الإمام شهاب الدين بن أرسلان

الإمام شهاب الدين بن أرسلان

اسمه ونسبه:
هو الإمام العلامة الولي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن حسن بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان -بالهمزة كما بخطه وقد تحذف في الأكثر بل هو الذي على الألسنة- الرملي ثم القدسي الفقيه الشافعي المتسلك، ويعرف بابن رسلان.

ولد في سنة ثلاث أو خمس وسبعين وسبعمائة (773 أو 775هـ) وكان والده تاجرًا خيرًا قارئًا للقرآن وأمه أيضًا من الصالحات ولها أخ له أوراد وعبادة كثيرة، فولد الشيخ ونشأ بالرملة، ولم تعلم له صبوة على طريق والديه وخاله فحفظ القرآن وله نحو عشر سنين ويقال: إن أباه أجلسه في دكان له يبيع فيه فكان يقبل على المطالعة ويذهب إلى المدرسة الخاصكية للاشتغال بالعلم ويهمل أمر التجارة فظهرت فيها الخسارة، فلامه على ذلك، فقال: أنا لا أصلح إلا للمطالعة، فتركه وسلم له قياده، وكان في مبدئه يشتغل بالنحو واللغة والشواهد والنظم.

شيوخه:
1- الشيخ العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن التقي أبو الفدا إسمعيل بن علي بن الحسن بن علي بن إسماعيل بن علي بن صالح بن سعيد القلقشندي (746-809هـ) قرأ عليه الحاوي الصغير وغيره.
2- الشيخ العلامة أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المعروف بابن الهائم (756-815هـ) أخذ عنه الفرائض والحساب وغيرها.
3- الإمام العلامة شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني (724- 805هـ) حضر عنده بعض دروسه وسمع منه.
4- الإمام العلامة قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني (763-824هـ) قرأ عليه غالب صحيح البخاري وأذِنَ له بالإفتاء.
5- الشيخ عبد الله نسيم الدين بن أبي سعيد بن محمد بن مسعود بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن إسماعيل بن علي الدقاق (735-801هـ) سمع منه معالم التنزيل للبغوي بقراءته له على والده أبي سعيد عن الصدر أبي المجامع الجويني عن الإمام البغوي، كما قرأ عليه الحاوي الصغير والعوارف للسهروردي ومسند الشافعي، كما سمع منه الأذكار والأربعين للنووي بروايته لهما عن علي بن أحمد النويري العقيلي بسماعه من يحيى بن محمد التونسي المغراوي عن الإمام النووي.
6- العلامة الولي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الشافعي الصوفي المعروف بابن الناصح (804هـ) صحبه مدة وسمع منه الحديث.
7- الشيخ جلال الدين عبد الله بن خليل بن علي بن عمر بن مسعود البسطامي الولي (794هـ) أخذ عنه طريق التصوف وتلقن منه الذكر.
8- الشيخ الولي شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الشهير بالقرمي (720-788هـ) قرأ عليه الحديث وسمع منه الصحيح بسماعه له على الحجار بدمشق وأخذ عنه التصوف وألبسه الخرقة.
9- الشيخ الولي محمد القادري الصالحي (ت: 827هـ) أخذ عنه التصوف وتلقن منه الذكر.
10- الشيخ العلامة شهاب الدين أبو الخير أحمد بن الحافظ صلاح الدين العلائي سمع منه الحديث.
11- أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد الصالحي المعروف بابن الزراتيتي سمع منه الموطأ برواية يحيى بن بكير بالرملة.
12- الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الخضر بن شمري الزبيري العيزري الغزي (724-808هـ) انتفع به في فنون العلم.
13- الشيخ المحدث شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الأصل الدمشقي المعروف بأبي هريرة بن الذهبي (715- 799هـ)سمع كثيرًا منه الحديث.
14- الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أبي المجد الدمشقي (707 -800هـ).
15- الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد المعروف بابن صديق (ت: 806هـ) سمع منه الحديث.
16- الشيخ الإمام أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي (ت: 802هـ) سمع عليه البخاري والترمذي ومسند الشافعي.
17- الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي (750-817هـ).
18- الشيخ المحدث أبو العباس أحمد بن علي بن سنجر المارديني سمع منه الشفا وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسيرة ابن هشام وسيرة ابن سيد الناس وغالب تصانيف اليافعي بروايته عنه.
19- الشيخ سراج الدين أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح الربعي المعروف بابن الكويك (ت: 807هـ).
20- الشيخ القاضي شهاب الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن خليفة الحسباني (749-815هـ) سمع منه صحيح البخاري.
21- الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري (ت: 802هـ) قرأ عليه النحو.
22- الشيخ المحدث عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان بن موسى النشاوري المولود سنة 705هـ وأجازه بالحديث.
23- قاضي القضاة أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن المقدسي الناصري الباعوني (751-816هـ) وأجازه بالإفتاء.
24- الشيخ شهاب الدين أحمد بن العز الحنبلي.

