الإمام ابن حجر العسقلاني

الإمام ابن حجر العسقلاني

اسمه ومولده:
هو الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام فريد الوقت وفخر الزمان القاضي شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن نور الدين علي بن قطب الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن جلال الدين علي بن محمود بن أحمد بن أحمد بن حجر الكناني العسقلاني المصري الشافعي.
ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة 773هـ في منزل يقع على شاطئ النيل بمصر القديمة.

نشأته وبداية طلبه:
نشأ -رحمه الله- في أسرة اشتهرت بالعلم والأدب والفضل، فجده قطب الدين محمد كان تاجرا فاضلا سمع من جماعة من العلماء وأجازه بعضهم، وأبوه نور الدين علي (ت:777هـ) كان ماهرا في الفقه والعربية والأدب وأجيز بالإفتاء والتدريس والقراءات السبع، وأخته "ست الركب" (ت:798هـ)كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء.

ونشأ –رحمه الله- يتيما توفي أبوه وهو دون الرابعة من عمره وكان قد أوصى به إلى رجلين هما: زكي الدين الخروبي (ت:787هـ) والعلامة شمس الدين ابن القطان (ت:813هـ)، فنشأ في كنف الأول في غاية العفة والصيانة فلما مات انتقل إلى ابن القطان.

وقد دخل الإمام الكتاب وعمره خمس سنين وكان لديه ذكاء وسرعة حافظة بحيث إنه حفظ سورة مريم في يوم واحد وكان يحفظ الصحيفة من الحاوي الصغير من مرتين الأولى تصحيحا والثانية قراءة في نفسه ثم يعرضها حفظا في الثالثة فأكمل حفظ القرآن وله تسع سنين، ثم حج مع وصيه الخروبي وعمره اثنتا عشرة سنة وجاور بمكة فسمع بها غالب صحيح البخاري على أحد مشايخ مكة ومسنديها ،فكان ذلك أول مسموعاته الحديثية، كما أنه حضر أثناء ذلك على بعض علماء مكة كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ المقدسي، فكان ذلك أول نظر له في فقه الحديث كما صلى التراويح بالمسجد الحرام بالقرآن الكريم في هذه السنة.

وبعد عودته إلى مصر حفظ بعض المختصرات فحفظ عمدة الأحكام ،والحاوي الصغير والتنبيه في فقه الشافعية، ومختصر ابن الحاجب في الأصول، وألفية العراقي في الحديث، وألفية ابن مالك ،وغيرها وعرضها على جماعة من العلماء وكتبوا له ذلك بخطوطهم.

ثم توفي وصيه الخروبي سنة (787هـ) فلازم بعد ذلك وصيه العلامة شمس الدين ابن القطان وحضر دروسه في الفقه والأصول والعربية والحساب وغيرها وطاف على الشيوخ وحضر دروسهم. واشتغل ودأب وغلب عليه النظر في التاريخ وفنون الأدب ففاق فيهما وقال الشعر الحسن الذي هو أرق من النسيم وطارح الأدباء، ثم أقبل بكليته على علم الحديث وانكب عليه انكبابا لا مزيد عليه فكانت لعلومه الصدارة عنده ولم يهمل غيره من العلوم بل بقي على اهتمام بها واطلاع على أمهات كتبها والأخذ عن أعيان علمائها والمحافظة على المنطوق منها والمفهوم والمنقول منها والمعقول.

ثم ارتحل في طلب العلم بمصر وخارجها فجاب الأقطار الحجازية واليمنية والشامية وغيرها فأخذ بها عن جل علماء عصره. وكان -رحمه الله تعالى- في حال طلبه مفيدا في زي مستفيد إلى أن انفرد بين علماء زمانه بمعرفة فنون الحديث لاسيما رجاله وما يتعلق بهم فألف التآليف المفيدة المليحة الجليلة السائرة الشاهدة له بكل فضيلة الدالة على غزارة فوائده والمعربة عن حسن مقاصده جمع فيها فأوعى وفاق أقرانه جنسا ونوعا، التي تشنفت بسماعها الأسماع وانعقد على كمالها لسان الإجماع، فرزق فيها الحظ السامي عن اللمس وسارت بها الركبان سير الشمس.

