الإمام محمد مصطفى المراغي

الإمام محمد مصطفى المراغي

اسمه:
محمد بن مصطفى بن محمد بن عبد المنعم المراغي.

الميلاد:
ولد في اليوم الثامن من ربيع الثاني سنة 1298هـ الموافق التاسع من مارس سنة 1881م، بالمراغة من أعمال جرجا.

نسبته:
نُسِبَ إلى مراغة.

نشأته ومراحل تعليمه:
كان والد الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي -رحمه الله- على قسط من الثقافة، ويتمتع بسمعة طيبة ومنزلة كريمة في الوسط الذي يعيش فيه، فدفع ابنه إلى حفظ القرآن الكريم، ولقَّنه نصيبًا من المعارف الدينية.

وظهرت نجابته فأرسله أبوه إلى الأزهر ليكمل تعليمه فيه، فتلقى العلوم على كبار مشايخه، وفي مقدمتهم الشيخ علي الصالحي من شباب علماء الأزهر المستنيرين المحققين، درس عليه الإمام علوم العربية وتأثر بأسلوبه في التوضيح والتبيين، ثم اتصل بالشيخ الإمام محمد عبده، فانتفع بمحاضراته العامة في التفسير والتوحيد والبلاغة، وتفتحت على يديه مواهبه العقلية، وازداد اتصالا به، وتأثر بمنهجه السلوكي، ودعوته الإصلاحية ومواقفه الوطنية، ودراساته العلمية، وظل وثيق الصلة به، سائرًا على نهجه في التجديد والإصلاح.

وكان الإمام المراغي معروفًا بين أقرانه من الطلاب بالأخلاق الكريمة والحرص على مواصلة البحث والدراسة ووفرة التحصيل، وكان له رفقة من طلاب الأزهر النابهين يواصلون قراءة الدروس والكتب المقررة قبل إلقاء المدرسين لها، كما كانوا لا يكتفون بدراسة الكتب المقررة بل كانوا يقبلون على كل مصادر المعرفة وشتى العلوم ينهلون منها.

وفي الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1322هـ الموافق 26 من مايو سنة 1904م تقدم لامتحان العَالِمية فنالها بتقدير الدرجة الثانية، وكان الشيخ محمد عبده هو الذي يمتحنه في شهادة العَالِمية، فلاحظ أن الشيخ المراغي مريض، فلما انتهى الامتحان قال له: لاحظت أنك محموم ولكنك كنت فوق الإجازة، وظهرت النتيجة وكان المراغي أول زملائه في النجاح، وإن لم ينل الدرجة الأولى؛ لأن إجماع لجنة الامتحان عليها عسير، وقد دعاه الشيخ محمد عبده إلى منزله تكريمًا له.

وقد نال الشيخ محمد مصطفى المراغي العَالِمية وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وهي سِنٌّ مبكرة بالنِّسبة إلى علماء الأزهر.
ثم بدأ التدريس بالأزهر الشريف، ولم يطل مُكثه بالتدريس إلا بضعة أشهر اختير بعدها قاضيًا بالسودان، ومع قِصَرِ هذه المدة لفت إليه الأنظار ببراعته في الشرح والإبانة، حتى جذب إليه حشودًا عديدة من الطلاب.

توليته المناصب القضائية في السودان:
لَمَّا طلبت حكومة السودان من الشيخ محمد عبده اختيار قضاة السودان الشرعيين، كان الإمام المراغي في مقدمة من اختارهم، فسافر الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي قاضيًا لمديرية دنقلة، وبعد قليل نُقل الشيخ الإمام قاضيًا لمديرية الخرطوم.

وفي هذه الفترة كان الشيخ الإمام المراغي دائم الاتصال بأستاذه الإمام المفتي الشيخ محمد عبده، فقد تبادلا رسائل قيمة في الشؤون الدينية والوطنية، وظلَّ الشيخ الإمام المراغي وفيًّا لأستاذه في حياته وبعد مماته.

وفي سنة 1907م اختلف هو وقاضي القضاة والسكرتير القضائي في وجهة النظر في اختيار المفتشين بالمحاكم الشرعية في السودان، فقدَّم استقالته وعاد إلى مصر.

ومما يُؤثر عنه أن مُرَتَّب القاضي في السودان كان أربعة عشر جنيهًا، غير أنه مُنح زيادة قدرها ستة جنيهات، فرفض قبولها واحتج لدى السكرتير القضائي (منصب يشبه منصب وزير العدل) المستر كارتر، فقال له السكرتير القضائي: إني لأعجب لقاضٍ شرعي يرفض ستة جنيهات علاوة في الشهر، فقال له الشيخ: إن عجبي مثل عجبك من أن القاضي الإنجليزي يتناول خمسين جنيهًا، بينما تستكثر على القاضي الشرعي المصري عشرين جنيهًا، وطلب الشيخ إجازة ثلاثة أشهر، وعاد إلى مصر، وألحَّ عليه السكرتير طالبًا عودته فرفض وقدَّم استقالته.

وفي الثاني من شعبان سنة 1325هـ الموافق التاسع من سبتمبر سنة 1907م عُيِّن مفتشًا للدروس الدينية بديوان عموم وزارة الأوقاف، ولكنه لحبه للبحث والدراسة عاد إلى التدريس بالأزهر مع احتفاظه بوظيفته في الأوقاف.

وفي سنة 1908م زاره سلاطين باشا، وكان وكيلا لحكومة السودان بمصر، وعرض عليه أن يكون قاضي القضاة، فقال له الإمام: إن حكومة السودان أبت عليَّ في العام الماضي وظيفة مفتش بالمحاكم الشرعية، فكيف ترضى اليوم أن أكون قاضي القضاة؟ فأجابه: إن الحكومة اقتنعت اليوم بما لم تكن تقتنع به، وإنني أريد أن أعرف الشروط التي تجعلها أساسًا لقبول هذا المنصب الأخير، فاشترط شروطًا أهمهما:

أن يكون تعيينه بأمر من خديوي مصر (الحاكم المسلم) وأصرَّ على رأيه، وتمَّ له ما أراد، وصدر أمر بتعيينه في 4 من رجب سنة 1326هـ الموافق 1 من أغسطس سنة 1908م. على الرغم من أن السياسة الإنجليزية كانت تُخطط لقطع كل صلة تربط السودان بمصر، لهذا وُلِّيَ القاضي الذي خَلَفَه بأمر الحاكم الإنجليزي.

ولما أرادت حكومة السودان تعديل لائحة المحاكم الشرعية بالسودان، تمسك الشيخ الإمام بأن من سلطته أن يختار للقضاة الآراء الفقهية التي يحكمون بها، وأبى السكرتير القضائي قبول هذا، وأصرَّ الشيخ الإمام المراغي على رأيه، واحتكما إلى الحاكم العام، فنصر الشيخ على خصمه ونفَّذ له ما أراد.

فالشيخ كان يعمل على ترقية القضاء بالسودان، فقد أشرف على القسم الشرعي من كلية (غاردون) وزوده بأساتذة من العلماء المصريين الممتازين من الأزهر ودار العلوم، وبهذا نهض بالقضاة وكرامة القضاء.

ولما اشتدت الثورة بمصر، التف المصريون بالسودان حول الشيخ الإمام المراغي فقاد جموعهم في مظاهرة كبيرة، وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد زعامة سعد زغلول وأصحابه والإقرار بأنهم وكلاء الأمة، وهنا ثار حُكَّام الإنجليز بالسودان، فاقترح بعضهم سجنه، واقترح بعضهم اعتقاله ونفيه، ولكن السكرتير القضائي رأى في ذلك خطرًا، ورأى أن يمنحه إجازة عاجلة غير محددة، وبهذا عاد إلى مصر دون أن تلحقه أي إساءة أو يناله أي ضرر.

وبهذا انتهى عمله بالسودان، وكان في هذه المرة ممتدًّا من سنة 1908م حتى سنة 1919م.

المناصب التي تولاها الشيخ الإمام المراغي:
    بعدما عاد الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي من السودان، تولَّى مناصب قضائية هامة، وهي:
     1- رئيس التفتيش الشرعي بوزارة الحقانية (العدل) في 9 من أكتوبر سنة 1919م.
     2- رئيس محكمة مصر الكلية الشرعية في 21 من يوليو سنة 1920م.
     3- عضو المحكمة العليا الشرعية في 27 من يناير سنة 1921م.
     4- رئيس المحكمة العليا الشرعية في 11 من ديسمبر سنة 1923م.

ولِّي هذه المناصب القضائية الكبرى ما بين سنة 1919م وسنة 1928م، وفي هذا المناصب قام بعدة إصلاحات هامة، حيث أمر بتشكيل لجنة لتنظيم الأحوال الشخصية برئاسته، ووجَّه اللجنة إلى عدم التقيد بمذهب الإمام أبي حنيفة إذا وجد في غيره ما يُنَاسب المصلحة العامة للمجتمع، وكان القضاة قبل ذلك مقيدين بمذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، فجعلهم يقتبسون من المذاهب الأخرى ومن آراء المجتهدين بما يناسب الزمان والمكان، وبهذا استطاع أن يقوم بإصلاحات عديدة في محيط الأسرة الإسلامية، فأصدر في يوليو سنة 1920م قانون الأحوال الشخصية.

