22 فبراير 2018 م

عُروةُ بن الزُّبَير رضي الله عنهما

عُروةُ بن الزُّبَير رضي الله عنهما

وقال الواقدي: "كان فقيهًا، عالِمًا، حافظًا، ثبتًا، حجة، عالـمًا بالسِّيَر، وهو أول من صنف المغازي، وكان من فقهاء المدينة المعدودين، ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه، وكان أروى الناس للشعر".
كان عروة بن الزبير محل تقدير كبير من أهل عصره؛ لما كان عليه من علم وعمل وتقوى وإيمان، فكانوا يكثرون من الثناء عليه، وذكر مآثره، كما كان لفضله وعلمه أحدَ فقهاء المدينة السبعة، ومثَّل عروة أحد أهم مصادر الرواية والتاريخ في عهده، لكثرة روايته عن خالته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وكذلك أمه السيدة أسماء رضي الله عنها، قال ابن شهاب: "لزمتُ ابنَ المسيب رضي الله عنه ثمانيَ سنين حتى توفي رحمه الله وكان أعلم الناس، ثم بعثني عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز، فإذا عنده إبراهيم بن قارظ الزهري فسمعني أحدث عن ابن المسيب رضي الله عنه، فقال: ما لي لا أراك تحدث عن عروة رضي الله عنه شيئًا، فقلت: أو صاحب ذلك هو؟، فقال لي: نعم، فلمَّا قَدِمْتُ المدينة لَزِمْتُ عروة بعد ابن المسيب رضي الله عنهما؛ فإذا هو بحرٌ لا تكدِّرُه الدِّلاء..".
وعن سفيان ابن عيينة رضي الله عنه قال: "كان أعلم الناس بحديث عائشة رضي الله عنها ثلاثة: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن" رضي الله عنهم، وعن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قال: "دخلتُ مع أبي المسجد؛ فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل، فقال أبي: يا بني، انظر من هذا، فنظرت فإذا هو عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قلتُ له: يا أبت هذا عروة؛ وتعجبت من ذلك، فقال: يا بني لا تعجب، فوالله لقد رأيتُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم ليسألونه.
وكان عروة بن الزبير رضي الله عنهما إذا كان أيام الرُّطَبِ، هدم حائط بستانٍ له؛ فيدخل الناس فيأكلون ويحملون، وكان إذا دخله ردَّدَ هذه الآية فيه حتى يخرج منه: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ﴾ [الكهف: 39].
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان يقرأ ربع القرآن كلَّ يوم نظرًا في المصحف، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قُطِعَتْ رِجله، ثم عاودَه من الليلة المقبلة.
ولِقطع رجله قصة مؤثرة تدل على قوَّة إيمانه وصبره وتحمله وتعلقه بالله جلَّ وعلا؛ فعن هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنه أنه خرج إلى الوليد بن عبد الملك حتى إذا كان بوادي القُرى وجد في رجله شيئًا فظهرَتْ به قرحة، وكانوا على رواحل، فأرادوه على أن يركب محملًا فأبى عليهم، ثم غلبوه فرحَّلوا ناقة له يحمل، فركبها ولم يركب مَحمَلًا قبل ذلك، فلما أصبح تلا هذه الآية: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: 2]، حتى فرغ منها، وقال: لقد أنعم الله على هذه الأمة في هذه المحامل بنعمة لا تؤدون شكرها، وترقَّى في رِجْلِهِ الوجَعُ حين قَدِمَ على الوليد، فلما رآه الوليد قال: يا أبا عبد الله اقطعها فإني أخاف أن تبالغ فوق ذلك، قال: فدونك، قال: فدعا له الطبيب، وقال له اشرب المُرْقِد (شرابٌ مخدِّر)، قال: لا أشرب مُرْقِدًا أبدًا، قال فقدَّرها الطبيب واحتاط بشي من اللحم الحي مخافة أن يبقى منها شيء ضمن فيرقى، فأخذ منشارًا فأمسَّه النار، وارتكأ له عروة فقطعها من نصف الساق، فما زاد على أن يقول "حس حس"، فقال الوليد: ما رأيت شيخًا قط أصبر من هذا.
ولم يُصَبْ عروة رضي الله عنه في هذه الرحلة بقطع رجله فقط، بل إن ابنًا له يُقال له محمد، كما يروي هشام بن عروة عن أبيه: أنه دخل إسطبل دواب من الليل ليبول، فركضَتْهُ بغلةٌ فقتلتْه، وكان من أحب ولده إليه، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة حتى رجع، فلما كان بوادي القُرى قال: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، اللهم كان لي بنون سبعة فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيت منهم ستة، وكانت لي أطراف أربعة فأخذت مني طرفا وبقَّيت لي ثلاثة، وإنك لئن ابتليت لقد عافيتَ، ولئن أخذتَ لقد أبقيت".
فلمَّا قَدِمَ المدينة جاءه رجلٌ من قومه يقال له عطاء بن ذؤيب، فقال: "يا أبا عبد الله، والله ما كنا نحتاج أن نسابقَ بك، ولا نصارع بك، ولكنا كنا نحتاج إلى رأيك والأنس بك، فأما ما أُصِبْتَ به فهو أمر ذخره الله لك، وأما ما كنا نحب أن يبقى لنا منك فقد بقي".. ونظر عروة إلى رجله في الطَّسْتِ حين قطعت فقال: "إن الله يعلم ما مَشِيتُ بك إلى معصية الله قط وأنا أعلم".
وعن هشام بن عروة أن أباه أحرق كتبًا له فيها فقه، ثم قال: لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي.. وقال عروة: "كنا نقول لا يُتَّخذُ كتابًا مع كتاب الله فمحوتُ كتبي، فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرت مريرته".
وكان يحرص على تعليم أولاده، ويحذرهم من التهاون فيه، فكان يقول لهم: يا بَنِيَّ، هلُمُّوا فتعلَّموا، فإن أزهد الناس في عالم أهلُه".
ولقد كان العلم والتعليم هدفًا وأمنيةً له، حرص عليها ودعا الله بها، فرزقه الله إياها؛ فعن عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد عن أبيه قال: "اجتمع في الحِجْرِ مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فقالوا: تمنَّوْا، فقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين عليه السلام وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا كلهم ما تمنَّوْا، ولعل ابنَ عمر قد غُفِرَ له".
ومن شكره على نعم الله تعالى: أنه كان لا يُؤتى أبدًا بطعام ولا شراب حتى الدواء، فيطعمه أو يشربه حتى يقول: "الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعَّمَنا، الله أكبر، اللهم أَلِفَتْنَا نِعْمَتُكَ بكل شيء، فأصبحنا وأمسينا منها بكل خير، نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصالحين ورب العالمين، الحمد لله، لا إله إلا الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار".
ومن نصائحه لأبنائه: "يا بَنِيَّ، لا يَهْدِيَنَّ أحدُكم إلى ربه عز وجل ما يستحي أن يَهْدِيَهُ إلى كريمِهِ، فإن الله عز وجل أكرمُ الكرماء وأحقُّ من اخْتِيرَ إليه".
ومات سيدنا عروة بن الزبير رضي الله عنهما في نهاية القرن الأول الهجري، واختُلف في سنة وفاته، لكنها في العشر الأخيرة من هذا القرن، وقال هشام بن عروة رحمه الله إن أباه مات وهو صائم، فلم يكن يفطر إلا أيام العيد والتشريق، فجعلوا يقولون له أفطر فلم يفطر.
المصادر:
- "تاريخ دمشق" لابن عساكر (40/ 237، وما بعدها).
- "البداية والنهاية" لابن كثير (12/ 476: 478).
- "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم (2/ 176، وما بعدها).
 