حياته وصفاته:
ظل الشيخ -رحمه الله- يدأب ويكثر المذاكرة والملازمة للمطالعة والأشغال مقيمًا بالقدس تارة وبالرملة أخرى حتى صار إمامًا علامة متقدمًا، برع في الفقه وأصوله والعربية، مشاركًا في الحديث والتفسير والكلام وغيرها وقال الشعر، وولي التدريس بالمدرسة الخاصكية مدة ثم تركها وأقبل على الله وعلى الاشتغال تبرعًا وعلى التصوف وألبس خرقته جماعة من المصريين والشاميين وظل مدة لا يكلم أحدًا، وحفظ كتبًا، ثم قدم أحد علماء المغرب مدينة الرملة وكان يقرئ البيت من ألفية ابن مالك بربع درهم، فلزمه الشيخ ابن أرسلان حتى أخذها عنه بحيث تأهل لإقرائها واشتهر بحسن إفادتها وإلقائها، ثم انتقل إلى بيت المقدس.

وكان -رحمه الله- حريصًا أشد الحرص على سائر أنواع الطاعات من صلاة وصيام وتهجد ومرابطة وسلك طريق العبادة وخشونة العيش بحيث لم تكن تخلو سنة من سنه عن إقامته على جانب البحر قائمًا بالدعاء إلى الله سرًّا وجهرًا، آخذًا على أيدي الظلمة، مؤثرًا صحبة الخمول والشغف بعدم الظهور، تاركًا لقبول ما يعرض عليه من الدنيا ووظائفها، حتى إن الأمير حسام الدين حسن ناظر القدس والخليل جدد بالقدس مدرسة وعرض عليه مشيختها وقرر له فيها في كل يوم عشرة دراهم فضة فأبى، بل كان يمتنع من أخذ ما يرسل به هو وغيره إليه من المال ليفرقه على القراء وربما أمر صاحبه بأن يفرقه بنفسه، وكان محافظًا على الأذكار والأوراد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معرضًا عن الدنيا وبنيها جملة، حتى إنه لما سافر الأشرف إلى آمد هرب من الرملة إلى القدس في ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به أو بأحد من أتباعه وإن تضمن ذلك تفويت الاجتماع بمن كان يتمناه كالحافظ ابن حجر العسقلاني، فإنه سأل عنه رجاء زيارته، فقيل: إنه غائب، وظل الشيخ -رحمه الله- المشار إليه بالزهد في تلك النواحي وقُصِدَ للزيارة من سائر الآفاق وكثرت تلامذته ومريدوه وصار متبركًا بدعائه ومشاهدته، وتهذب به جماعة وعادت على الناس بركته، وهو في الزهد والورع والتقشف واتباع السنة وصحة العقيدة كلمة إجماع بحيث لا يعلم في وقته من يدانيه في ذلك، وانتشر ذكره وبعد صيته وشهد بخيره كل من رآه، وكان صائمًا قائمًا قلما يضطجع بالليل، وكان شيخًا طويلا تعلوه صفرة، حسن المأكل والملبس والملتقى له مكاشفات ودعوات مستجابات غير عابس، ولا يأكل حرامًا ولا يشتم ولا يلعن ولا يحقد ولا يخاصم بل يعترف بالتقصير والخطأ ويستغفر، وإذا أقبل على من يخاصمه لاطفه بالكلام اللين حتى يزول ما عنده ولا ينام من الليل إلا قليلا، ولما اجتمع مع العلاء البخاري وذلك في ضيافة عند ابن أبي الوفاء بالغ العلاء في تعظيمه بحيث إنه بعد الفراغ من الأكل بادر لصب الماء على يديه ورام الشيخ فعل ذلك معه أيضًا فما مكنه وصَرَّح بأنه لم ير مثله، وجدد بالرملة مسجدًا كبيرًا لأسلافه -بجانب البحر بثغر يافا- صار كالزاوية يقيم بها من أراد الانقطاع إليه فيواسيهم بما لديه على قلة ذات اليد، وكان يقرئ به وكان كثير الرباط فيه، وكذا كان له زاوية ببيت المقدس، ولما قدم العلاء البخاري القدس اجتمع به ثلاث مرات: الأولى: مُسلِّمًا وجلسا ساكتين، فقال له الشيخ أبو بكر بن أبي الوفا: يا سيدي! هذا ابن رسلان، فقال: أعرف ثم قرأ الفاتحة وتفرقا والثانية: أول يوم من رمضان اجتمعا وشرع العلاء يقرر في أدلة ثبوت رؤية هلال رمضان بشاهد ويذكر الخلاف في ذلك وابن رسلان لا يزيد على قوله: نعم وانصرفا، ثم إن العلاء في ليلة عاشره سأل ابن أبي الوفاء في الفطر مع ابن رسلان فسأله فامتنع، فلم يزل يلح عليه حتى أجاب فلما أفطر أحضر خادم العلاء الطست والإبريق بين يدي العلاء فحمل العلاء الطست بيديه معًا ووضعه بين يدي ابن رسلان وأخذ الإبريق من الخادم وصب عليه حتى غسل ولم يحلف عليه ولا تشوش ولا توجه لفعل نظير ما فعله العلاء معه غير أنه لما فرغ العلاء من الصَّبِّ عليه دعا له بالمغفرة، فشرع يُؤمِّن على دعائه ويبكي ثم إن خادم العلاء صبَّ عليه فلما تفرقا خرج ابن أبي الوفاء مع ابن رسلان، فقال له ابن رسلان: صحبة الأكابر حصر، قال ابن أبي الوفاء: ثم دخلت على العلاء فشرع يثني عليه، فقلت له: يا سيدي والله ما في هذه البلاد مثله! فقال العلاء: والله ولا في مصر مثله وكررها كثيرًا.

