الإمام زكريا الأنصاري

الإمام زكريا الأنصاري

اسمه ونسبه:
هو الشيخ الإمام، شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السُنَيكي -نسبة إلى سُنَيكة من قرى محافظة الشرقية بمصر- المصري، الأزهري، الشافعي، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدثين، الحافظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم، العامل، والولي الكامل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والسالك إلى الله تعالى أقوم مسالك الطريقة، قاضي القضاة، وأحد سيوف الحق المنتضاة. ولد ببلده سنيكة في سنة ثلاث أو أربع أو ست وعشرين وثمانمائة (823هـ أو 824هـ أو 826هـ). وحُكِي عن الشيخ الصالح ربيع بن عبد الله السلمي أنه مرَّ يومًا بسنيكة مسقط رأس الشيخ زكريا، وإذا بامرأة تستجير به وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عليه يريد أن يكتبه موضع أبيه في صيد الصقور، فخلصه الشيخ منه، وقال لها: إن أردت خلاصه فافرغي عنه يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر، وعَليَّ كلفته، فسلمت إليه الشيخ زكريا على ذلك ليتنصل من الفلاحة، وكان عليه يومئذٍ ثوب خلق فلا زال يشتغل الشيخ زكريا حتى صار إلى ما صار إليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

نشأته:
نشأ الشيخ -رحمه الله- في بلده سنيكة، فابتدأ بحفظ القرآن ومبادئ الفقه ثم توجه إلى الجامع الأزهر سنة (841هـ) فحفظ المتون كالمنهاج والألفية والشاطبية وبعض التسهيل وشطر ألفية الحديث وغيرها ثم لم يلبث أن رجع إلى بلدته فمكث بها مدة ثم عاود القدوم إلى الأزهر فدرس العلوم كلها وتوسع فيها.

شيوخه:
أخذ شيخ الإسلام زكريا على جملة من الشيوخ نذكر منهم:
1- الإمام الرُّحَلة زين الدين أبو النعيم رضوان بن محمد بن يوسف العقبي، الشافعي (ت: 852هـ) قرأ عليه القرآن كله بقراءات الأئمة السبعة، كما قرأ عليه الشاطبية والرائية، وسمع عليه جزءًا من التيسير للداني، ومسند الإمام الشافعي، وصحيح مسلم، والسنن الصغرى للنسائي، وسمع عليه شرح معاني الآثار للطحاوي وآداب البحث، وشرح الألفية للعراقي.
2- والإمام المقرئ نور الدين علي بن محمد بن الإمام فخر الدين عثمان بن
عبد الرحمن بن عثمان المخزومي البلبيسي ثم القاهري الشافعي والمعروف بإمام الأزهر (799- 864هـ)، قرأ عليه بالسبعة كذلك.
3- الإمام العلامة زين الدين ظاهر بن محمد بن علي النويري المالكي، قرأ عليه القرآن بقراءة الثلاثة المكملة للعشرة.
4- شيخ الإسلام شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، المصري ثم القاهري المشهور بابن حجر العسقلاني، (ت: 852هـ) أخذ عنه الحديث، وقرأ عليه السيرة النبوية لابن سيد الناس، وشرح الألفية للعراقي وأكثر صحيح البخاري وسنن ابن ماجه حيث مات ابن حجر قبل إكماله، وسمع عليه أشياء كثيرة في العربية، والأدب، والأصول، والمعقولات، وكتب له في بعض إجازاته: وأذنت له أن يقرأ القرآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه، ويقدر الفقه على النمط الذي نص عليه الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه.
5- زين الدين أبو ذرٍّ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الزركشي القاهري الحنبلي، المتفرد برواية «صحيح مسلم» بعلو. تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 846هـ، وقد ناهز التسعين، أخذ عنه: «صحيح مسلم».
6- محيي الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعيد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي نزيل القاهرة، مات في جُمَادَى الثانية سنة 879هـ‍، وقد جاوز التسعين. أخذ عنه: العربية، والأدب، والأصول، والمعقولات.
7- فقيه الوقت شرف الدين موسى بن أحمد السبكي ثم القاهري.
8- شرف الدين أبو الفتح محمد بن زين الدين أبي بكر بن الحسين بن عمر القرشي العثماني المراغي القاهري الأصل المدني الشَّافِعي. تُوُفِّي في محرم سنة 859هـ، عن ثلاث وثمانين سنة. قرأ عليه في الحديث، والفقه، وغيرهما لما ورد المدينة في طريق حجه.
9- جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المحلي الأصل القاهري الشَّافِعي. مات في محرم سنة 864هـ‍.
10- الشيخ شمس الدين محمد بن علي البدشيني.
11- العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن رجب بن طَيْبُغَا القاهري الشَّافِعي المعروف بابن المجدي، (ت: 850هـ) عن أربع وثمانين سنة. أخذ عنه: الفقه، والنحو، وعلم الهيئة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة.
12- القاضي عز الدين عبد الرحيم بن المؤرخ ناصر الدين محمد بن
عبد الرحيم المصري الحنفي، المعروف بابن الفرات، تُوُفِّي في ذي الحجة سنة 851هـ‍، وقد جاوز التسعين. سمع عليه العديد من كتب الحديث.
13- العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الحجازي مختصر الروضة.
14- الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن إسماعيل الوفائي.
15- شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي، (ت: 850هـ) قرأ عليه شرح البهجة للعراقي، كما سمع عليه صحيح البخاري كله وغيره.
16- العلامة علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني القاهري. توفي في رجب سنة 868هـ‍، عن سبع وسبعين سنة.
17- الشيخ برهان الدين أبي إسحاق الصالحي قرأ عليه كتاب «التبيان في آداب حملة القرآن»، للنووي.
18- الشيخ أبو اليمن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الهاشمي العقيلي النويري المكي الشَّافِعي قاضي مكة، توفي في ذي القعدة سنة 853هـ، عن ستين سنة. أخذ عنه لما ورد مكة حاجًّا.
19- الإمام جلال الدين أبو السعادات محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن علي القرشي المخزومي المكي، ويعرف بابن ظهيرة. مات في صفر سنة 861هـ، عن خمس وستين سنة. سمع عليه الحديث عندما ورد مكة حاجًّا.
20- الإمام كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي الأصل السكندري ثم القاهري الحنفي المعروف بالكمال بن الهمام. توفي في رمضان سنة 861 هـ، عَنْ ستين سنة.
21- الشيخ بدر الدين الحسن بن محمد بن أيوب القاهري الشَّافِعي. مات في مستهل صفر سنة 866هـ‍، وقد قارب المائة.
22- الشيخ تقي الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الهاشمي الأصفوني ثم المكي الشَّافِعي، المعروف بابن فهد، تُوُفِّي في ربيع الأول سنة 871 هـ، عن أربع وثمانين سنة.
23- الإمام شرف الدين أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف الحدادي الأصل المناوي القاهري الشَّافِعي. تُوُفِّي ليلة الاثنين الثاني عشر من جمادى الثانية سنة 871 هـ، وقد جاوز السبعين.
24- الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن كمال الدين محمد بن محمد بن حسن القسنطيني الأصل السكندري ثم القاهري الشمني الحنفي، مات في ذي الحجة سنة 872 هـ‍، وقد جاوز الستين. قرأ عليه في النحو واللغة.
25- الإمام تقي الدين الحصكفي الحنفي.
26- شرف الدين بن الخشاب أخذ عنه الطب.
27- زين الدين بن عياش أخذ عنه رسوم الخط.
28- الإمام شمس الدين الشرواني. سمع عليه هو وعماد الدين إسماعيل الكردي شرح المواقف بقراءة جمال الدين يوسف الكوراني. كما قرأ عليه الفصول الحكمية.
29- الشيخ محمد بن قرقمازي الحنفي أخذ عنه علم الحرف.
30- الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن صدقة الحنبلي. قرأ عليه صحيح البخاري.

