اسمه ونسبه:
هو الإمام العلامة المتكلم المتفنن أبو عبد الله محمد بن السيد أبي يعقوب يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الأصل -نسبة لقبيلة بني سنوس بالمغرب- التلمساني المولد المالكي الأشعري الشريف الحسني، ولد بعد الثلاثين وثمانمائة، والراجح أن مولده سنة (832هـ) وذلك بمدينة تلمسان الجزائرية.
شيوخه:
- والده الشيخ الإمام الصالح المبارك الزاهد العابد الأستاذ المحقق المقرئ الخاشع أبو يعقوب يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، وهو أول شيوخه، حفظ على يديه القرآن في صغره، وتهيأ بتوجيهه للترقي في معارج العلوم الشرعية والعقلية.
- الشيخ الولي الصالح الفقيه أبو الحسن علي بن محمد التالوتي الأنصاري التلمساني أخوه لأمه (ت: 895هـ) قرأ عليه في صغره رسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي.
- الشيخ العلامة المتفنن أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي الشهير بابن العباس (ت: 871هـ) قرأ عليه شيئا من علم الأصول، وقرأ عليه من كتب المنطق "الجمل" للخونجي من أوله إلى آخره في مدة يسيرة نحو ثلاثة أيام، وسبب ذلك أنه يقرأ ويفسر ما يقرؤه، فيورد له الإمام السنوسي أسئلة ويسوق أجوبة لم توجد في الكتب، فيتعجب منه الشيخ ابن العباس ومن حسن جوابه، فلما رأى ذلك منه قال: لا تقرأ علي، أنت الذي يُقرأ عليك، وهذا سبب قلة مدة قراءته عليه.
- الشيخ العلامة الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشريف ابن الجلاب (ت: 875هـ) أخذ عنه الفقه، وقيل: إنه ختم عليه المدونة مرتين، وكان يقول عنه: هو حافظ لمسائل الفقه.
- الشيخ الولي الحسن بن مخلوف بن مسعود المزيلي الراشدي الشهير بأبركان (ت: 857هـ). لازمه الإمام السنوسي في صغره وانتفع به، وكان الشيخ يحبه ويدعو له بأن يجعله الله من الأئمة المتقين، وقد حقق الله دعاء الشيخ وفراسته.
- الشيخ العلامة الفقيه محمد بن قاسم بن تُونَرَت الصنهاجي التلمساني، قرأ عليه الإمام السنوسي في صغره جملة من علوم الحساب والفرائض، وقال عنه: كان سيدي محمد بن تُونَرَت -رحمه الله- شيخًا عالمًا بعلوم المعقول والمنقول والنجوم والحساب والفرائض والأوفاق والخط والهندسة وفي كل علم.
- الشيخ الإمام حجة الإسلام العالم العامل الزاهد العابد أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي صاحب تفسير "الجواهر الحسان" رحل إليه إلى الجزائر، وأخذ عنه بها علم الرواية، قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث وأجازه.
- الشيخ الولي الإمام العالم العلامة الورع الزاهد إبراهيم بن محمد بن علي اللتني التازي، لقيه عند رجوعه من الجزائر بعد تلقيه العلوم عن الشيخ الثعالبي، وتحديدا في مدينة وهران حيث مكث عنده مدة خمسة وعشرين يوما، فأخذ فيها الخرقة والذكر والمصافحة والسبحة والحديث المسلسل بالأولية وألبسه الخرقة وروى عنه الشفا.
- الشيخ الإمام العلامة فرضي عصره أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي الشهير بالقلصادي (ت: 891هـ) قرأ عليه جملة من الحساب والفرائض وأجازه بجميع مروياته.
- الشيخ العلامة المحقق الصالح نصر الزواوي التلمساني. من أكابر تلاميذ الإمام محمد بن مرزوق. أخذ عنه في علوم العربية ولازمه كثيرا.
- الشيخ العلامة الفقيه أبو الحجاج يوسف بن أحمد بن محمد الشريف الحسني، قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبعة المشهورة من أم القرآن إلى آخره ختمتين، وأجازه فيها وفي جميع مروياته.
- الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحباك (ت: 868هـ) قرأ عليه كثيرا من علم الأسطرلاب، وقد ذكره الشيخ في شرح الأرجوزة التي ألفها شيخه المذكور والمسماة بـ"بغية الطلاب في علم الأسطرلاب" وصرح فيه بأنه شيخه.
- الشيخ الإمام العالم الورع أبو القاسم الكنابشي البجائي، قرأ عليه كتاب "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني في أصول الدين، وأجازه بجميع مروياته.
- الشيخ الفقيه العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي (ت: 884هـ)، أخذ عنه في رحلته إلى الجزائر، ومن مؤلفاته قصيدة في علم العقائد سماها: كفاية المريد في علم التوحيد، وهي التي أرسل بها للإمام السنوسي فيما بعد طالبا منه شرحها، فأجابه وسمى شرحه: "المنهج السديد في شرح كفاية المريد في علم التوحيد".