وله تصانيف نافعة في التفسير الحديث والفقه والأصلين:- أصول الدين وأصول الفقه- والعربية وغيرها، وكان جامعًا بين العلم والعمل والزهد ولم يكن بعد الحصني أزهد منه، وسئل عن عمر بن حديم العجلوني الزاهد الولي حين قدم القدس: أهو من الأولياء؟ فقال ما أهون الولي عند الناس! وأين درجة الولاية؟ فقيل له: هو عارف، فقال: وما أهون العرفان عندكم! فقيل له: فما هو؟ فقال: عابد خائف. قيل له: فعبد الملك الموصلي؟ فقال: رجل ينطق بالحكمة. قيل له: فأبو بكر بن أبي الوفاء؟ فقال: رجل قائم بما عليه من حقوق العباد. فحُكِي هذا كله للعز عبد السلام القدسي فقال لله در هذا الرجل! كيف فاتني الاجتماع به؟! وتأسف على لقيه. وكان مقبلا على العبادة، غزير العلم، كثير الخير، مربيًا للمريدين، محسنًا للقادمين، صادق التأله، متخلقًا من المروءة والعلم والزهد والفضل والانقطاع إلى الله بأكمل الأخلاق بحيث يظهر عليه سيما السكينة والوقار ومهابة الصالحين، قال المقريزي عنه: وبالجملة فما أعلم بعده مثله، يقول السخاوي: ولم يسلم الشيخ من أذى البقاعي فقد قرأت بخطه في بعض مجاميعه أن جماعته الموجودين الآن لم ينبغ منهم غير شخص واحد وهو أبو الأسباط وأما بقيتهم فمساوئ كل منهم غالبة عليه أو ليس فيه حسنة إلا نادرًا، وإني كنت أتعجب من ذلك جدًّا لكون الشيخ كان من العلماء الزهاد، قلَّ أن رأيت مثله وما زلت متعجبًا إلى أن جلا عني ذلك شخص، فقال: أنا أظن أنهم عوقبوا؛ لأن الشيخ كان حسن الآداب، فكانوا يسيؤون أدبهم معه تصديقًا للمثل "إذا حسن أدب الرجل ساء أدب غلمانه" قال: فذكرت ذلك للقاياتي، فقال: صدق هذا القائل.

