الإمام السنوسي

الإمام السنوسي

اسمه ونسبه:
هو الإمام العلامة المتكلم المتفنن أبو عبد الله محمد بن السيد أبي يعقوب يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الأصل -نسبة لقبيلة بني سنوس بالمغرب- التلمساني المولد المالكي الأشعري الشريف الحسني، ولد بعد الثلاثين وثمانمائة، والراجح أن مولده سنة (832هـ) وذلك بمدينة تلمسان الجزائرية.

شيوخه:

  1. والده الشيخ الإمام الصالح المبارك الزاهد العابد الأستاذ المحقق المقرئ الخاشع أبو يعقوب يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، وهو أول شيوخه، حفظ على يديه القرآن في صغره، وتهيأ بتوجيهه للترقي في معارج العلوم الشرعية والعقلية.
  2. الشيخ الولي الصالح الفقيه أبو الحسن علي بن محمد التالوتي الأنصاري التلمساني أخوه لأمه (ت: 895هـ) قرأ عليه في صغره رسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي.
  3. الشيخ العلامة المتفنن أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي الشهير بابن العباس (ت: 871هـ) قرأ عليه شيئا من علم الأصول، وقرأ عليه من كتب المنطق "الجمل" للخونجي من أوله إلى آخره في مدة يسيرة نحو ثلاثة أيام، وسبب ذلك أنه يقرأ ويفسر ما يقرؤه، فيورد له الإمام السنوسي أسئلة ويسوق أجوبة لم توجد في الكتب، فيتعجب منه الشيخ ابن العباس ومن حسن جوابه، فلما رأى ذلك منه قال: لا تقرأ علي، أنت الذي يُقرأ عليك، وهذا سبب قلة مدة قراءته عليه.
  4. الشيخ العلامة الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشريف ابن الجلاب (ت: 875هـ) أخذ عنه الفقه، وقيل: إنه ختم عليه المدونة مرتين، وكان يقول عنه: هو حافظ لمسائل الفقه.
  5. الشيخ الولي الحسن بن مخلوف بن مسعود المزيلي الراشدي الشهير بأبركان (ت: 857هـ). لازمه الإمام السنوسي في صغره وانتفع به، وكان الشيخ يحبه ويدعو له بأن يجعله الله من الأئمة المتقين، وقد حقق الله دعاء الشيخ وفراسته.
  6. الشيخ العلامة الفقيه محمد بن قاسم بن تُونَرَت الصنهاجي التلمساني، قرأ عليه الإمام السنوسي في صغره جملة من علوم الحساب والفرائض، وقال عنه: كان سيدي محمد بن تُونَرَت -رحمه الله- شيخًا عالمًا بعلوم المعقول والمنقول والنجوم والحساب والفرائض والأوفاق والخط والهندسة وفي كل علم.
  7. الشيخ الإمام حجة الإسلام العالم العامل الزاهد العابد أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي صاحب تفسير "الجواهر الحسان" رحل إليه إلى الجزائر، وأخذ عنه بها علم الرواية، قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث وأجازه.
  8. الشيخ الولي الإمام العالم العلامة الورع الزاهد إبراهيم بن محمد بن علي اللتني التازي، لقيه عند رجوعه من الجزائر بعد تلقيه العلوم عن الشيخ الثعالبي، وتحديدا في مدينة وهران حيث مكث عنده مدة خمسة وعشرين يوما، فأخذ فيها الخرقة والذكر والمصافحة والسبحة والحديث المسلسل بالأولية وألبسه الخرقة وروى عنه الشفا.
  9. الشيخ الإمام العلامة فرضي عصره أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن علي القرشي الشهير بالقلصادي (ت: 891هـ) قرأ عليه جملة من الحساب والفرائض وأجازه بجميع مروياته.
  10. الشيخ العلامة المحقق الصالح نصر الزواوي التلمساني. من أكابر تلاميذ الإمام محمد بن مرزوق. أخذ عنه في علوم العربية ولازمه كثيرا.
  11. الشيخ العلامة الفقيه أبو الحجاج يوسف بن أحمد بن محمد الشريف الحسني، قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبعة المشهورة من أم القرآن إلى آخره ختمتين، وأجازه فيها وفي جميع مروياته.
  12. الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحباك (ت: 868هـ) قرأ عليه كثيرا من علم الأسطرلاب، وقد ذكره الشيخ في شرح الأرجوزة التي ألفها شيخه المذكور والمسماة بـ"بغية الطلاب في علم الأسطرلاب" وصرح فيه بأنه شيخه.
  13. الشيخ الإمام العالم الورع أبو القاسم الكنابشي البجائي، قرأ عليه كتاب "الإرشاد" لأبي المعالي الجويني في أصول الدين، وأجازه بجميع مروياته.
  14. الشيخ الفقيه العلامة أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي (ت: 884هـ)، أخذ عنه في رحلته إلى الجزائر، ومن مؤلفاته قصيدة في علم العقائد سماها: كفاية المريد في علم التوحيد، وهي التي أرسل بها للإمام السنوسي فيما بعد طالبا منه شرحها، فأجابه وسمى شرحه: "المنهج السديد في شرح كفاية المريد في علم التوحيد".