شيوخه:
أخذ الإمام رحمه الله على جل شيوخ عصره حتى إن مسموعاته ومشايخه بلغت من الكثرة حدا حتى لا تكاد توصف ولا تدخل تحت الحصر، حتى إنه أفرد مؤلفين مستقلين لذكر شيوخه، وكذلك اعتنى تلميذه الإمام السخاوي بإحصائهم وزاد على ما في كتابي شيخه فبلغ بهم أكثر من ستمائة شيخ، ولكن حسبنا أن نذكر منهم:
1- الشيخ عفيف الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان بن موسى النشاوري (705 – 790هـ) وهو آخر أصحاب الرضي الطبري، سمع عليه صحيح البخاري- وهو أول شيخ سمع عليه الحديث - وذلك أثناء مجاورته بمكة مع وصيه وعمره اثنتي عشرة سنة وذلك سنة خمس وثمانين 785هـ
2- عالم الحجاز الحافظ أبي حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة المكي الشافعي (ت: 817هـ) قرأ عليه في عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، ويعد أول شيخ بحث عليه في فقه الحديث.
3- الشيخ أبو علي محمد بن أحمد بن علي الزفتاوي (ت: 806هـ) تعلم على يديه الخط وقواعده.
4- الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن الفقيه علي الخيوطي (ت: 807هـ) قرأ عليه القرآن تجويدا.
5- الحافظ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (725 – 806هـ) انتهت إليه رياسة الحديث في البلاد الإسلامية، انتفع به ابن حجر كثيرا وهو أول من أذن له في إقراء الحديث، وهو من أجل شيوخه وقد لازمه مدة طويلة، وقال عنه ابن حجر: "ولم نر في هذا الفن –أي الحديث- أتقن منه وعليه تخرج غالب أهل عصره" ورثاه كذلك بمرثية رائعة.
6- شيخ الإسلام العلامة سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني (724 – 805هـ) كان أحفظ أهل عصره بالاتفاق، تفقه عليه وهو أول من أذن له بالإفتاء والتدريس وقال عنه الشيخ ابن حجر "وكانت آلة الاجتهاد فيه كاملة" وقال: "وشهد جمع جم بأنه العالم الذي على رأس القرن" ولما توفي رثاه ابن حجر بمرثية مشهورة تزيد على مائة بيت.
7- الشيخ الإمام العلامة سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد بن محمد ابن الملقن الأنصاري (723 – 804هـ) صحبه وسمع منه وقرأ عليه وبه تفقه.
8- الشيخ العلامة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التنوخي (709 – 796هـ) المقرئ المجود المسند الكبير كان شيخ الديار المصرية في القراءات والإسناد، ذكر ابن حجر أنه لازمه ثلاث سنوات وصل فيها كثيرا من مسموعاته التي تفرد بها وأذن له بالإقراء سنة 796هـ.
9- الشيخ الحافظ العلامة نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي الشافعي (735 – 807هـ) قرأ عليه كثيرا من مصنفاته.
10- وأخذ الأصول عن نصرة الإسلام الإمام العلامة عز الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي (749 – 819هـ) كان يقول: "أعرف خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها" لازمه مدة تقارب ثلاثين عاما، وقرأ عليه في غالب علوم المعقول والأصلين ،أي أصول الدين وأصول الفقه.
11- الشيخ العلامة الزاهد برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي (725 – 802هـ) سمع منه كثيرا وقرأ عليه الفقه
12- الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري المالكي (719 – 802هـ) كان شيخ النحاة بمصر في زمنه وسمع منه في اللغة والأدب وأجازه غير مرة.
13- العلامة اللغوي القاضي مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروزآبادي (729 – 817هـ) إمام عصره في اللغة، اجتمع به في زبيد وناوله جل كتابه القاموس المحيط، وقرأ عليه بعض الأجزاء الحديثية.
14- الشيخ الأديب بدر الدين أبو أحمد محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الدمشقي البشتكي (748 – 830هـ) كان ماهرا في فن الأدب، يقول عنه ابن حجر: "كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك" ولازمه بضع سنين وقرأ عليه في العروض، كما قرأ هذا الشيخ على تلميذه ابن حجر في الحديث فهو شيخه وتلميذه في آن واحد، وهذا مما يدل على ما كان يتصف به هؤلاء العلماء من منهجية علمية صحيحة.
15- الشيخ محب الدين محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام (ت: 799هـ) سمع عليه علوم الحديث لابن الصلاح وبعض كتب أخرى.