صفاته:
كان الشيخ الإمام السنوسي -رحمه الله- ممن يشار إليه بالصلاح في صغره لكثرة حيائه وصمته، وكثرة صدقته على الفقراء والمساكين، وعظيم شفقته ورحمته وغير ذلك من محاسنه التي جبل عليها في صغره، وكانت تلوح عليه علامات النبوغ مذ كان صغيرا، فقد حكى الشيخ علي التالوتي -رحمه الله تعالى- قال: "كان أخي سيدي محمد السنوسي إذا دخل على الشيخ سيدي الحسن أبركان -رحمه الله- يتبسّم له ويفاتحه بالكلام، ثم يقول في دعائه له: جعلك الله من الأئمة المتقين. وكان أخي سيدي محمد لا يتكلّم في المجلس، وربما تَعْرِضُ للشيخ سيدي الحسن مسألة ويتوقف أهلُ المجلس فيها، فيلتفت الشيخ سيدي الحسن أبركان إلى سيدي محمد السنوسي -وكان صغيرًا - فيقول له: ما تقول يا محمد في هذه المسألة؟ فيقول: يحتمل أن يكون المراد كذا وكذا، فيقول الشيخ سيدي الحسن أبركان: الصواب ما قال محمد، يعني سيدي محمد السنوسي". وظل الشيخ يترقى في مدارج الكمال وسلم العلوم والمعارف والأحوال حتى صار شيخ العلماء والزهاد والأساتذة العباد، عارفا بالله جامعا بين العلم والعمل، وقد جمع تلميذه الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمر الملالي في أحواله وسيره وفوائده، وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته، تأليفا كبيرا في نحو سبع عشرة كراسا سماه بـ: (المواهب القدوسية في المناقب السنوسية) (مخطوط بدار الكتب بتونس)، ومما قاله فيه: "أما العلوم الظاهرة فقد فاز منها بأوفر نصيب، وحاز في الفروع والأصول السهم والتعصيب، ورمى إلى كل فضيلة ومكرمة بسهم مصيب، ولهذا كان -رضي الله تعالى عنه- لا تتحدث معه في علم من العلوم إلا تحدّث معك فيه، حتى يقول السامع: إنه لا يُحسن غير هذا العلم، لا سيما علم التوحيد وعلم المعقول، فقد انفرد بمعرفته غاية المعرفة، ولم يشاركه فيها أحد، فلا يعادله أحد في معرفته بالتوحيد ولا نظير له فيه".
وفي بيان عظم قدر هذا العلم -علم التوحيد- يقول الإمام السنوسي ما معناه: "إنه ليس ثمَّ علمٌ من العلوم الظاهرة يورث المعرفة بالله تعالى والخشية منه والمراقبة إلا علم التوحيد، وبه يفتح الله له فهم سائر العلوم كلها، وعلى قدر معرفة المرء به يزداد خوفه من المولى تبارك وتعالى وقربه منه". يقول الملالي: "وقد شارك الفقهاء في العلوم الظاهرة، ولم يشاركوه في العلوم الباطنة، بل زاد على الفقهاء في العلوم الظاهرة زيادة لا يمكن وصفها، وهو حلّ أقفال المشكلات وما يَعْرِض من الشُّبَه والدواهي المعضلات، لا سيما علم التوحيد، وهذا هو العلم على الحقيقة الذي يُعرَف به حقائق الأشياء، فكان الشيخ يزيل بأنوار علومه وفهومه من القلب داء الشبه وضروب الشكوك والامتراء، ولا تجد بعده من يشفي لك الغليل ويزيل داء الشكوك والشُّبَه والدواهي المعضلة من القلب العليل، ولم يبق في هذا الزمان -الكثير الشرّ القليل الخير- في الغالب إلا من يحفظ المسائل من الكتب من غير تحقيق ولا دليل".
وكان -رحمه الله- قد جمع من محاسن الأخلاق وجميل السجايا ما لا مزيد عليه، يقول الملالي: "فوالله الذي لا إله غيره ولا معبود سواه، ما رأت عيناي أحسن خُلُقًا، ولا أوسع صدرًا، ولا أكرم نفسًا، ولا أعطف قلبًا، ولا أحفظ عهدًا وودًّا، ولا أكثر علمًا وفهمًا من الشيخ سيدي ومولاي محمد السنوسي -رضي الله تعالى عنه- ونفعنا به. ولقد كان مع جلالة قَدْره وعُلوِّ منزلته وسَعَةِ عِلمه يقف مع الصغير، ويوقّر الكبير، ويبدأ بالسلام، ويجالس الضعفاء، ويتواضع للفقراء، وقد اتبع في هذه الخصال كلها أفضلَ الخَلْقِ وأفضلهم عند الحق تعالى سيّد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا ومولانا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان -رضي الله عنه- ليِّنَ الخُلُقِ، كريم الطبع، حسن المعاشرة، بسّامًا من غير ضحك، متواضعًا من غير مذلة، رقيق القلب، رحيمًا بكل مسلم، ويسلّم مبتدئًا، ويصافح الغني والفقيرَ إلى غير ذلك من عظيم تواضعه -رضي الله عنه-، فإنه قد اقتدى بأشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ظاهره وباطنه".