مِحَنٌ واجهت الشيخ الإمام المراغي:
كان الشيخ الإمام المراغي مستمسكًا بالحق، حريصًا على الأمانة والصدق، وقد تعرض في هذا لِمِحَنٍ عديدة كادت تكلفه حياته وتغلب عليها، ومنها: أن قضية هامة عرضت عليه وهو رئيس للمحكمة الشرعية العليا، فلوَّح له بعض أصحاب النفوذ بأن الحُكمَ يجب أن يصدر لصالح فَردٍ مُعينٍ على أن تكون المكافأة على ذلك مبلغًا ضخمًا من المال يسيل له اللعاب، فرفض في شمم وإباء، فعمل أصحاب الشأن على منعه من نظر القضية فاستأجروا من يقتله، فتربص له المجرم وألقى عليه ماء النار، ولطف الله بالشيخ الإمام فأصابت -ماء النار- عنقه وأجزاء من جسمه ولم تصب منه مقتلا.

ووصف الشيخ الإمام هذا الشخص الذي تعدَّى عليه وصفًا دقيقًا، فتم القبض عليه، وعلى من حرَّضاه على القتل، وحُكِمَ على المتهمين الثلاثة بالسجن أربع سنوات وبألفي جنيه تعويض، وقد اشتهرت هذه القضية باسم، قضية هنري سكاكيني.

ومن     المحن التي تعرض لها ولقي ربه على أثرها، ما حدث له سنة 1945م فقد طَلَّق الملك فاروق زوجته الأولى الملكة فريدة، وأراد أن يُحرِّم عليها الزواج بعده، فأرسل إلى الشيخ يطلب منه فتوى تؤيد رغبته فرفض، فأرسل إليه الرسل يُلحون عليه - وكان الشيخ يُعالَج بمستشفى المواساة بالإسكندرية- فرفض الاستجابة، وضاق الملك ذرعًا بإصراره على الرفض، فذهب الملك فاروق إليه في المستشفى مُحتدًّا، فقال له الشيخ عبارته الخالدة: أما الطلاق فلا أرضاه، وأما التَّحريم فلا أملكه، وطال الجدال وصاح المراغي بأعلى صوته قائلا: إنَّ المراغي لا يستطيع أن يُحرِّم ما أحل الله.

وعلى أثر هذه المقابلة الصاخبة وما حدث فيها انتكست صحة الشيخ، ولم يلبث إلا قليلا حتى لقي ربه راضيًا مَرْضِيًّا.

أخلاقه:
كان الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي -رحمه الله- لَيِّن الجانب، جم التواضع، مُعتزًّا بكرامته كل الاعتزاز.

مكانته:
كان الإمام محمد مصطفى المراغي -رحمه الله- يناضل في سبيل إصلاح مناهج الأزهر، وتحديد أهدافه بين تيارات متضاربة عنيفة من ملك مستبد، وأحزاب متناحرة، واحتلال أجنبي يفرض سلطانه، ولكنه على الرغم من هذا كله مضى في طريقه يقتحم العقبات ويخوض الشدائد، واضعًا استقالته في يده، يلوح بها أو يقدمها في الوقت المناسب.

قال عنه الشيخ الإمام عبد الحليم محمود: عالم ذكي، ذو شخصية خارقة، مهيب، صاحب رأي في العلم والسياسة، بليغ الأسلوب(1).
وكان الجميع يقدرونه، فالإنجليز تعاملوا معه في السودان، ونزلوا على رأيه في بعض المواقف الهامة، والملك فاروق كان كثيرًا ما يستمع إليه ويحضر مجالسه العلمية في شهر رمضان ويأمر بإذاعتها، وينصره أحيانًا على بعض الأحزاب المناوئة له، والأحزاب تعرف له مكانته، ومن عاداه من رجال السياسة عرفوا له مكانته، وبخاصة بعد وفاته، وكان الإمام جريئًا في قول الحق وإن أغضب ذوي السلطان.

ولقد كتب حاكم السودان -أيام كان الشيخ الإمام المراغي فيه- إلى وزارة الخارجية الإنجليزية قائلا: إن الشيخ المراغي يُعدُّ من دهاة العالم.

وفي خلال ثورة سنة 1919م وكان الشيخ الإمام المراغي بالسودان كتبت صحيفة (التايمز) وهي صحيفة بريطانية مشهورة: أبعدوا هذا الرجل، فإنه أخطر على بلادنا وحياتنا من ويلات الحرب.

مؤلفاته:
- الأولياء والمحجورون، نال بها عضوية هيئة كبار العلماء، وهو بحث فقهي في موضوع الحَجْر على السفهاء، والذين يتولون أمورهم بعد الحَجْرِ، وهو مخطوط بمكتبة الأزهر.
- تفسير جزء تبارك، وقد ألفه ليكمل به تفسير الإمام محمد عبده جزء عم.
- بحث في وجوب ترجمة القرآن الكريم، طبع بمطبعة الرغائب سنة 1936م.
- رسالة (الزمالة الإنسانية) كتبها لمؤتمر الأديان بلندن، مطبوعة بمطبعة الرغائب سنة 1936م.
- بحوث في التشريع الإسلامي، وأسانيد قانون الزواج رقم 25 سنة 1929م، مطبوعة بالقاهرة.
- مباحث لغوية بلاغية، كتبها أثناء تدريسه لكتاب التحرير في الأصول.
- الدروس الدينية، وهي تفسير لبعض السور والآيات القرآنية، ألقاها في احتفالات عامة بمساجد القاهرة والإسكندرية الكبرى، واستمع إليها الملك فاروق في ليالي رمضان سنة 1356هـ إلى سنة 1364هـ، وقد نُشرت بمجلة الأزهر، كما نشرت مستقلة في كتيبات، ومات وهو يفسر سورة القدر قبل حلولها بأسبوعين.
- كما أن له مقالات وخُطبًا عديدة، نجد نماذج منها في ختام كتاب (الشيخ المراغي بأقلام الكُتَّاب).

ولايته للمشيخة:
في يوم التاسع من ذي الحجة سنة 1346هـ الموافق الثامن والعشرين من مايو سنة 1928م صدر قرار بتولية الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي مشيخة الأزهر الشريف، فأقبل بعزيمة قوية على النهوض بالأزهر ليتبوأ المكانة الجديرة به في تاريخ النهضة الإسلامية، فألَّف لِجَانًا برئاسته لدراسة قوانين الأزهر ومناهج الدراسة فيه، وعَمِلَ على تنقيح هذه القوانين والمناهج، واهتمَّ بالدراسات العليا فاقترح إنشاء ثلاث كليات عليا تتخصص الأولى في دراسة العلوم العربية، والثانية في علوم الشريعة، والثالثة في أصول الدين، وكانت له آمال كثيرة يسعى لتحقيقها في تطوير الأزهر، ولكن العقبات وقفت في وجه الشيخ الإمام، وحالت بينه وبين الأهداف التي ينشدها فاستقال من منصبه في العاشر من أكتوبر سنة 1929م، ويذكر المعاصرون لهذه الأحداث أن السبب في تمسك الشيخ الإمام المراغي برأيه وإصراره على الاستقالة هو أنه أراد أن تطلق يده في إدارة الأزهر على أن يختار من يعاونونه، ولكن الملك كان يريد السيطرة على شؤون الأزهر جميعها، فرفض كل الرفض أن يمنح الإمام هذه السلطة، فاستقال الإمام، وقُبلت استقالته، ثم صدر قرار بتعيين الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخًا للأزهر.

ولما استقال الإمام المراغي لم يخلد إلى الراحة والسكون، بل قضى أكثر من خمس سنوات عاكفًا في بيته على البحث والدراسة ومراجعة آراء المصلحين من قبله، وبخاصة أستاذه الإمام الشيخ محمد عبده، كما راجع الأسس التي وضعها للإصلاح في عهد مشيخته الأولى، وما تمَّ تحقيقه منها في عهد الظواهري، وما لم يتم وما ينبغي تعديله منها في ضوء دراساته العميقة للنهوض بالأزهر، حتى اتضحت أمامه الصورة وبرزت معالمها.

فلمَّا عاد إلى الأزهر مؤيدًا من آلاف العلماء والطلبة، ومؤيدًا من الحكومة، ومؤيدًا من الرأي العام باشر تنفيذ ما استقر عليه رأيه من وجوه الإصلاح، فأصدر القانون رقم 26 لسنة 1936م، وقد ألغى به القانونين الصادرين في سنة 1923م وفي سنة 1930م، والقانون الأخير أصدره الشيخ الظواهري، وأكمل ما بدأه من إصلاح في فترته الأولى، مع بعض التعديلات، وقد حدد مهمة الأزهر وأنه هو المعهد العلمي الإسلامي الأكبر، والغرض منه:

1- القيام على حفظ الشريعة الغرَّاء: أصولها وفروعها، واللغة العربية، وعلى نشرهما.
2- تخريج علماء موكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة في مختلف المعاهد والمدارس ويتولون الوظائف الشرعية في الدولة.
وخلاصة هذا القانون الذي أصدره أنه يقوم على الأسس التالية:

التعليم في الأزهر يتم في أربع مراحل:
1- المرحلة الابتدائية، ومدتها أربع سنوات.
2- المرحلة الثانوية، ومدتها خمس سنوات.
3- مرحلة الكليات، وهي ثلاث كليات، كلية الشريعة، وكلية أصول الدين، وكلية اللغة العربية، ومدة الدراسة بها أربع سنوات.
4- مرحلة العَالِمية في هذه الكليات الثلاثة.