كما أخذ طريق التصوف والذكر عن جماعة منهم:
31- الشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن علي الأذكاوي، ولبس على يديه الخرقة الصوفية، وهو من أصحاب أبي إسحاق الأذكاوي الذي أخذ عن سراج الدين البلقيني.
32- والشيخ أبي الفتح محمد بن أبي أحمد الغزي.
33- الشيخ أبي حفص عمر بن علي النبتيتي.
34- الشيخ الفقيه أحمد بن الفقيه علي بن محمد بن حميد الدمياطي الشهير بابن الزلباني.
35- الشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي التميمي الخليلي.
36- السيد أبو عبد الله محمد بن عمر الواسطي، الغمري، الشافعي أخذ عنه الطريق وهو أخذه عن الشيخ أحمد الزاهد صاحب الستين مسألة في الفقه، وسافر إليه شيخ الإسلام زكريا وهو بالمحلة الكبرى بمصر، وأقام عنده أربعين يومًا، وقرأ عليه كتاب «قواعد الصوفية» له كاملا، ثم رجع إلى مصر. وقد تلقن من هؤلاء الشيوخ الذكر، وأذنوا له بالتلقين والإلباس.
37- وأذن له جماعة من شيوخه وغيرهم بالتدريس والإفتاء وأجازه خلائق يزيدون على مائة وخمسين نفسًا ذكرهم في ثبته.

صفاته وأخلاقه
كان شيخ الإسلام زكريا مضرب المثل في حسن الخلق، وكان غاية في الانهماك في طلب العلم، حكى الشيخ عبد الوهاب الشعراني، عن الشيخ -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: جئت من البلاد وأنا شاب، فلم أعكف على الاشتغال بشيء من أمور الدنيا، ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق. ثم إن الله تعالى قيض لي شخصًا من أولياء الله تعالى كان يعمل في الطواحين في غربلة القمح، فكان يتفقدني ويشتري لي ما أحتاج إليه من الأكل والشرب والكسوة والكتب، ويقول لي: يا زكريا لا تخف عني من أحوالك شيئًا، فلم يزل معي كذلك عدة سنين، فلما كان ليلة من الليالي أخذ بيدي والناس نائمون. وقال لي: قم معي، فقمت معه فأوقفني على سلم الوقادة الطويل بالجامع، وقال: اصعد هذا الكرسي، فلم يزل يقول لي اصعد إلى آخر درجة. ثم قال: انزل، فنزلت، فقال لي: يا زكريا إنك تعيش حتى تموت أقرانك، ويرتفع شأنك، وتتولى مشيخة الإسلام مدة طويلة وترتفع على أقرانك، وتصير طلبتك مشايخ الإسلام في حياتك حتى يكف بصرك، قلت: ولا بد لي من العمى. فقال: لا بد، ثم انقطع عني فلم أره بعد ذلك.