وأما عن زهده فيقول عنه: "وأما زهده -رضي الله عنه- في الدنيا، والإعراض عنها وعن زهرتها، وبغضه لها أشد البغض، فمعلوم ضرورة عند الخاص والعام، ولقد بعث إليه السلطان أبو عبد الله -حفظه الله تعالى- يوما رسولًا، وطلب من الشيخ أن يأخذ شيئا من غلات مدرسة سيدي الحسن أبركان -رحمه الله تعالى- فامتنع الشيخ من ذلك، فبعث إليه ثانيا، فأبى أن يقبل شيئا، فلما ألح الرسول على الشيخ، كتب الشيخ كتابا إلى السلطان يقول فيه:
"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله؛ من عبْدِ الله تعالى الفقير إليه محمد بن يوسف السنوسي -لطف الله تعالى به- إلى أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى وأمده بتوفيقه وتسديده وجعله بفضله في الدنيا والآخرة من خيار عبيده ولطف به وختَم له بالحسنى عند موته ومفارقة دنياه وقريبِه وبعيده-، بعد السلام عليكم ورحمة الله والبركة، فقد وقف علينا الفقيه الحسيب الأمين النصيح في خدمتكم الكيِّس اللبيب السيد أبو عبد الله محمد العبّادي -جعله الله وزير صِدْقٍِ ومُعِينَ حَقٍّ، وخلَّص الجميع من شباك الدنيا وسراب غرورها المارّ مرّ السحاب خلاصا جميلا-، فذكر لنا أنكم اهتممتم بنا فيما يرجع إلى هذا العيش الدنيوي القريب، وأنكم عرضتم علينا الإعانة بشيء من غلات المدرسة الجديدية، فجزاكم الله تعالى على ما اهتممتم به أفضل الجزاء، ولقّاكم به خيرا وسرورا يوم الموت واللقاء، ونحن نُعلِمُكم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى بفضله كفانا الضروريات في هذا المعاش، ورزقنا عند الاحتياج من حيث لا نحتسب، وأنعم علينا بطَوْله أن خَلق لنا الراحة من ذلك في قلوبنا وأبداننا، ونحن نتقلّب في أنعم مولانا جل وعزّ ظاهِرًا وباطنًا مع عدم الأهلية -والله- لشيء من ذلك، بل الذي نتحققه ونقطع به وجود الأهلية منا للمعالجة بغضبه وعقابه، لكن بحلمه وكرمه عَامَلَ مَن ليس من المتقين معاملة المتقين، فلله الحمد تبارك وتعالى ظاهرًا وباطنًا أولًا وآخرًا، فليُرِح أمير المؤمنين -سدّده الله تعالى- خاطِرَه من قِبَلنا ولا يتشوَّفْ إلى شيء من إمدادنا في هذا العيش الدنيوي وإعانتنا، فنحن قد أغنانا مولانا -تبارك وتعالى- عن ذلك، ومن لم يقتنع في الدنيا بالقليل لم ينفعه منها الكثير، والعاقل من اغتنم كفايته وقته الخالي لطاعة الله تعالى وأعْرَض عن المستقبل، إذ لعله لا يَصِلُ إليه، وإن وصل إليه فخزائن مولانا الكريم لا تبيد ولا تغيض، ثم الذي نعتقده أن تلك المدرسة لا حقَّ لنا فيها اليوم إذ لسنا نعمّرها بقراءة ولا سكنى ولا خدمة لنا فيها بوجه، فمشاركتنا لذوي الحقوق فيها وتضييقنا عليهم بالأخذ معهم جَوْرٌ منا وحرص منا وتكاثر؛ إذ المقصود كفاية المهم الحالي، وقد حصلت والحمد لله تعالى، فلا حاجة لنا في أخذ شيء -ولو قُدِّر حلالا محضا- من مدرسة ولا من بيت مال، وعلى تقدير أن يأتينا شيء من هذه الجهات فلا نقبله ولا يصفو لنا في الآخرة خيره، وكل عيش لا يسلم الإنسان من تبعاته في الآخرة فهو فتنة وشر عظيم، وكل من في الدنيا ضيف عابر سبيل في سفره لا فترة معه إلى الآخرة وكان كل واحد منا قد حلّ في حفرته وانفجرت عليه بوابة الآخرة وأهوالها عن قريب، فلا يليق الاهتمام إلا بزاد الآخرة الذي لا نجاة إلا معه إلا بفضل الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويوفق أمير المؤمنين لصرف الهمة كلها لزاد الآخرة، وأن يمنّ على الجميع من الفوز برضاه دنيا وآخرة بالمنازل الفاخرة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته". ثم قال الملالي معقّبا على هذا الخطاب: "فانظر يا أخي ما أحلى هذا الخطاب الذي لا يصدر إلا من مثله من أولي الألباب، وما احتوى عليه من حسن المواعظ والتزهيد في هذه الدنيا الحقيرة التي صارت عنده -رضي الله عنه- أهون وأحقر من الذباب".
وأما عن حلمه فيقول: "أما حِلمُه -رضي الله عنه- فكان من شأنه أنه لا ينتقم لنفسه، ولا ينتصر لها، فمن عظيم حِلمه أنه ربما يقال فيه ما يكره سَمْعُه، فيتعامى عنه ويرى من نفسه أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا يؤثِّر ذلك فيه بالكلية، بل سماعُه لذلك وعدمُ سماعِه على حدِّ السواء عنده، وربما يُظهِر البِشْرَ والتبسُّمَ عند ذلك. ولقد تكلم رجل بحضرته بكلام قبيح جدًّا يرجع قبحه إلى الشيخ، حتى خجل بعض العارفين من قبح كلامه، وهمَّ أحد أن يسبّه وأن يقيمه من مكانه ويطرده، فأخذ الشيخ -رضي الله عنه- يتبسم من كلام الرجل ويُظهِر له البِشْرَ والبشاشة في وجهه، بحيث يُظَنّ بالرجل أنه لم يصدر منه سوء، وإنما صدر منه شيء حَسن، فهكذا كانت سيرته مع الخلق، فتجده لا يحقد على أحد، ولا يظهر العبوسة في وجه من أساء إليه، بل إذا لقيه الرجل الذي تكلم في عِرضه بدأه الشيخ بالسلام، وفاتحه بالكلام والتحية والإعظام، ولا يظهر له ما يدل على الملام، حتى يعتقد المعتقد أن ذلك الرجل صديقه وحبيبه، ثم إذا غاب الرجل بحث الشيخُ عليه، فإن قيل له: إنه بخير، حمد الله على ذلك. وإن قيل له: إنه مريض، عاده، وإن مات خرج لجنازته إن أمكنه ذلك، هكذا كان حاله مع من تكلم في عِرْضه، فكيف بغيره، حتى لا يميز الإنسان بين صديقه وعدوه وقريبه وبعيده".
