اسمه ونسبه:
هو الإمام الفاضل العلامة السيد الشريف أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني الحسيني المحقق الحنفي وُلِدَ في 24 من شعبان سنة 740 هـ الموافق 2 من مارس 1340م بمدينة تاكو التابعة لولاية أستراباذ بجرجان. ويُعرف بـ "السيد الشريف" لأنه من أولاد محمد بن زيد الداعي (المتوفى 287ه/ 900م) والذي هو من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، بينه وبينه ثلاثة عشر أبًا.
حياته ورحلاته في طلب العلم:
تلقى مبادئ العلوم في بلاده، ثم رحل قبل سنة 762هـ -على أغلب الظن- إلى هراة حيث يقيم قطب الدين الرازي التحتاني ليقرأ عليه كتابيه في المنطق "شرح الشمسية" و"شرح المطالع" فاعتذر له الشيخ بعد مدة لكبر سنِّه وأوصاه بأن يذهب إلى مصر حيث يقيم تلميذه مبارك شاه المبرز في علم المنطق ليقرأ عليه.
وفي طريقه إلى مصر مرَّ ببلاد الأناضول، ورام الأخذ عن الشيخ جمال الدين الأقسرائي، الذي سمع بصيته وثناء الناس عليه بأنه أنجح في التدريس منه في التأليف فلما بلغ أقسراي وجده قد توفي، فواصل سيره إلى مصر مع الملا فناري تلميذ الأقسرائي ومكث بمصر قرابة عشر سنوات، حيث تلقى العلوم العقلية عن مبارك شاه والعلوم النقلية عن أكمل الدين البابرتي. وكان من زملائه هناك الشيخ بدر الدين السيماوي، والشاعر أحمدي، والطبيب حاجي باشا. وفي تلك الأثناء ألَّف حاشية على شرح مطالع الأنوار لقطب الدين الرازي. وبعد أن أكمل دراسته عاد إلى بلاده مرورًا بمدينة بروسة، مركز الدولة العثمانية في ذلك الزمان وبعد رجوعه إلى بلاده قدَّمه في شيراز الشيخ الإمام سعد الدين التفتازاني إلى سلطان البلاد "شاه شجاع" فعينه مدرسًا في مدرسة دار الشفاء. وهناك تصدى للإقراء والإفتاء إلى جانب التأليف لمدة عشر سنوات، واشتهر ذكره جدًّا في بلاد العجم خاصة في العلوم العقلية. ولمَّا استولى تيمورلنك على شيراز حمله معه رغمًا عنه سنة 789ه (1387م) إلى سمرقند حيث لبث ثمانية عشر عامًا رئيسًا للمدرِّسين. وصنف عددًا كبيرًا من المؤلفات، وجرت بينه وبين علماء ما وراء النهر وبخاصة التفتازاني مباحثات ومحاورات وزاد نجاحه فيها اعتباره لدى تيمورلنك والعلماء. ولقي في سمرقند الشيخ الخوجة علاء الدين العطار البخاري وهو من خلفاء الشيخ الولي بهاء الدين نقشبند -قدس الله روحه- وأثار فيه هذا اللقاء ميلاً إلى التصوف فانتسب للطريقة النقشبندية. ونشأت صداقة بينه وبين مولانا نظام الدين خامُوش، واشترك في مجالسه التصوفية. ولما مات تيمورلنك عام (807ه /1405م) سادت الفوضى والفتن في سمرقند، فعاد السيد الشريف إلى شيراز، وقضى باقي عمره فيها بنشاطات علمية.