وظائفه:
جد الشيخ الإمام في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى، فولي مشيخة الحديث وتدريس الفقه بأماكن من الديار المصرية وولي نيابة القضاء بمصر مدة ثم أعرض عنه، وفوض إليه الملك المؤيد القضاء بالمملكة الشامية مرارا فأبى وأصر على الامتناع، وفي السابع والعشرين من المحرم سنة سبع وعشرين (27 محرم سنة 827هـ) فوض إليه الملك الأشرف برسباي القضاء بالقاهرة وما معها فأصبح قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، فباشر ذلك بعفة ونزاهة واستقر في هذا المنصب إلى الخامس والعشرين من جمادى الآخرة عام اثنتين وخمسين (25 جمادى الآخرة 852هـ)، ولكنه خلال هذه المدة الطويلة كان يعزل نفسه أحيانا ويصرف أحيانا أخرى ثم ما يلبث أن يعود، إلى أن عزل نفسه في التاريخ السابق وعزم على عدم العودة إليه لكثرة ما توالى عليه من الخطوب بسببه فلم يعد إليه حتى انتقل إلى رحمة ربه.

كما تولى الإشراف على مكتبة المدرسة المحمودية، كما أنه ولي الإفتاء بدار العدل واحدا وأربعين عاما، وكانت الأسئلة والفتاوى ترد إليه من مختلف الأنحاء فيرد عليها، وكانت فتاويه نهاية في الإيجاز مع حصول الغرض لا سيما في المسائل التي لا نقل فيها فإنه كان أحسن علماء عصره فيها تصرفا فيخرجها على القوانين المحررة بالدلائل المعتبرة، ولهذا طبقت فتاواه الآفاق وكثرت بحيث لا يمكن دخولها تحت الحصر.

كما تولى الخطابة من سنة 819هـ فخطب في عدة أماكن بالقاهرة وخارجها، فتولى الخطابة بالجامع الأزهر وجامع عمرو بن العاص وبالقلعة، كما أسندت إليه وظيفة الوعظ بجامع الظاهر بالحسينية، وكانت خطبه لها صدع في القلوب وتعلوه على المنبر المهابة والنور ممالا يمكن وصفه.

كما تصدر –رحمه الله- للإقراء والتدريس في المعاهد العلمية المعتبرة بالقاهرة فدرس في أكثر من خمس عشرة مدرسة كالمدرسة الحسنية، والقبة المنصورية ،والشيخونية، والخانقاة البيبرسية ،والجمالية ،وجامع ابن طولون ،والمدرسة الزينبية ،والمحمودية، والمؤيدية، والصلاحية، وكان يعنى بالتدريس ولم يصرفه عنه شيء البتة بل كان لا يقدم عليه منصبا آخر مهما كان، وامتازت دروسه عن دروس غيره فتوافد عليه الطلاب من الآفاق.

كما تصدر للإملاء وشرع فيه من سنة 808هـ وعقد مجالس الإملاء في بيته وفي مدارس متعددة كالشيخونية، والبيبرسية، والجمالية،ودار الحديث الكاملية وغيرها، كما أملى بدمشق وحلب، وكان إملاؤه في غاية التحرير والتهذيب والإتقان، وظل يملي حتى انتقل إلى رحمة الله.