وأما عن ورعه فيقول: "وأما وَرَعُه -رضي الله عنه- فلا شك ولا خفاء أنه كان أورع أهل زمانه، فمن ورعه وَرَعُه عن الاجتماع مع أبناء الدنيا وأقارب السلطان من الوزراء والقواد ونحوهم، ولا شيء أبغض إليه من الاجتماع بهم والنظر إليهم".
وأما عن وعظه وأثره في الناس فيقول: "وأما مواعظه فلا شك ولا خفاء أنه كان يقرع الأسماع بمواعظه، وتقشعر منها الجلود، وتلين لها القلوب، كل من حضر مجلسه الشريف يقول: معي هو يتكلم، وإيّاي هو يخاطب، وكان شأنه في الوعظ كشأن العلماء العارفين الأخيار في مواعظهم، تجده يسرق الخَلْقَ إلى الله -تعالى- بعبارات لطيفة سهلة، من غير عنف ولا قهر ولا إظهار صلابة في العبارة، عارفًا بما يصلح ويفسد، فانتفع الناس بكلامه انتفاعا عظيمًا، فتجده يسوق الناس إلى الله تعالى بسياسة ولطافة ولين، ويعبّر بعبارة سهلة لا تكلّف فيها، يفهمها الخاص والعام".
وأما عن ولايته فيقول بعد أن بين شروطا وصفات أربعة للأولياء: "ولا خفاء أن الشيخ -رضي الله عنه- قد خصَّهُ البارئ سبحانه بهذه الشروط الأربعة، وزاد عليها زيادة لا يمكن وصفها، ومنحه سبحانه معارف ربانية، وعلومًا لدنية، وأنوارًا إلهية، حتى امتلأت عروقُه ومفاصِله من أنوار الله المخزونة، فهو بنجوم العلم وقمر التوحيد يَهتدي في ليله، وبشموس المعارف يستضيء منها في نهاره".
ويحكي الوادي آشي صورة من مجلس إقرائه وتعليمه لطلابه فيقول: "لقيته -رضي الله تعالى عنه- وحضرت مجلسه الغاص بالمستفيدين من طلبة العلم والعامة بمسجده قرب داره بدرس مسوّفة من داخل تلمسان أمّنها الله تعالى، فحضرت "الفاتحة" وأوائل سورة "البقرة" تقرأ عليه بالسبع، وكتبا غير ذلك، منها "البخاري" كان يقرأ عليه في بعض مجالس حَضَرتُها، ويتكلم على أحاديثه بالكلام الذي يدل على مقامه في العلم والعبادة، وغيره من كتب المجلس، وحضرنا يوم سلّمنا عليه -إثر ما صلينا العصر خلفه- (عقيدته الصغرى) تقرأ بين يديه، ويقرؤها طلبته وجمع من العوام الملازمين لمجلسه عن ظهر قلب، سردًا على صوت واحد إثر سلامه من صلاة عصر يوم الجمعة عادة مستمرة، وهو قاعد بمحرابه، مقبل على الذكر. ولم تقدّر لي القراءة عليه، مع رغبتي في ذلك وحرصي عليه؛ لاستغراق طلبته أوقات قعوده، وكنت أؤمل القراءة وأترصد لها وقتا، فعاجلته -قدسه الله تعالى- المنية، ولم أنل من ذلك الأمنية".
مؤلفاته:
كان الإمام السنوسي -رحمه الله تعالى- مكثرا من التصنيف مع الجودة والإتقان ورزق السعادة في تصانيفه، فشرقت وغربت وأقبل عليها العلماء والطلبة إقبالا فائقا وشغلوا بها، فراجت وانتشر فضلها، ونذكر من مؤلفاته:
- عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد: وهي المشهورة بـ: "كبرى السنوسي"، وهي أول ما صنف في علم التوحيد. وقد اشتغل بها العلماء قراءة وتدريسا:
- فالشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عرضون الزجلي القاضي الشفشاوني المغربي المالكي المتوفى سنة 1012هـ، له شرح عليها أنجزه سنة 991هـ. (مخطوط بخزانة الرباط).
- والشيخ محمد بن عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي الفقيه المالكي المتوفى سنة 1118هـ كتب تقييدات عليها.
- والشيخ محمد عليش المصري المتوفى 1299هـ له شرح عليها سماه: هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد. طبع في القاهرة بمطبعة محمد مصطفى سنة 1306هـ.
- والشيخ عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري نسبًا الأندلسي أصلًا الفاسي، كتب تقييدات عليها كذلك.
- والشيخ أبو المحاسن السيد محمد بن خليل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد الطرابلسي "طرابلس الشام" الحنيف الفقيه الزاهد الشهير بالقاوقجي؛ لأن أحد أجداده صنع قاوُقًا وأهداه إلى السلطان مصطفى خان العثماني فاشتهر أعقابه بهذه النسبة، ولد سنة 1222هـ وتوفي في ذي الحجة سنة 1305هـ له شرح عليها كذلك.
- عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد: شرح على المتن السابق وهو المشهور بشرح الكبرى، وقد طبع بمطبعة جريدة الإسلام سنة 1317هـ.
- وقد كتب الشيخ رمضان بن عبد الحق العكاري الحنفي (984- 1056هـ) حاشية على ذلك الشرح.
- كما كتب عليه الشيخ ياسين بن زين الدين أبي بكر بن محمد بن الشيخ عُلَيم -بالتصغير- الحمصي الشافعي الشهير بالعُليمي (توفي سنة 1061هـ) حاشية أيضا.
- كما كتب الشيخ أبو علي نور الدين الحسن بن مسعود اليُوسي المغربي -يوس بالضم قبيلة من البربر- توفي سنة 1111هـ حاشية عليه كذلك، طبعت بآخره بدار الفرقان للنشر الحديث سنة 2008م.
- العقيدة الوسطى: وهي اختصار للعقيدة الكبرى مع زيادات نفيسة.
