الإمام الكمال بن الهمام

الإمام الكمال بن الهمام

اسمه ونسبه:
هو شيخ الإسلام علامة زمانه الإمام كمال الدين محمد بن الشيخ همام الدين عبد الواحد بن القاضي حميد الدين عبد الحميد بن القاضي سعد الدين مسعود المعروف بالكمال بن الهمام، السيواسي الأصل ثم المصري المولد، القاهري الدار والوفاة، الحنفي.
وقد تولى جده كجد أبيه قضاء سيواس.

وولد الإمام سنة تسعين وسبعمائة (790هـ) -ظنًّا كما قرأه السخاوي بخطه، وقال المقريزي وابن تغري بردي: سنة ثمان أو تسع وثمانين- بالإسكندرية وتوفي أبوه وكان قاضي الإسكندرية وهو ابن عشر أو نحوها، فنشأ في كفالة جدته لأمه وكانت مغربية خيِّرة تحفظ كثيرًا من القرآن وقدم بصحبتها إلى القاهرة، فحفظ القدوري والمنار والمفصل للزمخشري وألفية النحو ثم عاد معها إلى الإسكندرية فمكث بها مدة ثم عاد إلى القاهرة واستقر بها.

شيوخه:
1- الشيخ شهاب الدين الهيثمي أكمل على يديه القرآن وكان الشيخ الهيثمي يصفه بالذكاء المفرط والعقل التام والسكون.
2- الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد الزراتيتي، القاهري الحنفي المقرئ (748-825هـ)، تلا عليه القرآن تجويدًا.
3- الشيخ وجيه الدين أبو القَسْم وأبو زيد عبد الرحمن بن ناصر الدين أبو علي منصور بن محمد بن مسعود الفَكِيري -بفتح الفاء وكسر الكاف نسبة لقبيلة بالمغرب- التونسي الأصل السكندري المالكي المقرئ، قرأ عليه القرآن بالإسكندرية.
4- الشيخ قاضي الإسكندرية جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي الحنفي (ت: 821هـ) أخذ عنه النحو عند عودته إلى الإسكندرية.
5- الشيخ زين الدين السكندري قرأ عليه في فقه الحنفية كتاب الهداية.
6- الشيخ عز الدين عبد السلام البغدادي قرأ عليه في المنطق.
7- الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الطائي البساطي -نسبة إلى بساط بالغربية بمصر- المالكي (760-842هـ) أخذ عنه أصول الدين وقرأ عليه شرح هداية الحكمة لملا زاده.
8- الشيخ همام الدين همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي (ت: 819هـ) شيخ الخانقاه الجمالية أخذ عنه وحضر دروسه في شرح الكشاف.
9- الشيخ كمال الدين محمد بن حسين بن محمد بن محمد بن خلف الله الشُمُنِّي المالكي (ت: 821هـ) سمع منه الحديث وأخذ عنه وكثرت مخالطته له حينما سكن بالجمالية مدة لقرب سكنه من الشيخ وكان يتوجه منها غالبًا فيشهد الجماعة بالبرقوقية قصدًا للاسترواح بالمشي ونحوه.
10- الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم البوصيري (ت: 824هـ) سمع منه الحديث وأجازه.
11- اجتمع بكل من الشيخ العلامة حفيد ابن مرزوق والشيخ ابن الفنري حين رجوعهما من الحج وبحث مع كل منهما بما أبهر به من حضر.
12- الشيخ العلامة بدر الدين محمود بن محمد بن إبرهيم بن أحمد الأقصرائي (ت: 825هـ) حضر عنده في دروس التفسير وكان يدقق المباحث معه بحيث لا يجد البدر له مخلصًا.
13- الشيخ العلامة الحكيم جلال الدين الهندي أخذ عليه شرح المطالع.
14- الشيخ العلامة المتكلم قطب الدين محمد الأبرقوهي (ت: 819هـ) أخذ عليه شرح المواقف وكان يقول عنه: إنه لم يكن في شيوخه أذكى منه.
15- الشيخ العلامة شهاب الدين أحمد بن زين الدين رجب بن طيبغا الشهير بابن المجدي (767-850هـ) أخذ عنه أقليدس وشروحه.
16- الشيخ العلامة اللغوي الفقيه بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء محمود بن شهاب الدين أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الشهير بالعيني (762-855هـ) صاحب عمدة القاري، قرأ عليه الدواوين السبع وأشعار العرب وكان أحد المقررين عنده في محدثي المؤيدية.
17- الشيخ العلامة المحدث ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي (762-826 هـ) قرأ عليه غالب شرح ألفية العراقي لوالده الحافظ العراقي، وكان في بداية قراءته عليه يكثر من التدقيق في البحث بحيث يشكك في الاصطلاح فلم يوافقه الولي على الخوض في ذلك فترك التدقيق.
18- الشيخ العلامة عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي (749-819هـ) تردد على دروسه واختلف إليها في جُلِّ العلوم التي كانت تقرأ عليه، وكان لوفور ذكائه إذا استشعر الشيخ بمجيئه قطع القراءة ولذا كان الكمال يرجح الشيخ البساطي عليه ويقول: إنه أعرف بشرح المطالع والعضد والحاشية منه.