صفاته:
كان الشيخ الإمام السنوسي -رحمه الله- ممن يشار إليه بالصلاح في صغره لكثرة حيائه وصمته، وكثرة صدقته على الفقراء والمساكين، وعظيم شفقته ورحمته وغير ذلك من محاسنه التي جبل عليها في صغره، وكانت تلوح عليه علامات النبوغ مذ كان صغيرا، فقد حكى الشيخ علي التالوتي -رحمه الله تعالى- قال: "كان أخي سيدي محمد السنوسي إذا دخل على الشيخ سيدي الحسن أبركان -رحمه الله- يتبسّم له ويفاتحه بالكلام، ثم يقول في دعائه له: جعلك الله من الأئمة المتقين. وكان أخي سيدي محمد لا يتكلّم في المجلس، وربما تَعْرِضُ للشيخ سيدي الحسن مسألة ويتوقف أهلُ المجلس فيها، فيلتفت الشيخ سيدي الحسن أبركان إلى سيدي محمد السنوسي -وكان صغيرًا - فيقول له: ما تقول يا محمد في هذه المسألة؟ فيقول: يحتمل أن يكون المراد كذا وكذا، فيقول الشيخ سيدي الحسن أبركان: الصواب ما قال محمد، يعني سيدي محمد السنوسي". وظل الشيخ يترقى في مدارج الكمال وسلم العلوم والمعارف والأحوال حتى صار شيخ العلماء والزهاد والأساتذة العباد، عارفا بالله جامعا بين العلم والعمل، وقد جمع تلميذه الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمر الملالي في أحواله وسيره وفوائده، وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته، تأليفا كبيرا في نحو سبع عشرة كراسا سماه بـ: (المواهب القدوسية في المناقب السنوسية) (مخطوط بدار الكتب بتونس)، ومما قاله فيه: "أما العلوم الظاهرة فقد فاز منها بأوفر نصيب، وحاز في الفروع والأصول السهم والتعصيب، ورمى إلى كل فضيلة ومكرمة بسهم مصيب، ولهذا كان -رضي الله تعالى عنه- لا تتحدث معه في علم من العلوم إلا تحدّث معك فيه، حتى يقول السامع: إنه لا يُحسن غير هذا العلم، لا سيما علم التوحيد وعلم المعقول، فقد انفرد بمعرفته غاية المعرفة، ولم يشاركه فيها أحد، فلا يعادله أحد في معرفته بالتوحيد ولا نظير له فيه".

وفي بيان عظم قدر هذا العلم -علم التوحيد- يقول الإمام السنوسي ما معناه: "إنه ليس ثمَّ علمٌ من العلوم الظاهرة يورث المعرفة بالله تعالى والخشية منه والمراقبة إلا علم التوحيد، وبه يفتح الله له فهم سائر العلوم كلها، وعلى قدر معرفة المرء به يزداد خوفه من المولى تبارك وتعالى وقربه منه". يقول الملالي: "وقد شارك الفقهاء في العلوم الظاهرة، ولم يشاركوه في العلوم الباطنة، بل زاد على الفقهاء في العلوم الظاهرة زيادة لا يمكن وصفها، وهو حلّ أقفال المشكلات وما يَعْرِض من الشُّبَه والدواهي المعضلات، لا سيما علم التوحيد، وهذا هو العلم على الحقيقة الذي يُعرَف به حقائق الأشياء، فكان الشيخ يزيل بأنوار علومه وفهومه من القلب داء الشبه وضروب الشكوك والامتراء، ولا تجد بعده من يشفي لك الغليل ويزيل داء الشكوك والشُّبَه والدواهي المعضلة من القلب العليل، ولم يبق في هذا الزمان -الكثير الشرّ القليل الخير- في الغالب إلا من يحفظ المسائل من الكتب من غير تحقيق ولا دليل".

وكان -رحمه الله- قد جمع من محاسن الأخلاق وجميل السجايا ما لا مزيد عليه، يقول الملالي: "فوالله الذي لا إله غيره ولا معبود سواه، ما رأت عيناي أحسن خُلُقًا، ولا أوسع صدرًا، ولا أكرم نفسًا، ولا أعطف قلبًا، ولا أحفظ عهدًا وودًّا، ولا أكثر علمًا وفهمًا من الشيخ سيدي ومولاي محمد السنوسي -رضي الله تعالى عنه- ونفعنا به. ولقد كان مع جلالة قَدْره وعُلوِّ منزلته وسَعَةِ عِلمه يقف مع الصغير، ويوقّر الكبير، ويبدأ بالسلام، ويجالس الضعفاء، ويتواضع للفقراء، وقد اتبع في هذه الخصال كلها أفضلَ الخَلْقِ وأفضلهم عند الحق تعالى سيّد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا ومولانا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان -رضي الله عنه- ليِّنَ الخُلُقِ، كريم الطبع، حسن المعاشرة، بسّامًا من غير ضحك، متواضعًا من غير مذلة، رقيق القلب، رحيمًا بكل مسلم، ويسلّم مبتدئًا، ويصافح الغني والفقيرَ إلى غير ذلك من عظيم تواضعه -رضي الله عنه-، فإنه قد اقتدى بأشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ظاهره وباطنه".