ومن الأعمال الجليلة التي قام بها الشيخ الإمام المراغي، ما يلي:
- إنشاء لجنة الفتوى:
شكَّل فضيلة الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي لجنة من كبار العلماء في 12 من جمادى الأولى سنة 1354هـ الموافق 11 من أغسطس سنة 1935م، تتكون من رئيس وأحد عشر عضوًا، منهم ثلاثة من فقهاء الأحناف، وثلاثة من المالكية، وثلاثة من الشافعية، واثنان من الحنابلة، وهذه اللجنة تجيب عن الأسئلة التي تتلقاها من الأفراد والهيئات وفقًا لمذهب معين إذا طلب السائل ذلك، أو وفق ما تقضي به القواعد المستمدة من الكتاب والسنة والإجماع أو القياس الصحيح إذا لم يقيدها السائل بمذهب خاص، مُرَاعية بذلك ما هو أرفق بحال السائل إذا قوي الدليل على مراعاته.

- إنشاء قسم الوعظ والإرشاد:
أنشأ الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي قِسْمًا خاصًّا سمَّاه (الوعظ والإرشاد) لنشر الثقافة الإسلامية في الأقاليم سنة 1928م.

- التطوير لجماعة كبار العلماء:
في سنة 1911م أنشأ الشيخ سليم البشري (هيئة كبار العلماء) وتتكون من ثلاثين عالما من صفوة علماء الأزهر، ليتفرغ كل منهم لإلقاء محاضرات علمية عميقة بحسب تخصصه في العلوم المختلفة، وهذه الدروس يحضرها العلماء والباحثون، فلما جاء الإمام المراغي غيَّر اسمها إلى (جماعة كبار العلماء) واشترط في أعضائها -إلى جانب الشروط القديمة- أن يكون العضو فيها من العلماء الذين أسهموا في الثقافة الدينية، وأن يُقدِّم رسالة علمية تتسم بالجدَّة والابتكار، وجعل أعضاءها ثلاثين عضوًا، وآثر بعضويتها أولي الكفاءات العلمية والأخلاق السامية حتى أصبحت أكبر هيئة دينية في العالم الإسلامي، وقد حلَّ محلها الآن مجمع البحوث الإسلامية.

ورأى قبيل وفاته أن يُنشئ مراقبة خاصة للبحوث والثقافة الإسلامية تختص بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية، والبعوث العلمية، والدعاة، فصدر قرار بإنشائها في يوليو سنة 1945م، ولم يمض على إنشائها شهر حتى لقي ربه.

وفاته: 
لقي الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغي -رحمه الله- في حياته متاعب عديدة، وتعرَّض لخصومات عنيفة من بعض الأحزاب، وبعض العلماء، وبعض أصحاب السلطان أوهنت قوته وأضعفت صحته.

ولما طلَّق الملك فاروق زوجته الأولى أراد إصدار فتوى شرعية تمنعها من الزواج بعده، وحاول حمل الإمام بكل الوسائل على إصدار هذه الفتوى، فرفض، وكان الشيخ الإمام المراغي مريضًا بمستشفى المواساة، ثم زاره الملك وعقب مشادة عنيفة بينهما بسبب إصرار الإمام على عدم إصدار هذه الفتوى للملك، ساءت صحة الشيخ وتدهورت، حتى لقي ربه ليلة الأربعاء الرابع عشر من شهر رمضان سنة 1364هـ الموافق الثاني والعشرين من شهر أغسطس سنة 1945م.

مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 7/103.
- الإمام المراغي، العدد 115 من سلسلة اقرأ، بقلم أنور الجندي، طبع دار المعارف في أغسطس سنة 1952م.
- الشيخ المراغي بأقلام الكُتَّاب، أبو الوفا مصطفى المراغي، المطبعة المنيرية بالأزهر سنة 1957م.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر: كتاب هذه حياتي ، طبع دار المعارف بالقاهرة سنة 1976م ، ص 92.

مولده ونشــأته:
هو فضيلة الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب، ولد فضيلته بقرية القرنة التابعة لمدينة الأقصر في 3 من صفر من عام 1365هـ الموافق 6 من يناير عام 1946م في أسرة عريقة طيبة المحتد، ووالده من أهل العلم والصلاح، نشأ ببلدته ثم تعلم في الأزهر فحفظ القرآن وقرأ المتون العلمية على الطريقة الأزهرية الأصيلة، ثم التحق بشعبة العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالقاهرة حتى تخرج منها بتفوق عام 1969م.

المؤهلات العلمية:
- حصل فضيلته على درجة الدكتوراه شعبة العقيدة والفلسفة -الأزهر- عام 1977م.
- ماجستـير - شعبة العقيدة والفلسفة -الأزهر- عام 1971م.
- الليسانس - شعبة العقيدة والفلسفة -الأزهر- عام 1969م.
وقد سافر فضيلته إلى فرنسا لمدة ستة أشهر في مهمة علمية إلى جامعة باريس من ديسمبر عام 1977م إلى عام 1978م. وفضيلته يجيد اللغة الفرنسية إجادة تامة، ويترجم منها إلى اللغة العربية.

الدرجـــــات العلميــــــة:
1- معيــــــــد - عام 1969م.
2- مدرس مســــاعد - عام 1971م.
3- مـــــــدرس - عام 1977م.
4- أستـــاذ مسـاعد - عام 1982م.
5- أستـــــــاذ - عام 1988م.

مناصـــــــبه:
- عُيِّن معيدًا بكلية أصول الدين في 20 من جمادى الآخرة عام 1389هـ الموافق 2/ 9/1969م.
- عُيِّن بدرجة أستاذ بالكلية في 17من جمادى الأولى عام 1408هـ الموافق 6/1/1988م.
- انتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا اعتبارًا من 8 من ربيع الآخر عام 1411هـ الموافق 27/10/1990م وحتى 21 من صفر عام 1421هـ الموافق 31/ 8/ 1991م.
- انتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان مع منحه بدل العمادة اعتبارًا من 22 من جمادى الآخرة عام 1416هـ الموافق 15/11/1995م.
- عُيِّن عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان في العام الدراسي 1999/ 2000م.
- عُيِّن رئيسًا لجامعة الأزهر منذ غرة شعبان عام 1424هـ الموافق 28 من سبتمبر عام 2003م وحتى 2010م
-عين شيخًا للأزهر بداية من 19مارس2010 حتى الآن.
- أسس فضيلته الرابطة العالمية لخريجي الأزهر ورأس المؤتمرات الدولية التي عقدتها.

الجامعات التي عمل بها خارج الأزهر:
عمل فضيلته بعدد من جامعات العالم الإسلامي وهي:
- جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض.
- جامعــــة قطــر.
- جامعــة الإمــارات.
- الجامعة الإسلامية العالمية -إسلام آباد- باكستــان.

المهمات والمشاركات العلمية:
المهمات العلمية:
شارك فضيلته في العديد من المؤتمرات واللقاءات الإسلامية والدولية نذكر منها:
1- الملتقى الدولي التاسع عشر من أجل السلام بفرنسا.
2- المؤتمر الإسلامي الدولي حول حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر، الذي نظمته مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي في المملكة الأردنية الهاشمية.
3- مؤتمر القمة للاحترام المتبادل بين الأديان، المنعقد في نيويورك وجامعة هارفارد.
4- مؤتمر الأديان والثقافات «شجاعة الإنسانية الحديثة» والذي نظمته Universita Perucia بإيطاليا.
5- مؤتمر الثقافة والأديان في منطقة البحر المتوسط والذي نظمته الجامعة الثالثة بروما.
6- المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين بإندونيسيا تحت شعار «رفع راية الإسلام رحمة للعالمين».
7- ترأس وفد من الصحافة ومجلس الشعب لإجراء حوار مع البرلمان الألماني ووسائل الإعلام ومجلس الكنائس في ألمانيا.
8- قام بمهمة علمية إلى جامعة باريس لمدة ستة أشهر.
9- رئيس الملتقى الأول والثاني والثالث للرابطة العالمية لخريجي الأزهر.
10- سافر إلى سويسرا في مهمة علمية بدعوة من جامعة (نريبرج) لمدة ثلاثة أسابيع من 9 من مايو سنة 1989م إلى 31 من مايو سنة 1989م.
11- عضو الجمعية الفلسفية المصرية.
12- عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
13- عضو مجمع البحوث الإسلامية.
14- عضو مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون.
15- رئيس اللجنة الدينية باتحاد الإذاعة والتلفزيون.
16- مقرر لجنة مراجعة وإعداد معايير التربية بوزارة التربية والتعليم.
17- عضو أكاديمية مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي.

الأوسمة والتكريم:
- قام جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية بمنح فضيلته وسام الاستقلال من الدرجة الأولى وكذلك شهادة العضوية في أكاديمية آل البيت الملكية للفكر الإسلامي وذلك تقديرًا لما قام به فضيلته في شرح جوانب الدين الإسلامي الحنيف بوسطيته واعتداله أثناء مشاركته في المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد بالأردن.
- تسلم جائزة الشخصية الإسلامية التي حصلت عليها جامعة الأزهر من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي عام 2003م.

قائمة الأعمال العلمية: 
أولا: المؤلفــات:

1- الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي.
2- مباحث الوجود والماهية من كتاب المواقف- عرض ودراسة، [ القاهرة 1402هـ/ 1982م ].
3- مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والماركسية (بحث) القاهرة سنة 1982م.
4- مدخل لدراسة المنطق القديم -القاهرة- 1407هـ/1987م.
5- مباحث العلة والمعلول من كتاب المواقف - عرض ودراسة [القاهرة 1407هـ/ 1982م].
6- بحوث في الفلسفة الإسلامية بالاشتراك مع آخرين، جامعة قطر، [الدوحة 1414هـ/ 1993م].
7- تعليق على قسم الإلهيات من كتاب تهذيب الكلام للتفتازاني -القاهرة- سنة 1997م. 