19- الشيخ العلامة سراج الدين عمر بن علي بن فارس الخياط الطواقي الحنفي المعروف بقارئ الهداية (ت: 829هـ) أخذ عنه الفقه فقرأ الهداية بتمامها عليه في سنتي ثماني عشرة والتي تليها وبه انتفع وكان يحاققه ويضايقه بحيث كان يتحرج منه مع وصف الكمال له بالتحقيق في كل فن، وقد برع في الفقه والحديث والتفسير وكتب له السراج أنه أفاد أكثر مما استفاد، بقراءة السراج لها -حسبما كتبه السخاوي من خط صاحب الترجمة- على مشايخ عظام من جملتهم العلاء السيرامي عن السيد الإمام جلال الدين شارحها عن العلاء
عبد العزيز البخاري صاحب الكشف والتحقيق عن حافظ الدين الكبير عن الكردي عن مصنف الهداية.
20- الشيخ العلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التفهني الحنفي (ت: 835هـ) ونزله طالبًا عنده بالمدرسة الصرغتمشية بغير سؤال، وأجازه بالعلوم، وسافر بصحبته إلى القدس فكان يقرأ عليه هناك في الكشاف ويسمع في الهداية بل رام استنابته في القضاء فامتنع الكمال من القبول مع كونه أجابه لما اشترطه أولا من الحكم فيما جرت العادة بالتعيين فيه بدون تعيين والإعفاء من حضور عقود المجالس، واستمر التفهني في الإلحاح عليه إلى أن قال له: لست أحب أحدًا من الشيوخ وغيرهم يتقدم علي لكوني لست قاصر البنان واللسان عن أحد منهم، فمن ثم لم يعاود التفهني الكلام معه في ذلك.
21- الشيخ العلامة القاضي الإمام أبو الوليد محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن الختلو بن الشحنة الحنفي (749-815هـ) قرأ عليه قطعة من الشرح الصغير (شرح منار حافظ الدين النسفي للكاكي) حين قدومه القاهرة ولازمه واستصحبه معه في سنة أربع عشرة إلى حلب فأقام عنده بها يسيرًا، ومات المحب بعد أن أوصى له بنفقة استعان بها في رجوعه وكان يثني على علم الشيخ المحب.
22- الشيخ الولي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن محمد بن زيادة الأدكاوي الشافعي (ت: 834هـ) تسلك به في طريق القوم.
23- الشيخ الولي زين الدين أبي بكر محمد بن محمد بن علي الخوافي الحنفي (757-838هـ) أخذ عنه الطريق كذلك وسافر معه إلى القدس ودعا له الشيخ الخوافي أن يكون من العلماء العاملين والعباد الصاحين.
24- الشيخ نصر الله، صحبه وقتًا وأقام معه بالمنصورية.
25- الشيخ جمال الدين عبد الله الحنبلي، سمع عليه الحديث.
26- الشيخ شمس الدين الشامي، سمع منه الحديث.
27- الشيخ زين الدين تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني الحنفي(823هـ).
28- الشيخ شهاب الدين الواسطي، سمع منه الحديث.
29- شيخ الإسلام العلامة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (773-852هـ)، أجازه ووصفه في إجازته بالعالم العلامة الفاضل حفظه الله ورفع درجته.
30- الشيخ زين الدين المراغي، أخذ عنه الحديث وأجازه.
31- الشيخ جمال الدين بن ظهيرة، أجازه كذلك.
32- الشيخ المحدث العلامة شهاب الدين أبو الفتح أحمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكلوتاتي الكرماني الحنفي (762-835هـ)، أجازه.
33- الشيخ شمس الدين بن المصري والشيخ ابن ناظر الصاحبة والشيخ ابن الطحان وعائشة الكنانية وعائشة بنت ابن الشرائحي، أجازوه جميعًا في آخرين باستدعاء الزين رضوان المستملي وغيره.

صفاته:
لازم الشيخ -رحمه الله- الاشتغال بعلوم المعقول والمنقول حتى فاق في زمن يسير وأشير إليه بالفضل التام والفطرة المستقيمة بحيث قال البرهان الأبناسي أحد رفقائه -حين رام بعضهم المشي في الاستيحاش بينهما-: لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره، وقال عنه كذلك: شيخنا البساطي وإن كان أعلم فالكمال أحفظ منه وأطلق لسانًا؛ هذا مع وجود الأكابر إذ ذاك، بل أعلى من هذا أن البساطي -وهو شيخه- لما رام المناظرة مع العلاء البخاري بسبب ابن الفارض ونحوه، قيل له: من يحكم بينكما إذا تناظرتما؟! فقال: ابن الهمام؛ لأنه يصلح أن يكون حكم العلماء، بل حضر إليه البساطي بنسخة من تائية ابن الفارض ذات هوامش عريضة وتباعد بين سطورها والتمس منه الكتابة عليها بما يعنُّ له من غير نظر في كلام أحد، وسئل البساطي مرة عن من قرأ عليه فعد القاياتي والونائي ومن شاء الله من جماعته ثم قال: وابن الهمام وهو يصلح أن يكون شيخًا لهؤلاء.