وكان -رضي الله تعالى عنه- بارعًا في سائر العلوم الشرعية وآلاتها حديثًا، وتفسيرًا، وفقهًا، وأصولا، وعربية، وأدبًا، ومعقولا، ومنقولا. فأقبلت عليه الطلبة للاشتغال عليه، وعمَّر حتى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام، وقرت عينه بهم في محافل العلم ومجالس الأحكام، وقصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام.

وولي الجهات والمناصب، وولاه السلطان قايتباي قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد إلحاح من السلطان، ثم عزل عن القضاء بسبب كتابته على بعض أمور أجراها السلطان بأنها ظلم، وزجره عنها تصريحًا وتعريضًا. وعاش عزيزًا مكرمًا محظوظًا في جميع أموره دينًا ودنيا بحيث قيل: إنه حصل له من المناصب والدروس والمرتبات والأملاك -قبل دخوله في منصب القضاء- كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، وجمع من الأموال، والكتب النفيسة ما لم يتفق لمثله. قال: ومتع بالقول على ملازمة العلم والعمل ليلا ونهارًا مع مقاربة مائة سنة من عمره من غير كلل ولا ملل مع عروض الانكفاف له. بحيث شرح البخاري جامعًا فيه ملخصًا عشرة شروح، وحشى تفسير البيضاوي في هذه الحالة، وكان يحب من الطلبة من يسوق له عبارات الكتب، فيأمره بكتابة ما يراه منها، ويطلب منه تحريرها من غير ضجر، وكان يُقرأ عليه الدروس ومروياته في الحديث، ويراجع مصنفاته فيصلحها ويحررها المرة بعد الأخرى إلى آخر وقت، وكان رجاعًا إلى الخير، منقادًا للمعروف، ولو من الأداني، منصفًا لمن حوله ولو صغيرًا، غير متكثر بالعلوم والمشيخة، ضابطًا لأوقاته غير مضيع لعمره، سليمًا من العوارض والعواطل.
    وقد رزق الشيخ -رضي الله عنه- حظًا وافرًا وتكاثرت عليه صغار الطلبة، والمشايخ الكمل، ووسع الناس، واستجلبهم بقبول ما يأتون، والتوجه إلى ما يبدون.

وقد كان -رضي الله تعالى عنه- يتأسف على تولية القضاء. قال الشعراني: قال في مرة إنها كانت غلطة. فقلت له: ما هي؟ فقال لي: توليتي للقضاء صيرتني وراء الناس مع أني كنت مستورًا، قال: فقلت له: يا سيدي إني سمعت بعض الأولياء يقول: كانت ولاية الشيخ للقضاء سترًا لحاله لما شاع عند الناس من صلاحه وزهده وورعه ومكاشفاته. فقال: الحمد لله لقد خففت عني يا ولدي. وكانت أول شهرته بالصلاح والولاية في أيام السلطان خشقدم، وذلك أنه كان في باب النصر رجل مشهور بالصلاح، فمر عليه السلطان خشقدم، فوقف عليه يزوره، فقال للسلطان: إذا كان لك حاجة. فاسأل فيها الشيخ زكريا، فركب السلطان فزاره، فأسرعت الناس إليه، فمن ذلك اليوم اشتهر بالصلاح.

وذكر الشعراني في طبقاته الكبرى والوسطى وغيرهما جملة من كراماته. منها: أنه دعا لأعمى مرة، فأبصر. وحكى غير واحد أن الشيخ دخل إلى الغوري في حادثة تعصب الغوري فيها، فعلم الغوري بأن الشيخ جاء في ذلك، فأمر البوابين، فوضعوا السلسلة على بابه، فجاء الشيخ وهو راكب على بغلته، فقطع السلسلة بكراسة كانت في يده من غير اكتراث ثم دخل ودخل الناس معه.

وبالجملة فقد صار أمثل أهل زمانه وأرأس العلماء من أقرانه، ورزق البركة في عمره، وعلمه وعمله، وأعطي الحظ في مصنفاته وتلاميذه حتى لم يبق بمصر إلا طلبته وطلبة طلبته، وقرئ عليه شرحه على البهجة سبعًا وخمسين مرة حتى حرره أتم تحرير، ولم ينقل ذلك عن غيره من المؤلفين.

وكان الشيخ مع ما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالا، واستعمالا وإفتاءً، وتصنيفًا، ومع ما كان عليه من مباشرة القضاء، ومهمات الأمور، وكثرة إقبال الدنيا؛ لا يكاد يفتر عن الطاعة ليلا ونهارًا، ولا يشتغل بما لا يعنيه، وقورًا، مهيبًا، مؤانسًا، ملاطفًا يصلي النوافل من قيام مع كبر سنه وبلوغه مائة سنة وأكثر، ويقول: لا أعود نفسي الكسل، حتى في حال مرضه كان يصلي النوافل قائمًا، وهو يميل يمينًا وشمالا لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له في ذلك. فقال: يا ولدي النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك، وكان إذا أطال عليه أحد في الكلام يقول له: عجِّل قد ضيعت علينا الزمان، وكان إذا أصلح القارئ بين يديه كلمة في الكتاب الذي يقرأه ونحوه يشتغل بالذكر بصوت خفي قائلا. الله الله لا يفتر عن ذلك حتى يفرغ، وكان قليل الأكل لا يزيد على ثلث رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول؛ إنما أخص خبزها بالأكل؛ لأن صاحبها كان من الملوك الصالحين، وذكر أنه عمَّرها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان -رضي الله تعالى عنه- كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعة يرتب لهم من صدقته ما يكفيهم إلى يوم، وإلى جمعة، وإلى شهر، وكان يبالغ في إخفاء ذلك حتى كان غالب الناس يعتقدون في الشيخ قلة الصدقة.