وأما عن زهده فيقول عنه: "وأما زهده -رضي الله عنه- في الدنيا، والإعراض عنها وعن زهرتها، وبغضه لها أشد البغض، فمعلوم ضرورة عند الخاص والعام، ولقد بعث إليه السلطان أبو عبد الله -حفظه الله تعالى- يوما رسولًا، وطلب من الشيخ أن يأخذ شيئا من غلات مدرسة سيدي الحسن أبركان -رحمه الله تعالى- فامتنع الشيخ من ذلك، فبعث إليه ثانيا، فأبى أن يقبل شيئا، فلما ألح الرسول على الشيخ، كتب الشيخ كتابا إلى السلطان يقول فيه:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله؛ من عبْدِ الله تعالى الفقير إليه محمد بن يوسف السنوسي -لطف الله تعالى به- إلى أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى وأمده بتوفيقه وتسديده وجعله بفضله في الدنيا والآخرة من خيار عبيده ولطف به وختَم له بالحسنى عند موته ومفارقة دنياه وقريبِه وبعيده-، بعد السلام عليكم ورحمة الله والبركة، فقد وقف علينا الفقيه الحسيب الأمين النصيح في خدمتكم الكيِّس اللبيب السيد أبو عبد الله محمد العبّادي -جعله الله وزير صِدْقٍِ ومُعِينَ حَقٍّ، وخلَّص الجميع من شباك الدنيا وسراب غرورها المارّ مرّ السحاب خلاصا جميلا-، فذكر لنا أنكم اهتممتم بنا فيما يرجع إلى هذا العيش الدنيوي القريب، وأنكم عرضتم علينا الإعانة بشيء من غلات المدرسة الجديدية، فجزاكم الله تعالى على ما اهتممتم به أفضل الجزاء، ولقّاكم به خيرا وسرورا يوم الموت واللقاء، ونحن نُعلِمُكم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى بفضله كفانا الضروريات في هذا المعاش، ورزقنا عند الاحتياج من حيث لا نحتسب، وأنعم علينا بطَوْله أن خَلق لنا الراحة من ذلك في قلوبنا وأبداننا، ونحن نتقلّب في أنعم مولانا جل وعزّ ظاهِرًا وباطنًا مع عدم الأهلية -والله- لشيء من ذلك، بل الذي نتحققه ونقطع به وجود الأهلية منا للمعالجة بغضبه وعقابه، لكن بحلمه وكرمه عَامَلَ مَن ليس من المتقين معاملة المتقين، فلله الحمد تبارك وتعالى ظاهرًا وباطنًا أولًا وآخرًا، فليُرِح أمير المؤمنين -سدّده الله تعالى- خاطِرَه من قِبَلنا ولا يتشوَّفْ إلى شيء من إمدادنا في هذا العيش الدنيوي وإعانتنا، فنحن قد أغنانا مولانا -تبارك وتعالى- عن ذلك، ومن لم يقتنع في الدنيا بالقليل لم ينفعه منها الكثير، والعاقل من اغتنم كفايته وقته الخالي لطاعة الله تعالى وأعْرَض عن المستقبل، إذ لعله لا يَصِلُ إليه، وإن وصل إليه فخزائن مولانا الكريم لا تبيد ولا تغيض، ثم الذي نعتقده أن تلك المدرسة لا حقَّ لنا فيها اليوم إذ لسنا نعمّرها بقراءة ولا سكنى ولا خدمة لنا فيها بوجه، فمشاركتنا لذوي الحقوق فيها وتضييقنا عليهم بالأخذ معهم جَوْرٌ منا وحرص منا وتكاثر؛ إذ المقصود كفاية المهم الحالي، وقد حصلت والحمد لله تعالى، فلا حاجة لنا في أخذ شيء -ولو قُدِّر حلالا محضا- من مدرسة ولا من بيت مال، وعلى تقدير أن يأتينا شيء من هذه الجهات فلا نقبله ولا يصفو لنا في الآخرة خيره، وكل عيش لا يسلم الإنسان من تبعاته في الآخرة فهو فتنة وشر عظيم، وكل من في الدنيا ضيف عابر سبيل في سفره لا فترة معه إلى الآخرة وكان كل واحد منا قد حلّ في حفرته وانفجرت عليه بوابة الآخرة وأهوالها عن قريب، فلا يليق الاهتمام إلا بزاد الآخرة الذي لا نجاة إلا معه إلا بفضل الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويوفق أمير المؤمنين لصرف الهمة كلها لزاد الآخرة، وأن يمنّ على الجميع من الفوز برضاه دنيا وآخرة بالمنازل الفاخرة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته". ثم قال الملالي معقّبا على هذا الخطاب: "فانظر يا أخي ما أحلى هذا الخطاب الذي لا يصدر إلا من مثله من أولي الألباب، وما احتوى عليه من حسن المواعظ والتزهيد في هذه الدنيا الحقيرة التي صارت عنده -رضي الله عنه- أهون وأحقر من الذباب".

وأما عن حلمه فيقول: "أما حِلمُه -رضي الله عنه- فكان من شأنه أنه لا ينتقم لنفسه، ولا ينتصر لها، فمن عظيم حِلمه أنه ربما يقال فيه ما يكره سَمْعُه، فيتعامى عنه ويرى من نفسه أنه لم يكن شيء من ذلك، ولا يؤثِّر ذلك فيه بالكلية، بل سماعُه لذلك وعدمُ سماعِه على حدِّ السواء عنده، وربما يُظهِر البِشْرَ والتبسُّمَ عند ذلك. ولقد تكلم رجل بحضرته بكلام قبيح جدًّا يرجع قبحه إلى الشيخ، حتى خجل بعض العارفين من قبح كلامه، وهمَّ أحد أن يسبّه وأن يقيمه من مكانه ويطرده، فأخذ الشيخ -رضي الله عنه- يتبسم من كلام الرجل ويُظهِر له البِشْرَ والبشاشة في وجهه، بحيث يُظَنّ بالرجل أنه لم يصدر منه سوء، وإنما صدر منه شيء حَسن، فهكذا كانت سيرته مع الخلق، فتجده لا يحقد على أحد، ولا يظهر العبوسة في وجه من أساء إليه، بل إذا لقيه الرجل الذي تكلم في عِرضه بدأه الشيخ بالسلام، وفاتحه بالكلام والتحية والإعظام، ولا يظهر له ما يدل على الملام، حتى يعتقد المعتقد أن ذلك الرجل صديقه وحبيبه، ثم إذا غاب الرجل بحث الشيخُ عليه، فإن قيل له: إنه بخير، حمد الله على ذلك. وإن قيل له: إنه مريض، عاده، وإن مات خرج لجنازته إن أمكنه ذلك، هكذا كان حاله مع من تكلم في عِرْضه، فكيف بغيره، حتى لا يميز الإنسان بين صديقه وعدوه وقريبه وبعيده".

وأما عن ورعه فيقول: "وأما وَرَعُه -رضي الله عنه- فلا شك ولا خفاء أنه كان أورع أهل زمانه، فمن ورعه وَرَعُه عن الاجتماع مع أبناء الدنيا وأقارب السلطان من الوزراء والقواد ونحوهم، ولا شيء أبغض إليه من الاجتماع بهم والنظر إليهم".