مؤلفاته:
ابتدأ الحافظ –رحمه الله- التصنيف في وقت مبكر من حياته العلمية وهو من المكثرين في التصنيف حتى إنه يصعب حصر جميع مؤلفاته وذكر السخاوي ما يزيد على 270 عنوانا لمؤلفاته، وتتنوع مؤلفاته بين الابتكار والاختصار والشرح والتهذيب والترتيب والتخاريج والاستدراكات والتعليقات والنكت والفوائد وغير ذلك، ونذكر منها:
1- المائة العشارية: أول تصانيفه ألفه سنة 796هـ وعمره ثلاث وعشرون سنة، وهو تخريج لهذه المائة من حديث شيخه أبي إسحاق التنوخي.
2- فتح الباري في شرح البخاري: في بضعة عشر مجلدا ومقدمته في مجلد ضخم تشتمل على جميع مقاصد الشرح سوى الأسئلة فإنها حذفت وسماها (هدي الساري لمقدمة فتح الباري) وقد انتهى منها قبل الشرح بمدة حيث فرغ منها سنة 813هـ ثم شرع في الشرح وفرغ منه سنة 842هـ، وهو أهم مؤلفاته وأولاها بالتعظيم وأولها في التقديم. طبع بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1301هـ ثم بالمطبعة الخيرية سنة 1329هـ، ثم بالمطبعة البهية سنة 1352هـ، ثم بالمطبعة السلفية.
3- إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة: وهي الموطأ ،ومسند الشافعي، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، وصحيح ابن خزيمة، ومنتقى ابن الجارود، وصحيح ابن حبان، والمستخرج لأبي عوانة، والمستدرك للحاكم، وشرح معاني الآثار للطحاوي ،والسنن للدارقطني، وإنما زاد العدد واحدا لأن صحيح ابن خزيمة لم يوجد سوى قدر ربعه، وقد طبع الكتاب طبعة رائقة محققة عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف من سنة 1415هـ 1994م وانتهى طبعه سنة 1425هـ 2004م في تسعة عشر مجلدا.
4- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: وهي مسند الطيالسي، ومسند الحميدي ومسند مسدد، وإسحق بن راهويه، وابن أبي عمر، وأبو بكر بن أبي شيبة ،وأحمد بن منيع ،وعبد بن حميد ،والحارث بن أبي أسامة، وأبو يعلى الموصلي وإنما زاد في العدد اثنين لأن مسند إسحق بن راهويه لا يوجد منه إلا النصف ومسند أبي يعلى لم يخرج إلا رواية ابن المقري وأما رواية ابن حمدان فقد أفرد زوائدها الحافظ نور الدين الهيثمي. وقد طبع الكتاب طبعة محققة عن دار العاصمة بالسعودية سنة 1418هـ في تسعة عشر مجلدا.
5- إِطراف المسنِد المعتلِي بأطراف المسنَد الحنبلي: وقد طبع الكتاب محققا عن دار ابن كثير بدمشق سنة 1414هـ 1993هـ في عشرة مجلدات.
6- إنباء الغمر بأنباء العمر: كتاب ماتع جمع فيه من الحوادث وأخبار الأعيان مما وقع بين سنتي 773 و 850هـ ما يعد صورة صادقة لعصره ومرآة صافية لحياة العلماء في تلك الحقبة العلمية الغنية، وقد طبع الكتاب بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر بتحقيق الدكتور حسن حبشي سنة 1389هـ 1969م وخرج في أربعة مجلدات
7- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: طبع بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1348هـ في أربعة أجزاء.
8- ذيل الدرر الكامنة: وقد أكمل به مصنفه السابق فترجم لأعيان أوائل المائة التاسعة، وقد طبع الكتاب بتحقيق د/ عدنان درويش عن معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية سنة 1412هـ 1992م.
9- رفع الإصر عن قضاة مصر: طبع بتحقيق الدكتور حامد عبد المجيد بالمطبعة الأميرية سنة 1957م، ثم طبع بتحقيق آخر بمكتبة الخانجي سنة 1418هـ 1988م
10- الإصابة في تمييز الصحابة: طبع في كلكتا بالهند سنة 1853م ،ثم طبع بالمطبعة الشرفية بالقاهرة سنة 1327هـ، ثم بمطبعة السعادة بالقاهرة في نفس السنة، ثم بها ثانية سنة 1328هـ كلهم في ثمانية مجلدات، ثم طبع بتحقيق الأستاذ محمد علي البجاوي بمكتبة نهضة مصر بالقاهرة وأخيرا كانت أفضل طبعاته بدار هجر سنة 1429هـ في ستة عشر مجلدا.
11- بلوغ المرام من أدلة الحكام: مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية، فرغ من تأليفه سنة 828هـ، طبع بالهند طبعة حجرية سنة 1292هـ ،ثم بها أيضا سنة 1323هـ ،ثم 1325هـ، ثم بمطبعة التمدن بالقاهرة سنة 1330هـ، ثم تكرر طبعه بعدها مرارا، وقد شرحه الأمير الصنعاني (ت: 1182هـ) في كتابه المسمى (سبل السلام شرح بلوغ المرام) وهو متداول مشهور.
12- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: طبع بتحقيق محمد علي النجار بالدار المصرية للتأليف والترجمة سنة 1383هـ 1964م في أربعة مجلدات
13- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة: طبع بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1324هـ ثم طبع محققا بدار البشائر الإسلامية سنة 1416هـ 1996م في مجلدين
14- تغليق التعليق: كتاب جليل لم يسبق إلى مثله وصل فيه ما ذكره البخاري في صحيحه معلقا وقد كمل في حياة كبار الشيوخ وشهدوا بأنه لم يسبق إلى مثاله وهو له مفخرة ودال على ما لمؤلفه من المقدرة، وقد طبع محققا بالمكتب الإسلامي ببيروت سنة 1405هـ 1985م في خمسة مجلدات
15- التشويق إلى وصل المهم من التعليق: مختصر لتغليق التعليق. وهو من الكتب المفقودة.
16- التوفيق بتعليق التعليق: اختصار لكتابه السابق اقتصر فيه على ذكر الأحاديث التي لم تقع في الأصل إلا معلقة ثم توصل في مكان منه آخر. وهو من الكتب المفقودة.
17- تهذيب التهذيب: وهو يشتمل على اختصار تهذيب الكمال للمزي مع زيادات كثيرة عليه تقرب من ثلث المختصر دمجها مع زيادات الذهبي في تذهيبه، وقد طبع بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1327هـ في اثني عشر مجلدا
18- تقريب التهذيب: وهو تلخيص لتهذيب التهذيب، وقد طبع بالهند طبعة حجرية سنة 1292هـ، ثم طبع بالمطبعة المجتبائية بالهند سنة 1320هـ، ثم تكرر طبعه مرارا آخرها مع حاشيتي عبد الله بن سالم البصري ومحمد أمين ميرغني عن دار ابن حزم سنة 1420هـ
19- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: طبع بدلهي بالهند طباعة حجرية، ثم طبع بالقاهرة بعناية السيد عبد الله هاشم اليماني،ثم طبع محققا بمؤسسة قرطبة سنة 1416هـ 1995م في أربعة مجلدات.
20- الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية: لخص فيه نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي وفرغ من تأليفه سنة 827هـ، وطبع طباعة حجرية بالمطبعة الفاروقية بدهلي بالهند سنة 1299هـ ،ثم طبع طبعة محررة بعناية عبد الله هاشم اليماني بالقاهرة سنة 1384هـ 1964م في جزأين 
21- لسان الميزان: مختصر كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال للحافظ الذهبي، طبع بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1331هـ في ستة مجلدات
22- نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر: مختصر نفيس في مصطلح الحديث زاد فيه أنواعا لم يذكرها ابن الصلاح حتى بلغت مائة نوع زائد، وقد فرغ من تأليفه سنة 812هـ، وقد اعتنى به العلماء أيما عناية واشتغلوا به قراءة وإقراء وشرحا، وظل يدرس في الجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم قرونا، وقد طبع الكتاب بالهند طبعة حجرية، ثم طبع ببولاق بالقاهرة سنة 1302هـ ،ثم طبع بعدها مرارا. وقد شرحه الإمام ابن حجر نفسه كما سيأتي، كما شرحه غيره أيضا نذكر منهم: 