صفاته:
كان السيد الشريف الجرجاني من العلماء القلائل الذين تركوا بصماتهم في عهودهم، واستمر تأثيرهم فيمن بعدهم لما أسهموا فيه من تقدم العلوم، وقد صنف تأليفًا وشرحًا وتحشية في علوم شتى في المعقول والمنقول، وعلى رأسها علم الكلام وعلوم العربية، وفي الفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات، وتاريخ المذاهب والفقه والحديث والتفسير والتصوف، مما أهله للقب "العلاَّمة" بجدارة. ويصفه أصحاب التراجم بأنه كان ذكيًّا مدققًا محققًا، ذا بصيرة وفصاحة وبلاغة ماهرًا في المناظرة، وصارت مؤلفاته ولا سيما في اللغة العربية والفرائض وعلم الكلام هي المراجع المعتمدة للدرس في معاهد العلم جيلا بعد جيل، وصار هو المرجع المعتمد الموثوق بين العلماء. وقد تصدى للإقراء والفتيا وتخرج به أئمة نحارير وكثر أتباعه وطلبته واشتهر ذكره وبعد صيته وكان سلطان العلماء العاملين، ذا خُلُقٍ وتواضع مع الفقراء، وكانت لآرائه مكانة ممتازة وتأثيرات قوية في الحياة العلمية والفكرية للمدارس على مر العصور، ومما يؤيد هذا أنَّ علماء بلاد الأناضول وإيران وتركستان والهند ينتهي سند إجازة البعض منهم إلى الجرجاني، والبعض الآخر إلى التفتازاني، الأمر الذي يؤكد أن الجرجاني كانت له مكانة هامة في تاريخ الفكر الإسلامي منذ القرن التاسع الهجري، ومع أن أكثر تآليفه كانت شروحًا وحواشي فإن العلماء قد اهتموا بها اهتمامًا بالغًا مثل اهتمامهم بالمتون الأصلية، ومما ينبغي الإشارة إليه أن الجرجاني يعد من اللغويين المنتسبين إلى مدرسة البصريين؛ لتأثره بالزمخشري وجمال الدين بن الحاجب. وقد لجأ في مؤلفاته إلى أسلوب بعيد عن السجع والمجاز والاستعارة.
تلامذته:
وتتلمذ عليه عدد كبير من طلبة العلم، نبغ منهم:
1- الرياضي الشهير قاضي زاده الرومي.
2- فتح الله الشرواني.
3- فخر الدين العجمي.
مصنفاته:
ألَّف الجرجاني قرابة مائة مؤلف بين كبير الحجم وصغيره في علوم المعقول والمنقول كعلم الكلام والتصوف والفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات والمناظرة والصرف والنحو والبلاغة والتفسير والحديث والفقه وأهمها كما يلي:
1- شرح المواقف. وهو أشهر الشروح على كتاب "المواقف" لعضد الدين الإيجي وطبع بإستانبول سنة 1292ه/ 1875م ثم طبع بمصر بمطبعة السعادة عام 1325هـ.
2- حاشية على شرح مختصر المنتهى. وهي حاشية على شرح عضد الدين الإيجي على مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه طبع ببولاق عام 1316هـ.
3- شرح العقائد العضدية.
4- شرح الأسماء الحسنى.
5- الأجوبة لأسئلة الإسكندر من ملوك تبريز.
6- التعريفات. وهو قاموس شهير للمصطلحات وطبع مرات عدة.
7- ألفية في المعمى والألغاز.
8- تعليقة على عوارف المعارف للسهروردي.
9- تفسير الزهراوين ( البقرة وآل عمران).
10- حاشية على المشكاة في علوم الحديث. وهي تلخيص من حاشية الطيبي على مشكاة المصابيح.
11- حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي.
12- حاشية على تشييد القواعد شرح تجريد العقائد للأصبهاني وهي حاشية على شرح شمس الدين الأصفهاني لكتاب تجريد العقائد لنصير الدين الطوسي.
13- حاشية على شرح حكمة العين. وهي حاشية على شرح القطب لكتاب حكمة العين لعلي بن عمر الكاتبي. طبع أولا بكلكتا عام 1845هـ، ثم بقازان عام 1319-1324هـ.
14- حاشية على الكشاف. تناول فيها سورة الفاتحة، وأول سورة البقرة حتى وصل فيها إلى {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً} وطبعت في هامش الكشاف.
15- حاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة.
16- حاشية على لوامع الأسرار شرح مطالع الأنوار. وهي حاشية على شرح قطب الدين الرازي على كتاب سراج الدين الأرموي مطالع الأنوار في المنطق والحكمة طبع بإستانبول عام 1276هـ ثم بالآستانة 1303هـ.
17- حاشية على المرشح من شروح الكافية. ألَّفها على شرح رضي الدين الأستراباذي على كتاب "الكافية" لابن الحاجب، طبع بإستانبول عام 1275هـ.