وأما عن وعظه وأثره في الناس فيقول: "وأما مواعظه فلا شك ولا خفاء أنه كان يقرع الأسماع بمواعظه، وتقشعر منها الجلود، وتلين لها القلوب، كل من حضر مجلسه الشريف يقول: معي هو يتكلم، وإيّاي هو يخاطب، وكان شأنه في الوعظ كشأن العلماء العارفين الأخيار في مواعظهم، تجده يسرق الخَلْقَ إلى الله -تعالى- بعبارات لطيفة سهلة، من غير عنف ولا قهر ولا إظهار صلابة في العبارة، عارفًا بما يصلح ويفسد، فانتفع الناس بكلامه انتفاعا عظيمًا، فتجده يسوق الناس إلى الله تعالى بسياسة ولطافة ولين، ويعبّر بعبارة سهلة لا تكلّف فيها، يفهمها الخاص والعام".

وأما عن ولايته فيقول بعد أن بين شروطا وصفات أربعة للأولياء: "ولا خفاء أن الشيخ -رضي الله عنه- قد خصَّهُ البارئ سبحانه بهذه الشروط الأربعة، وزاد عليها زيادة لا يمكن وصفها، ومنحه سبحانه معارف ربانية، وعلومًا لدنية، وأنوارًا إلهية، حتى امتلأت عروقُه ومفاصِله من أنوار الله المخزونة، فهو بنجوم العلم وقمر التوحيد يَهتدي في ليله، وبشموس المعارف يستضيء منها في نهاره".

ويحكي الوادي آشي صورة من مجلس إقرائه وتعليمه لطلابه فيقول: "لقيته -رضي الله تعالى عنه- وحضرت مجلسه الغاص بالمستفيدين من طلبة العلم والعامة بمسجده قرب داره بدرس مسوّفة من داخل تلمسان أمّنها الله تعالى، فحضرت "الفاتحة" وأوائل سورة "البقرة" تقرأ عليه بالسبع، وكتبا غير ذلك، منها "البخاري" كان يقرأ عليه في بعض مجالس حَضَرتُها، ويتكلم على أحاديثه بالكلام الذي يدل على مقامه في العلم والعبادة، وغيره من كتب المجلس، وحضرنا يوم سلّمنا عليه -إثر ما صلينا العصر خلفه- (عقيدته الصغرى) تقرأ بين يديه، ويقرؤها طلبته وجمع من العوام الملازمين لمجلسه عن ظهر قلب، سردًا على صوت واحد إثر سلامه من صلاة عصر يوم الجمعة عادة مستمرة، وهو قاعد بمحرابه، مقبل على الذكر. ولم تقدّر لي القراءة عليه، مع رغبتي في ذلك وحرصي عليه؛ لاستغراق طلبته أوقات قعوده، وكنت أؤمل القراءة وأترصد لها وقتا، فعاجلته -قدسه الله تعالى- المنية، ولم أنل من ذلك الأمنية".

مؤلفاته:
كان الإمام السنوسي -رحمه الله تعالى- مكثرا من التصنيف مع الجودة والإتقان ورزق السعادة في تصانيفه، فشرقت وغربت وأقبل عليها العلماء والطلبة إقبالا فائقا وشغلوا بها، فراجت وانتشر فضلها، ونذكر من مؤلفاته: 

  1. عقيدة أهل التوحيد والتسديد المخرجة من ظلمات الجهل وربقة التقليد المرغمة أنف كل مبتدع عنيد: وهي المشهورة بـ: "كبرى السنوسي"، وهي أول ما صنف في علم التوحيد. وقد اشتغل بها العلماء قراءة وتدريسا:
    • فالشيخ أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عرضون الزجلي القاضي الشفشاوني المغربي المالكي المتوفى سنة 1012هـ، له شرح عليها أنجزه سنة 991هـ. (مخطوط بخزانة الرباط).
    • والشيخ محمد بن عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف الفاسي الفقيه المالكي المتوفى سنة 1118هـ كتب تقييدات عليها.
    • والشيخ محمد عليش المصري المتوفى 1299هـ له شرح عليها سماه: هداية المريد لعقيدة أهل التوحيد. طبع في القاهرة بمطبعة محمد مصطفى سنة 1306هـ.
    • والشيخ عبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري نسبًا الأندلسي أصلًا الفاسي، كتب تقييدات عليها كذلك.
    • والشيخ أبو المحاسن السيد محمد بن خليل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد الطرابلسي "طرابلس الشام" الحنيف الفقيه الزاهد الشهير بالقاوقجي؛ لأن أحد أجداده صنع قاوُقًا وأهداه إلى السلطان مصطفى خان العثماني فاشتهر أعقابه بهذه النسبة، ولد سنة 1222هـ وتوفي في ذي الحجة سنة 1305هـ له شرح عليها كذلك. 
  2. عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد: شرح على المتن السابق وهو المشهور بشرح الكبرى، وقد طبع بمطبعة جريدة الإسلام سنة 1317هـ.  
    • وقد كتب الشيخ رمضان بن عبد الحق العكاري الحنفي (984- 1056هـ) حاشية على ذلك الشرح.
    • كما كتب عليه الشيخ ياسين بن زين الدين أبي بكر بن محمد بن الشيخ عُلَيم -بالتصغير- الحمصي الشافعي الشهير بالعُليمي (توفي سنة 1061هـ) حاشية أيضا.
    • كما كتب الشيخ أبو علي نور الدين الحسن بن مسعود اليُوسي المغربي -يوس بالضم قبيلة من البربر- توفي سنة 1111هـ حاشية عليه كذلك، طبعت بآخره بدار الفرقان للنشر الحديث سنة 2008م. 
  3. العقيدة الوسطى: وهي اختصار للعقيدة الكبرى مع زيادات نفيسة.
  4. شرح العقيدة الوسطى: وهو أيضا اختصار لشرحه على العقيدة الكبرى المتقدم ذكره، وفرغ منه يوم عرفة سنة 875هـ، وقد اختصره الشيخ أبو الحجاج إبراهيم بن علي الأندلسي الشهير بالبناني المتوفى بعد سنة 1088هـ وسماه الهبة والعطاء، طبع بتونس.
  5. أم البراهين في العقائد: وهي المشهورة بالسنوسية الصغرى وعنها يقول تلميذه الملالي: "ويكفيك في ذلك -أي في بيان تفرده بمعرفة علم التوحيد- عقيدته الصغرى التي يتداولها العام والخاص شرقًا وغربًا، لا يعادلها شيء من عقائد العلماء ولا ممن تقدم ولا ممن تأخر؛ لما فيها من إدخال جميع عقائد الإيمان تحت كلمتي الشهادة"، وقد كتب الله لها القبول فتلقاها العلماء فور كتابة الإمام لها واشتغلوا بها قراءة وإقراء وشرحا وتدريسا، وظلت تدرس في الجامع الأزهر عقودا طويلة ومن مظاهر الاشتغال بها:  
    • قرأها الشيخ جار الله أبو مكتوم عيسى بن محمد بن محمد بن أحمد بن عامر المغربي الجعفري الثعالبي الهاشمي (ت: 1080هـ) على شيخه الإمام الشهير والصدر الكبير أبي الصلاح علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي.
    • كتب عليها الشيخ محمد منصور الهدهدي شرحا.
    • كتب الشيخ شهاب الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن نور الدين علي المعروف بالغُنَيمي -نسبة إلى جده الشيخ غنيم المدفون بالشرقية ويتصل نسبه إلى سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه- (ت: 1044هـ) شرحا عليها سماه: (بهجة الناظرين في محاسن أم البراهين) ولم يكمل.
    • كما شرحها الشيخ أحمد بن أبي الغيث الشهير بمغلباي الحنفي المدني خطيب المدينة المنورة -ولد بالمدينة المنورة سنة سبعين وألف (1070هـ)- كما أنه نظمها وتوفي بالمدينة المنورة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف (1134هـ) ودفن بالبقيع.
    • والشيخ حسين بن محمد بن علي بن شرحبيل البوسعيدي الشهير بابن شرحبيل (1079- 1142هـ) شرحها شرحين، قال المختار: وقفت عليهما.
    • ثم كتب الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي المتوفى عام 1237هـ حاشية على ذلك الشرح طبعت في القاهرة 1310هـ.
    • شرحها أيضا الشيخ محمد بن عمر بن إبراهيم التلمساني.
    • ونظمها الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن يعقوب الشهير بابن الحاج المتوفى نحو 930هـ.