- شرح العقيدة الوسطى: وهو أيضا اختصار لشرحه على العقيدة الكبرى المتقدم ذكره، وفرغ منه يوم عرفة سنة 875هـ، وقد اختصره الشيخ أبو الحجاج إبراهيم بن علي الأندلسي الشهير بالبناني المتوفى بعد سنة 1088هـ وسماه الهبة والعطاء، طبع بتونس.
- أم البراهين في العقائد: وهي المشهورة بالسنوسية الصغرى وعنها يقول تلميذه الملالي: "ويكفيك في ذلك -أي في بيان تفرده بمعرفة علم التوحيد- عقيدته الصغرى التي يتداولها العام والخاص شرقًا وغربًا، لا يعادلها شيء من عقائد العلماء ولا ممن تقدم ولا ممن تأخر؛ لما فيها من إدخال جميع عقائد الإيمان تحت كلمتي الشهادة"، وقد كتب الله لها القبول فتلقاها العلماء فور كتابة الإمام لها واشتغلوا بها قراءة وإقراء وشرحا وتدريسا، وظلت تدرس في الجامع الأزهر عقودا طويلة ومن مظاهر الاشتغال بها:
- قرأها الشيخ جار الله أبو مكتوم عيسى بن محمد بن محمد بن أحمد بن عامر المغربي الجعفري الثعالبي الهاشمي (ت: 1080هـ) على شيخه الإمام الشهير والصدر الكبير أبي الصلاح علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي.
- كتب عليها الشيخ محمد منصور الهدهدي شرحا.
- كتب الشيخ شهاب الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن نور الدين علي المعروف بالغُنَيمي -نسبة إلى جده الشيخ غنيم المدفون بالشرقية ويتصل نسبه إلى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه- (ت: 1044هـ) شرحا عليها سماه: (بهجة الناظرين في محاسن أم البراهين) ولم يكمل.
- كما شرحها الشيخ أحمد بن أبي الغيث الشهير بمغلباي الحنفي المدني خطيب المدينة المنورة -ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف (1070هـ)- كما أنه نظمها وتوفي بالمدينة المنورة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف (1134هـ) ودفن بالبقيع.
- والشيخ حسين بن محمد بن علي بن شرحبيل البوسعيدي الشهير بابن شرحبيل (1079- 1142هـ) شرحها شرحين، قال المختار: وقفت عليهما.
- ثم كتب الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي المتوفى عام 1237هـ حاشية على ذلك الشرح طبعت في القاهرة 1310هـ.
- شرحها أيضا الشيخ محمد بن عمر بن إبراهيم التلمساني.
- ونظمها الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن يعقوب الشهير بابن الحاج المتوفى نحو 930هـ.
وقد طبعت العقيدة الصغرى في لايبسك عام 1848م مع ترجمة ألمانية باعتناء العلامة وولف الألماني. ثم طبعت ومعها ترجمة باللغة الفرنسية وتعليقات للأستاذ لوشياني بالجزائر 1896م وطبعت في جاوة بإندونسيا 1318هـ وفي بولاق مرارًا.
- شرح أم البراهين المذكور: وهو المشهور بشرح الصغرى.
- كتب الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي (توفي سنة تسع وتسعين ومائة وألف 1199هـ) حاشية على ديباجة هذا الشرح طبعت في بولاق عام 1281هـ، ثم 1290هـ وبهامشها الشرح، ثم في 1305هـ، ثم في الميمنية 1306هـ.
- كتب الشيخ محمد عرفة الدسوقي المتوفى 1230هـ حاشية على هذا الشرح، فرغ من تأليفها سنة 1214هـ.
- كتب العلامة الشيخ إبراهيم الباجوري المتوفى عام 1277هـ حاشية عليه طبعت في بولاق عام 1283هـ، ثم في القاهرة مرارًا.
- عقيدة صغرى الصغرى: قال الملالي: "وقد كان وضعها لوالدي وذلك أن والدي لما قرأ على الشيخ -رضي الله عنه- عقيدته الصغرى وختمها عليه بالتفسير غير ما مرة رأى أنه قد ثقل عليه درسها وحفظها لكبره وكثرة همومه، فطلب من الشيخ -رضي الله عنه- أن يجعل له عقيدة أصغر من الصغرى بحيث يمكنه درسها وحفظها، فعمل له هذه العقيدة وكتبها له بخط يده".
- شرح على رسالته السابقة المسماة بصغرى الصغرى: طبع بمصر سنة 1282هـ، ثم بالمطبعة الخيرية سنة 1304هـ، وبهامشه شرح الشيخ أبي إسحاق الأندلسي المسمى: المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية. ثم طبع بآخره محققا بدار الرازي بالأردن سنة 2006م.
- كما كتب على هذا الشرح شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري؛ لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به (1096- 1182هـ)، كتب حاشية سماها: هدية الراشدين والمسترشدين لحل شرح السنوسي على أم البراهين.
- كما كتب عليه حاشية كذلك الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي السكتاني السوسي التونسي (ت: 1193هـ).
- المقدمات: وضعها مبيّنة للعقيدة الصغرى السابقة، وهي تقرب منها في الحجم، وقد شرحها الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الأندلسي، وسماها: "المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية"، طبع بالمطبعة الخيرية سنة 1304هـ.
- شرح المقدمات: شرح على كتابه السابق، طبع محققا بمكتبة المعارف سنة 1430هـ- 2009م وعلى هذا الشرح حواش منها:
- حاشية الشيخ حمزة التارزي.
- حاشية الشيخ محمد بن علي الغرياني.
- عقيدة صغرى صغرى الصغرى.
- توحيد أهل العرفان ومعرفة الله ورسله بالدليل والبرهان.