قال المسند زين الدين بن الشماع -وكان قد رحل إلى مصر، وأخذ عن الشيخ زكريا وغيره- قال: أول ما اجتمعت به قال لي: ما اسمك؟ قلت: عمر، فترنم لهذا الاسم، ثم قال: والله يا سيدي أنا أحب عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وأحب من اسمه عمر لأجل سيدي عمر. قال ابن الشماع: ثم ذكر لي منامًا رآه حاصله أنه رأى سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في منامه وهو طوال، قال: فقلت له: اجعلني في صدرك أو في قلبك. فقال له سيدنا عمر-رضي الله تعالى عنه- يا زكريا أنت عين الوجود، ثم ذكر لي أنه استيقظ، وهو يجد لذة هذه الكلمة.

وكان لشيخ الإسلام زكريا ذوق في فهم كلام القوم يشرح كلام أهل الطريق على أتم وجه، ويجيب عنه الأجوبة الحسنة إذا أشكل على الناس شيء منه، وكان يقول: الفقيه إذا لم يكن له معرفة بمصطلح ألفاظ القوم فهو كالخبز الحاف بغير أدم، ورفع إليه سؤال عن بيت من كلام بعض العارفين  صورته:
 

أمولانا شيخ العلم والفضل والحجى ومن حوله أحداق راجية محدقه
ومن هو في التوحيد حقًّا، وأهله بصير نصير سحب جدواه مغدقه
ومن لاذ وفد السائلين ببابه فأولاهم كنز العلوم وأنفقه
ومن هو قطب حل دائرة النهى عليه مدار العلم حين تحققه
أبن موضحًا معنى لبيت يلي الذي  يليه بمدحي من معانيه مشرقه
محمد المختار أزكى الورى، ومن على فضله كل البرايا مصدقه
هو السر في الدارين، والنقطة التي  لها حرف جمع أعجمت منه تفرقه
فذا مدح بعض العارفين لوصفه  ولم يدر معناه البديع ورونقه
عليه مع الآل الكرام وصحبه سلام متى ناحت بأيك مطوقه

فأجاب -رضي الله تعالى عنه-: بأن السر هو الأكمل، والنقطة القطب، والحرف الطرف، والجمع هذا الأنبياء، وهمزة أعجمت للسلب، ويقال: أعجمت الكتاب أزلت عجمته، وتفرقة مفعول له، ويحتمل أن يراد بالنقطة نقطة حرف الهجاء، وبالجمع الكلمات على إرادة التشبيه البليغ أي هو كالنقطة التي بها أزيلت عجمة حروف الكتابة، فإنه صلى الله عليه وسلم أزيلت أيضًا به العجمة من ريب وغيره من الكتاب المنزل عليه، والمعنى على الأول أنه صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق، وقطبهم الذي به -أي بكونه قطبًا- صار طرف الأنبياء وخاتمهم، وأزيلت به العجمة عن الكتاب المنزل تفرقة بين الحق والباطل. قال: وحاصله نظمًا:
 

محمد في الدارين أكمل خلقه تعالى، وقطب الأنبياء
وخاتم رسل الله، وهو الذي به أزيلت جميع المعجمات

وكان شعر الشيخ -رضي الله تعالى عنه- متوسطًا، ومنه ما رواه عنه شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في المواضع التي تباح فيها الغيبة:
 

وتباح غيبة لمستفت ومن رام إغاثة لدفع منكر
ومعرِّف متظلم متكلم في معلن فسقًا مع المحذر

وقال - رضي الله تعالى عنه - متوسلا:
 

إلهي ذنوبي قد تعاظم خطرها وليس على غير المسامح متكل
إلهي أنا العبد المسيء، وليس لي سواك، ولا علم لدي ولا عمل
إلهي أقلني عثرتي وخطيئتي لأني يا مولاي في غاية الخجل
إلهي ذنوبي مثل سبعة أبحر ولكنها في جنب عفوك كالبلل
ولولا رجائي إن عفوك واسع وأنت كريم ما صبرت على زلل
إلهي بحق الهاشمي محمد أجرني من النيران إني في وجل
وباللطف والعفو الجميل تولني وبالخير، فامنن عند خاتمة الأجل


وجملة ما حصل للشيخ من المناصب:
1- التدريس بمقام الإمام الشَّافعي والنظر على أوقافه، ولم يكن بمصر أرفع منصبًا من هذا التدريس، ثم انضم إليه النظر على القرافة كلها.
2- مشيخة خانقاه الصوفية.
3- مشيخة مدرسة الجمالية.
4- منصب قاضي القضاة، وكان ذلك بعد امتناع طويل، في سلطنة خشقدم ولما ولي السلطنة قايتباي أصر على توليه قضاء القضاة فقبل، وكان ذلك في سنة 886 هـ، واستمر مدة ولاية قايتباي وبعدها. 

وذكر العيدروس أن سبب عزله عن هذا المنصب إصابته بالعمى، وجمهور الفقهاء على أن القاضي يعزل بفقدان البصر، في حين أن الغزي والشوكاني يذكران أن سبب عزله زجر السلطان عن ظلمه، وأغلب الظن أن هذا السلطان هو محمد ولد السلطان قايتباي الذي تسلطن بعد والده. وتحديد وقت عزله يكتنفه الغموض، ولكنه لا يتعدى سنة 906 هـ‍، ولم يعلم تحديدًا تاريخ فقده لبصره، وكان السلطان قد طلب منه العودة إلى منصبه لكنه رفض، إلى حين إصابته فترك السلطان الإلحاح عليه.