        وقد طبعت العقيدة الصغرى في لايبسك عام 1848م مع ترجمة ألمانية باعتناء العلامة وولف الألماني. ثم طبعت ومعها ترجمة باللغة الفرنسية وتعليقات للأستاذ لوشياني بالجزائر 1896م وطبعت في جاوة بإندونسيا 1318هـ وفي بولاق مرارًا. 

  6. شرح أم البراهين المذكور: وهو المشهور بشرح الصغرى.  
    • كتب الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي (توفي سنة تسع وتسعين ومائة وألف 1199هـ) حاشية على ديباجة هذا الشرح طبعت في بولاق عام 1281هـ، ثم 1290هـ وبهامشها الشرح، ثم في 1305هـ، ثم في الميمنية 1306هـ.
    • كتب الشيخ محمد عرفة الدسوقي المتوفى 1230هـ حاشية على هذا الشرح، فرغ من تأليفها سنة 1214هـ.
    • كتب العلامة الشيخ إبراهيم الباجوري المتوفى عام 1277هـ حاشية عليه طبعت في بولاق عام 1283هـ، ثم في القاهرة مرارًا. 
  7. عقيدة صغرى الصغرى: قال الملالي: "وقد كان وضعها لوالدي وذلك أن والدي لما قرأ على الشيخ -رضي الله عنه- عقيدته الصغرى وختمها عليه بالتفسير غير ما مرة رأى أنه قد ثقل عليه درسها وحفظها لكبره وكثرة همومه، فطلب من الشيخ -رضي الله عنه- أن يجعل له عقيدة أصغر من الصغرى بحيث يمكنه درسها وحفظها، فعمل له هذه العقيدة وكتبها له بخط يده".
  8. شرح على رسالته السابقة المسماة بصغرى الصغرى: طبع بمصر سنة 1282هـ، ثم بالمطبعة الخيرية سنة 1304هـ، وبهامشه شرح الشيخ أبي إسحاق الأندلسي المسمى: المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية. ثم طبع بآخره محققا بدار الرازي بالأردن سنة 2006م.  
    • كما كتب على هذا الشرح شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري؛ لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به (1096- 1182هـ)، كتب حاشية سماها: هدية الراشدين والمسترشدين لحل شرح السنوسي على أم البراهين.
    • كما كتب عليه حاشية كذلك الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي السكتاني السوسي التونسي (ت: 1193هـ). 
  9. المقدمات: وضعها مبيّنة للعقيدة الصغرى السابقة، وهي تقرب منها في الحجم، وقد شرحها الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الأندلسي، وسماها: "المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية"، طبع بالمطبعة الخيرية سنة 1304هـ.
  10. شرح المقدمات: شرح على كتابه السابق، طبع محققا بمكتبة المعارف سنة 1430هـ- 2009م وعلى هذا الشرح حواش منها:  
    • حاشية الشيخ حمزة التارزي.
    • حاشية الشيخ محمد بن علي الغرياني. 
  11. عقيدة صغرى صغرى الصغرى.
  12. توحيد أهل العرفان ومعرفة الله ورسله بالدليل والبرهان.
  13. العقد الفريد في حل مشكلات التوحيد: وهو شرح على لامية أبي العباس أحمد بن عبد الله الجزائري المتوفى سنة 899 هـ المسماة الجزائرية في العقائد الإيمانية. قال في مقدمته: "قد دعاني إلى شرح هذا النظم المبارك بعث مؤلفه بنسخة منه بخطه إلي بمكتوب يستدعي فيه: أن اصنع عليه شرحا، فأجبته إلى ذلك طالبا لرضائه ودعائه الصالح".
  14. كتاب الحقائق في تعريفات مصطلحات علماء الكلام.
  15. المنهج السديد في شرح كفاية المريد: شرح على كفاية المريد لأبي العباس أحمد بن عبد الله الجزائري المتوفى سنة 899هـ في علم الكلام، طبع محققا بدار الهدى بالجزائر.
  16. المختصر في المنطق وشرحه: قال الملالي: وهو شرح عجيب جدا لم يُرَ مثله، وقد تلقاهما العلماء بالقبول واعتنوا بهما أيما عناية واشتغل بهما علماء الأزهر قراءة وإقراء وتدريسا، وظل يدرس المتن والشرح بالجامع الأزهر مدة طويلة، ومما بلغنا من وجوه ذلك:  
    • كان يدرسه بالأزهر الشيخ السجلماسي والورزازي، وعنهما تلقاه شيخ الإسلام وعمدة الأنام الشيخ أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف بن كريم الدين الكريمي الخالدي الشافعي الأزهري الشهير بالجوهري؛ لأن والده كان يبيع الجوهر فعرف به (1096- 1182هـ)، حيث قرأه على السجلماسي في سنة 1126هـ.
    • كان يدرسه أيضا الشيخ أحمد المكودي، وعنه أخذ بعضه دراية الشيخ علي الخضري (ت 1186هـ) كما أخذه عنه العلامة الشيخ علي بن شمس الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري، ولد بالثغر سنة (1124هـ).
    • كما قرأه الشيخ نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي على الشيخ أحمد العمادي.
    • وشرحه الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن داود أَحُزِّي الهشتوكي المعروف بالجزولي (ت: 1127هـ) وسماه: "الفتح القدوسي على مختصر السنوسي".
    • كما كتبت على شرح الشيخ السنوسي على مختصره هذا الحواشي الماتعة فمنها:
    • حاشية الشيخ عطية الله بن عطية البرهاني القاهري الشافعي الشهير بالأجهوري (ت:1190هـ).