ثانيًا: الأبحاث المنشورة في مجلات علمية محكمة:
- أسس علم الجدل عند الأشعري (بحث منشور في حولية كلية أصول الدين -القاهرة- العدد الرابع - 1987م).
- التراث والتجديد - مناقشات وردود (بحث منشور في حولية كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر العدد الحادي عشر 1414هـ/1993م.
- أصول نظرية العلم عند الأشعري (بحث) القاهرة 1407هـ/1982م.
- مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الماركسية (بحث).

ثالثًا: التحقيق:
- تحقيق رسالة (صحيح أدلة النقل في ماهية العقل) لأبي البركات البغدادي، مع مقدمة باللغة الفرنسية، نشر بمجلة المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة.

رابعًـا: الترجمـة
- ترجمة المقدمات الفرنسية للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، نشر بمجلة مركز بحوث السيرة والسنة، جامعة قطر، العدد الأول 1414هـ/1998م.
- ترجمة كتاب: Osman Yahya, Histoire et classification de l'oeuvre d'Ibn Arabi من الفرنسية إلى العربية بعنوان: مؤلفات ابن عربي تاريخها وتصنيفها، القاهرة 1413هـ/ 1992م.
- ترجمة كتاب: Ptophetie et saintete dans la doctrine d'Ibn Arabi ,Chodkiewiez من الفرنسية إلى العربية بعنوان: الولاية والنبوة عند الشيخ محيي الدين بن عربي، دار القبة الزرقاء للنشر، مراكش- المغرب، 1419هـ/1998م.

خامسًا: أبحاث المؤتمرات والندوات:
- دراسات الفرنسيين عن ابن العربي. وهو بحث ألقي في المؤتمر الدولي الأول للفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة 20 - 22 من أبريل سنة 1996م ونشر بكتاب للمؤتمر.
- نظرات في قضية تحريف القرآن المنسوبة للشيعة الإمامية (بحث ألقي بندوة كلية أصول الدين بالقاهرة في 1 من مايو سنة 1997م).
- ابن عربي في أروقة الجامعات المصرية. (بحث ألقي في المؤتمر الدولي عن ابن عربي في الفترة من 7 – 15 من مايو سنة 1997م بمدينة مراكش بالمغرب - ماثل للنشر الآن في مجلة آفاق المغربية (باللغة الفرنسية).
- الشيخ مصطفى عبد الرازق المفترى عليه. ( بحث ألقي في ندوة معهد العالم العربي LIMA بباريس عن التصوف في مصر من 22 – 29 من أبريل سنة 1998م).
- ضـرورة التجديد ( بحث ألقي بالمؤتمر العالمي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة ) في الفترة من 31 من مايو – 3 من يونيو سنة 2001م.

تقلده منصب الإفتاء ثم مشيخة الأزهر الشريف: 
أصدر السيد الرئيس محمد حسني مبارك يوم الأحد 26 من ذي الحجة لعام 1422هـ الموافق 10/ 3/ 2002م قرارًا بتعيين الدكتور أحمد الطيب مفتيًا للديار المصرية.
    
وقد تولى فضيلته الإفتاء وعمره 56 عامًا، وظل في هذا المنصب حتى غرة شعبان لعام 1424هـ الموافق 27/9/ 2003م حيث صدر قرار بتعيين فضيلته رئيسًا لجامعة الأزهر الشريف. وقد أصدر خلال فترة توليه الإفتاء حوالي (2835) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء المصرية.

وفي يوم الجمعة الرابع من شهر ربيع الثاني سنة 1431هـ الموافق 19 من مارس سنة 2010م أصدر السيد الرئيس محمد حسني مبارك القرار رقم 62 لعام 2010م بتعيين فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محمد الطيب شيخًا للأزهر الشريف خلفًا للإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي.
وما زال فضيلته قائمًا بمهام منصبه كشيخ للأزهر الشريف خير قيام، متعه الله بالصحة والعافية وجعله ذخرًا للإسلام والمسلمين.


مولده ونشــأته:
هو فضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مصطفى مأمون، ولد يوم 10 من ذي الحجة عام 1311هـ الموافق 13 من يونيه سنة 1894م بحي الخليفة بالقاهرة، وكان والده الشيخ مصطفى مأمون إمامًا لمسجد الفتح بقصر عابدين وكان إمام هذا المسجد يُعدُّ إمامًا للملك، وقد عني بتربيته منذ صغره التربية الدينية القويمة، فحفظ القرآن وجوَّده، ثم التحق بالأزهر الشريف، ولما أنهى دراسته اتِّجه إلى مدرسة القضاء الشرعي وتخرج فيها عام 1918م. وكان إلى جانب إتقانه للعربية مُلمًّا باللغة الفرنسية فجمع بذلك بين الثقافتين العربية والفرنسية.

مناصبــه:
عُيِّن مُوظفًا قضائيًّا بمحكمة الزقازيق الشرعية في 10 من محرم عام 1338هـ الموافق 4 أكتوبر سنة 1919م، وفي شهر شوال من نفس العام الموافق أول يوليو سنة 1920م نُقِلَ إلى محكمة القاهرة الشرعية، وفي 5 من شهر رجب لعام 1339هـ الموافق 14 مارس سنة 1921م تمت ترقيته إلى قاضٍ من الدرجة الثانية ونُقِلَ إلى محكمة طنطا الشرعية، وفي 16 من جمادى الآخرة عام 1348هـ الموافق 18 نوفمبر سنة 1929م نُقِلَ إلى محكمة مصر الشرعية، ثم تمت ترقيته إلى قاضٍ من الدرجة الأولى في نفس هذا الشهر، ثم رقي إلى منصب قاضٍ عام أَوَّلَ فبراير عام 1939م، وكانت شهرته العلمية وفضائله الخلقية ومعارفه الفقهية كفيلة للفت الأنظار إليه، ولذا فإنه ظل يترقى في القضاء الشرعي حتى صدر مرسوم ملكي بتعيينه قاضيًا لقضاة السودان في 5 من ذي الحجة عام 1359 هـ الموافق 3 من يناير سنة 1941م.

وقد أمضى في منصبه هذا قرابة 6 سنوات قام بواجبه فيها خير قيام، ثم عاد إلى القاهرة حيث تم تعيينه رئيسًا لمحكمة القاهرة الشرعية الابتدائية وذلك في 27 من ربيع الأول لعام 1366هـ الموافق 17 فبراير 1947م، ثم ترقى ليكون عضوًا في المحكمة الشرعية العليا في 25 من محرم عام 1367هـ الموافق 18 ديسمبر 1947م ثم أصبح نائبًا لها في 7 من شعبان عام 1370هـ الموافق 13 مايو 1951م ثم عُيِّن رئيسًا للمحكمة الشرعية العليا في الأول من جمادى الآخرة لعام 1371هـ الموافق 26 فبراير 1952م. ولما قربت سن إحالته للمعاش قام مجلس الوزراء بمد عمله سنة أخرى بناءً على طلب وزير العدل وذلك للحاجة الماسة إلى كفاءة فضيلته وفي 24 من جمادى الآخرة عام 1374هـ الموافق 16 فبراير سنة 1955م اقترح وزير العدل على مجلس الوزراء إسناد منصب المفتي إلى فضيلة الشيخ «حسن مأمون» للانتفاع بعلمه الغزير وكفاءته الممتازة وواسع خبرته، فوافق مجلس الوزراء على تعيين فضيلته مفتيًا للديار المصرية اعتبارًا من أول مارس سنة 1955م وظل في هذا المنصب حتى 17 من ربيع الأول عام 1384هـ الموافق 26 يوليو سنة 1964م، حيث صدر القرار الجمهوري رقم 2444 لسنة 1964م بتعيين فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخًا للأزهر ليكون الشيخ التاسع والثلاثين في تعداد شيوخ الأزهر.

أعماله:
أصدر فضيلته خلال فترة توليه منصب الإفتاء حوالي (12311) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء، وأثناء توليه مشيخة الأزهر ذلَّلَ الكثير من العقبات التي كانت تعترض الأزهر، ومع المناصب العليا التي شغلها فضيلته فإنه كان حريصًا على إلقاء الدروس على طلبة قسم القضاء بكلية الشريعة. كما ظل رئيسًا لمجلس إدارة مسجد الإمام الشافعي -رحمه الله- وظل الشيخ يباشر عمله في مشيخة الأزهر حتى تناوشته الأمراض، وأحس المسؤولون حاجته إلى الراحة فاستجابوا لرغبته في التقاعد؛ حيث تفرغ فضيلته للراحة والعبادة والعلاج وإن كان لم يتوقف عن البحث والدراسة والتدوين، كما ظل يواصل الإشراف على الهيئة العلمية القائمة على تصنيف الموسوعة الفقهية الكبرى التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وللإمام فضل كبير في تنظيم هذه الموسوعة، وكتابة ومراجعة بعض موادها الفقهية. وكان الإمام -رحمه الله- يجد لذة كبرى في الدراسات الفقهية تنسيه ما يقاسيه من أمراض وآلام.

مؤلفاته:
     1- الفتاوى. وقد أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجزء الأول منها وطبعته دار التحرير بالقاهرة سنة 1969م.
    2- دراسات وأبحاث فقهية متنوعة نشرها الإمام أو راجعها في الموسوعة الفقهية الكبرى التي يصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة.
     3- السيرة العطرة. وهي سلسة أبحاث كتبها الإمام وأذاعها وهي مكتوبة على الآلة الكاتبة.
     4- الجهاد في الإسلام. دراسة تناول فيها الإمام هذا الموضوع وقد كتبت بالآلة الكاتبة ولم تطبع.
     5- تفسير موجز لسور: الضحى والانشراح والقدر، وهو مكتوب على الآلة الكاتبة.