18- حاشية على المطول في المعاني والبيان. وهي حاشية على شرح التفتازاني المسمَّى بالمطول على تلخيص المفتاح للخطيب القزويني. طبع بإستانبول عام 1241هـ.
19- حاشية على شرح الشمسية. وهي حاشية على شرح قطب الدين الرازي المسمَّى تحرير القواعد المنطقية على متن الشمسية في المنطق لنجم الدين الكاتبي القزويني، طبع بالمطبعة الوهبية بمصر 1293هـ ثم بالمطبعة الميمنية 1307هـ.
20- رسالة في تفسير قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ}.
21- رسالة في تقسيم العلوم.
22- رسالة الصغرى والكبرى في المنطق. بالفارسية ثم عربهما ابنه محمد وسماهما الغرة والدرة طبعت بإستانبول عام 1288هـ.
23- رسالة القدر.
24- رسالة في الوجود - بيان مراتب الموجودات.
25- رسالة في الوضع.
26- شرح الآداب لعضد الدين الإيجي.
27- شرح التذكرة النصيرية في الهيئة.
28- شرح الفرائض السراجية. المشهور بالشريفية شرح السراجية وهو شرح لكتاب سراج الدين أبي طاهر السجاوندي في الفرائض، طبع بالمطبع اليوسفي بالهند عام 1304هـ ثم بمطبعة فرج الله الكردي بالقاهرة مع حواش أخر.
29- شرح قصيدة بانت سعاد.
30- شرح كنز الدقائق في الفروع.
31- شرح الهداية للمرغيناني.
32- الشريفية في شرح الكافية لابن الحاجب، بالفارسية طبع بإستانبول عام 1311هـ.
33- الكليات في ماهيات الأشياء.
34- المصباح في شرح المفتاح. وهو شرح لكتاب مفتاح العلوم في البلاغة للسكاكي وقد حقق في رسالة علمية للدكتور فريد النكلاوي عام 1977م.
35- مقدمة في الصرف، بالفارسية.
36- رسالة في الفرقة الناجية، في المذاهب.
37- حاشية على شرح هداية الحكمة. وهي حاشية على شرح محمد بن مباركشاه على كتاب أثير الدين الأبهري في الحكمة.
38- شرح العزي. شرح على كتاب الزنجاني في التصريف طبع بإستانبول عام 1266هـ ثم تكرر طبعه بمصر.
39- حاشية على التلويح. وهي حاشية على شرح السعد التفتازاني على تنقيح الأصول لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود البخاري. طبع بإستانبول وبمصر عدة طبعات.
40- الرسالة الشوقية. رسالة تحتوي على أصول للصوفية وهي بالفارسية.
41- الرسالة البهائية. في مناقب الشيخ بهاء النقشبندي.
42- ترجمان القرآن. ترجمات بعض الكلمات في القرآن إلى اللغة الفارسية طبع بطهران عام 1333هـ.
43- الديباج المذهب. ويعرف أيضًا بمختصر في أصول الحديث وقد اختصره من كتاب "الخلاصة في أصول الحديث" للطيبي، ومن مقدمة حاشيته على المشكاة والمسماة: الكاشف عن حقائق السنن، وقد طبع الكتاب بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. كما شرحه الشيخ اللكنوي شرحًا ماتعًا في كتابه "ظفر الأماني بشرح مختصر الجرجاني".
وفاته:
توفي السيد الشريف يوم الأربعاء في 6 من ربيع الآخر سنة 816 هـ الموافق 14 من يوليو 1413م في شيراز ودفن بتربة "وقب" بالقرب من الجامع العتيق. وكثر التأسف على فقده وعم الحزن عليه، تقبله الله بقبوله الحسن، وأسبغ على جدثانه شآبيب الرحمة.
مصادر الترجمة:
1- الضوء اللامع (3/ 328-330).
2- البدر الطالع (1/488-490 ).
3- الفوائد البهية في تراجم الحنفية (125- 137).
4- معجم المؤلفين (7/ 216).
5- الأعلام (5/159، 160).
6- هدية العارفين (1/ 728، 729).
7- كشف الظنون (1 /720، 851، 2/ 1177).
8- رشحات عين الحياة لحسين بن علي الواعظ الكاشفي (128).