    • وحاشية الشيخ محمد الفضالي شيخ الشيخ الباجوري، وقد اختصرها مع التي قبلها الشيخ الباجوري في حاشية ضافية، وهي من أكبر الحواشي المنطقية، طبعت بمصر سنة 1292هـ ثم بمصر سنة 1321هـ.
    • وحاشية الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن البناني المالكي (1194هـ) طبعت بفاس سنة 1302هـ. 
  17. نصرة الفقير في الرد على أبي الحسن الصغير.
  18. المقرِّب المستوفي في شرح فرائض الحَوْفِي: شرح مختصر الحوفي في الفرائض لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المتوفى سنة 803هـ وهو أوّل ما ألف من الكتب، ألفه وهو ابن تسع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة على اضطراب في ذلك، وقد أشار الشيخ -رضي الله عنه- إلى ذلك في آخر هذا الشرح فقال: "كنت جمعت هذا التقييد في زمن الصغر، قاصدًا بذلك نفع نفسي لعدم تمكني من شرح أستعين به على فهم هذا الكتاب".
  19. شرح واسطة السلوك: وهو شرح على عقيدة موجزة وضعها صاحبه الفقيه الأجل أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحوضي، وذلك بطلب منه.
  20. شرح أسماء الله الحسنى: وهو في نحو عشرين ورقة، يذكر فيه تفسير كل اسم من أسمائه تعالى ثم يتبعه ببيان أثره في حظ العبد من الاسم، طبع ببيروت سنة 1429هـ.
  21. شرح التسبيح الذي حض عليه الشرع دبر كل صلاة.
  22. شرح البخاري: لم يكمل، وصل فيه إلى باب: "من استبرأ لدينه".
  23. شرح مشكلات البخاري: قال الملالي: "وهو شرح على مشكلات وقعت في آخر البخاري كقوله -عليه الصلاة والسلام- في شأن جهنم أعاذنا الله منها: ((حتى يضع الجبار فيها قدمه))، وكقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: ((سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر))، ونحو ذلك من المشكلات التي لا تُحمَل على ظاهرها، وهو شرح جليل مختصر.
  24. اختصار شرح الزركشي على صحيح البخاري: قال الملالي: وقد رأيته بخطه -رضي الله تعالى عنه ونفع به-.
  25. مختصر شرح التفتازاني على الكشاف: قال الملالي: وقد رأيته بخطه -رضي الله عنه-.
  26. شرح مقدّمة ابن ياسمين: قال الملالي: وقد وضع هذا الشرح في زمن صغره، ورأيته بخطه -رضي الله عنه ونفعنا به-.
  27. شرح الجمل: وهو شرح على متن الجمل في المنطق للخونجي، قال الملالي: وقد رأيت منه كراستين بخطه -رضي الله عنه ونفعنا به- ولا أدري هل كمّله أم لا؟
  28. شرح رجز ابن البنا في الطب.
  29. شرح مختصر ابن عرفة في المنطق: قال الملالي: وبيّن فيه كلام ابن عرفة وحل ما صعب من كلامه، وأخبرني الشيخ -رضي الله عنه- قال لي: "كلام ابن عرفة صعب جدا وخصوصا في هذا المختصر، قال: وقد أتعبت نفسي كثيرا في حل كلام ابن عرفة في مختصره هذا لصعوبته في غاية". لم يكمل.
  30. شرح الشاطبية -لم يكمل-: قال الملالي: "وقد رأيته بخطه غير مكمّل".
  31. شرح المدونة: قال الملالي: "وشرح منها جملة كافية، وقد رأيته بخطه، ولا أدري هل كمّله أم لا؟".
  32. الدر المنظوم في شرح قواعد ابن آجروم: وهو شرح على الآجرومية، قال الملالي: "رأيته بخطه مكملا".
  33. شرح جواهر العلوم: شرح على كتاب جواهر العلوم لعضد الدين الإيجي في علم الكلام قال الملالي: "ولم أرَ هذا الشرح، إلا أن الشيخ أخبرني به وبهذا الكتاب، وقال لي: هذا الكتاب هو على نهج البيضاوي، بل كلام البيضاوي أسهل بالنسبة إلى هذا الكتاب، قال: والبيضاوي نقطة من بحر هذا الكتاب، قال: وكلامه صعب في غاية الصعوبة، قال: وشرحته بكلام صعب إلا أنه أبين من هذا المشروح".
  34. تعليق على مختصر ابن الحاجب في الفقه المالكي، لم يكمل.
  35. مجربات الإمام أبي عبد الله محمد السنوسي، طبعت بهامش مجربات الديربي بمطبعة بولاق سنة 1279هـ ثم بمصر سنة 1316هـ.
  36. تفسير للقرآن، لم يتمه، فسر فيه من الفاتحة إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] ومن سورة ص إلى الناس، قال الملالي: "وقد رأيته بخطه -رضي الله عنه- ثلاث كراريس ونصفا من القالب الكبير.
  37. تفسير الفاتحة باختصار: منه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط والمكتبة الوطنية بالجزائر ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
  38. مكمِّل إكمال الإكمال: وهو شرح على صحيح مسلم، طبع مع إكمال إكمال المعلم تأليف الإمام الأبي، طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1327هـ في ثماني مجلدات.
  39. شرح بغية الطلاب في علوم الأسطرلاب: و"بغية الطلاب" قصيدة لشيخه أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الحباك رحمه الله. قال الملالي: وهو شرح جليل تقف عقول الأذكياء والألبَّاء عنده، وقد رأيته بخطه رضي الله تعالى عنه.
  40. شرح أرجوزة ابن سينا في الطب: قال الملالي: "وهو شرح عجيب وقد رأيته بخطه -رضي الله تعالى عنه- إلا أنه لم يكمله". 