ولد الإمام مالك بن أنس، إمام المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام، سنة 93 هـ تقريبًا، وطلب العلم وهو صغير، على عدد من الأئمة من أبرز علماء المدينة المنورة، مثل: نافع، وسعيد المقْبُرِيِّ، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المنكدر، والزهري، وعبد الله بن دينار، وربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي. وللإمام مالك قصة مشهورة مع أبي جعفر المنصور، الخليفة العباسي آنئذٍ، حين طلب منه اعتماد كتابه "الموطأ" في مختلف البلاد الإسلامية، يقول الإمام مالك: "لما حج أبو جعفر المنصور دعاني، فدخلت عليه، فحدثني وسألني، فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك


الإمام الشافعي هو: أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي نسيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولد في سنة 150هـ بغزة، ومات بمصر في سنة 204ه. قَدِم الشافعي مكة صغيرًا، ونشأ يتيمًا فقيرًا في حجر والدته، حتى إنها لم يكن معها ما تعطي المعلم. حفظ الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى القرآن، ولما يتجاوز سبع سنين، وأخذ العلم عن شيوخ مكة منهم: سفيان بن عيينة. وقد حيل بين الشافعي رحمه اللَّه تعالى وبين الرحلة إلى الإمام الليث بن سعد بمصر، ثم رحل رحمه الله إلى المدينة للأخذ عن علمائها


ولد الإمام الحسن البصري بالمدينة، وهو الحسن بن أبي الحسن، اسم أبيه يسار وهو مولى زيد بن ثابت، ويقال مولى جابر بن عبد الله وقيل غير ذلك، وأمه خيرة مولاة لأم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها كانت تخدمها، وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فتشاغله السيدة أم سلمة رضي الله عنها بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كان


الإمام الليث بن سعد يكنى أبا الحارث، الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، ولد سنة 94ه، واستقل بالفتوى والكرم بمصر، مات سنة 175هـ، وقد حضر جنازته خالد بن عبد السلام الصدفي فقال: ما رأيت جنازة قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضًا، ويبكون، فقلت: يا أبت! كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة. فقال: يا بني! لا ترى مثله أبدًا. وكان من أبرز صفات الإمام الليث بن سعد صفة الكرم والسخاء، فمع كثرة علمه وفقهه وورعه كان


الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله، الإمام الحافظ صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري. ولد في بخارى سنة 194هـ، وتوفي سنة 256هـ، ونشأ يتيمًا. قام برحلة طويلة في طلب العلم. وكان آية في الحفظ وسعة العلم والذكاء. قالوا: لم تخرج خراسان مثله. سمع الحديث ببخارى قبل أن يخرج منها كما سمع ببلخ ونيسابور وبغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة ومصر والشام. سمع نحو ألف شيخ، وكان له مجلس حديث في بغداد وكان يجتمع له فيه زيادة على عشرين ألف رجل. وقد وقع


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39