أبرز صفاته:
كان الإمام -رحمه الله- فقيهًا مستنيرًا، قضى معظم حياته الوظيفية قاضيًا يستعرض أدلة الفقهاء في المذاهب الفقهية المختلفة، وكان ذا بصيرة ملهمة في فقه النصوص الشرعية والإلمام بمقاصد التشريع ومعرفة أنماط الفتوى وأسباب تنوعها.

وفاتــه:
وفي السابع عشر من ربيع الآخر لعام 1393هـ الموافق 19 مايو سنة 1973م انتقل فضيلة الشيخ حسن مأمون إلى رحمة الله تعالى بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال.

من مصادر الترجمة:
     - الأزهر في ألف عام للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي. ج1 ص ( 348، 349).
     - مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن للشيخ علي عبد العظيم. ج2 ص (611- 633).


اسمه:
محمد محمد الفحام.

الميلاد:
ولد برمل الإسكندرية في 18من ربيع الأول سنة 1321هـ الموافق 13 من يونيه سنة 1903م.

نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ الشيخ الإمام محمد الفحام -رحمه الله- القرآن الكريم وجوَّده والتحق بالمعهد الدِّيني بالإسكندرية، وكان هذا المعهد قد سبق غيره من المعاهد الدينية بأسباب الإصلاح والتقدم، كما كان يمتاز بأنه يضم نُخبة من العلماء الممتازين، وقد استفاد الطالب من هذا الجو العلمي البديع وظهرت مواهبه مبكرة، ولفتت إليه أنظار أساتذته، فكانوا يثنون عليه وينوهون به، ويهدون إليه بعض المؤلفات العلمية، وكان يعتز كل الاعتزاز بهذه الكتب ويحرص على صيانتها وحفظها والانتفاع بها، ومن الطرائف في حياته الدراسية أن الإمام الجليل الشيخ سليم البشري حضر لزيارة معهد الإسكندرية الديني، ومعه لفيف من كبار العلماء وفي مقدمتهم الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي شيخ معهد الإسكندرية الديني (في هذا الوقت، وشيخ الأزهر فيما بعد) وكان الوقت وقت امتحان الطلبة، فاهتزت هيئة الامتحان، وجاءت بالطالب محمد محمد الفحام الطالب بالسنة الثانية الابتدائية أمام لجنة الامتحان فسأله الإمام البشري في باب نائب الفاعل، فقال الطالب: إن بعض النحاة يسميه باب المفعول الذي لم يسم فاعله، فقال له الإمام البشري أي العنوانين تفضل؟

فقال الطالب: أفضل عنوان (نائب الفاعل) لسببين: أنه أوجز عبارة؛ ولأن نائب الفاعل لا يكون دائمًا هو المفعول به كأن يكون ظرفًا مثل قولك: سهرت الليلة، أو مصدرًا مثل: كتبت كتابة حسنة، أو جارًا ومجرورًا، مثل: أهذا طالب بالسنة الثانية الابتدائية أم الثانوية؟! ثم قرأ له الفاتحة ودعا له بالخير والبركة.

وكان الطالب مُولعًا بجميع المعارف والعلوم وبخاصة علم المنطق وعلم الجغرافيا، فقد ألَّف رسالة في المنطق، هي كتاب الموجَّهات، وهو طالب بالسنة الثانية الثانوية، ولقد تم طبعها بعد سنة 1932م، وأقبل عليها الطلبة في الإسكندرية وغيرها، وانتفع بها طلاب العَالِمية المؤقتة أيما انتفاع، وأما الجغرافيا فقد بلغ من شغفه بها أنه كان يستأذن أستاذه في أن يذهب إلى حجرة الخرائط فيغلقها على نفسه طوال الليل ويضيئها بسراج من عنده ويظل يفحصها ويدرسها حتى الصباح -كما كان يفعل الجاحظ قديمًا في مكتبات الوراقين في بغداد- وقد حببته هذه الهواية في الرحلات فطوَّف ما طوَّف في أرجاء العالم دارسًا وباحثًا وداعيًا إلى الله على هدى وبصيرة ويقين.

وأثناء الدراسة لاحت أمامه فرصة للالتحاق بدار العلوم، وكان كثير من طلبة الأزهر في ذلك الحين يؤثرون ترك الأزهر للالتحاق بدار العلوم أو القضاء الشرعي رغبة في التجديد وطمعًا في مستقبل أفضل، واستشار الطالب والده في ذلك، فقال له: إنني واثق بجودة رأيك، وحسن اختيارك، فاتَّجه إلى ما تراه صوابًا والله معك، أما أمه فكانت تتفاءل بالأزهر فأوصته ألا يتركه، واستجاب لوصية أمه (وهي سيدة صالحة) وظل متمسكًا بوصيتها طيلة حياته، فكانت الخيرة فيما اختاره الله.

وواصل الدراسة بالقسم العالي بمشيخة علماء الإسكندرية، ونال شهادة العَالِمية النظامية بتفوق في امتحان أدَّاه بالأزهر سنة 1922م.

حياته:
بعد تخرجه وتحصيله ما حصَّل من معارف وعلوم نفر من قيود المناصب الحكومية فاشتغل بالتجارة ونجح فيها نجاحًا باهرًا، ولكن مواهبه العلمية من جهة ونصائح المخلصين من أصدقائه من جهة أخرى حملته على أن يعود إلى الحياة العلمية.

وكان الأزهر قد أعلن عن مسابقة بين العلماء في العلوم الرياضية لتعيينهم مدرسين للرياضة بالمعاهد الدينية سنة 1926م، فتقدم للامتحان ونجح فيه بتفوق، فعرض عليه الأستاذ خالد حسنين مفتش العلوم الرياضية بالأزهر أن يعينه بمعهد دمياط أو غيره من معاهد الوجه البحري فأبى التعيين في غير الإسكندرية، وتم تعيينه بها تلبية لرغبته في الرابع من أكتوبر سنة 1926م، فدرَّس علوم الحديث والنحو والصرف والبيان والحساب والجبر تسع سنوات، وهذا يدل على تعدد مواهبه وتنوع ثقافته، وبخاصة إذا علمنا أن العلوم الرياضية كانت جديدة على علماء الأزهر في هذا الوقت.

وحدث وهو مدرس بمعهد الإسكندرية أن أخبره الأستاذ عبد السلام هنو الكاتب الأول بالمعهد أن موظفًا دبلوماسيًّا بالقنصلية اليابانية تقدَّم إلى المعهد راجيًا اختيار أحد الأساتذة لتعليمه اللغة العربية، وأخبره أن اختيار مشيخة المعهد وقع عليه، فقبل هذه المهمة بارتياح كبير؛ لأنه كان يحلم بزيارة اليابان، وقد استفاد من معارف هذا الدبلوماسي الياباني كما استفاد الدبلوماسي منه أعظم فائدة.

وفي سنة 1935م نُقِل إلى كلية الشريعة لتدريس المنطق وعلم المعاني، وفي سنة 1936م وقع الاختيار عليه لإرساله في بعثة تعليمية إلى فرنسا فرحل إليها ومعه زوجته وبعض أبنائه، وفي أثناء بعثته قامت الحرب العالمية الثانية فآثر بعض المبعوثين العودة إلى مصر، ولكن الشيخ آثر البقاء وتحمل متاعب الحرب وقيودها في سبيل التعليم، واضطر أن يهاجر إلى بوردو، ولم تقعده أهوال الحرب ولا أعباء الأسرة ومطالبها الملحة عن مواصلة الدراسة في صدق عزيمة وقوة تصميم، وقد أنجب أثناء بعثته في فرنسا بنتين تفاءل بهما خيرًا واستطاع على الرغم من الظروف المحيطة به أن ينال دبلوم مدرسة الإليانس فرانسيز في باريس سنة 1938م، كما نال دبلوم مدرسة اللغات الشرقية الحية في الأدب العربي سنة 1941م، ونال في نفس العام دبلومًا آخر في اللهجات اللبنانية والسورية، ودبلوم التأهيل لتعليم اللغة الفرنسية من كلية الآداب بجامعة بوردو سنة 1941م.

ثم نال شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف الممتازة من جامعة السوربون في أول يوليو سنة 1946م، وكان موضوع الرسالة (إعداد معجم عربي فرنسي للمصطلحات العربية في علمي النحو والصرف) وقد نال برسالته إعجاب وتقدير الأساتذة المستشرقين، حتى قال أحدهم وقد رأى مبلغ تمكنه من العربية: ما أظن أنه وطئت أرض فرنسا قدم رجل أعلم منك باللغة العربية.

وعاد من فرنسا في سبتمبر سنة 1946م ليعمل مدرسًا بكلية الشريعة، ثم نقل منها إلى كلية اللغة العربية مدرسًا للأدب المقارن وللنحو والصرف، وظل يؤدي عمله بها حتى رقي إلى درجة أستاذ ثم إلى عميد كلية، وفي سنة 1947م طلبته لجنة المؤتمر الثقافي العربي الأول المنعقد في بيت مري في لبنان ليمثل الأزهر، وقد صحبه في تمثيل الأزهر الأستاذ المرحوم الشيخ محمد عرفة، والأستاذ المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، وقد انتهز هذه الفرصة فزار معظم حواضر سوريا ولبنان وعقد صلات مودة وثيقة بينه وبين علمائها، وفي سنة 1949م اتصل به المسؤولون عن جامعة الإسكندرية للتدريس في كلية الآداب فيها فقام بالتدريس فيها مع تدريسه في كلية اللغة العربية بالأزهر.