ولم يزل الشيخ يضرب به المثل في الجمال المفرد مع الصيانة، وفي حسن النغمة مع الديانة، وفي الفصاحة، واستقامة البحث مع الأدب، وفي الرياضة والكرم، واستمر يترقى في درج الكمال حتى صار عالـمًا متفننًا علامة متقنًا، درَّس وأفتى وأفاد وعكف الناس عليه واشتهر أمره وعظم ذكره؛ وأول ما ولي من الوظائف الكبار تدريس الفقه بقبة المنصورية وعمل حينئذٍ إجلاسًا بحضور شيوخه ومنهم ابن حجر العسقلاني، والبساطي، والبدر الأقصرائي وغيرهم، وامتنع الشيخ من الجلوس صدر المجلس أدبًا بعد إلحاح الحاضرين عليه في ذلك بل جلس مكان القارئ، وتكلم في ذلك المجلس على قوله تعالى:﴿يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ وقال: الكلام على هذه الآية كما يجيء لا كما يجب، وقد أبان فيه عن يد طولى وتمكن زائد في العلوم بحيث أقرَّ الناس بسعة علمه وأذعنوا له، ثم تكلم الإمام ابن حجر فوصف علم الشيخ ابن الهمام وتفننه، وقال البساطي: دعوه يتكلم ويُتلذذ بمقاله، فإنه يقول ما لا نظير له، وقرره الأشرف برسباي شيخًا في المدرسة الأشرفية بعد صرف العلاء علي بن موسى الرومي عنها واستدعاه بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة (829هـ) فألبسه الخلعة ورجع وقد تزايدت بذلك رفعته فباشرها بشهامة وصرامة إلى أن كان الثالث والعشرين من شعبان سنة (833هـ) حيث شغر مكان التصوف فيها فعين الشيخ تلميذه الشمس الأمشاطي لهذا الدرس وعارضه جوهر الخازندار وعين غيره فغضب الشيخ لذلك، فلما حضر التصوف وقت العصر على العادة خلع الشيخ طيلسانه ورمى به وقال: اشهدوا عَليَّ أنني عزلت نفسي من هذه المشيخة وخلعتها كما خلعت طيلساني هذا، وتحول في الحال لبيت في باب القرافة وبلغ ذلك السلطان فشق عليه وراسله يستعطف خاطره مع أمير آخور جقمق الذي صار سلطانًا وغيره من الأعيان فلم يجب، وانتقل لطرا فسكنها وانجمع عن الناس، وخشي جوهر غضب السلطان عليه بسببه، فبادر للاجتماع به لتلافي الأمر فما أمكنه، فجلس بزاوية هناك كانت عادة الشيخ الصلاة فيها حتى جاء فقام إليه حاسر الرأس ذليلا فقبَّل قدمه مصرحًا بالاعتذار والاستغفار فأجابه بأنني لم أتركها بسببك بل لله تعالى، وحينئذٍ عين الأمين الأقصرائي فيها بعد تصميمه على عدم القبول، ثم لم يلبث أن أعرض عن تدريس المنصورية أيضًا لتلميذه السيفي، واستمر تارة في طرا وتارة في مصر إيثارًا للعزلة وحبًّا للانفراد مع المداومة على الأمر بالمعروف وإغاثة الملهوفين والإغلاظ على الملوك فمن دونهم، ثم تولى مشيخة الخانقاه الشيخونية بعد موت باكير في جمادى الأولى سنة (847هـ) فباشرها بحرمة وافرة وعَمَّر أوقافها وزار معالمها ولم يحاب أحدًا ولو عظُم. ثم تركها أيضًا وسافر إلى مكة، وقد قصد المقام بها إلى أن يموت. فلمَّا حصل له ضعف في بدنه عاد إلى مصر، وكان إمامًا علامة عارفًا بأصول الديانات والتفسير والفقه وأصوله والفرائض والحساب والتصوف والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والجدل والأدب والموسيقى وجل علم النقل والعقل، عالم أهل الأرض ومحقق أولي العصر، حجة، أعجوبة، ذا حجج باهرة واختيارات كثيرة وترجيحات قوية بل كان يصرح بأنه لولا العوارض البدنية من طول الضعف والأسقام وتراكمهما في طول المدد لبلغ رتبة الاجتهاد، فكم استخرج من مجمع البحرين دررًا! وكم ضم إليها مما استخرجه من الكنز شذرة إلى أخرى! وكم وصل طالبًا للهداية بإيضاحها وتبيينها! وكم أنار لمنغمر في ظلمات الجهل بمنار الأصول وبراهينها! فلا تدرك دقة نظره، ومن كلماته: إذا صدقت المحبة ارتفعت شروط التكليف، وكذا من نظمه:
 