- العقد الفريد في حل مشكلات التوحيد: وهو شرح على لامية أبي العباس أحمد بن عبد الله الجزائري المتوفى سنة 899 هـ المسماة الجزائرية في العقائد الإيمانية. قال في مقدمته: "قد دعاني إلى شرح هذا النظم المبارك بعث مؤلفه بنسخة منه بخطه إلي بمكتوب يستدعي فيه: أن اصنع عليه شرحا، فأجبته إلى ذلك طالبا لرضائه ودعائه الصالح".
- كتاب الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكلام.
- المنهج السديد في شرح كفاية المريد: شرح على كفاية المريد لأبي العباس أحمد بن عبد الله الجزائري المتوفى سنة 899هـ في علم الكلام، طبع محققا بدار الهدى بالجزائر.
- المختصر في المنطق وشرحه: قال الملالي: وهو شرح عجيب جدا لم يُرَ مثله، وقد تلقاهما العلماء بالقبول واعتنوا بهما أيما عناية واشتغل بهما علماء الأزهر قراءة وإقراء وتدريسا، وظل يدرس المتن والشرح بالجامع الأزهر مدة طويلة، ومما بلغنا من وجوه ذلك:
- كان يدرسه بالأزهر الشيخ السجلماسي والورزازي، وعنهما تلقاه شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري؛ لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به (1096- 1182هـ)، حيث قرأه على السجلماسي في سنة 1126هـ.
- كان يدرسه أيضا الشيخ أحمد المكودي، وعنه أخذ بعضه دراية الشيخ علي الخضري (ت 1186هـ) كما أخذه عنه العلامة الشيخ علي بن شمس الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري، ولد بالثغر سنة (1124هـ).
- كما قرأه الشيخ نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي على الشيخ أحمد العمادي.
- وشرحه الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن داود أَحُزِّي الهشتوكي المعروف بالجزولي (ت: 1127هـ) وسماه: "الفتح القدوسي على مختصر السنوسي".
- كما كتبت على شرح الشيخ السنوسي على مختصره هذا الحواشي الماتعة فمنها:
- حاشية الشيخ عطية الله بن عطية البرهاني القاهري الشافعي الشهير بالأجهوري (ت:1190هـ).
- وحاشية الشيخ محمد الفضالي شيخ الشيخ الباجوري، وقد اختصرها مع التي قبلها الشيخ الباجوري في حاشية ضافية، وهي من أكبر الحواشي المنطقية، طبعت بمصر سنة 1292هـ ثم بمصر سنة 1321هـ.
- وحاشية الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن البناني المالكي (1194هـ) طبعت بفاس سنة 1302هـ.
- نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير.
- المقرِّب المستوفي في شرح فرائض الحَوْفِي: شرح مختصر الحوفي في الفرائض لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المتوفى سنة 803هـ وهو أوّل ما ألف من الكتب، ألفه وهو ابن تسع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة على اضطراب في ذلك، وقد أشار الشيخ -رضي الله عنه- إلى ذلك في آخر هذا الشرح فقال: "كنت جمعت هذا التقييد في زمن الصغر، قاصدًا بذلك نفع نفسي لعدم تمكني من شرح أستعين به على فهم هذا الكتاب".
- شرح واسطة السلوك: وهو شرح على عقيدة موجزة وضعها صاحبه الفقيه الأجل أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحوضي، وذلك بطلب منه.
- شرح أسماء الله الحسنى: وهو في نحو عشرين ورقة، يذكر فيه تفسير كل اسم من أسمائه تعالى ثم يتبعه ببيان أثره في حظ العبد من الاسم، طبع ببيروت سنة 1429هـ.
- شرح التسبيح الذي حض عليه الشرع دبر كل صلاة.
- شرح البخاري: لم يكمل، وصل فيه إلى باب: "من استبرأ لدينه".
- شرح مشكلات البخاري: قال الملالي: "وهو شرح على مشكلات وقعت في آخر البخاري كقوله -عليه الصلاة والسلام- في شأن جهنم أعاذنا الله منها: ((حتى يضع الجبار فيها قدمه))، وكقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: ((سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر))، ونحو ذلك من المشكلات التي لا تُحمَل على ظاهرها، وهو شرح جليل مختصر.
- اختصار شرح الزركشي على صحيح البخاري: قال الملالي: وقد رأيته بخطه -رضي الله تعالى عنه ونفع به-.
- مختصر شرح التفتازاني على الكشاف: قال الملالي: وقد رأيته بخطه -رضي الله عنه-.
- شرح مقدّمة ابن ياسمين: قال الملالي: وقد وضع هذا الشرح في زمن صغره، ورأيته بخطه -رضي الله عنه ونفعنا به-.
- شرح الجمل: وهو شرح على متن الجمل في المنطق للخونجي، قال الملالي: وقد رأيت منه كراستين بخطه -رضي الله عنه ونفعنا به- ولا أدري هل كمّله أم لا؟
- شرح رجز ابن البنا في الطب.
- شرح مختصر ابن عرفة في المنطق: قال الملالي: وبيّن فيه كلام ابن عرفة وحل ما صعب من كلامه، وأخبرني الشيخ -رضي الله عنه- قال لي: "كلام ابن عرفة صعب جدا وخصوصا في هذا المختصر، قال: وقد أتعبت نفسي كثيرا في حل كلام ابن عرفة في مختصره هذا لصعوبته في غاية". لم يكمل.
- شرح الشاطبية -لم يكمل-: قال الملالي: "وقد رأيته بخطه غير مكمّل".
- شرح المدونة: قال الملالي: "وشرح منها جملة كافية، وقد رأيته بخطه، ولا أدري هل كمّله أم لا؟".