وكان الشيخ له تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عن الحد، ورويته أحسن من بديهته، وكان السخاوي يرى أن كتابته أمتن من عبارته حتى سمع أصحابه شرح شيخ الإسلام لألفية العراقي في الحديث فتغير رأيه في ذلك وبان له خطؤه.

وكان -رضي الله عنه- مستجاب الدعوة فما يدعو بدعاء إلا واستجيب، ولم ينفك عن الاشتغال بالعلم على طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عن بني الدنيا مع التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة. وقد عدَّه جملة من العلماء المجدد على رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع به وبتصانيفه.

وقال السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفًا، مع الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت.

وقال ابن حجر الهيتمي في كلامه عن شيوخه: وقدَّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عنه رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فهو عمدة العلماء الأعلام، وحجة الله على الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعي على كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف ولم يوجد في عصره إلا من أخذ عنه مشافهة أو بواسطة أو بوسائط متعددة، بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة، وعن غيره مِمَّن بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد من عصره، فنعم هذا التميز الذي هو عند الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز به سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عنه ودوام الانتفاع.


تلاميذه:
تتلمذ على شيخ الإسلام زكريا من لا يحصى كثرة من الطلبة، نذكر ممن نبغ منهم:
1- الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو عبد الله عبد القادر -أبو عبيد- بن حسن الصافي، القاهري الشَّافِعي. (ت: 931 هـ).
2- والشيخ العلامة فقيه مصر شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشَّافِعي. (ت: 957 هـ).
3- وولده العلامة شمس الدين الرملي.
4- والشيخ العلامة الإمام مفتي الحجاز، وعالمها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشَّافِعي. (ت: 973 هـ‍ أو 974 هـ)‍.
5- الشيخ العلامة الصالح نور الدين النسفي المصري، ثم الدمشقي ولد الشيخ زكريا.
6- حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي الناشري اليمني الشَّافِعي الأديب. (ت: 926 هـ).
7- تاج الدين عبد الوهاب الدنجيهي المصري الشَّافِعي الكاتب النحوي. (ت: 932هـ).
8- شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي الشَّافِعي (ت: 932 هـ).
9- أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشَّافِعي نزيل دمشق. (ت:934 هـ)‍.
10- الإمام العلامة فخر الدين عثمان السنباطي الشَّافِعي. (ت: 937 هـ).
11- شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد المقدسي الشَّافِعي. عرف بابن العجيمي، العلامة المحدِّث الواعظ. (ت: 938 هـ).
12- قاضي القضاة ولي الدين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدِّمَشْقِي. (ت: 937 هـ).
13- مفتي بعلبك محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي الشَّافِعي، (ت: 941هـ).
14- الإمام العلامة المحقق الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي الشَّافِعي. (ت: 945 هـ).
15- الشيخ الإمام المحدث علاء الدين أبو الحسن علي بن جلال الدين محمد البكري الصديقي الشَّافِعي. (ت: 952 هـ)‍.
16- الإمام العلاَّمة الورع الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمادة. (ت: 953 هـ)‍.
17- الشيخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن العلاَّمة زين الدين حسن بن عبد الرحمن بن محمد الحلبي الشافعي، المشهور بابن العمادي. (ت: 954هـ)‍.
18- الإمام العلاَّمة محب الدين أبو السعود محمد بن رضي الدين محمد بن عَبْد العزيز بن عمر الحلبي الشَّافِعي. (ت: 956 هـ).
19- الإمام القاضي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن قاضي القضاة زين الدين عَبْد الرحمن الحلبي الحنفي. المعروف بابن الحنبلي (ت: 959هـ).
20- بدر الدين حسن بن يحيى بن المزلق الدِّمَشقي الشَّافِعي، الإمام المحقق. (ت: 966 هـ).
21- الإمام باكثير عبد المعطي بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المكي الحضرمي الشَّافِعي. (ت: 989 هـ).
22- الشيخ الصالح العلاَّمة شهاب الدين أحمد بن الشيخ بدر الدين العباسي المصري الشَّافِعي. (ت: 992 هـ)‍.
23- الشيخ الإمام نور الدين المحلي.
24- الشيخ الإمام مجلي.
25- الشيخ الفقيه عميرة البرلسي.
26- الشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي.
27- الشيخ العلامة مفتي البلاد الحلبية البدر بن السيوفي.
28- الشيخ العلامة شهاب الدين الحمصي.
29- الشيخ العلامة بدر الدين العلائي الحنفي.
30- الشيخ العلامة شمس الدين الشبلي.
31- الشيخ الصالح الولي عبد الوهاب الشعراني.

