اسمه ونسبه:
هو العلامة الفاضل الفهامة الكامل عالم عصره على الإطلاق، ووحيد دهره بلا شقاق، صاحب التحقيقات الرائقة والتأليفات الفائقة شيخ شيوخ أهل العلم، وصدر صدور أهل الفهم، المتفنن في العلوم كلها نقليها وعقليها وأدبيها، الأستاذ الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمد السنباوي المالكي الأزهري الشهير بالأمير، وهو لقب جده الأدنى أحمد، وسبب هذا اللقب أن جده أحمد وأباه عبد القادر كان لهما إمرة بالصعيد.
مولده:
أخبر الشيخ الأمير بنفسه أن أصلهم من بلاد المغرب، وربما يكون تحديدا من مدينة مازونة الجزائرية الآن، كما أخبر بذلك تلميذه أبو راس الناصري لما اتصل به سنة 1240هـ، وذكر ذلك في رحلته، وأيده مواطنه القاضي ابن الحميسي المازوني قاضي مازونة ثم وهران في العهد التركي-حوالي1240هـ- حيث قدم أجداده، فنزلوا بمصر عند سيدي عبد الوهاب أبي التخصيص الوفائي كما أخبرت عن ذلك وثائق لهم، ثم أقاموا بمكان بناحية سنبو(1) وبها ولد الشيخ وكان مولده يوم الأربعاء في شهر ذي الحجة سنة أربع وخمسين ومائة وألف (1154هـ) بإخبار والديه وارتحل معهما إلى القاهرة وهو ابن تسع سنين.
شيوخه:
حضر الشيخ دروس أعيان عصره، وسنذكر بعض سماعاته وقراءاته فمنها:
- ختم القرآن وجوده على الشيخ المنير على طريقة الشاطبية والدرة.
- سمع صحيح البخاري وكتاب الشفاء على سيدي علي بن العربي السقاط.
- الشيخ الإمام الهمام شيخ الإسلام علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدي العدوي المالكي (1112 – 1189هـ) حضر دروسه في الفقه وغيره من كتب المعقول ولازمه وأخذ عنه وبه تخرج.
- حضر على السيد البليدي شرح السعد على عقائد النسفي والأربعين النووية.
- سمع الموطأ على هلال المغرب وعالمه الشيخ محمد التاودي بن سودة بالجامع الأزهر سنة وروده بقصد الحج.
- لازم العلامة الشيخ حسن الجبرتي سنين، وتلقى عنه الفقه الحنفي وغير ذلك من الفنون كالهيئة والهندسة والفلكيات والأوفاق والحكمة، وكتب له إجازة مثبتة في برنامج شيوخه.
- الشيخ محمد بن إسماعيل النفراوي المالكي.
- حضر الشيخ يوسف الحفني في آداب البحث وشرح قصيدة: "بانت سعاد".
- حضر على الشيخ محمد الحفني مجالس من الجامع الصغير والشمائل المحمدية ورسالة النجم الغيطي في المولد.
- حضر على الشيخ أحمد الجوهري شرح جوهرة التوحيد للشيخ عبد السلام، وسمع منه المسلسل بالأولية، وتلقى عنه طريق الشاذلية من سلسلة مولاي عبد الله الشريف.
- الشيخ محمد بن موسى الجناجي المعروف بالشافعي وهو مالكي المذهب (ت: 27 جمادى الثانية 1200هـ 27 إبريل 1786م) أخذ عنه ولازم القراءة عليه مدة.
- شملته إجازة الشيخ الملوي وتلقى عنه مسائل في أواخر أيام انقطاعه بالمنزل.
حياته:
ختم العلامة الأمير القرآن ببلدته وهو ابن تسع سنين، ثم قدم القاهرة والتحق بدروس الجامع الأزهر، فحفظ المتون واجتهد في تحصيل العلوم، فلم يبق فن حتى أتقنه، ودرس فقه المذاهب الأربعة والقراءات والهيئة والهندسة والفلكيات والأوفاق والحكمة وغير ذلك، وقد تصدر لإلقاء الدروس في حياة شيوخه، ونما أمره واشتهر فضله؛ خصوصا بعد موت أشياخه، وشاع ذكره في الآفاق؛ وخصوصًا بلاد المغرب، وتأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك النواحي في كل عام، ووفد عليه الطالبون للأخذ عنه والتلقي منه، وتوجه في بعض القضايا إلى دار الخلافة العثمانية، وألقى هناك دروسًا حضره فيها علماؤهم وشهدوا بفضله واستجازوه وأجازهم بما هو مجاز به من أشياخه، وأنعمت عليه الدولة بعطايا سنية، وظل مدة ناظرا على الجامع الأزهر، ودرس بمدرسة محمد بك أبي الذهب مدة.
