة الإجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ أحمد السجاعي، حفظ الله عليه نجله الرشيد، وأراه منه ما يسر القريب والبعيد، وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه أن يرقم بدل الحبر بالذهب، عوذته بالله من عين كل حسود، وعلمت أنه إن شاء الله تعالى سيسود، وتطأ أخمصه أعناق الأسود، وقلت:
     
    شبهت تأليفك يا سيدي بعقد درٍّ رَبُّه رصَّفه
    جمعت فيه الدر لكنه در ثمين عز ما أشرفه
    أعيذ بالله وأسمائه أحمدنا الفاضل مَن ألَّفه
  2. الأحراز في أنواع المجاز: وهو شرح منظومته في المجاز من علوم البلاغة.
  3. بدء الوسائل في حل ألفاظ الدلائل.
  4. بلوغ الأرب بشرح قصيدة من كلام العرب: وهي قصيدة السموءل بن عاديا الغساني اليهودي التي أولها:    
         إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه             فكل رداء يرتديه جميل
        طبع بمطبعة الجمهور سنة 1324هـ، ومعها خمس قصائد هم: ميمية ظالم بن عمرو بن سفيان المعروف بأبي الأسود الدؤلي، والقصيدة اللامية لعبد القيس بن حفاف البرجي، وقصيدة أبي الفتح البستي، والقصيدة النونية المنسوبة لعماد الملة والدين رجاء بن شرف الأصبهاني، ومرثية أبي الحسن التهامي.
  5. تحفة الأنام بتوريث ذوي الأرحام: شرح على منظومة له في الفرائض.
  6. تحفة ذوي الألباب فيما يتعلق بالآل والأصحاب.
  7. تقييد لطيف وأنموذج شريف حاشية على شرح الخطيب الشربيني في الفقه.
  8. الجواهر المنتظمات في عقود المقولات: شرح على نظمه في المقولات، وقد تلقاه العلماء بالقبول وكتبوا عليه الحواشي، وكان يقرأ ويدرس بالجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم أزمانا، وممن كتب عليه حاشية الشيخ العطار، وقد طبعت بمصر سنة 1282هـ، ثم بالشرفية 1303هـ، ثم كتب الشيخ نصر أحمد الحويحي الشافعي التقرير المسمى بـ: "الإسفار" على تلك الحاشية طبع بالمطبعة الخيرية سنة 1324هـ.
  9. حاشية على شرح العلامة الخطيب الشربيني على متن أبي شجاع.
  10. حاشية على شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام: فرغ من تأليفها سنة 1177هـ، وقد كتب لها القبول وتلقاها العلماء واشتغلوا بها قراءة وإقراء وتدريسا وتقريرا، وظلت تقرأ بالجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم قرونا، وقد طبعت ببولاق سنة 1272هـ، ثم بها سنة 1287هـ، ثم سنة 1299هـ، ثم بالمطبعة الأزهرية سنة 1298هـ، ثم بمطبعة محمد مصطفى 1299هـ، ثم بالخيرية 1303 و1306هـ، ثم تكرر طبعها بعدها مرارا، وكتب الشيخ الأنبابي تقريرا عليها طبع بالمطبعة العلمية سنة 1310هـ، كما كتب عليها العلامة أحمد البابي الحلبي تقريرات كذلك طبعت بالمطبعة الميمنية سنة 1325هـ.
  11. حاشية على شرح الشنشوري على الرحبية في الفرائض.
  12. حاشية على شرح العلامة المناوي على الشمائل.
  13. الجوهرة السنية منظومة.
  14. الدرر في إعراب أوائل السور (مخطوط بالأزهرية).
  15. الدر والترياق في علوم الأوفاق.
  16. رسالة في آداب الحمام.
  17. الروض النضير فيما يتعلق بآل بيت البشير النذير.
  18. السهم القوي في نحر كل غبي وعوي: وهي رسالة في إثبات كرامات الأولياء، طبعت مع كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام لتقي الدين السبكي ببولاق سنة 1318هـ.
  19. شرح على دلائل الخيرات.
  20. شرح على بيتين في المقولات: طبع بهامش مجموع ثلاث رسائل لزيني دحلان، وكتب عليه الشيخ زين المرصفي الشافعي (ت: 1300هـ) حاشية، طبع طباعة حجرية بمطبعة شرف سنة 1313هـ.
  21. لقط الجواهر في الخطوط والدوائر للعلامة السبط.
  22. شرح على الستين مسألة للشيخ أحمد الزاهد.
  23. شرح على مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- للعلامة المدابغي.
  24. شرح نظمه في أولاد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  25. شرح على منظومته في الخلاف في اسم الله الأعظم، أورد فيها ثلاثين قولا.
  26. شرح نظمه لشروط تكبيرة الإحرام.
  27. شرح على نظمه المتعلق بدخول المسلم في ملك الكافر.
  28. شرح نظمه لأقسام الشبه الثلاثة.
  29. شرح نظمه المتعلق بأصول المكفرات.
  30. شرح نظمه في معنى الكلالة.
  31. شرح منظومته في أحكام الاستحاضة.
  32. فتح الجليل على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك: حاشية على شرح ابن عقيل للألفية، فرغ من تأليفها سنة 1178هـ، وقد كتب لها القبول كسابقتها وعظم نفعها وعلا صيتها، واشتغل بها العلماء قراءة وإقراء وتدريسا وتقريرا، وظلت تدرس بالجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم قرونا، طبعت في بولاق سنة 1270 هـ، ثم بها سنة 1279هـ، ثم 1286، ثم 1290هـ، ثم بالقاهرة سنة 1298هـ، ثم تكرر طبعها بعدها مرارا، وكتب عليها العلامة الشيخ الأنبابي تقريرات طبعت ببولاق سنة 1303هـ.
  33. فتح المجيد شرح فريدة التوحيد: شرح على نظم له في التوحيد.
  34. فتح ذي الصفات العلية بشرح الجوهرة السنية: شرح على نظمه في المحال التي تطلب فيها الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  35. فتح ذي الصفات العلية بشرح متن الياسمينية.
  36. فتح رب البريات بتفسير وخواص الآيات السبع المنجيات.
  37. فتح الرحيم الغفار بشرح أسماء حبيبه المختار.
  38. فتح الغفار بمختصر الأذكار: اختصر فيه كتاب الأذكار للنووي.
  39. فتح القادر المعيد بما يتعلق بقسمة التركة على العبيد: وهو شرح على رسالة العلامة الدردير في مخرج القيراط.
  40. فتح القدير بشرح حزب قطب النووي الشهير.
  41. فتح اللطيف القيوم بما يتعلق بصلاة الإمام والمأموم: شرح على منظومته في شروط الإمام والمأموم.
  42. فتح المالك بقول الناس: وهو كذلك.
  43. فتح الملك الرزاق لشرح نظم أصول الأوفاق.
  44. فتح المنان ببيان الرسل التي في القرآن: وهو شرح منظومته التي ذكر فيها الرسل الوارد ذكرهم في القرآن الكريم، طبع مع "مفحمات القرآن في مبهمات القرآن" للجلال السيوطي بالمطبعة الميمنية سنة 1309هـ، ثم بمطبعة السعادة سنة 1326هـ.
  45. فتح المنان بشرح ما يُذَكَّر ويؤنث من أعضاء الإنسان.
  46. الفوائد اللطيفة بشرح ألفاظ الوظيفة: شرح وظيفة سيدي أحمد زروق في التصوف، طبع بمصر سنة 1316هـ، ثم بمطبعة النجاح بدمنهور 1330هـ.
  47. الفوائد اللطيفة في تخريج قولهم: أبو قروان على الطريقة المنفية.
  48. الفوائد المزهرة بشرح الدرة المتنضرة: وهو شرح على نظم المعفوات للشيخ الشرنبلالي.
  49. قلائد النحور في نظم البحور.
  50. القول الأزهر فيما يتعلق بالمحشر.
  51. القول النفيس فيما يتعلق بالخلع على مذهب الشافعي ابن إدريس: شرح على نظم له في أحكام الخلع.
  52. الكافي بشرح متن الكافي في العروض والقوافي.
  53. مختصر التحفة السنية بأجوبة الأسئلة المرضية.
  54. مناسك الحج.
  55. المنهج الحنيف في خواص اسمه تعالى اللطيف.
  56. منظومة في الاستعارات: طبعت مع مجموع من مهمات المتون في جملة من الفنون بمصر سنة 1297هـ ثم سنة 1302هـ، وشرحها الشيخ عبد الرحمن عيد المحلاوي شرحًا سماه: مسلك الساعي شرح منظومة السجاعي، أتمه سنة 1305هـ، وطبع طباعة حجرية بمصر سنة 1305هـ.
  57. النُّور السَّاري على متن مختصر البخاري: شرح على مختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري.
  58. نظم في العقود التي تكون من شخصين أو من شخص واحد مع بيان الجائز واللازم منهما.
  59. هداية أولي الأبصار إلى معرفة أجزاء الليل والنهار: وهو شرح على منظومة الشيخ أحمد عباد.