مؤلفاته:
وقد رزق الشيخ -رحمه الله- جودة التآليف مع الكثرة واشتهر منها ما يلي:
1- أسنى المطالب في شرح روض الطالب، وهو شرح على روض الطالب في الفقه الشافعي لابن أبي بكر المقري اليمني والذي هو مختصر لروضة الطالبين، وقد ختم شيخ الإسلام تحقيقه بين يدي مؤلف المتن الشيخ المقري وذلك في سنة 892هـ، وهو شرح حافل نفيس اعتلى به شيخ الإسلام ذرى التقدم والرقي، وقد طرب له العلماء وأنزلوه المحل الأعلى واعتنوا به أيما عناية واشتغلوا به إقراء وتدريسًا في الأزهر وغيره من معاهد العلم زمانًا مديدًا وكتبوا عليه الحواشي والتحريرات، ومن أجلها حاشية العلامة شهاب الدين أحمد الرملي التي جردها الشيخ شمس الدين الشوبري، طبع بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1313هـ.
2- الغرر البهية في شرح البهجة الوردية. وهو شرحه الكبير على النظم المسمى بهجة الحاوي والمشهور بالبهجة الوردية لابن الوردي (ت: 747هـ) الذي نظم فيه الحاوي الصغير لنجم الدين القزويني، وفرغ من نظمه سنة 730هـ، وقد فرغ شيخ الإسلام زكريا من تأليفه سنة 867هـ، وهو كتاب حافل نفيس عديم النظير في بابه ولم ينسج على منواله وقد اعتنى به العلماء إقراء وتدريسًا وكتبوا عليه الحواشي الماتعة والتقارير النافعة فمنها: حاشية شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي، وحاشية العلامة الشيخ عبد الرحمن الشربيني وتقريره أيضًا على الحاشية، وقد طبع الكتاب مع تلكما الحاشيتين وذلك التقرير في خمسة مجلدات كبار بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1318هـ.
3- خلاصة الفوائد الح8مدية في شرح البهجة الوردية. وهو شرحه الصغير على البهجة الوردية لابن الوردي، اختصره من شرحه الكبير السابق. مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
4- تحرير تنقيح اللباب. اختصار لتنقيح اللباب في الفقه. وقد شرحه العلامة زين الدين عبد الرؤوف المناوي (ت: 1031هـ).
5- تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب. شرح لمختصره السابق. وقد اعتنى به العلماء تدريسًا وإقراء وكتبوا عليه الختوم الحافلة والحواشي النافعة، فمنها: حاشية للشيخ العلامة عبد الله بن حجازي الشهير بالشرقاوي، وقد طبع الشرح مع الحاشية بمطبعة بولاق سنة 1275هـ ثم بها سنة 1286هـ، ثم بها أيضًا سنة 1298هـ، ثم بالمطبعة الأزهرية 1309هـ، وحاشية الشيخ العلامة شمس الدين الشوبري والشيخ خضر الشوبري، وحاشية الشيخ القليوبي، وحاشية الشيخ حسن المدابغي (ت: 1170هـ)، وحاشية الشيخ الأجهوري المسماة «منحة الأحباب» فرغ من تأليفها سنة 1042هـ، وحاشية الشيخ يحيى بن شرف الشامي، وغيرها من الحواشي.
6- منهج الطلاب، متن في فقه الشافعية، وهو مختصر لمنهاج الطالبين للإمام النووي، وهو متن محكم متين، طبع طباعة حجرية بالقاهرة سنة 1287هـ ثم بمطبعة بولاق سنة 1285هـ ثم بها أيضًا 1294هـ وتكرر طبعه مع شرحه الآتي.
7- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. شرح على متنه السابق. وقد اعتنى به العلماء أيما عناية وتناولوه بالإقراء والتدريس وظل من عمد تدريس المذهب الشافعي في الأزهر سنين طوالا، وكتبوا عليه الحواشي الرائقة والتحريرات الفائقة، فمنها حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد عميرة البرلسي وأجل تلامذته شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي، وحاشية الشيخ عبد البر الأجهوري، وحاشية العلامة أبي الضياء نور الدين علي الشبراملسي، وحاشية الشيخ شمس الدين محمد الأطفيحي، وحاشية العلامة سليمان البجيرمي المسماة التجريد لنفع العبيد، وحاشية الشيخ البراوي المسماة نتائج الألباب على شرح منهج الألباب، وحاشية الشيخ البرماوي، وحاشية العلامة الشيخ محمد الجوهري الكبير علقها مما سمعه من شيخه العلامة شمس الدين الشوبري وأخيه، وحاشية الإمام سليمان الجمل المسماة فتوحات الوهاب، وحاشية العلامة محمد بن يحيى بن علي الخباز، وحاشية العلامة نور الدين علي الزيادي، وحاشية الشيخ ناصر الدين الطبلاوي، وغيرها من الحواشي. وقد طبع الكتاب في جزأين بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1305هـ وعلى هامشها متن منهج الطلاب، ثم بها أيضًا سنة 1315هـ مع تقريرات للسيد مصطفى الذهبي المسمى «الرسالة الذهبية في المسائل الدقيقة المنهجية» ثم بها ثالثا سنة 1323هـ. وطبع مع حاشية الشيخ الجمل في خمسة مجلدات بالمطبعة الميمنية أيضًا سنة 1305هـ، وطبع مع حاشية البجيرمي بمطبعة شاهين بالقاهرة سنة 1280هـ في ثلاثة مجلدات، ثم ببولاق سنة 1286هـ في أربعة مجلدات، ثم بها أيضًا عام 1292هـ.
8- أدب القاضي على مذهب الإمام الشافعي.
9- إحكام الدلالة على تحرير الرسالة. شرح فيه الرسالة القشيرية في التصوف. فرغ من تأليفه سنة 893هـ، وقد اعتنى به العلماء عناية فائقة ووقع منهم موقعًا حسنًا، وكتب عليه الشيخ مصطفى بن محمد الصغير العروسي (ت: 1293هـ) -شيخ الجامع الأزهر في وقته- حاشية ماتعة أسماها «نتائج الأفكار القدسية في بيان معاني شرح الرسالة القشيرية» طبعت مع الشرح المذكور بمطبعة بولاق سنة 1290هـ في أربعة أجزاء.
10- الأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة. شرح على القصيدة المنفرجة لأبي الفضل يوسف بن محمد التوزري الشهير بابن النحوي، طبع طباعة حجرية بالإسكندرية سنة 1288هـ.
11- بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. شرح على متن شذور الذهب في النحو لابن هشام، فرغ من تأليفه سنة 882هـ، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
12- لب الأصول. اختصره من جمع الجوامع للإمام ابن السبكي، وهو مختصر محكم متين، طبع بالمطبعة الحسينية بالقاهرة سنة 1327هـ.
13- غاية الوصول بشرح لب الأصول. شرح له على متنه السابق فرغ منه سنة 902هـ، طبع بالمطبعة الميمنية بالقاهرة سنة 1330 هـ.
14- التحفة العلية في الخطب المنبرية.
15- تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر. مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
16- تلخيص الأزهية في أحكام الأدعية للزركشي.
17- تلخيص أسئلة القرآن وأجوبتها لأبي بكر الرازي.
18- حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع. مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
19- حاشية على التلويح شرح التوضيح في أصول الفقه لسعد الدين التفتازاني، طبعت بالهند طبعة حجرية سنة 1292هـ.
20- حاشية على شرح البهجة لولي الدين بن العراقي.
21- فتح الرحمن بشرح لقطة العجلان وبلة الظمآن للزركشي (ت:794هـ). في أصول الفقه، وقد طبع بمطبعة النيل بالقاهرة سنة 1328هـ، ثم بالمطبعة الأزهرية سنة 1329هـ، ثم بمطبعة مصطفى الحلبي سنة 1355هـ.
22- الدقائق المحكمة في شرح المقدمة، شرح على المقدمة الجزرية في التجويد لشمس الدين بن الجزري (ت: 833هـ). طبعت طبعة حجرية بالقاهرة سنة 1283هـ ثم بالمطبعة الحميدية بالقاهرة سنة 1315هـ ثم توالى طبعها.
23- الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة. وهو شرح على البردة للبوصيري، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
24- شرح البسملة والحمدلة.
25- تحفة الباري شرح الجامع الصحيح للبخاري. وهو شرح حافل لصحيح البخاري، طبع بالمطبعة الميمنية بالقاهرة 1326هـ في اثني عشر مجلدًا مع إرشاد الساري للقسطلاني.
26- شرح الأربعين النووية. مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
27- غاية الوصول إلى شرح الفصول. شرح فيه الفصول في علم الفرائض لابن الهائم، ومزج فيه الشرح بالمتن.
28- منهج الوصول إلى تخريج الفصول. شرح آخر له على نفس الكتاب السابق غير أنه لم يمزج فيه بين الشرح والمتن، وهو أبسط من السابق.
29- الفتحة الأنسية لغلق التحفة القدسية. شرح له على منظومة ابن الهائم في الفرائض والمسماة بالتحفة القدسية، وهي غير الكتاب السابق، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
30- نهاية الهداية في تحرير الكفاية. شرح له على ألفية ابن الهائم المسماة بالكفاية.
31- فتح الباقي بشرح ألفية العراقي. نص عليه غير واحد.
32- فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل. حاشية على تفسير البيضاوي، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
33- فتح رب البرية في شرح القصيدة الخزرجية. شرح على منظومة ضياء الدين الخزرجي الأندلسي في علم العروض، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
34- فتح الرحمن بشرح رسالة الولي رسلان في التصوف. شرح له على الرسالة الرسلانية للشيخ رسلان الدمشقي، طبع بمطبعة جريدة الإسلام بالقاهرة سنة 1317هـ، ثم طبع بدمشق بعد ذلك.
35- فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن. طبع بمطبعة بولاق على هامش تفسير السراج المنير للخطيب الشربيني ثم طبع بأخرة محققًا تحقيقًا علميًّا لأحد الأساتذة بجامعة الأزهر.
36- فتح الوهاب بشرح الآداب. شرح على رسالة شمس الدين السمرقندي في آداب البحث والمناظرة، فرغ من تأليفه سنة 868هـ، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
37- فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام. مخطوط بالرباط.
38- الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية. في التصوف، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.
39- اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم. رسالة ضمنها الكلام على العلوم وحدودها وفوائدها وشروط تعلمها، طبع بمطبعة الموسوعات بالقاهرة سنة 1319هـ.
40- المطلع. شرح على إيساغوجي لأثير الدين الأبهري في علم المنطق، فرغ من تأليفه سنة 875هـ، طبع بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1282هـ، ثم بها سنة 1283هـ، ثم بالمطبعة الحسينية سنة 1328هـ، ثم بالجمالية سنة 1329هـ.
41- المقصد لتلخيص ما في المرشد. لخصه من المرشد في الوقف والابتداء للحسن بن علي العماني. طبع بالمطبعة الكاستيلية بالقاهرة سنة 1286هـ ثم 1291هـ ثم بالمطبعة الشرفية بالقاهرة سنة 1301هـ ثم بمطبعة مصطفى محمد بالقاهرة سنة 1313هـ.
42- المناهج الكافية في شرح الشافية. شرح على الشافية في الصرف لابن الحاجب، طبع بالآستانة سنة 1310هـ في مجلدين.