وفي سنة 1951م زار نيجيريا بتكليف من مجلس الأزهر الأعلى، فقضى بها خمسة أشهر، زار فيها أهم مدنها وقابل علماءها وأمراءها واستقبلته الجماهير بحفاوة منقطعة النظير حتى كانت دموعه تغلبه فتفيض من شدة التأثر.

وفي سنة 1952م زار باكستان ممثلا للأزهر في المؤتمر الإسلامي المنعقد بكراتشي حيث ألقى بحثًا قَيِّمًا ممتازًا نال إعجاب الأعضاء.
وفي مارس سنة 1959م صدر قرار تعيينه عميدًا لكلية اللغة العربية، وظلَّ يُباشر عمله في العِمادة والتدريس والتَّوجيه والإرشاد حتى حان موعد إحالته إلى المعاش في 18 من سبتمبر سنة 1959م فصدر قرار جمهوري بمد خدمته عامًا، ثم صدر قرار آخر بمد خدمته ثلاثة أشهر أخرى حيث ترك العمل في 18 من ديسمبر سنة 1960م.

ولما أحيل إلى المعاش لم يخلد إلى الراحة والسكون؛ لأنه خلق مفطورًا على العلم وعلى العمل، وكانت شهرته قد ذاعت فأقبلت عليه الهيئات العلمية في الداخل والخارج كل الإقبال، ففي سنة 1961م حضر وزير أوقاف باكستان إلى القاهرة واجتمع بلفيف العلماء بمكتب وزير أوقاف مصر لاختيار أحدهم لوضع منهج تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية بأكاديمية العلوم الإسلامية في باكستان وكان فيهم الدكتور الفحام، وانفض الاجتماع، وسافر إلى الإسكندرية وما كاد يصل إليها حتى طلبه نجله هاتفيًّا للحضور إلى مكتب السفارة الباكستانية بالقاهرة لمقابلة وزير أوقاف باكستان في بيته وأنبأه باختياره للسفر إلى باكستان لوضع المناهج المطلوبة، فقضى هناك ستة أشهر أتمَّ فيها مهمته وأدَّى واجبه خير أداء، وانتهز الفرصة فزار مدن الهند وقابل علماءها الأعلام، واتصل بالهيئات الإسلامية فيها ووثق الروابط بينها وبين الأزهر.

وفي سنة 1963م سافر إلى موريتانيا ممثلا للأزهر لدراسة أحوال المسلمين فيها، وللوقوف على مدى حاجتهم إلى المدرسين من علماء الأزهر ومعرفة مقدار المنح الدراسية المطلوبة من الأزهر للطلبة الموريتانيين، والمعروف أن علماء موريتانيا يتحدثون العربية الفصحى ويحفظون كثيرًا من متون اللغة ومن عيون الشعر والنثر العربي فمنهم من يحفظ المعلقات، وغير ذلك، وقد بهرهم الشيخ الفحام بعلمه الغزير وخلقه القويم وإيمانه العميق، فاجتمع العلماء ومنحوه لقب (مواطن موريتاني) وسجلوا هذا في وثيقة علم بها وزير الداخلية في موريتانيا فوقَّع عليها معهم وجعلها وثيقة رسمية.

وفي سنة 1964م كلَّفه المجلس الأعلى للأزهر بالاشتراك في المؤتمر الإسلامي التمهيدي المنعقد في (باندونج بأندونيسيا) وفي سنة 1965م عاد إلى أندونيسيا للمشاركة في المؤتمر الإسلامي المنعقد في باندونج، والمكون من مندوبي الدول الإسلامية والإفريقية.

فتعرف إلى معظم زعماء وقادة العالم الإسلامي، ومنهم العالم الإسلامي الكبير عبد الكريم سايتو، زعيم المسلمين في اليابان الذي أهاب بعلماء المسلمين في المؤتمر لينشروا الإسلام في اليابان هاتفًا بهم: تعالوا بنا معشر المسلمين ننشر الإسلام في ربوع اليابان، وانعقدت أواصر الصداقة بينه وبين الدكتور الفحام منذ ذلك الحين.

وفي سنة 1967م زار ليبيا والجزائر ثم أسبانيا وشاهد الآثار العربية الإسلامية الرائعة في مدريد، وطليطلة، وقرطبة، وأشبيلية، ومالقة، والجزيرة الخضراء، وغيرها، كما زار (الأسكوريال) واطلع على ذخائر التراث العربي فيها.

أما زياراته للمملكة العربية السعودية فقد تعددت حيث أدى فريضة الحج ست مرات، وأدى العمرة ثلاث مرات.

وفي سنة 1970م (بعد ولايته مشيخة الأزهر) زار السودان فقوبل بحفاوة منقطعة النظير، وفي السنة نفسها تلقى دعوة من علماء المسلمين في الاتحاد السوفيتي ومفتيها ضياء الدين بابا خانوف لزيارة الاتحاد السوفيتي، فلبَّى الدعوة، وزار جمهوريتين إسلاميتين من جمهوريات الاتحاد السوفيتي الآسيوية وهما جمهورية أوزبكستان، وجمهورية طاجيكستان، كما زار سمرقند، وخرتنك وفيها ضريح الإمام البخاري رضي الله عنه، كما زار موسكو وليننجراد، وغيرها من البلاد الروسية، والتقى بزعماء المسلمين وعقد معهم أوثق الصلات.

وفي سنة 1971م زار إيران بدعوة من وزارة الأوقاف الإيرانية، فجال في كثير من مدنها الشهيرة، مثل طهران وأصفهان وقم، والتقى بكثير من أعلام الشيعة الإمامية، وقد استقبلوه بحفاوة عظيمة تتفق ومكانته العلمية ومنزلته الكبيرة، وتجاوب معهم وتجاوبوا معه، واتفق الجميع على العمل في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية الكاملة.

وفي سنة 1976م زاره صديقه الزعيم الإسلامي الياباني عبد الكريم سايتو، في منزله بالقاهرة ورجاه حضور المؤتمر الثامن لرجال الدين الذي سينعقد باليابان، فاستجاب لرجاء صديقه، وحضر مندوب المؤتمر فقابل الشيخ وطلب منه إعداد كلمة عن الإسلام فأعدها، وسافر إلى اليابان وحضر المؤتمر في 13 من يونيه سنة 1976م، وألقى الكلمة فَاسْتُقْبِلَتْ استقبالا حافلا بالإعجاب والتقدير وترجمت إلى اليابانية والإنجليزية ليعم نفعها جمهرة الباحثين والدارسين.

أخلاقه:
عُرِف الشيخ الإمام محمد محمد الفحام بالأدب الرفيع، والخلق الكريم، والعلم الغزير، والإيمان العميق، والشمائل الحميدة، والسجايا النبيلة، ولو قُدِّر لإنسان أن يسلم من عداوة أحد لكان هذا الإنسان هو الدكتور الفحام، فكان يعالج كل ما يصادفه من مشكلات بالرفق واللين، ويقابل الأحداث في هدوء واتزان، ويُقَوِّم الاعوجاج بالرفق والأناة، فعاش ما عاش في جو من المودة والرفق والحنان، قال عنه الدكتور أحمد عمار: إنه رجل ذو نفسٍ لوَّامة، يحاسب نفسه ويعاتبها، ويتجاوز عن إساءات الناس ويتسامح فيها، تلك هي نفس المؤمن.

مؤلفاته:
إن الآثار العلمية تتجلى فيمن تتلمذ من رجال أعلام تلقوا علومهم على يديه سواء في الأزهر، أو جامعة الإسكندرية ممن انتفعوا بعلمه وتخلقوا بأخلاقه كما تتجلى في مصنفاته وأبحاثه ودراساته، وما كتبه من مقالات وما ألقاه من محاضرات، وما أذاعه من توجيهات، ولو جمعنا هذه الدراسات لبلغت عدة مجلدات حافلة بالعلم الغزير والتفكير السديد والتوجيه الرشيد، ومن أهمها:
- رسالة (الموجهات في المنطق) ألفها وهو طالب، وطبعها وانتفع بها كثيرون من العلماء والمتعلمين.
- (سيبويه) بحث ناقش فيه آراء سيبويه وما لاحظه النحويون مناقشة الدارس المتمكن الذي يتحرى الحقائق دون ميل أو عصبية.
- مقالات عديدة متنوعة نشرها الإمام في مجلة المعرفة التي كانت تصدر بالعربية والفرنسية في باريس، وفي مجلة الإسلام، ومجلة الأزهر، ومجلة مجمع اللغة العربية، وغيرها من المجلات.
- المسلمون واسترداد بيت المقدس، أصدرته الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1970م.
هذا إلى جانب عدد كبير من الأبحاث والدراسات القيمة التي كتبها رحمه الله.

ولايته للمشيخة:
صدر قرار جمهوري رقم 1729 بتاريخ 5 من رجب سنة 1389هـ الموافق 16 من سبتمبر سنة 1969م بتعيين فضيلة الإمام الدكتور محمد محمد الفحام شيخًا للأزهر، فنهض بأعباء المشيخة وسط ظروف قاسية، وبين تيارات عنيفة قاد بها السفينة في هدوء واتزان، وفي هذه الأثناء ظهرت حركة التبشير عنيفة قوية عاتية، وقد استطاع الإمام أن يوائم بين واجبه الديني بوصفه إمامًا أكبر للمسلمين وواجبه الوطني في وحدة الصف ولـمِّ الشَّمل وتأمين الجبهة الداخلية، وكانت شخصية الإمام تقوم على دعامات عديدة كونتها مواهبه الفطرية المزدهرة، وعلمه الغزير، وتجاربه العديدة، ومعرفته بالعوامل الاقتصادية والطبائع البشرية أثناء اشتغاله بالتجارة، ورحلاته العديدة المتنوعة، وصداقاته الوثيقة بزعماء العالم الإسلامي، وعمله بمجمع البحوث الإسلامية، ومجمع اللغة العربية، حيث ازدهرت مواهبه وملكاته.