- شرح الشيخ أبو الحسن بن محمد صادق السندي (ت:1187هـ) المسمى (بهجة النظر على شرح نخبة الفكر) طبع بالهند سنة 1309هـ على هامش شرح الإمام ابن حجر على النخبة.
- شرح الشيخ محمد بن جمال الدين عبد الله الخرشي وسماه (منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة) (مخطوط بالأزهرية)
23- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر: وهو شرح له على كتابه (نخبة الفكر) السابق عده بعض العلماء أفضل ما ألف في علوم الحديث حيث نهج فيه الإمام منهجا فريدا لم يسبق إليه وقدم أنواع علوم الحديث بطريقة السبر والتقسيم، فرغ من تأليفه سنة 818هـ، وقد طبع الكتاب طبعة حجرية بالهند سنة 1295هـ، ثم سنة 1302هـ ،ثم بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1308هـ، ثم تكرر طبعه بعدها مرارا، وقد اعتنى به العلماء عناية فائقة واشتغلوا به كأصله قراءة وإقراء وكتبوا عليه الحواشي الماتعة فمنها:
- حاشية الزين قاسم ابن قطلوبغا (879هـ) (مخطوط بالأزهرية).
- حاشية شيخ الإسلام الكمال ابن أبي شريف (ت: 905هـ) (مخطوط بالأزهرية).
- حاشية الملا علي القاري (ت: 1014هـ) طبعت باستانبول سنة 1327هـ.
- حاشية الشيخ أبي الإمداد برهان الدين اللقاني (1041هـ) واسمها (قضاء الوطر من نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر) (مخطوط بالأزهرية).
- حاشية الشيخ أبو الإرشاد نور الدين الأجهوري (ت: 1066هـ) (مخطوط بالأزهرية).
- حاشية الشيخ محمد عبادة.
- حاشية الشيخ عبد الله بن حسين خاطر العدوي المالكي المسماة (لقط الدرر على نزهة النظر) طبعت بمطبعة التقدم العلمية بالقاهرة سنة 1342هـ
24- النكت على علوم الحديث لابن الصلاح: طبع محققا.
25- المجمع المؤسس للمعجم المفهرس: فرغ من تأليفه بالقاهرة سنة 829هـ اعتنى فيه بجمع أسامي شيوخه وأخبارهم، وقد وصل بأشياخه إلى (730) شيخا، وقد طبع محققا في بيروت سنة 1413هـ 1992 في أربعة مجلدات
26- المعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة: طبع محققا بمؤسسة الرسالة ببيروت سنة 1418هـ
27- تخريج أحاديث الأربعين للنووي: والكلام على حديث القضاة، الجميع من تخريجه وقرأت عليه.
28- القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد: طبع بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1319هـ.
29- الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف: ألفه في ثلاثة أيام.
30- الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية: في ترجمة الإمام الليث بن سعد –رحمه الله- وقد ألفه في يومين. طبع ببولاق.
31- قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج: جزء صغير حققه السيد عبد الله بن الصديق الغماري.
32- ديوان شعر: طبع بحيدر آباد الدكن بالهند قديما، ثم طبع محققا بدار الفكر العربي بالقاهرة سنة 1416هـ 1996م.