وفاته:
كانت وفاته -رضي الله تعالى عنه- يوم الأربعاء ثالث شهر ذي الحجة -وقيل: ذي القعدة ولعل الأول أصح؛ لأن قائله شاهد عيان وهو ابن إياس في بدائع الزهور- والجمهور على أنها كانت سنة 926 هـ، عن مائة وثلاث سنوات، وغسل في صبيحة يوم الخميس، وكفن وحمل ضحوة النهار ليصلى عليه بالجامع الأزهر في محفل من قضاة الإسلام، والعلماء، والفضلاء، وخلائق لا يحصون، واجتمع بالجامع الأزهر وحوله جم غفير اغتنامًا للصلاة عليه، وقاربوا أن يدخلوا به وإذا برسل ملك الأمراء يحمله إلى سبيل أمير المؤمنين ليظفر بالصلاة عليه، وكان الشيخ عبد الوهاب الشعراني قد رأى قبل موته منامًا وقصه عليه، وكان الشيخ قد كاشفه به قبل أن يخبره حيث قال له يومًا، وهو بين يديه يطالع له في شرح البخاري: قف واذكر لي ما رأيت في هذه الليلة، فقال له: رأيت أني معكم في مركب، وأنت جالس عن يسار الإمام الشافعي، فقلت لي: سلم على الإمام، فسلمت عليه، ودعا لي والمركب مقلعة في بحر مثل عباب النيل، ورأيت المركب كلها مفروشة بالسندس الأخضر وكذلك القلع والحبال كلها حرير أخضر ومتكآت خضر، فلا زلنا مقلعين حتى انتهينا إلى جنينة عظيمة أصولها في ساحل البحر، وثمارها مدلاة من شراريف الحائط. قال: وطلعت أنا من المركب إلى البستان، فرأيت حورًا حسانًا يجنين من الزعفران في قفاف بيض على رؤوسهن كل قمعة من الزعفران قدرها في الجرم إسباطة البلح. فاستيقظت. فقال له شيخ الإسلام زكريا. إن صح منامك، فإني سوف أدفن بالقرب من الإمام الشافعي، وكان حاضرًا بالمجلس حينئذ الشيخ جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري، فلما توفي شيخ الإسلام زكريا فتحوا له فسقية في باب النصر، فقال الشيخ جمال الدين الصافي للشعراني: أين رؤياك؟ قال: فقلت له: إن الشيخ قال: إن صحت رؤياك. قال: فبينما نحن كذلك، وقد كفن الشيخ، وما بقي إلا حمله جاء قاصد ملك الأمراء خاير بيك، فقال: إن ملك الأمراء ضعيف، ولا يستطيع أن يأتي إلى باب النصر، ويريد أن تحملوه إلى سبيل المؤمنين ليصلى عليه، فحمل إلى الرميلة، وصلي عليه هناك، فلما صلوا عليه قال ملك الأمراء: ادفنوه عند الإمام الشافعي -رضي الله تعالى عنه- ثم حمل نعشه ملك الأمراء وغيره، ومشى أمامه الأمير جانم الحمزاوي، والقضاة، والعلماء، والأمراء، والخاص، والعام. وكانت جنازته مشهودة ما رأيت أكثر خلقًا منها، ودفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإمام الشافعي في فسقية جديدة أنشأها القاضي شرف الدين -قريب بن أبي المنصور- لنفسه -رحمه الله تعالى- وصلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي بدمشق.
ورثاه بعضهم فقال:
 