- الدر المنظوم في شرح قواعد ابن آجروم: وهو شرح على الآجرومية، قال الملالي: "رأيته بخطه مكملا".
- شرح جواهر العلوم: شرح على كتاب جواهر العلوم لعضد الدين الإيجي في علم الكلام قال الملالي: "ولم أرَ هذا الشرح، إلا أن الشيخ أخبرني به وبهذا الكتاب، وقال لي: هذا الكتاب هو على نهج البيضاوي، بل كلام البيضاوي أسهل بالنسبة إلى هذا الكتاب، قال: والبيضاوي نقطة من بحر هذا الكتاب، قال: وكلامه صعب في غاية الصعوبة، قال: وشرحته بكلام صعب إلا أنه أبين من هذا المشروح".
- تعليق على مختصر ابن الحاجب في الفقه المالكي، لم يكمل.
- مجربات الإمام أبي عبد الله محمد السنوسي، طبعت بهامش مجربات الديربي بمطبعة بولاق سنة 1279هـ ثم بمصر سنة 1316هـ.
- تفسير للقرآن، لم يتمه، فسر فيه من الفاتحة إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] ومن سورة ص إلى الناس، قال الملالي: "وقد رأيته بخطه -رضي الله عنه- ثلاث كراريس ونصفا من القالب الكبير.
- تفسير الفاتحة باختصار: منه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط والمكتبة الوطنية بالجزائر ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
- مكمِّل إكمال الإكمال: وهو شرح على صحيح مسلم، طبع مع إكمال إكمال المعلم تأليف الإمام الأبي، طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1327هـ في ثماني مجلدات.
- شرح بغية الطلاب في علوم الأسطرلاب: و"بغية الطلاب" قصيدة لشيخه أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الحباك رحمه الله. قال الملالي: وهو شرح جليل تقف عقول الأذكياء والألبَّاء عنده، وقد رأيته بخطه رضي الله تعالى عنه.
- شرح أرجوزة ابن سينا في الطب: قال الملالي: "وهو شرح عجيب وقد رأيته بخطه -رضي الله تعالى عنه- إلا أنه لم يكمله".
تلامذته:
أخذ عن الشيخ الإمام السنوسي تلاميذ كثر يكادون لا يحصون كثرة، نذكر منهم:
- الشيخ محمد بن عمر بن إبراهيم الملالي التلمساني (كان حيا سنة 897هـ). وهو صاحب "المواهب القدسية في المناقب السنوسية" الذي ترجم فيه لشيخه الإمام السنوسي وتكلم فيه على جميع نواحي حياته العلمية والأخلاقية وغير ذلك مما لا يوجد في غيره من الكتب. وله أيضا شرح وجيز على العقيدة الصغرى لشيخه المعروفة بـ "أم البراهين".
- الشيخ محمد بن صعد التلمساني (ت:901هـ). قال الحضيكي: "الفقيه العالم المحصل، أخذ عن الإمام ابن العباس والحافظ التنسي والسنوسي. وألف (النجم الثاقب فيما للأولياء من المناقب) وغيره".
- الشيخ أبا القاسم بن محمد الزواوي (ت: 922هـ): نعته ابن مريم بالشريف الفقيه الولي الصالح العالم المدرس، وذكر أنه من أكابر أصحاب الإمام السنوسي وقدمائهم.
- الشيخ أبا عبد الله محمد بن أبي مدين (ت: 915هـ). ذكر ابن مريم أنه من تلاميذ الإمام السنوسي، ونقل عن بعض تلاميذه ما نصه: هو شيخنا الفقيه الإمام، محيي ما درس من علوم الشريعة وعلم الكلام، الحائز قصب السبق في المنقول والمعقول خصوصا علم الكلام؛ إذ لولا هو لتلاشى علم الكلام، بل علم المعقول بأسره بمغربنا: السيد الفاضل العلامة أبو عبد الله بن أبي مدين.
- الشيخ أبا عبد الله محمد بن محمد بن العباس التلمساني المقيلي (كان حيا في حدود سنة 920 هـ). الشيخ الفقيه النحوي العالم، ابن العلامة المحقق ابن العباس. قال ابن مريم: "أخذ -رحمه الله تعالى- عن علماء تلمسان، ولازم الإمام السنوسي". وذكر قبل ذلك نقلا عنه أنه تفقه على الشيخ محمد بن أبي مدين بالدراية في مقدمة الشيخ السنوسي وفي عقيدته الكبرى والصغرى ومختصره المنطقي وغير ذلك.
- الشيخ العلامة الولي أبا العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق شيخ الطريقة وإمام الحقيقة.
- أحمد بن محمد المعروف بابن الحاج البيدري التلمساني (تـوفي نحو سنة 930هـ)، أديب لغوي له تآليف كثيرة.
- محمد القلعي: من كبار تلاميذ الإمام السنوسي، فقيه متصوف، له "الأسئلة القلعية".
- محمد بن عبد الرحمن الحوضي (ت:910هـ) الفقيه الأصولي التلمساني. كان -رحمه الله- عالما شاعرا مكثرا، له نظم في العقائد سماه: "واسطة السلوك"، وقد شرحه الإمام السنوسي بطلب منه.