صفاته الخلقية والخلقية:
كان الإمام –رحمه الله- ربعة من الرجال أبيض اللون مليح الشكل صبيح الوجه كث اللحية قصير الشارب نقي الأسنان صغير الفم قوي البنية عالي الهمة نحيف الجسم فصيح اللسان شجي الصوت جيد الذكاء عظيم الحذق.

وكان ذا وقار ومهابة وعقل وسكون وسياسة ودربة بالأحكام ومداراة للناس، وكان كثير الصمت إلا لضرورة ضابطا للسانه لا يواجه أحدا بمكروه مع الصدع بالحق وقوة النفس فيه، وكان حليما واسع الصدر بطيء الغضب ما لم يكن في حق الله تعالى يغض الطرف عمن يؤذيه ويحسن إلى من أساء إليه، وكان متواضعا بعيدا عن التباهي بما حباه الله به من مواهب وقدرات عقلية وعلمية، وكان لا يتأنق في ملبسه ولا في مأكله ومشربه ولا في كلامه،وكان ورعا شديد التحري والتحرز فيما يأكل ويشرب ويلبس حريصا على انتقاء الطيب الحلال وتجنب الحرام والمشتبه فيه.

وكان في غاية السماحة والبذل والسخاء مع تعمده إخفاء ذلك، متحليا مع كل تلك الخلال بملازمة العبادة والحرص على قيام الليل والتهجد مكثرا من الحج ومداوما على الذكر والاستغفار والأوراد، فأثمر كل ذلك محبة شديدة له من العامة والخاصة.

وتزوج في سن الخامسة والعشرين في شعبان سنة (798هـ) ورزق بست بنات وذكر واحد، وقد قدر الله له أن يفقد جميع بناته في حياته فصبر واحتسب، وأما ابنه الوحيد بدر الدين أبو المعالي محمدا فقد توفي بعد والده سنة 869هـ.