إذا ما كتبت تهوى خفض عيش وأن ترقى مدارج للكمال
فدع ذكرَ الحميا والمحيا وآثار التواصل والمطال
وأن تهدى بزهرٍ وسط روض وأخبار المهاة أو الغزال
وكن حبسًا على مدح المفدى رسول الله عين ذوي المعالي
فإن لديه ما يرجى ويهوى جميل الذكر مع جزل النوال

هذا مع شدة تواضعه مع الفقراء حتى إنه جاء مرة لمجلس العلاء البخاري وهو غاص بهم فجلس في جانب الحلقة، فقام إليه العلاء وقال له: تعال إلى جانبي فليس هذا بتواضع فإنك تعلم أن كلا منهم يعتقد تقدمك وإجلالك، وقال المقريزي في عقوده: إنه أنظر من رأيناه من أهل الفنون ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة وأجلدهم على ذلك مع الغاية في الإتقان والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان آحاد الطلبة؛ كل ذلك مع ملاحة الترسل وحسن اللقاء والسمت والبشر وحسن الهيئة ونور الشيبة وكثرة الفكاهة والتودد والإنصاف وتعظيم العلماء، وعدم الخوض فيما يخالف ذلك، وعلو الهمة وطيب الحديث ورقة الصوت وطراوة النغمة جدًّا بحيث يطرب إذا أنشد أو قرأ، وله في ذلك أعمال، وإجادته للتكلم بالفارسي والتركي إلا أنه بأولهما أمهر، وسلامة الصدر والمحبة في الصالحين وكثرة الاعتقاد فيهم والتعهد لهم، وكان للشيخ نصيب وافر مما لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات، وكان تجرد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق: ارجع فإن للناس حاجة بعلمك وكان يأتيه الوارد كما يأتي الصوفية لكنه يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته بالناس، أخبر عنه الإمام السخاوي أن بعض الصوفية من أصحابه كان عنده في بيته الذي بمصر فأتاه الوارد فقام مسرعًا، قال الحاكي: وأخذ بيدي يجرني وهو يعدو في مشيه وأنا أجري معه إلى أن وقف علي المراكب، فقال: ما لكم واقفين ههنا؟! فقالوا: أوقفنا الريح وما هو باختيارنا، فقال: هو الذي يسيركم وهو الذي يوقفكم، قالوا: نعم، قال الحاكي: وأقلع عنه الوارد، فقال لعلي: شققت عليك، قال فقلت: أي والله وانقطع قلبي من الجري، فقال: لا تأخذ عَليَّ فإني لم أشعر بشيء مما فعلته.

ومما يحكى من ذلك أنه لما دخل مكة سأل العارف عبد الكريم الحضرمي أن يريه القطب فوعده لوقت معين ثم دخل معه فيه إلى المطاف وقال له: ارفع رأسك، فرفع فوجد شيخًا على كرسي بين السماء والأرض فتأمله فإذا هو الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني السرسي الحنفي، العارف بالله تعالى، فدهش وصار يقول من دهشته بأعلى صوته: هذا صاحبنا! ولم نعرف مقامه فاختفى عنه، ولما رجع الكمال إلى مصر بادر للسلام عليه وقبَّل قدميه، فقال له: اكتم ما رأيته، وكان كثير الانجماع عن التردد لبني الدنيا حتى الظاهر جقمق مع مزيد اختصاصه به ولكنه كان يراسله هو ومن دونه فيما يسأل فيه بل طلع إليه بعد إحسانه إليه عند توجهه للحج فوادعه؛ ومحاسنه كثيرة، وقد حج غير مرة وجاور بالحرمين مدة وشرب ماء زمزم -كما قاله في شرحه للهداية- للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام معها. ونشر في مدة مجاورته علمًا جمًّا -رحمه الله ورضي عنه.

