14 فبراير 2018 م

علمُ الفَلك في الحضارة الإسلامية

علمُ الفَلك في الحضارة الإسلامية

تضمن الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأحكام الشرع الشريف عددًا من الإشارات الفلكية كانت دافعًا ومُحَفِّزًا لعلماء المسلمين للاهتمام بعلم الفلك والبراعة فيه، كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189]، كما جاء الأمر بالتوجه نحو قبلةٍ معيَّنةٍ في الصلاة، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وتحديد الاتجاه إلى القبلة جهة المسجد الحرام يحتاج إلى معرفةٍ بعلم الفلك في الأماكن البعيدة عن المسجد الحرام، وكذلك تحديدُ مواقيت الصلاة، وبداية الشهور القمرية؛ لأهميَّتِها في أداء المناسك والعبادات المختلفة.
وقد عُرف علمُ الفلك عند علماء الحضارة الإسلامية باسم "علم الهيئة" أو "علم الأنواء" أو "علم التنجيم"؛ نظرًا لارتباطه بدراسة الأفلاك والنجوم والأبراج وما يتعلق بهذا المجال، وقد استوعب العلماءُ المسلمون ما سبقهم إليه غيرُهم من علماء الحضارات الأخرى في مصر واليونان وفارس والهند، وترجموا كتاب "مفتاح النُّجوم" المنسوب إلى "هرمس" الحكيم ثم كتاب "المجسطي" لبطليموس، و"السند هند"، وبدأوا في التأليف على نهج هذه الكتب، ثم بدأت مرحلة الابتكار التي بلغت أوجها ابتداءً من القرن الثالث الهجري وحتى منتصف القرن التاسع.
وتم خلال هذه الفترة تأليف العديد من الكتب مثل "الزيج الصابي" للبتاني، و"زيج السند هند" للخوارزمي، و"النجوم الثابتة" لعبد الرحمن الصوفي، و"الزيج الحاكمي الكبير" لابن يونس وغيرها، كما تمَّ اختراعُ العديد من الآلات والأجهزة التي تُستخدم في عمليَّات رَصْدِ النُّجوم والأفلاك، مثل "المزولة الشمسية"، و"الساعة المائية"، و"الأَسْطُرلاب" بأشكالِه المختلفة، وبيت الإبرة "البوصلة"، ومعظم الأجهزة الحديثة تجد أصلًا لنظريتها وفكرة عملها في كتب علماء العرب والمسلمين.
وطَوَّرَ علماء الفلك المسلمون من أبحاثهم حول تصور شكل الكون، وانتقدوا النموذج البَطْلَمِي -نسبة إلى بطليموس- السائد في هذا الوقت الذي كان يعتبر الأرض هي مركز الكون، وتدور حولها الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشترى وزُحَل، وأن الحركة الكوكبية دائريةٌ منتظمة، فألَّف الحسن بن الهيثم كتابه المهم "الشكوك على بطليموس" أورد فيه 16 اعتراضًا على نظريته، وقدَّم نصير الدين الطوسي إصلاحًا أشمل باقتراح آلية تعرف باسم "مزدوجة الطوس" لتفسير التناقضات الواضحة بين تراكيب بطليموس النظرية وبين نتائج الأرصاد العملية، وقدَّم مؤيد الدين العرضي الدمشقي وابن الشاطر -من أبرز فلكيي مرصد مراغة-، أبحاثًا مهمة مهَّدَت لنظرية كوبر نيكوس الخاصة بمركزية الشمس، ودَرَّسَ الفلكيون العرب المسلمون كلف الشمس الذي تطور فيما بعد إلى علم البقع الشمسية، وتَوَصَّلُوا إلى أن الغلاف الغازي يحيط بالأرض من جميع الجهات إلى ارتفاع يقترب من طول قُطر الأرض.