وكان –رحمه الله- ذا يسار وثراء وسعة من العيش بما حصله من ميراث أبويه وتقلده للوظائف السنية وغير ذلك، إماما علامة حافظا محققا متين الديانة حسن الأخلاق لطيف المحاضرة حسن التعبير عديم النظير لم تر العيون مثله ولا رأى هو مثل نفسه جد في طلب العلوم حتى بلغ الغاية القصوى في الكتابة والكشف والقراءة فمن ذلك أنه قرأ البخاري في عشرة مجالس من بعد صلاة الظهر إلى العصر ومسلم في خمسة مجالس في نحو يومين وشطر يوم والنسائي الكبير في عشرة مجالس كل مجلس منها قريب من أربع ساعات، وأغرب ما وقع له في الإسراع أنه قرأ في رحلته الشامية المعجم الصغير للطبراني في مجلس واحد فيما بين صلاة الظهر والعصر وفي مدة إقامته بدمشق – وكانت شهران وثلث شهر - قرأ فيها قريبا من مائة مجلد مع ما يعلقه ويقضيه من أشغاله، وأملى قريبا من نحو مائة مجلس أو أزيد.

وقد برع الإمام –رحمه الله- في علوم متعددة فكان من الأفذاذ في الحديث ،والتفسير، والقراءات، والفقه ،والأصول، والتاريخ، واللغة، والأدب، وغيرها، لكن غلب عليه علم الحديث فكانت عنايته به أكثر من غيره حتى وصل فيه إلى درجة لا يدانيه ولا يجاريه فيها أحد في عصره وانتهت إليه مشيخة الإسلام فيه، حتى صار لقب الحافظ –إذا أطلق- في زمنه لا يراد به سواه ولا ينصرف إلا له بالاتفاق، بل إن لقب شيخ الإسلام كان ينصرف إليه عند الإطلاق في زمنه أيضا، ويقول البقاعي واصفا تفننه في فنون عدة: "إن سلك بحر التفسير كان الترجمان، والآتي من فرائد فوائده بعقود الجمان، أو ركب متن الحديث كان أحمد الزمان، وأظهر من خفايا خباياه ما لم يسبق إليه أبو حاتم ولا ابن حبان، وإن تكلم في الفقه وأصوله علم أنه الشافعي وأبرز من لوايا رواياه ما لم يتجاسر عليه الإمام ولا الرافعي، أو تيمم كلام العرب على اختلاف أنواعه فسيبويه والمبرد، وإن عرض العروض أو الأدب على انشعاب أنحائه فالخليل بن أحمد، متى تحدث المتفننون بشيء من العلم كان مالك قياده وأستاذ نقاده"

ومن حكيم شعره:
 

ثلاث من الدنيا إذا هي حصلت لشخص فلن يخشى من الضرِّ والضير
غنى عن بنيها والسلامة منهمُ وصحة جسم ثم خاتمة الخير

    ومن شعره في تعلقه بمصر وحبه لها:
 

متى يتجلى أفق مصر بأقماري وأروي عن اللقيا أحاديث بشار
إلى مصر، واشوقا لمصر وأهلها  تشوق صب للنوى غير مختار
مرابع لذاتي وملهى شبيبتي  ومبدأ أوطاني وغاية أوطاري
ومنزل أحبابي ومنزه مقلتي ومطلع أقماري ومغرب أفكاري

تلاميذه: 
كان الإمام ابن حجر –رحمه الله- محط الرحال ومطمح الأنظار لطلبة العلم فتوافدوا عليه من الآفاق فكثر طلابه وتلاميذه حتى كان رؤوس العلماء من المذاهب الأربعة في زمنه من تلامذته، وأخذ عنه الناس طبقة بعد أخرى، فخلف بعده تلامذة أكثر من أن نحصيهم هنا، وهم ما بين حفاظ عالمين وعلماء متقنين لكن لم يجتمع عند أحد مجموعهم غيره، وحسبنا هنا أن نذكر منهم:
    1- الإمام العلامة شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي القاهري الشافعي (831 – 902هـ) كان أكثر تلامذته ملازمة له وحمل عنه علما جما وقرأ عليه غالب تصانيفه ومروياته وترجم له ترجمة حافلة في كتابه الماتع (الجواهر والدرر بترجمة شيخ الإسلام ابن حجر).
    2- الإمام العلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي المعروف بالكمال ابن الهمام الحنفي (790 – 861هـ) سمع منه الحديث.
    3- الإمام العلامة تقي الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد الهاشمي الشافعي المعروف بابن فهد المكي (795 – 871هـ) أخذ عنه الحديث وبرع فيه وفاق.
    4- الإمام برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي الشافعي (809 – 885هـ) لازمه كثيرا وأخذ عنه في عدة علوم.
    5- شيخ الإسلام زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي (826 – 926هـ) أخذ عنه الحديث