مؤلفاته:
له عدة مؤلفات منها:
1- فتح القدير للعاجز الفقير، شرح لكتاب الهداية شرح بداية المبتدي لبرهان الدين المرغياني (ت: 593هـ) في الفقه الحنفي، لم يكمله بل انتهى فيه إلى باب الوكالة، ثم أكمله الشيخ شمس الدين أحمد بن بدر الدين قودر المعروف بقاضي زاده (ت: 988هـ) وقد اعتنى العلماء بهذا الكتاب أيما عناية واشتغلوا به قراءةً وإقراءً وشرحًا وتدريسًا، وقد طبع الكتاب طبعة حجرية بلكنو بالهند سنة (1292هـ-1875م) ثم طبع بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1316هـ ثم بها سنة 1318هـ ثم بالمطبعة الميمنية سنة 1319هـ ثم تكرر طبعه بعد ذلك مرارًا.
2- التحرير الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية. كتاب ماتع في أصول الفقه. وقد اعتنى به العلماء أيما عناية واشتغلوا به قراءةً وإقراءً وشرحًا وكان يدرس على طلبة الجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم مدة طويلة، وممن شرحه العلامة محمد بن محمد الحلبي الشهير بابن أمير الحاج الحنفي (ت: 879هـ) وسمَّى شرحه التقرير والتحبير بشرح التحرير، وقد طبع هذا الشرح في ثلاثة مجلدات بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1316هـ، كما شرحه الشيخ محمد أمين المشهور بأمير بادشاه الحسيني الحنفي الخراساني (ت: 972هـ تقريبًا) وسمَّى شرحه بتيسير التحرير، وطبع هذا الشرح في أربعة مجلدات بمطبعة صبيح بالقاهرة سنة 1352هـ، وقد طبع التحرير وحده بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1351هـ.
3- المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة. متن جامع في أصول الدين على طريقة الماتريدية وقد اعتنى به العلماء أيما عناية واشتغلوا به قراءةً وإقراءً وتدريسًا وشرحًا وممن شرحه تلميذه العلامة زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي وشرحه تلميذه العلامة كمال الدين بن أبي شريف (ت: 905هـ) وسمَّاه المسامرة بشرح المسايرة، وقد طبع المتن مع الشرحين بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1317هـ، ثم بمطبعة السعادة 1347هـ، كما طبع المتن مفردًا بتعليق للأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد -وكيل كلية اللغة العربية بالأزهر- بالمطبعة المحمودية التجارية بالقاهرة سنة 1347هـ.
4- شرح البديع لابن الساعاتي في أصول الفقه.
5- جزء في شرح وإعراب حديث "كلمتان خفيفتان...." افتتحه بقوله: دخلت على امرأة بورقة ذكرت أن رجلا دفعها إليها يسأل الجواب عما فيها، فنظرت فإذا فيها سؤال عن إعراب قوله صلى الله عليه وسلم "كلمتان خفيفتان" هل كلمتان مبتدأ وسبحان الله الخبر أو قلبه؟ وهل قول من عين سبحان الله للابتداء لتعريفه صحيح أم لا؟ وهل قول من ردَّه للزوم سبحان الله النصب صحيح أم لا؟ وهل الحديث مما تعدد فيه الخبر أم لا؟ فكتب العبد الضعيف على قلة البضاعة وطول الترك وعجلة الكتابة في الوقت ما نصه؛ وذكر الجواب. وقد طبع الكتاب ببغداد سنة 1980م.
6- زاد الفقير، مختصر في الفقه، ذكره السيوطي في البغية.

تلامذته:
وقد تخرج به جماعة صاروا رؤساء في حياته وتتلمذ له من كل المذاهب الأربعة وممن بلغنا من تلاميذه:
1- شيخ الإسلام زين الدين زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (823-926هـ)، قرأ عليه في أصول الفقه والنحو والمنطق وأخذ عنه شرح ألفية الحديث للعراقي بتمامه سماعًا وبعضه قراءة.
2- الشيخ برهان الدين إبراهيم بن علي بن أحمد بن بركة بن علي بن أبي بكر بن المكرم المصري الشافعي النعماني (828-898هـ) أخذ عنه الأصول.
3- الشيخ العلامة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن نور الدين أبو الحسن علي بن كمال الدين أبو البركات محمد بن جمال الدين أبو السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن علي القرشي المخزومي المكي الشافعي، عالم الحجاز ورئيسه المعروف بابن ظهيرة (825-891هـ) قرأ عليه جميع مؤلفه التحرير في مجاورته سنتي ثمان وخمسين والتي تليها وكان قرأ غالبه عليه في رحلتيه وقد أجازه بذلك ووصفه في إجازته بالشيخ الإمام المتقن المحقق، الجامع لأشتات العلوم، الطبيب لما يعرض لها من الكلوم، وقال عنه: إنه أظهر من الأبحاث الصحيحة والآراء الرجيحة ما استفدنا به أنه عريق في التحقيقات النظرية أي عريق، وأنه لمرتادها لعمري نعم الرفيق، ارتشفنا من زلال كلماته ما تُسرُّ به النفوس وحلا لأسماعنا من أبكار أفكاره الصحيحة كل عروس، فتح من قواطعه ما لا طاقة به لذوي الجلال وحلى جيد الزمان العاطل بجود سحره الحلال، فابتهجت به مجالسنا أي ابتهاج، وحرك من سواكن هممنا أقداح زنده بيننا وأهاج، أبقاه الله تعالى لمشكلة يحلها ومنزلة عالية يحلها، وقال: ولقد أحزنتني فرقته بعد أن أحاطت بي علقته.
قدحت زفيري فاعتصرت مدامعي         لو لم يؤل جزعي إلى السلوان