قضى زكريا نحبه فتفجرت عليه عيون النيل يوم حمامه
لتعلم أن الدهر راح إمامه وما الدهر يبقى بعد فقد إمامه
سقى الله قبرًا ضمه مزن صيب عليه مدى الأيام سح غمامه

ومدحه القاضي بهاء الدين محمد بن يوسف بن أحمد فقال:
 

ليس قلبي بسقم جفنيه يقوى فضعيفان يغلبان قويا
فخلاصي من الغرام عزيز وسلوي خلصت منه نجيا
فعسى ذكر رحمة من إلهي لي في حب عبده زكريا
شافعي الزمان قاضي القضاة قد تلقى الحكم العزيز وليا
هو شيخ الإسلام، وهو إمام كان يقتدى به مهديا
قمع الله حين آتاه حكمًا كل من كان ظالمًا مقضيا
ملأ القلب هيبةً وجلالا وعيون الورى جمالا مليا
وله العلم حلة وشعار ولهذا في المجد أضحى سنيا
عالما عاملا جليلا جميلا خاشعًا ناسكًا عزيزًا أبيا
عابدًا زاهدًا إمامًا كبيرًا محسنًا مخلصًا كريمًا سريا
أمة قانتًا حنيفًا منيبًا خاضعًا مخبتًا وفيًّا صفيا
ملأ الخافقين في العلم حتى سار عنه معنعنًا مرويا
هو ممن يتلى الكتاب عليهمو فيخرون سجدًا وبكيا
ولهذا قد حل من كل حال ومقام سام مكانًا عليا


مصادر الترجمة:
1- الضوء اللامع (3/234- 238).
2- بدائع الزهور (3/1210، 1211).
3- البدر الطالع ( 1/175، 176).
4- النور السافر (120- 124).
5- الكواكب السائرة (1/196- 207).
6- شذرات الذهب (10/ 186- 188).
7- الخطط التوفيقية (12/62، 63).
8- فتح الباري بذكر ما اختص الله به الشيخ زكريا الأنصاري، لمراد بن يوسف الرومي الأزهري، مخطوط بالمكتبة الأزهرية.

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39