تلاميذه:
    تخرج على الشيخ زمرةٌ من طلبة العلم الذين أصبحوا بعده شيوخا، ولكن لم أقف على أي منهم سوى على:

  1. الإمام العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري (ت: 1202هـ) والذي قرأ على الشيخ ولازمه مدة وانتفع به.
  2. الشيخ علي بن سعد بن سعد البيوسي السطوحي الشافعي، أخذ عنه ولازمه، وقد جمع رسالة تشتمل على ترجمته وذكر مؤلفاته، وهي مخطوطة بدار الكتب المصرية.

وفاته:
توفى الإمام السّجاعي -رحمه الله- بالقاهرة ليلة الإثنين وقت السحر في السادس عشر من شهر صفر سنة 1197هـ الموافق 20 من شهر يناير عام 1783م بعد أن مرض بالاستسقاء، وصلي عليه في الجامع الأزهر، ودفن بجوار أبيه بالقرافة الكبرى بتربة المجاورين وكان له مشهد عظيم، وقد رثاه الشيخ الفاضل محمد البحرسي بقصيدة أَرَّخ لوفاته في آخرها فقال فيها: 

غاص بحر العلوم واستخرج الدر فأنواره لنا تتوقد
ثم لما دعاه رب البرايا لنعيم بدار عدن مخلد
وأجاب الندا له أرخوه ودنت جنة النعيم لأحمد

رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

مصادر الترجمة:

  1. تاريخ عجائب الآثار (2/ 107- 110).
  2. الخطط التوفيقية (12/ 9- 12).
  3. هدية العارفين (1/ 179- 180).
  4. كشف الظنون (1/ 32، 167، 194) ومواضع أخرى.
  5. فهرس الفهارس (1/ 303 ) ومواضع أخرى.
  6. فهارس الأزهرية (1/ 149) ومواضع أخرى.
  7. معجم المطبوعات (1/ 188، 478، 506، 2/ 1005) ومواضع أخرى كثيرة.
  8. الأعلام (1/ 93).

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39