وكان لا يلقاه أحد إلا ويحكي من صالح أحواله ما لم يحكه الآخر، وقد ذكر غير واحد أن طوغان نائب القدس وكاشف الرملة وردت عليه إشارة الشيخ بكف مظلمة فامتنع، وقال: طولتم علينا بابن رسلان إن كان له سر فليرم هذه النخلة لنخلة قريبة منه، فما تم ذلك إلا وهبت ريح عاصفة فألقتها، فما وسعه إلا المبادرة إلى الشيخ في جماعة مستغفرًا معترفًا بالخطأ فسأله عن سبب ذلك فقيل له، فقال: لا قوة إلا بالله من اعتقد أن رمي هذه النخلة كان بسببي أو لي فيه تعلق ما فقد كفر فتوبوا إلى الله وجددوا إسلامكم، فإن الشيطان أراد أن يستزلكم، ففعلوا ما أمرهم به وتوجهوا. وحكى صهره الحافظ التاج بن الغرابيلي عنه "أنه كان قليلا ما يهجع من الليل وأنه في وقت انتباهه ينهض قائمًا كالأسد، حتى كأن قيامه يسبق كمال استيقاظه ويقوم كأنه مذعور فيتوضأ ويقف بين يدي ربه يناجيه بكلامه مع التأمل والتدبر، فإذا أشكل عليه معنى آية أسرع في هاتين الركعتين ونظر في التفسير حتى يعرف المعنى ثم يعود إلى الصلاة"، وقال العز الحنبلي: إنه أخذ عنه منظومته الزبد وأذِنَ له في إصلاحها وكتب له خطه بذلك بل سأله في الإقراء عنده ولو درسًا واحدًا ويحضر الشيخ عنده فامتنع من ذلك أدبًا. وممن لقيه وحكى من كراماته أبو عبد الله بن العماد بن البلبيسي ومن قبله أبو سعد القطان وأبو العزم الحلاوي ومناقبه كثيرة ومراتبه شهيرة.

وذكر السخاوي أن عنده من ترجمته ما لو بسطه لكان في كراسة ضخمة، وأن عنده من نظمه وفوائده الكثير، ومن ذلك قوله: لم أزل أسمع في ألسنة الناس الدعاء بخاتمة الخير ولم أجد له أصلا، حتى ظفرت بذلك في الحلية لأبي نعيم من طريق الصلت بن عاصم المرادي عن أبيه عن وهب بن منبه، قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض استوحش لفقد أصوات الملائكة فهبط عليه جبريل عليه السلام فقال: يا آدم هلا أعلمك شيئًا تنتفع به في الدنيا والآخرة، قال: بلى، قال قل: اللهم أدم لي النعمة حتى تهنيني المعيشة، اللهم اختم لي بخير لا تضرني ذنوبي، اللهم اكفني مؤنة الدنيا وكل هول في القيامة حتى تدخلني الجنة.
وفي كلامه وشعره روح، ومما نظمه في المواطن التي لا يجب رد السلام فيها: 

رد السلام واجب إلا على من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب أو قراءة أو أدعية أو ذكر أو في خطبة أو تلبية
أو في قضاء حاجة الإنسان أو في إقامة أو الأذان
أو سلم الطفل أو السكران أو شابة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم أو حالة الجماع أو تحاكم
أو كان في الحمام أو مجنونًا هي اثنتان بعدها عشرونا

وله:

دواء قلبك خمس عند قسوته فادأب عليها تفز بالخير والظفر
خلاء بطن وقرآن تدبره كذا تضرع باك ساعة السحر
ثم التهجد جنح الليل أوسطه وأن تجالس أهل الخير والخبر