مجمع اللغة العربية:
وفي سنة 1972م تم انتخاب الإمام عضوًا بمجمع اللغة العربية، وقد أقام المجمع في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الإثنين 12 من صفر سنة 1392هـ الموافق 27 من مارس سنة 1972م حفلا لاستقباله، وظل الإمام يطالع المجمع اللغوي بدراساته وأبحاثه القيمة.
وفي مارس سنة 1973م استجاب المسؤولون لرغبته الملحة في الراحة بعد أن أثقلته الأعباء وآذته الأمراض، فصدر قرار جمهوري في 27 من مارس سنة 1973م بتعيين الأستاذ الدكتور عبد الحليم محمود شَيْخًا للأزهر.
وعكف الإمام الدكتور محمد الفحام على العبادة والبحث والدراسة.

وفاته: 
توفي الشيخ الإمام محمد محمد الفحام رحمه الله في 19 من شوال 1400هـ، الموافق 30 من أغسطس سنة 1980م، في بيته بالإسكندرية، ودُفِنَ في مدافن العائلة الموجودة في الإسكندرية (مدافن المنارة).

مصادر ترجمته:
- تتمة الأعلام للزركلي، محمد رمضان، دار ابن حزم -بيروت، (1418هـ= 1998م).
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- المجمعيون في خمسين عامًا، محمد مهدي علام، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية- (1406هـ= 1986م).
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.


اسمه:
عبد الحليم محمود، وينتهي نسبه إلي سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما.

الميلاد:
وُلد الشيخ عبد الحليم محمود في قرية أبو أحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في 2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ الموافق 12 من مايو 1910م، والقرية منسوبة إلى جده (أبو أحمد) الذي أنشأ القرية وأصلحها، وتُسمَّى الآن باسم (السلام).

نشأته ومراحل تعليمه:
نشأ الشيخ الإمام عبد الحليم محمود في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم في سِنٍّ مبكرة مِمَّا أثار إعجاب قريته ومحفظه، وكان والده -رحمه الله- صاحب دين وخلق وعلم، ذا همة عالية وثقافة، وكان ممن شغفوا بالثقافة الدينية وحلقات الأزهر العلمية، مما كان له الأثر في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر، فدخل الشيخ عبد الحليم الأزهر سنة 1923م، وظل به عامين ينتقل بين حلقاته، حتى تم افتتاح معهد الزقازيق سنة 1925م، فألحقه والده به لقربه من قريته، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكن والده آثر أن يكمل الشيخ عبد الحليم دراسته، فتقدم الشيخ لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فنالها سنة 1928م، ثم استكمل الشيخ الإمام دراسته العليا، فنال العَالِمية سنة 1932م، ولم يكتف والده بأن يعمل ابنه الشيخ عبد الحليم مُدَرِّسًا بل تطلع لأكبر من ذلك، واختار لدراسة ابنه جامعة السوربون في باريس على نفقته الخاصة، وآثر الشيخ عبد الحليم أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع، وحصل في كل منهما على شهادة عليا، وفي نهاية سنة 1937م التحق بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لعمل دراسة الدكتوراه في التصوف الإسلامي، وكان موضوعها: أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبي، وفي أثناء إعداد الرسالة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر سنة 1939م، وآثر كثير من زملائه العودة، ولكنه بالإيمان القوي والعزيمة الصلبة أصر على تكملة الرسالة وبلغ هدفه وتحدد لمناقشتها يوم 8 من يونيه سنة 1940م، ونال الدكتوراه بدرجة امتياز بمرتبة الشرف الأولى، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية.

بدأ الشيخ الإمام حياته العملية مُدَرِّسًا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم نقل أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين سنة 1951م، ثم عميدًا للكلية 1964م، وعين عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينًا عامًّا له، وبدأ عمله بدراسة أهداف المجمع، وكوَّن الجهاز الفني والإداري من خيار موظفي الأزهر ونظمه خير تنظيم، وأنشأ المكتبة به على أعلى مستوى من الجودة، وبعدها أقنع المسؤولين في الدولة بتخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتخصيصها للمجمع لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية إلى جانب قاعات فسيحة للاجتماعات، فكان أول من وضع لبنات مجمع البحوث الإسلامية واهتم بتنظيمه، وواصل الشيخ عبد الحليم محمود اهتمامه بالمجمع بعد تعيينه وكيلا للأزهر ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، ثم شيخًا للأزهر.

في سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، فازدادت أعباؤه، واتسعت مجالات جهوده، فراعى النهضة المباركة في مجمع البحوث، وبدأ يلقي محاضراته في كلية أصول الدين، ومعهد الدراسات العربية والإسلامية، ومعهد تدريب الأئمة، إلى جانب محاضراته العامة في الجمعيات والأندية الكبرى بالقاهرة وغيرها من الأقاليم، وكان مع هذا كله يوالي كتابة الدراسات والمقالات في المجلات الإسلامية الكبرى، ويواصل الدراسات ويصنف المؤلفات القيمة ويشرف على رسائل الدكتوراه، ويشارك في المؤتمرات والندوات العلمية، وامتد نشاطه إلى العالم الإسلامي كله بنفس الهمة والنشاط، ومن أهم رحلاته التي قام بها:

- سفره إلى العراق بدعوة من حكومتها لتنظيم وزارة الأوقاف العراقية وتنظيم المؤسسات الدينية بها، ووضع تقرير مفصل عن وجوه الإصلاح فيها، ومكث في مهمته شهرًا.
- تمثيله للأزهر في مهرجان الإمام الغزالي الذي عقد بدمشق سنة 1961م.
- سفره إلى تونس أستاذًا زائرًا لجامعة الزيتونة ثلاث مرات استغرقت كل منها ثلاثة أشهر.
- سفره إلى ليبيا أستاذًا زائرًا للجامعة الإسلامية ثلاث مرات استغرقت كل منها ثلاثة أشهر.
- سفره إلى الفلبين أستاذًا زائرًا لجامعة بينداناوا.
- سفره إلى أندونيسيا أستاذًا زائرًا لجامعة جاكرتا.
- سفره إلى باكستان أستاذًا زائرًا بدعوة من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية.
- سفره إلى السودان أستاذًا زائرًا لجامعة الخرطوم.
- سفره إلى ماليزيا أستاذًا زائرًا للمركز الإسلامي لإلقاء محاضرات دينية وتنظيم شؤون المسلمين بها.
- سفره إلى قطر بدعوة من حكومتها ووضع قواعد بناء التعليم الديني وألقى كثيرًا من المحاضرات بها.
- سفره إلى الكويت بدعوة من حكومتها لإلقاء محاضرات دينية في شهر رمضان المعظم.
- سفره إلى دولة الإمارات العربية بدعوة من حكومتها لافتتاح الموسم الثقافي لعام 1974م، ولإلقاء المحاضرات الدينية بها.
- سفره إلى ماليزيا بدعوة من حكومتها سنة 1974م لحضور إشهار عدد كبير من المواطنين الماليزيين إسلامهم بلغ تعدادهم أربعة آلاف مواطن.
- سفره إلى يوغسلافيا في 13 من مايو سنة 1975م.
- سفره إلى الهند في 26 من أكتوبر سنة 1976م.
- مشاركته في مؤتمر السيرة النبوية بباكستان في فبراير سنة 1976م.
- سفره إلى لندن لحضور مهرجان العالم الإسلامي في 30 من مارس سنة 1976م.
- سفره إلى مكة المكرمة لحضور مؤتمر رسالة المسجد في 16 من أبريل سنة 1976م.
- سفره إلى أندونيسيا بدعوة من حكومتها في 13 من أغسطس سنة 1976م.
- استجابته لدعوة الأمين العام للمؤتمر الاقتصادي الإسلامي المنعقد في لندن في الفترة من 30 يونيه إلى 16 من يوليو سنة 1977م، وقد التقى فضيلته بكثير من علماء اللاهوت، وأساتذة مقارنة الأديان بالجامعات الإنكليزية وبمشاهير علماء الاقتصاد، وتقدم بمقترحات هامة لوضع أسس متينة مقتبسة من الإسلام تتيح نهضة اقتصادية كبرى للشعوب الإسلامية. 

مؤلفاته:
اتسم الإمام الأكبر بغزارة إنتاجه الفكري الذي يربو على مائة كتاب تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، وكان أول ما نشر له قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف أندريه موروا عام 1365هـ=1946م، ثم تتابعت مؤلفاته الغزيرة في كثير من المجالات خاصة في مجال التصوف الذي يُعَدُّ من أسبق رواده في العصر الحديث، فقد تبدى مثالا للصوفية المقيدة بكتاب الله البعيدة عن الإفراط والتفريط حتى لُقِّبَ بغزالي مصر وأبي المتصوفين فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته، فكتب (قضية التصوف: المنقذ من الضلال) والذي عرض فيه لنشأة التصوف وعلاقته بالمعرفة وبالشريعة وتعرض بالشرح والتحليل لمنهج الإمام الغزالي في التصوف، كما ترجم لعشرات الأعلام الصوفيين مثل سفيان الثوري وأبي الحسن الشاذلي وأبي مدين الغوث وغيرهم الكثير.