وقال بعد أن أذن له مع أنه هو الذي أفاد لكن على ظن أنه استفاد والله تعالى هو المسؤول أن يجمل الوجود بوجوده ويديم حسن النظر إليه بمعنى لطفه وجوده.
4- برهان الدين أبو الوفا إبراهيم بن زين الدين أبي هريرة عبد الرحمن بن شمس الدين محمد بن مجد الدين إسماعيل الكركي الأصل، القاهري الحنفي، إمام السلطان ويعرف بابن الكركي (835-922هـ) عرض عليه محفوظاته وحضر دروسه.
5- الشيخ العلامة زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا (802-879هـ) اشتدت عنايته بملازمته بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ عنده في جميع الفنون وذلك من سنة خمس وعشرين حتى مات وكان معظم انتفاعه به ومما قرأه عليه الربع الأول من شرحه للهداية وقطعة من توضيح صدر الشريعة وجميع المسايرة -وقد شرحه بعد ذلك.
6- الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محيي الدين أبو القسم
عبد القادر بن أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري المكي المالكي أبو السعادات (843-868هـ) عرض عليه محفوظاته.
7- الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي القليجي القاهري الحنفي، ولد سنة 829هـ وحضر دروسه.
8- الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد القرافي ثم القاهري الشافعي (ت: 861هـ) أخذ عنه وله فيه قصيدة حسنة.
9- الشيخ ظهير الدين أبو الفرج ظهيرة بن رضي الدين أبو حامد محمد بن قطب الدين أبي الخير محمد بن كمال الدين أبو السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المكي المالكي (841-868هـ) عرض عليه محفوظاته.
10- الشيخ أحمد بن مباركشاه محمد بن حسين بن إبراهيم بن سليمان الشهاب القاهري ويعرف بابن مباركشاه (806-862هـ) اشتغل بالعلوم عليه.
11- الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني السرسي الأصل، القاهري الحنفي الشاذلي، (ت: 861هـ) قرأ عليه، وكان ابن الهمام يصرح بفضيلته وربما أرسل إليه الطلبة لقراءة تصانيفه عليه.
12- الشيخ زين الدين أبو محمد خلف بن محمد بن محمد بن علي المشالي ثم الشيشيني، القاهري الحنفي ثم الشافعي الشاذلي (ت: 874هـ) قرأ عليه أشياء من العقليات والنقليات ومنها كتابه: المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، وكتب له إجازة وصفه فيها بالأخ في الله الشيخ الأجل نفع الله به؛ وقال عنه: إنه قرأ قراءة بحث وتحقيق، فلقد أحسن الاستفادة والإفادة وصادفت أهليته متقدمة على القراءة فوجبت إجازته بها بل وكل ما كان في معناها فأجزته بهذا الفن وبما أجزت به من أصول وعربية ومنقول ومعقول، والمسؤول منه تذكري بدعائه الصالح والله تعالى يديم النفع به إنه سميع قريب جواد مجيب.
13- الشيخ العلامة سديد الدين أبو الوقت عبد الأول بن جمال الدين محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي، المكي الحنفي (817-872هـ) تفقه عليه وأخذ عليه الأصول كذلك، وهو من أجل من أخذ عنه وبه انتفع وأجازه ووصفه في إجازته بالشيخ العالم سليل العلماء الأماثل وأنه يقرئ ما شاء من العلوم اللغوية: صرف ونحو وبيان وبديع، والعقلية والمركبة: كأصول الفقه والكلام ويفتي بعد التأمل والمراجعة، فإنه لذلك أهل وكفؤ كريم، وكان مما قال فيه: "ألا وإنه قرأ عَليَّ وسمع كثيرًا من الفقه والأصول وألقى أبحاثًا شريفة دالة على رسوخ ملكته في الفنون دلالة ترتقي عن مجرد الظنون، فاستحق لذلك أن يجثى بين يديه وأن يعوِّل الأفاضل في ذلك عليه كل ذلك مع سلامة الفطرة". وكان مبجلا له إلى الغاية.
14- الشيخ عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى المقدسي الأصل، الدمشقي الشافعي الحريري، ولد سنة 842هـ وعرض عليه محفوظاته بمكة سنة تسع وخمسين.
15- الشيخ عبد الرزاق بن يوسف بن عبد الرزاق القبطي الأصل القاهري الشاذلي الحنفي ويعرف بابن عجين أمه (830-896هـ)، أخذ عنه في فنون.
16- الشيخ القاضي محيي الدين أبو البركات عبد القادر بن نجم الدين
عبد الرحمن بن عبد الوارث بن محمد بن عبد الوارث بن عبد المنعم بن يحيى البكري المصري ثم الدمشقي (824-874هـ) قرأ عليه في جملة من الفنون منها العربية والأصول وأجازه فيها.
17- الشيخ زين الدين عبد القادر بن علي بن شعبان القاهري الشافعي ويعرف بابن شعبان (820-892هـ) قرأ عليه مصنفه التحرير في الأصول.
18- الشيخ نور الدين أبو حسن علي بن عبد الله بن علي النطوبسي ثم السنهوري ثم القاهري الأزهري المالكي الضرير (814-889هـ) أخذ عنه العربية فقرأ عليه قطعة من شرح التسهيل لابن أم قاسم، والأصول فقرأ عليه نصف كتابه التحرير.
19- الشيخ سراج الدين عمر بن عيسى بن أبي بكر بن عيسى الوروري ثم القاهري الأزهري الشافعي (ت: 861هـ) قرأ عليه في أصول الدين وأصول الفقه.
20- الشيخ شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن حسن بن إسماعيل بن يعقوب بن إسماعيل الكجكاوي العينتابي الأصل، القاهري الحنفي، ويعرف بالأمشاطي (811-885هـ) أخذ عنه وكان الشيخ يجله كثيرًا.
21- الشيخ شمس الدين محمد بن أبي السعود إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن سعيد بن علي المنوفي ثم القاهري الشافعي، ويعرف بابن أبي السعود (810-856هـ)، أخذ عنه في العربية وفي الأصلين -أصول الدين وأصول الفقه- وغيرهما.