مؤلفاته:
1- صفوة الزبد منظومة نافعة في الفقه الشافعي، جعل مقدمتها نظم أصول الدين من كتاب جمع الجوامع وخاتمتها نظم التصوف منه، ومن فضائله: أنه لما أتمه أتى به إلى البحر، وثقله بحجر وألقاه في قعره، وقال: اللهم إن كان خالصًا لك فأظهره وإلا فأذهبه، فصعد من قعر البحر حتى صار على وجه الماء ولم يذهب منه حرف، وقد حقق الله ذلك فانتفع بالكتاب خلق لا يحصون واعتنى بتلك المنظومة العلماء أيما عناية واشتغلوا بها قراءة وإقراء وشرحًا وتحشيةً، وظلت مقررة للتدريس بالجامع الأزهر وغيره من معاهد العلم أزمانًا، وقد طبعت ببولاق سنة 1285هـ وعليها عدة حواش، وقد شرحها الشهاب أحمد الرملي (ت: 957هـ) وسماه: فتح الرحمن وطبع في مجلدين بدار الضياء، والشمس محمد الرملي (ت: 1004هـ) وسماه: غاية البيان في شرح زبد ابن رسلان - طبع بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1305هـ ومعه مواهب الصمد في حل ألفاظ الزبد للفشني، والشيخ محمد بن إبراهيم الصفوي وسماه: فتح الصمد بشرح صفوة الزبد، كما شرحه العلامة أحمد زيني دحلان، وشرحها من علماء اليمن الشيخ محمد بن زياد الوضاحي الشرعبي، والشيخ يوسف بن محمد بن يحيى بن أبي بكر بن علي البطاح الأهدل وسماه: فيض المنان بشرح زبد ابن رسلان، والإمام محمد بن أحمد عبد الباري الأهدل (ت 1298هـ) وسماه: إفادة السادة العمد بتقرير معاني نظم الزبد، طبع بأخرة بدار المنهاج بجدة.
2- شرح منظومة الزبد شرحين: أحدهما مطول والآخر مختصر كالتوضيح له.
3- كتب قطعًا متفرقة في التفسير.
4- نسب إليه ابن أبي عذيبة نظم القراءات الثلاثة الزائدة على السبعة ثم الثلاث الزائدة على العشرة وأنه أعربهم إعرابًا جيدًّا بحيث سأل الشمس القباقبي في قراءتها عليه فسمح له ولكن لم يتمكن من ذلك ثم سأل ولده الشهاب أيضًا في ذلك فأجاب وما تمكن أيضًا.
5- نظم في علم القراءات فصولا تصل إلى ستين نوعًا.
6- شرح لسنن أبي داود وهو في أحد عشر مجلدًا استمد فيه من الحافظ ابن حجر بعض الأسئلة، ونقل عنه في باب تنزيل الناس منازلهم من الأدب بقوله: قال شيخنا ابن حجر.
7- شرح الأربعين النووية.
8- شرح البخاري ووصل فيه إلى آخر الحج في ثلاثة مجلدات ولم يتمه.
9- شرح تراجم ابن أبي جمرة في مجلد.
10- شرح الشفا معتنيًا فيه بضبط ألفاظه.
11- شرح ألفية العراقي في السيرة.
12- تنقيح الأذكار.
13- شرح على التنقيح للزركشي.
14- استشكالات على شرح الكرماني كتب منه مجلدًا ولم يكمله.
15- شرح جمع الجوامع في مجلد.
16- شرح منهاج البيضاوي في مجلدين.
17- شرح منهاج الطالبين للنووي.
18- شرح على مختصر ابن الحاجب.
19- شرح البهجة الوردية ولم يكمله.
20- تصحيح الحاوي. لم يصل.
21- مختصر أدب القضاء للغزي.
22- شرح ملحة الحريري مزجًا.
23- إعراب الألفية.
24- فوائد مجموعة نفيسة تتعلق بالقضاء وبالشهود.
25- مختصر حياة الحيوان للدميري مع زيادات فيه لقطعة من النباتات.
26- طبقات الفقهاء الشافعية.
27- نظم إسناده بصحيح البخاري مع حديث من ثلاثياته واقتصر فيه من شيوخه على ابن العلائي.
وقد قال الشيخ عن مؤلفاته: وجميعها تحتاج لتبييض، وأستغفر الله.

وفاته:
وقد انتقل الشيخ العلامة ابن رسلان إلى رحمة الله تعالى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان وقيل يوم الاثنين الثاني والعشرين سنة أربع وأربعين وثماني مائة (844هـ) بسكنه من المدرسة الختنية بالمسجد الأقصى من بيت المقدس ودفن بتربة ماملا بالقرب من سيدي أبي عبد الله القرشي وارتج بيت المقدس بل غالب البلاد لموته وصُلِّي عليه بجامع الأزهر وغيره صلاة الغائب، قال ابن قاضي شهبة: وقد صلينا عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي في يوم الجمعة رابع رمضان، وهذا يؤيد أن موته في شعبان، وذكروا أنه لما ألحد سمعه الحفار يقول: "رب أنزلني منزلا مباركًا وأنت خير المنزلين" ورآه حسين الكردي أحد الصالحين بعد موته، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه وقال: يا أحمد أعطيتك العلم فما عملت به؟ قال: علمته وعملت به. فقال: صدقت يا أحمد تمن علي، فقلت: تغفر لمن صلى عليَّ، فقال: قد غفرت لمن صلى عليك وحضر جنازتك، ولم يلبث الرائي أن مات. ولم يخلف الشيخ في مجموعه مثله علمًا ونسكًا وزهدًا نفعنا الله ببركاته وألحقنا به في عباده الصالحين ورفع درجته في عليين.

مصادر الترجمة:
1- الضوء اللامع (1/282-288).
2- إنباء الغمر (2/314،373) وغير ذلك مواضع كثر في ترجمة شيوخه.
3- الدرر الكامنة. في عدة مواضع في ترجمة شيوخه.
4- السلوك (ج4 ق3/1235).
5- درر العقود الفريدة (1/260،261).
6- المنهل الصافي (1/287،288).
7- الدليل الشافي (1/45).
8- شذرات الذهب (9/362،363).
9- البدر الطالع (1/36-38).
10- الأعلام (1/117).

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39