وفاته:
مرض الإمام رحمه الله في شهر ذي القعدة سنة (852هـ) حيث أصيب بإسهال وقيء دم وظل المرض به أكثر من شهر وفي أواخر مرضه بأيام يسيرة عاده قاضي القضاة سعد الدين بن الديري الحنفي فسأله عن حاله فأنشده أربعة أبيات من قصيدة للإمام أبي القاسم الزمخشري وهي:
 

قرب الرحيل إلى ديار الآخره  فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسكين الذي أيامه ولت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم  فبحار جودك يا إلهي زاخره

وفاضت روحه الزكية إلى باريها بعيد صلاة العشاء في ليلة السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة من نفس السنة عن عمر بلغ تسعا وسبعين سنة وأربعة أشهر. ويحتمل أن يكون موته بالطاعون لأنه كان قد ظهر في تلك الأثناء كما يقول السخاوي ويكون قد من الله عليه بالشهادة.

وكان يوم موته عظيما على المسلمين فحزن عموم الناس وبكوا عليه وتأسفوا لفقده وقفلت الأسواق وكانت جنازته حافلة لم يشاهد مثلها سنين طويلة فشيعه من الخلق من لا يحصى كثرة يتقدمهم السلطان الظاهر جقمق والأعيان فمن دونهم وحمل نعشه السلطان والأعيان والرؤساء والعلماء وشيعته القاهرة كلها وصلى عليه بمصلى الرميلة قبيل صلاة الظهر الخليفة المستكفي بالله سليمان بن المتوكل على الله، ثم دفن في تربة بني الخروبي بالقرب من قبر الإمام الشافعي وصلي عليه صلاة الغائب في كثير من بلاد المسلمين.
وقد رثاه جمع من العلماء و الأدباء بقصائد كثيرة من أشهرها قصيدة الشهاب الحجازي (ت:875هـ) البديعة والتي مطلعها:
 

كل البرية للمنية صائرة وقفوا لها شيئا فشيئا سائره
 والنفس إن رضيت بذا ربحت وإن  لم ترض كانت عند ذلك خاسره
وأنا الذي راض بأحكام مضت عن ربنا البر المهيمن صادره
لكن سئمت العيش من بعد الذي  قد خلف الأفكار منا حائره
هو شيخ الاسلام المعظم قدره من كان أوحد عصره والنادره
قاضي القضاة العسقلاني الذي لم ترفع الدنيا خصيما ناظره
وشهاب دين الله ذي الفضل الذي أربى على عدد النجوم مكاثره
لا تعجبوا لعلوه فأبوه من  قبل علي في الدنا والآخره
هو كيمياء العلم كم من طالب بالكسر جاء له فأضحى جابره
يا موت إنك قد نزلت بذي الندى ومذ استضفت حباك نفسا حاضره
يا رب فارحمه واسق ضريحه بسحائب من فيض فضلك غامره
يا نفس صبرا فالتأسي لائق  بوفاة أعظم شافع في الآخره
المصطفى زين النبيين الذي حاز العلا والمعجزات الباهره
صلى عليه الله ما جال الردى  فينا وجرد للبرية باتره
وعلى عشيرته الكرام وآله وعلى صحابته النجوم الزاهره

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه بحبوحة الجنة وجمعنا به مع سيدنا رسول الله في عليين.

مصادر الترجمة:
1- الجواهر والدرر في مواضع عديدة تنتظم معظم الكتاب.
2- إنباء الغمر (1/ 3 ، 116 ، 117 ، 513)
3- رفع الإصر (85 : 88)
4- الدرر الكامنة (3 / 64 ، 191)
5- ذيل الدرر الكامنة (214)
6- النجوم الزاهرة (15 / 382 : 383)
7- الضوء اللامع (2 / 36 ، 40)
8- شذرات الذهب (7 / 270 : 273)
9- التبر المسبوك في ذيل السلوك (233)
10- لحظ الألحاظ بذيل تذكرة الحفاظ (339 : 342)
11- الدليل الشافي على المنهل الصافي (1 / 64)
12- حسن المحاضرة (1 / 363)
13- البدر الطالع (1 / 87)
14- مفتاح السعادة (1 / 236)
15- كشف الظنون (1 / 7)
16- ابن حجر العسقلاني مؤرخا (13 : 110)

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39