22- الشيخ نظام الدين أبو اليسر وأبو المعالي محمد بن الجيبغا الناصري الحنفي (814-892هـ) قرأ عليه جميع شرح المنار للكاكي.
23- الشيخ شمس الدين محمد بن تقي الدين عبد اللطيف بن أحمد الأُقصري ثم القاهري الحنفي (ت: 872هـ) قرأ عليه في العربية وغيرها.
24- الشيخ نجم الدين محمد بن أبي محمد عبد الله بن زين الدين عبد الرحمن بن شمس الدين محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد الله الزرعي ثم الدمشقي الشافعي، المعروف بابن قاضي عجلون (831-876هـ) قرأ عليه كتابه التحرير في أصول الفقه.
25- الشيخ شمس الدين محمد بن نبيه الدين عبد المنعم بن محمد بن محمد بن
عبد المنعم بن أبي الطاهر إسماعيل المعروف بالجوجري (821-889هـ) حضر عليه في العربية شرح التسهيل وغيره.
26- الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن أحمد بن إسماعيل القاهري الأزهري الشافعي (ت: 862هـ)، لازمه فانتفع به في فنون وسمع عليه بمكة وغيرها.
27- الشيخ شمس الدين أبو الوفاء محمد بن نور الدين علي بن محمد الحصني الأرميوني القاهري، ولد سنة ( 843هـ) عرض عليه وقرأ في أصول الدين.
28- الشيخ قطب الدين أبو الخير محمد المصري الأصل، المكي الحنفي، ويعرف بابن الفاكهاني، ولد سنة (816هـ) أخذ عنه الفقه الحنفي وأصول الفقه وقرأ عليه كتابه التحرير.
29- الشيخ جمال الدين أبو النجا محمد بن بهاء الدين أبو البقاء محمد بن شهاب الدين أبو الخير أحمد بن ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن يوسف بن علي بن إسماعيل القرشي العمري الصاغاني الأصل المكي، قاضيها وابن قضاتها، الحنفي ويعرف بابن الضياء (829-885هـ) قرأ عليه في الفقه والعربية.
30- الشيخ خير الدين أبو الخير محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد بن موسى بن أبي بكر بن أبي العيد السخاوي ثم القاهري ثم المدني المالكي ويعرف بابن القصبي، ولد سنة (842هـ) قرأ عليه في عدة فنون.
31- الشيخ شمس الدين -وجمال الدين- أبو عبد الله وأبو نصر محمد الشافعي (834-891هـ) قرأ عليه في أصول الدين وفي الفقه.
32- الإمام العلامة كمال الدين أبو الهنا محمد بن ناصر الدين محمد بن
أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان المري القدسي الشافعي المعروف بالكمال بن أبي شريف (822-906هـ) قرأ عليه في الأصول من مختصر ابن الحاجب الأصولي وغيره وكان الشيخ ابن الهمام يجله ويعظمه.
33- الشيخ محمد بن محمد بن داود خير الدين أبو الخير الرومي الأصل، القاهري الحنفي، ويعرف بابن الفراء (814-897هـ) لازمه في الفقه والأصلين –أصول الدين وأصول الفقه- والعربية والصرف والمعاني والبيان والمنطق وغيرها.
34- الشيخ سيف الدين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمري القاهري الحنفي (798-881هـ) كان يعرف بابن الحوندار ثم بسيف الدين الحنفي، لازمه في الفقه والأصلين والعربية وغيرها حتى كان جل انتفاعه به بل حضر معه على السراج قارئ الهداية في الفقه وأصوله وغيرهما وأذن له في الإقراء بل كان يصفه بأنه محقق الديار المصرية ويرجحه على سائر طلابه واستنابه في مشيخة المدرسة الشيخونية في حجته الأولى كما تولى بعده المدرسة الأشرفية.
35- الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان بن عمر بن محمد الحلبي الحنفي ويعرف بابن أمير حاج وبابن الموقت (825-879هـ) لازمه في الفقه والأصلين وغيرها وبرع في فنون وأذن له بالتدريس.
36- الشيخ بدر الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن محمد بن خليل بن علي بن خليل القاهري الحنفي ويعرف بابن الغرس (833-894هـ) عرض عليه محفوظاته وقرأ عليه في أصول الدين.
37- الشيخ ناصر الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن شمس الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الأصل ثم الدمشقي القاهري الشافعي، ويعرف بابن تيمية (809-876هـ) حضر دروسه في عدة فنون ولازم خدمته.
38- الشيخ جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الأمير ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي ناصر الدين محمد بن القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن نور الدين أبو الثناء محمود الحموي المعري المولد، القاهري الوفاة، الحنفي، المعروف بابن السابق (811-877هـ) لازمه حتى قرأ عليه بحثًا أكثر من ربع كتاب الهداية وغيره.
39- الشيخ بدر الدين محمود بن جلال الدين عبيد الله بن تاج الدين عوض بن محمد الأردبيلي الشرواني، القاهري الحنفي ويعرف بابن عبيد الله (794-875هـ) حضر عليه قراءته في الكشاف وغيره وكان صهره.
40- الشيخ العلامة المحدث قاضي القضاة شرف الدين يحيى بن سعد الدين محمد بن محمد المناوي المصري الشافعي (ت: 853هـ) قرأ عليه في علوم المعقول.
41- الشيخ العلامة أبو الفضل محمد بن العلامة الورع الزاهد أبي عبد الله محمد بن العلامة الزاهد المنقطع إلى الله أبي القَسْم بن محمد بن
عبد الصمد بن حسن بن عبد المحسن المَشَدَّالي-نسبة لقبيلة من زواوة- الزواوي البجائي المغربي المالكي، قرأ عليه في الأصول وقال عنه "سألته عن مسألة في أواخر الأصول فأجابني عنها بأجوبة من لو طالع عليها ثلاثة أشهر لم يجب فيها بمثله".