مؤلفاته:
صنف عدة مؤلفات اشتهرت بأيدي الطلبة، وهي غاية التحرير منها:
- المجموع: مصنف في الفقه المالكي حاذى به مختصر خليل، جمع فيه الراجح في المذهب، وقد صار مقبولًا مذ ألفه في حياة شيخه العدوي حتى إن الشيخ العدوي كان إذا توقف في موضع يقول: "هاتوا مختصر الأمير"، وهذه منقبة شريفة.
- شرح المجموع: وهو شرح نفيس على مصنفه السابق طبع بمطبعة شاهين سنة 1281هـ ثم سنة 1304هـ.
- ضوء الشموع على شرح المجموع: وهو حاشية على شرحه السابق طبع بمصر سنة 1304هـ، وقد اشتهرت هذه الثلاثة (المجموع وشرحه وحاشيته) وأثنى عليها العلماء وفضلوها على سواها من كتب متأخري المذهب.
- الإكليل شرح مختصر خليل: شرح مختصر لطيف ممتزج بالمتن امتزاج الروح بالجسد، عني مؤلفه ببيان الراجح من الخلاف، والمعتمد من الأقوال، والظاهر من التأويلات، فجاء مع اختصاره حسنا مفيدًا، وقد طبع هذا الشرح بتصحيح وتعليق العلامة الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري بمكتبة القاهرة.
- حاشية على شرح العشماوية لابن تركي: في الفقه المالكي (مخطوط).
- حاشية على مغني اللبيب لابن هشام: طبع بمطبعة شرف بالقاهرة سنة 1299هـ.
- حاشية على شرح الشيخ عبد الباقي على مختصر خليل: في الفقه المالكي.
- حاشية على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد: وهي حاشية ماتعة على شرح الشيخ عبد السلام اللقاني ابن ناظم الجوهرة على متن جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني، وقد قيل عنها: إنها معجزة للفحول، فقد جمعت من فنون العلوم المختلفة جملة حسنة، وقد اعتنى العلماء بهذه الحاشية عناية بالغة إقراء وتدريسا، وكانت تدرس بالجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم فترة طويلة، وقد طبعت بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1282هـ، ثم بالمطبعة الأزهرية سنة 1300، ثم 1309هـ، ثم تكرر طبعها.
- حاشية على شرح شذور الذهب لابن هشام: طبع بمصر طبعة حجرية سنة 1285هـ.
- حاشية على شرح الشيخ خالد على الأزهرية في علم العربية: حاشية فائقة أتى فيها بمباحث رائقة حتى قيل فيها:
كلام الأمير أمير الكلام لنا منه أزهرت الأزهرية فتلك عروس جلاها لنا ولكنها من بنات الروية وقد طبعت بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1286 هـ.
- حاشية على الفوائد الشنشورية شرح الرحبية: في الفرائض فرغ من تأليفها سنة 1185هـ، وقيل: بل سنة 1221هـ وأولها: "سبحان من يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين". (مخطوط بالأزهرية).
- المناسك: طبع باسم مناسك الأمير طبعة حجرية بمطبعة حسن الرشيدي سنة 1281هـ.
- حواش على المعراج.
- حاشية على شرح الملوي على السمرقندية: في البلاغة، طبع طبعة حجرية بمصر سنة 1281هـ ثم 1301هـ، ثم طبع بالمطبعة الأزهرية سنة 1308 هـ.
- مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين: مصر 1896هـ.
- إتحاف الأنس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس: طبع باسم إتحاف الأنس في العلمية واسم الجنس بدمشق سنة 1302هـ.
- بهجة الأنس والائتناس شرح زارني المحبوب في رياض الآس، طبع بمصر طبعة حجرية.
- رفع التلبيس عما يسأل به ابن خميس.
- ثمر الثمام في شرح آداب الفهم والإفهام.
- تفسير سورة القدر.
- الوظيفة الشاذلية: طبع بمدينة مراد آباد بالهند سنة 1887م، كما طبع بدمشق سنة 1302هـ.
صفاته:
انتهت إلى العلامة الأمير –رحمه الله- الرياسة في العلوم بالديار المصرية، وباهت مصر ما سواها بتحقيقاته البهية، استنبط الفروع من الأصول واستخرج نفائس الدرر من بحور المعقول والمنقول، وأودع الطروس فوائد وقلدها عوائد فرائد، كان -رحمه الله- رقيق القلب لطيف المزاج، ينزعج طبعه من غير انزعاج، يكاد الوهم يؤلمه وسماع المنافر يوهنه ويسقمه، وكان –رحمه الله- ذا جرأة في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وله في ذلك مواقف مشهودة مع الكبراء وغيرهم، وفي آخر عمره ضعفت قواه وتراخت أعضاه وزاد شكواه.