وفاته:
قال الملالي: "كان -رضي الله عنه- أواخر عمره كثير الانقباض عن الخلق، لا يكاد ينبسط مع أحد كما كانت عادته قبل ذلك، وشقّ عليه الخروج إلى المسجد والصلاة، ولا يخرج إليه في بعض الأيام إلا حياء من الناس الذين ينتظرونه في المسجد للصلاة، ولما أحس -رضي الله تعالى عنه- بألم مرضه الذي توفي منه انقطع عن المسجد، فسمع الناس بمرضه فصاروا يأتون إلى المسجد فلا يجدونه، فتتغير قلوبهم من فقدان الشيخ وعدم رؤيتهم له، فأُخبِر الشيخ بذلك فصار يتكلَّف الخروج إلى المسجد للصلاة لأجل الناس، فإذا رأوه فرحوا وسُرّوا بخروجه ورؤيته، فخرج يوما وأتى لباب المسجد وأراد الصعود إليه فلم يقدر فقال: كيف أطلع إلى المسجد يا ربّ؟ -أو قريبا من هذا- فهمّ بالرجوع إلى داره، فبدا له [أن يَدخل] خوفا من أن يُدخل على الناس حزنا برجوعه فتكلّف الصعود إلى المسجد وصلى بالناس صلاة العصر يوم الجمعة ولم يكمل الصلاة إلا بشق النفس، وهذه آخر صلاة صلاها، فرجع إلى داره فبقي إلى صبيحة يوم السبت من الغد فقرّبت إليه زوجته طعاما فقال لها: لا أقدر على شيء، فقالت له: وأيّ شيء بك؟ فقال لها: أنا تخلّفت، ثم غاب عن حسّه، فبقي على تلك الحالة النهار كله، ثم كلّمته زوجته وقالت له: ما الذي غيّبك عن حسك؟ -أو قريبا من هذا- فقال لها: إن الملائكة قد صعدت بي إلى السماء الدنيا فسمعت قائلا يقول لي: اترك ما أنت عليه، فقد قرب أجلك، ثم قال: لا أستطيع أن أفسِّر لكِ بقية ما رأيت -أو كما قال- فقالت له زوجته: وما الذي أمرت بتركه؟ قال لها: قد تركت حبس ذلك المسجد لا آخذ منه شيئا أبدا. ثم إنه لازم الفراش من حينئذ إلى أن توفي.
ومدّة مرضه عشرة أيام، وفي كل ساعة يتقوى مرضه ويتضاعف ألمُه وتضعف قوّته وحركته ويثقل لسانه، وهو مع ذلك ثابت العقل، ثم تجده مع ذلك يكلم من كلمه ويسلم على من سلم عليه أو يشير له، فلما قرب أجله وقبل انتقاله بثلاثة أيام دخلته سكرات الموت، فرجع يتأوّه بالقهر ويميل يمينا وشمالا، فنظرتُ إليه وقد احمرّت وجنتاه واشتدَّ نَفَسُه وتقوّى صعوده وهبوطه، فلم أملك صبرا على البكاء مما عاينت من شدة مقاساته وعظيم صبره على ذلك، ففارقته وظننت أنه لا يبقى تلك الليلة وكانت ليلة السبت، فبقي في النزع تلك الليلة والأحد إلى بعد العصر، فكان ابن أخيه يلقنه الشهادة مرة بعد مرة، فالتفت الشيخ له وقال بكلام ضعيف جدا: وهل ثمّ غيرها؟! يعني أنه -رضي الله تعالى عنه- ليس بغافل عنها بقلبه في هذا الوقت وإن كان لم ينطق بها اللسان، فحينئذ استبشروا بذلك وعرف الحاضرون أنه ثابت العقل ليس بغافل عن الله سبحانه، وكانت بنته تقول له حينئذ: تمشي وتتركني؟ فقال لها: الجنة تجمعنا عن قريب إن شاء الله تعالى. وكانت في يده -رضي الله تعالى عنه- سبحة، فلمّا اشتد مرضه سقطت السبحة من يده، فبقي كذلك ما شاء الله، ثم التفت إلى السبحة فلم يجدها في يده، فقال: مشت العبادة يا محمد -يعني نفسه-.
وكان -رضي الله عنه- يقول عند موته: نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بكلمتي الشهادة، عالمين بها.
وتوفي -رحمه الله ورضي عنه- يوم الأحد بعد العصر، الثامن عشر من جمادى الآخرة من عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ) الموافق عام 1490م، قال الملالي: وأخبرتني والدتي -رحمها الله تعالى- عن بنت الشيخ أنها شمّت رائحة المسك في البيت بنَفَس موت أبيها، وشمّته أيضا في جسده، والله تعالى أعلم.
وقد صدق الشيخ أبو عبد الله محمد بن منصور المستغانمي في مدحه له حين قال:
لقد منَّ ذو الفضل العظيم بفضله | علينا بنجم آخر الدهر لائحا |
فأبدى لنا التوحيد عذبا مخلصا | وبالغ في التبيين للخلق ناصحا |
وذاك السنوسي عمَّ فضله غاية | وحاز فخارا في البرية واضحا |
فخار تلمسان عليكَ بكتبه | فقد فاقت التبر المخلص طافحا |
نسأله سبحانه أن يقدّس روحه وأن يسكنه في أعالي الفردوس فسيحه، وأن يجعله ممن يتنعّم في كل لحظة برؤية ذاته العلية العديمة النظير والمثال، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، وأن يجمعنا معه بفضله وكرمه في أعلى المنازل الفاخرة بجاه سيدنا ونبينا ومولانا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
مصادر الترجمة:
- شجرة النور الزكية (266) ومواضع أخرى.
- نيل الابتهاج (563- 572).
- مقدمة تحقيق كتاب المقدمات للإمام السنوسي بقلم: نزار حمادي وهو قد نقل عن كتاب (المواهب القدوسية في المناقب السنوسية) والذي هو أوفى كتاب في ترجمة الشيخ وكل من ترجم له بعده فمنه أخذ وعنه نقل.
- البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم المليتي (237- 248).
- تعريف الخلف برجال السلف (1/ 176).
- كشف الظنون (1/ 170) ومواضع أخرى.
- معجم المطبوعات (2/ 1540) ومواضع أخرى.
- تاريخ الجبرتي (1/ 365- 422)
- الأعلام (7/ 154) ومواضع أخرى.