كما كتب في الفلسفة الإسلامية، ويعد كتابه (التفكير الفلسفي في الإسلام) من أهم المراجع التي تتناول علم الفلسفة بمنظور إسلامي حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفي في الإسلام ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسبقها الفلسفة الغربية في كثير من طرق التفكير، كما تعرض للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام في عدة كتب مثل (الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام) و (فتاوى عن الشيوعية).

كما ظهر اهتمامه بالسنة النبوية فكتب العديد من الكتب عن الرسول وسنته، ويعد كتابه (السنة في مكانتها وتاريخها) من أهم كتبه في هذا المجال، كما كتب عن (دلائل النبوة ومعجزات الرسول).

واستعرض الإمام سيرته الذاتية في كتابه (الحمد لله هذه حياتي) والذي جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه في الإصلاح أكثر منه استعراضًا لمسيرة حياته، وعَبَّر عن منهجه التفصيلي في الإصلاح في كتابه القيم (منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع).

كما قام بتحقيق الكثير من أمهات الكتب مثل: (لطائف المنن) لابن عطاء الله السكندري، و(اللمع) لأبي نصر السراج الطوسي، و(المنقذ من الضلال) لحجة الإسلام الغزالي وغيرها.

وترجم العديد من الكتب في الفلسفة اليونانية والأخلاق مثل (الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها) لألبير ريفو، و(الأخلاق في الفلسفة الحديثة) لأندريه كريسون.

ولايته للمشيخة:
صدر قرار تعيين الشيخ الإمام عبد الحليم محمود شَيْخًا للأزهر في 27 من مارس سنة 1973م، وقد باشر فيه السعي لتحقيق أهدافه العلمية السامية التي بذلها وهو أستاذ بكلية أصول الدين، ثم وهو أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، ثم وهو وكيل للأزهر، ثم وهو وزير للأوقاف وشؤون الأزهر.

وقد صدر قرار جمهوري استصدره وزير شؤون الأزهر كاد يسلب به من الشيخ كل سلطة ويجرده من البقية الباقية من نفوذه، فغضب الشيخ الإمام عبد الحليم محمود لا لنفسه، وإنما غضب للأزهر، ولمكانة شيخه التي اهتزت واهتز باهتزازها مقام الأزهر في مصر وفي العالم العربي، بل في العالم الإسلامي كله، فلم يجد الإمام بدًّا من تقديم استقالته في 16 من يوليو سنة 1974م، ثم شفعها بخطاب آخر قدمه إلى السيد رئيس الجمهورية شَارِحًا فيه موقفه وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كله، مبينًا أن القرار الجمهوري السابق يغض من هذه القيادة ويعوقها عن أداء رسالتها الروحية في مصر وسائر الأقطار العربية والإسلامية، وقبل هذا أخطَرَ وكيل الأزهر بموقفه ليتحمل مسؤوليته حتى يتم تعيين شيخ آخر.

وروجع الإمام في أمر استقالته، وتوسط لديه الوسطاء فأصرَّ عليها كل الإصرار؛ لأن الموقف ليس موقف انتقاص من حقوقه الشخصية، وإنما هو انتقاص لحقوق الأزهر وهضم لمكانة شيخه.

ولو كان الأمر يتعلق بحقوق الإمام عبد الحليم محمود لتساهل فيها؛ لأنه صديق قديم لوزير شؤون الأزهر؛ ولأنه بفطرته زاهد في المناصب، عازف عن المظاهر، منصرف عن متاع الحياة الزائل وزخرفها الباطل، مؤمن كل الإيمان بأن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملا، فأَصَرَّ على تقديم استقالته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول مرتبه، وطلب تسوية معاشه، ووجه إلى وكيل الأزهر -وقتها- الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار خطابًا يطلب منه فيه أن يُصرِّف أمور مشيخة الأزهر حتى يتمَّ تعيين شيخ جديد.

وأحدثت الاستقالة آثارها العميقة في مصر وفي سائر الأقطار الإسلامية، وتقدم كثيرون من ذوي المكانة في الداخل والخارج يُلحِّون على الإمام راجين منه البقاء في منصبه، لكنه أبى.

وفاته: 
بعد عودة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود من رحلة الحج في 16 من ذي القعدة 1398هـ، الموافق 17 من أكتوبر 1978م قام بإجراء عملية جراحية بالقاهرة فتوفي على إثرها وتلقت الأمة الإسلامية نبأ وفاته بالأسى، وصلى عليه ألوف المسلمين الذين احتشدوا بالجامع الأزهر ليشيعوه إلى مثواه الأخير تاركًا تُرَاثًا فِكْرِيًّا ذَاخِرًا ما زال يعاد نشره وطباعته.

مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.


اسمه:
محمد عبد الرحمن بيصار.

الميلاد:
وُلِدَ الإمام بمدينة السالمية، مركز قرة، بمحافظة كفر الشيخ في 20 من أكتوبر سنة 1910م.

نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ القرآن الكريم وجوَّده ثم التحق بمعهد دسوق الديني، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شَغُوفًا بالتأليف فألَّف رواية اسمها (بؤس اليتامى) فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف، وهو عيب كبير في نظرهم، فأجروا معه تحقيقًا كانت نتيجته أن ترك معهد طنطا إلى معهد الإسكندرية حيث وجد فيه عقولا متفتحة تشجع المواهب الفكرية.

أتم دراسته بمعهد الإسكندرية ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرَّج فيها بتفوق سنة 1949م، وتم تعيينه مُدرِّسًا بها، فجذب إليه الطلبة ولفت أنظار الأساتذة، وفي سنة 1949م اختاره الأزهر في بعثة تعليمية إلى إنجلترا فانتقل بين الجامعات الإنجليزية حيث نهل منها العلم الكثير، ثم استقر بكلية الآداب بجامعة أدنبره، ونال منها الدكتواره بتفوق، وعاد بعدها أستاذًا بكلية أصول الدين.

وفي سنة 1955م رشَّحته ثقافته ليكون مديرًا للمركز الثقافي الإسلامي بواشنطن، وقام بشؤون المركز خير قيام، وجعله مركز إشعاع لجميع الطوائف الدينية في أوربا، واستطاع الإمام بيصار أن يحظى باحترام وتقدير جميع الطوائف، وظل يدير المركز لمدة 4 سنوات، وبعدها عاد إلى مصر أستاذًا بكلية أصول الدين.

وفي سنة 1963م اختاره الأزهر رئيسًا لبعثته التعليمية في ليبيا، فواصل مجهوداته في نشر الدعوة الإسلامية هناك.
وفي سنة 1968م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للأزهر، فاستطاع بثقافته العالية وخبرته العملية أن ينهض بأعباء هذا المنصب المهم وأدى واجبه على أكمل وجه.

وفي سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية واستطاع في هذا المنصب أن يقوم بنهضة علمية كبرى، وأشرف على إصدار عشرات المصنفات العلمية القيمة، وتحقيق طائفة من أمهات مصادر التراث الإسلامي الخالد.

وفي سنة 1974م خلا منصب وكيل الأزهر، فصدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، ووكيل الأزهر هو المعاون الأول لشيخه، والمتولي تنفيذ قراراته، والقائم بعمله حين غيابه أو مرضه، وكان الدكتور بيصار الساعد الأيمن للدكتور عبد الحليم محمود وموضع ثقته، وكان يستشيره في الأمور المهمة ويأخذ برأيه، ولهذا طلب تجديد خدمته أكثر من مرة إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في 15 من أكتوبر سنة 1978م.

مكانته العلمية، ومؤلفاته:
تخصص الإمام محمد عبد الرحمن بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامة لخصها في بحث ممتع ألقاه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970م، وكان عنوان البحث: (إثبات العقائد الإسلامية) تتلخص في ثلاثة مناهج وهي: منهج المتكلمين الذين يعتمدون على النص مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أوَّلا على العقل مع إيمانهم بالنص، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية، وخلص من نتائج بحثه إلى أن الحرية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية، هي: حث القرآن الكريم الإنسان على التأمل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، ورد شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.

وقد امتاز الإمام الأكبر بمواصلة البحث والدراسة في أدق المعارف الفلسفية والعلمية وصياغتها في أسلوب واضح دقيق يصل إلى العقول من أيسر الطرق، وترك للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات العلمية القيمة، وأهمها: 
- الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد.
- العقيدة والأخلاق في الفلسفة الإسلامية.
- الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية.
- تأملات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة.
- العالم بين القدم والحدوث.
- الإمكان والامتناع.
- شروح مختارة لكتاب المواقف، لعضد الدين الإيجي.
- الإسلام والمسيحية.
- رسالة باللغة الإنجليزية عن الحرب والسلام في الإسلام.
 - رجلان في التفكير الإسلامي، وهي دراسات عن حجة الإسلام الغزالي وإمام الحرمين الجويني.

ولايته للمشيخة:
في آخر يناير سنة 1979م صدر قرار بتعيين فضيلة الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار شَيْخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود.

وقد استهل عمله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر الانطلاق في أداء رسالته العَالَمية الكبرى ونظرًا لثقافته العلمية الواسعة عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية، إن دلت فإنما تدل على عقلية علمية واسعة وثقافة واعية متنوعة.

بدأ الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار عمله في مشيخة الأزهر بدراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله بما يحقق له الانطلاق دون معوقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، فنجح في إرساء قواعد المنهج الفلسفي والعلمي في الأزهر، ونهض به نهضة سجلها التاريخ له.

وفاته: 
توفي الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار رحمه الله في الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1402 هـ الموافق 7 من مارس سنة 1982م.

مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39