ومن شعره:
يا حسن لون الشمس عند غروبها | في روض أنس نزهة للأنفس |
فكأنه وكأنه في ناظري | ذهب يجول على بساط سندس |
ومنه أيضا:
تخيلت أن الشمس والبحر تحتها | وقد بسطت منها عليه بوارق |
مليح أتى المرآة ينظر وجهه | ففي وجهها من وجهه الضوء دافق |
وله كذلك:
يا سيد الكل يا قطب الجمال ومن | في دولة الحسن يروى أنه الملك |
ما كان قلبي يهوى الغير يا أملي | فابعث رميمي إذا أهل الهوى هلكوا |
وأسقط البين وارفع حجب شأنك لي | ليشتفي خاطر بالفكر يعترك |
بلطف ذاتك لا تقطع رجاء فتى | على عيوب له بالعهد يمتسك |
وله أيضا:
دع الدنيا فليس بها سرور | يتم ولا من الأحزان تسلم |
ونفرض أنه قد تم فرضا | فغمُّ زواله أمر محتم |
فكن فيها غريبا ثم عبئ | إلى دار البقا ما فيه مغنم |
وإن لا بد من لهو فلهو | بشيء نافع والله أعلم |
تلاميذه:
تتلمذ على العلامة الأمير وأخذ عنه ما لا يحصى كثرة من طلبة العلم، حيث كان قبلة لهم وموئلا، ونذكر ممن نبغ ممن أخذ عنه:
- ولده العلامة النحرير الشيخ محمد الأمير، وصار بعده أحد الشيوخ، وكان يقرأ الدروس ويفيد الطلبة ويحضر الدواوين والمجالس العالية.
- الشيخ مصطفى العقباوي -نسبة لمنية عقبة بالجيزة(2)- المالكي (ت: 19 جمادى الآخرة 1221هـ 3 سبتمبر 1806م) حضر دروسه وقرأ عليه.
- الشيخ محمد عبد الفتاح المالكي، لازم دروسه وتفقه عليه وبه تخرج (ت: 1 من ذي الحجة 1222هـ 30 يناير 1808م).
- الشيخ العلامة السيد أحمد بن محمد بن إسماعيل الطهطاوي الحنفي شيخ السادة الحنفية (ت: 15 رجب سنة 1231هـ 11 يونيو 1816م)، تلقى عنه الحديث سماعا وإجازة.
- السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى ابن القطب الكبير سيدي محمد الدمرداش الخلوتي (ت: 14 رمضان سنة 1194هـ 19 أكتوبر 1780م)، حضر دروسه.
- الشيخ الصالح عيسى جلبي بن محمود بن عثمان بن مرتضى القفطانجي الحنفي المصري (ت: 1197هـ) أخذ عنه العربية والكلام.
- الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي الحنفي (ت: 1187هـ) حضر عليه في علوم المعقول.
وفاته:
لم يزل الشيخ يتعلل ويزداد أنينه ويتململ، والأمراض به تسلسل، وداعي المنون عنه لا يتحول إلى أن توفي يوم الإثنين عاشر ذي القعدة الحرام (10 من ذي القعدة سنة 1232هـ 21 سبتمبر 1817م) وكان له مشهد حافل جدًّا، ودفن بالصحراء بجوار مدفن الشيخ عبد الوهاب العفيفي بالقرب من السلطان قايتباي، وكثر عليه الأسف والحزن، وما قيل في رثائه بعد موته:
حلف الزمان ليأتين بمثله | حنثت يمينك يا زمان فكفِّر |
رحم الله العلامة الأمير رحمة واسعة وبوأه بحبوحة الجنان.
مصادر الترجمة:
- تاريخ عجائب الآثار (4/ 441- 443، 490، 494) ومواضع أخرى كثيرة.
- حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (3/ 1266- 1270) وقد نقل فيه كلام الجبرتي في عجائب الآثار بنصه.
- فهرس الفهارس (1/ 92).
- الفكر السامي (4/ 130).
- الخطط التوفيقية (12/ 54- 55).
- فهارس التيمورية (1 / 80- 90)، (3/ 21).
- الأعلام (7/ 71).
- معجم المطبوعات (1/ 472- 473).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- سنبو: قرية قديمة وهي إحدى قرى مركز ديروط بمحافظة أسيوط. انظر: القاموس الجغرافي لمحمد رمزي ق2 ج3 ص48.
- منية عقبة: قرية كبيرة أنشأها عقبة بن عامر الجهني من قبل الخليفة معاوية بن أبي سفيان سنة 45هـ 665م، ثم حرف اسمها إلى (ميت عقبة) فوردت بهذا الاسم في تاريخ 1228هـ 1813م واسمها القبطي (Timoni Nakbe) ومنه أخذ الاسم العربي (منية عقبة) وهي الآن حي من أحياء محافظة الجيزة. انظر: القاموس الجغرافي لمحمد رمزي ق2 ج3 ص64.