تلامذته:
أخذ عن الشيخ الإمام السنوسي تلاميذ كثر يكادون لا يحصون كثرة، نذكر منهم: 

  1. الشيخ محمد بن عمر بن إبراهيم الملالي التلمساني (كان حيا سنة 897هـ). وهو صاحب "المواهب القدسية في المناقب السنوسية" الذي ترجم فيه لشيخه الإمام السنوسي وتكلم فيه على جميع نواحي حياته العلمية والأخلاقية وغير ذلك مما لا يوجد في غيره من الكتب. وله أيضا شرح وجيز على العقيدة الصغرى لشيخه المعروفة بـ "أم البراهين".
  2. الشيخ محمد بن صعد التلمساني (ت:901هـ). قال الحضيكي: "الفقيه العالم المحصل، أخذ عن الإمام ابن العباس والحافظ التنسي والسنوسي. وألف (النجم الثاقب فيما للأولياء من المناقب) وغيره".
  3. الشيخ أبا القاسم بن محمد الزواوي (ت: 922هـ): نعته ابن مريم بالشريف الفقيه الولي الصالح العالم المدرس، وذكر أنه من أكابر أصحاب الإمام السنوسي وقدمائهم.
  4. الشيخ أبا عبد الله محمد بن أبي مدين (ت: 915هـ). ذكر ابن مريم أنه من تلاميذ الإمام السنوسي، ونقل عن بعض تلاميذه ما نصه: هو شيخنا الفقيه الإمام، محيي ما درس من علوم الشريعة وعلم الكلام، الحائز قصب السبق في المنقول والمعقول خصوصا علم الكلام؛ إذ لولا هو لتلاشى علم الكلام، بل علم المعقول بأسره بمغربنا: السيد الفاضل العلامة أبو عبد الله بن أبي مدين.
  5. الشيخ أبا عبد الله محمد بن محمد بن العباس التلمساني المقيلي (كان حيا في حدود سنة 920 هـ). الشيخ الفقيه النحوي العالم، ابن العلامة المحقق ابن العباس. قال ابن مريم: "أخذ -رحمه الله تعالى- عن علماء تلمسان، ولازم الإمام السنوسي". وذكر قبل ذلك نقلا عنه أنه تفقه على الشيخ محمد بن أبي مدين بالدراية في مقدمة الشيخ السنوسي وفي عقيدته الكبرى والصغرى ومختصره المنطقي وغير ذلك.
  6. الشيخ العلامة الولي أبا العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق شيخ الطريقة وإمام الحقيقة.
  7. أحمد بن محمد المعروف بابن الحاج البيدري التلمساني (تـوفي نحو سنة 930هـ)، أديب لغوي له تآليف كثيرة.
  8. محمد القلعي: من كبار تلاميذ الإمام السنوسي، فقيه متصوف، له "الأسئلة القلعية".
  9. محمد بن عبد الرحمن الحوضي (ت:910هـ) الفقيه الأصولي التلمساني. كان -رحمه الله- عالما شاعرا مكثرا، له نظم في العقائد سماه: "واسطة السلوك"، وقد شرحه الإمام السنوسي بطلب منه.