وفاته:
عاد من مجاورته بعد الحج في رمضان سنة ستين وهو متوعك، فَسُرَّ المسلمون بقدومه وعكف عليه من شاء الله من طلبته وغيرهم أيامًا من الأسبوع إلى أن مات في يوم الجمعة سابع رمضان سنة إحدى وستين وثمانمائة (861هـ) وصلي عليه بعد العصر في مشهد حافل شهده السلطان فمن دونه، وقدم للصلاة عليه قاضي مذهبه ابن الديري وكان الشيخ يجله، كما أنه كان يجل الشيخ وينقل عنه في تصانيفه كشرح الهداية ويروي عنه في حياته ويفتخر بانتسابه إليه، ودفن بالقرافة في تربة ابن عطاء الله ولم يخلف بعده في مجموعه مثله في الجمع بين علمي المنقول والمعقول، والدين والورع والعفة والوقار في سائر الدول.
وقال الشهاب المنصور يمدحه:
 

زها كخد الخود روضٌ أنُفُ وأدمع الطل عليه تكف
كأنما الدولاب ثكلى قد غدت تندب شجوًا والدموع ذرَّف
كأنما الأغصان إذ تمايلت شرب سطت شربًا عليهم قَرقفُ
كأنما القمري فيه قارئ صبحًا وأوراق الغصون مصحف
كأنما كل حمام همزة يحملها من كل غصن ألف
كأنما ريح الصبا معشوقة فالدوح يصبو نحوها ويعطف
كأنما زهر الرياض أعين فاتحة أجفانها لا تطرف
فلا تشبِّه بالنجوم لطفها فإنها من النجوم ألطف
ولا تقس بالبدر وجه شيخنا فإنه عند الكمال يُكسف
بحر خضم في العلوم زاخر سيف صقيل في الحقوق مرهف
سل عنه في العلم وفي الحلم معًا فهو أبو حنيفة والأحنف
لا ثانيًا عطفًا ولا مستكبرًا ولا أخو عجب ولا مستنكف
لا يطرف الكبر له شمائلا ولا يهز جانبيه الصلف
فهو من الخير وأنواع التقى على الذي كان عليه السلف
فلو حلفت أنه شيخ الهدى لصدَّق الناس وبر الحلف
يا دوحة العلم التي قد أينعت ثمارها والناس منها تقطف
يا سيدًا به الأنام تقتدي يا رحمة به البلاء يكشف
قد كان لي بالخانقاه خلوة ألفتها دهرًا ونعم المألف
فقدتها وإن لي من بعدها لحالة أثر فيها التلف
ومن عجيب أن أكون شاعرًا وليس لي في الدهر بيت يعرف
لا زلت محروس الجناب راقيًا في شرف لا يعتريه شرف

رحمه الله ورضي عنه ونفعنا ببركاته وعلومه آمين.

مصادر الترجمة:
1- الضوء اللامع (1/88، 6/311، 8/ 127- 132، 9/48، 10/114) ومواضع أخرى كثيرة.
2- إنباء الغمر (3/439،440) ومواضع أخرى عدة.
3- النجوم الزاهرة (16/160، 161).
4- درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة (3/413).
5- شذرات الذهب (9/406، 436-439) وعدة مواضع أخرى.
6- نيل الأمل بذيل الدول (6/20،21).
7- بغية الوعاة (1/166-169).
8- وجيز الكلام (2/708).
9- بدائع الزهور (2/59).
10- فهارس الأزهرية في جملة مواضع.

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39