وفاته:
قال الملالي: "كان -رضي الله عنه- أواخر عمره كثير الانقباض عن الخلق، لا يكاد ينبسط مع أحد كما كانت عادته قبل ذلك، وشقّ عليه الخروج إلى المسجد والصلاة، ولا يخرج إليه في بعض الأيام إلا حياء من الناس الذين ينتظرونه في المسجد للصلاة، ولما أحس -رضي الله تعالى عنه- بألم مرضه الذي توفي منه انقطع عن المسجد، فسمع الناس بمرضه فصاروا يأتون إلى المسجد فلا يجدونه، فتتغير قلوبهم من فقدان الشيخ وعدم رؤيتهم له، فأُخبِر الشيخ بذلك فصار يتكلَّف الخروج إلى المسجد للصلاة لأجل الناس، فإذا رأوه فرحوا وسُرّوا بخروجه ورؤيته، فخرج يوما وأتى لباب المسجد وأراد الصعود إليه فلم يقدر فقال: كيف أطلع إلى المسجد يا ربّ؟ -أو قريبا من هذا- فهمّ بالرجوع إلى داره، فبدا له [أن يَدخل] خوفا من أن يُدخل على الناس حزنا برجوعه فتكلّف الصعود إلى المسجد وصلى بالناس صلاة العصر يوم الجمعة ولم يكمل الصلاة إلا بشق النفس، وهذه آخر صلاة صلاها، فرجع إلى داره فبقي إلى صبيحة يوم السبت من الغد فقرّبت إليه زوجته طعاما فقال لها: لا أقدر على شيء، فقالت له: وأيّ شيء بك؟ فقال لها: أنا تخلّفت، ثم غاب عن حسّه، فبقي على تلك الحالة النهار كله، ثم كلّمته زوجته وقالت له: ما الذي غيّبك عن حسك؟ -أو قريبا من هذا- فقال لها: إن الملائكة قد صعدت بي إلى السماء الدنيا فسمعت قائلا يقول لي: اترك ما أنت عليه، فقد قرب أجلك، ثم قال: لا أستطيع أن أفسِّر لكِ بقية ما رأيت -أو كما قال- فقالت له زوجته: وما الذي أمرت بتركه؟ قال لها: قد تركت حبس ذلك المسجد لا آخذ منه شيئا أبدا. ثم إنه لازم الفراش من حينئذ إلى أن توفي.

ومدّة مرضه عشرة أيام، وفي كل ساعة يتقوى مرضه ويتضاعف ألمُه وتضعف قوّته وحركته ويثقل لسانه، وهو مع ذلك ثابت العقل، ثم تجده مع ذلك يكلم من كلمه ويسلم على من سلم عليه أو يشير له، فلما قرب أجله وقبل انتقاله بثلاثة أيام دخلته سكرات الموت، فرجع يتأوّه بالقهر ويميل يمينا وشمالا، فنظرتُ إليه وقد احمرّت وجنتاه واشتدَّ نَفَسُه وتقوّى صعوده وهبوطه، فلم أملك صبرا على البكاء مما عاينت من شدة مقاساته وعظيم صبره على ذلك، ففارقته وظننت أنه لا يبقى تلك الليلة وكانت ليلة السبت، فبقي في النزع تلك الليلة والأحد إلى بعد العصر، فكان ابن أخيه يلقنه الشهادة مرة بعد مرة، فالتفت الشيخ له وقال بكلام ضعيف جدا: وهل ثمّ غيرها؟! يعني أنه -رضي الله تعالى عنه- ليس بغافل عنها بقلبه في هذا الوقت وإن كان لم ينطق بها اللسان، فحينئذ استبشروا بذلك وعرف الحاضرون أنه ثابت العقل ليس بغافل عن الله سبحانه، وكانت بنته تقول له حينئذ: تمشي وتتركني؟ فقال لها: الجنة تجمعنا عن قريب إن شاء الله تعالى. وكانت في يده -رضي الله تعالى عنه- سبحة، فلمّا اشتد مرضه سقطت السبحة من يده، فبقي كذلك ما شاء الله، ثم التفت إلى السبحة فلم يجدها في يده، فقال: مشت العبادة يا محمد -يعني نفسه-.

وكان -رضي الله عنه- يقول عند موته: نسأله سبحانه أن يجعلنا وأحبتنا عند الموت ناطقين بكلمتي الشهادة، عالمين بها.
وتوفي -رحمه الله ورضي عنه- يوم الأحد بعد العصر، الثامن عشر من جمادى الآخرة من عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ) الموافق عام 1490م، قال الملالي: وأخبرتني والدتي -رحمها الله تعالى- عن بنت الشيخ أنها شمّت رائحة المسك في البيت بنَفَس موت أبيها، وشمّته أيضا في جسده، والله تعالى أعلم.
وقد صدق الشيخ أبو عبد الله محمد بن منصور المستغانمي في مدحه له حين قال:

لقد منَّ ذو الفضل العظيم بفضله علينا بنجم آخر الدهر لائحا
فأبدى لنا التوحيد عذبا مخلصا وبالغ في التبيين للخلق ناصحا
وذاك السنوسي عمَّ فضله غاية وحاز فخارا في البرية واضحا
فخار تلمسان عليكَ بكتبه فقد فاقت التبر المخلص طافحا


نسأله سبحانه أن يقدّس روحه وأن يسكنه في أعالي الفردوس فسيحه، وأن يجعله ممن يتنعّم في كل لحظة برؤية ذاته العلية العديمة النظير والمثال، وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، وأن يجمعنا معه بفضله وكرمه في أعلى المنازل الفاخرة بجاه سيدنا ونبينا ومولانا محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

مصادر الترجمة:

  1. شجرة النور الزكية (266) ومواضع أخرى.
  2. نيل الابتهاج (563- 572).
  3. مقدمة تحقيق كتاب المقدمات للإمام السنوسي بقلم: نزار حمادي وهو قد نقل عن كتاب (المواهب القدوسية في المناقب السنوسية) والذي هو أوفى كتاب في ترجمة الشيخ وكل من ترجم له بعده فمنه أخذ وعنه نقل.
  4. البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم المليتي (237- 248).
  5. تعريف الخلف برجال السلف (1/ 176).
  6. كشف الظنون (1/ 170) ومواضع أخرى.
  7. معجم المطبوعات (2/ 1540) ومواضع أخرى.
  8. تاريخ الجبرتي (1/ 365- 422)
  9. الأعلام (7/ 154) ومواضع أخرى.

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39