كما رصد الفلكيون العرب الكواكب والنجوم وعيَّنوا مواقعها ورسموا لها الخرائط وأعطوها كثيرًا من الأسماء التي لا تزال معروفة بها إلى يومنا هذا، كما توصل عدد منهم إلى كروية الأرض، وبرهن على ذلك ابن طفيل في قصته "حي بن يقظان"، وأشار إلى مثل ذلك المسعودي والإدريسي، ونشأ عن رصد العلماء المسلمين للاعتدال الشمسي تعيينُهم مدة السنة بالضبط، واستطاعوا أيضًا تحديد عرض وطول العديد من المدن المهمة في العالم، وقد أدَّى هذا التقدم العلمي لعلماء الحضارة الإسلامية في علم الفلك إلى اعتماد أقوالهم ونقلها للعديد من الحضارات الأخرى لمئات من السنين.
- المراصد الفلكية:
أجريت أول أرصاد علمية في الإسلام في عهد الخليفة المأمون العباسي في دمشق بالشام والشماسة ببغداد سنة 214هـ، وذلك بعد اطلاعهم على كتاب "الْمَجِسطي" وتعرفهم على آلات الرصد الموصوفة فيه، وبعد ذلك تعددت المراصد الفلكية وزادت بزيادة الفلكيين وتطورات علم الفلك، فأنشئ في بغداد مرصد "ابن الأعلم" ومرصد "بني موسى"، و"المرصد الشرفي" نسبة إلى شرف الدولة بن عضد الدولة البويهي.
وفي الشام أنشأ البتاني مرصدًا وكذلك ابن الشاطر، وفي مصر أنشئ "المرصد الحاكمي"، وتم إنشاء العديد من المراصد الخاصة كمرصد "دوارة الرياح" بأشبيلية، ومرصد "أصبهان" وغيرها.
وقد تم إنشاء المرصد الحاكمي أعلى جبل المقطم في موضع القلعة حاليًّا، وقد وضع فيه ابن يونس الفلكي الزيج الكبير المسمى بــ "الزيج الحاكمي"، والذي حلَّ محل الأزياج التي وضعت قبله، واستنسخ الزيج الحاكمي في جميع كتب علم الفلك، والزيج عبارة عن كتاب يتحدد من خلاله حساب سير الكواكب.
ومن أشهر المراصد التي عرفتها الحضارة الإسلامية في علم الفلك مرصد "مراغة" بأذربيجان، وقد أنشأه نصير الدين الطوسي ومعاونوه سنة 657هـ مستغلًّا علاقته الجيدة بهولاكو زعيم المغول، الذي كان محبًّا للتنجيم والعلوم.
وألَّف مؤيد الدين العُرضي -أحد علماء مرصد مراغة- كتابًا شرح فيه الآلات المستخدمة في المرصد وسمَّاه "في كيفية الأرصاد" وهو كتاب مخطوط يحتوي على معلومات قيمة عن أجهزة المرصد.
وذكر المستشرق سيديو أن الطوسي أحدث ثقبًا في قبة المرصد تنفذ منه أشعة الشمس على وجه تُعْرَفُ به درجات حركتها اليومية ودقائقها وارتفاعاها في مختلف فصول السنة، وتعاقب الساعات، واستمر نشاط هذا المرصد العظيم حتى أوائل القرن الثامن الهجري.
وعندما زار أولوغ بك حفيد تيمور لنك أنقاض مرصد مراغة تأثرت نفسه بما رآه وأوحت إليه تلك الأنقاض بتأسيس مرصدٍ جديدٍ، وكان أولوغ بك مقبلًا على علم الفلك، وأحاط نفسه بعدد غير قليل من علماء المسلمين؛ كما فعل جده تيمور لنك، وقد كان تأسيس هذا المرصد الجديد في سمرقند -أوزبكستان حاليًّا- حوالي سنة 823هـ، واستطاع أولوغ بك بما كان لديه من الغنى ووفرة العلماء صناعة آلات رصدية لم تكن معروفة قبل ذلك التاريخ.
لقد مثَّلت هذه المراصد الفلكية مدارس علمية متخصصة في علم الفلك أسسها العلماء المسلمون والولاة الذين كان لديهم اهتمام وولع بعلم الفلك، وأسهمت هذه المدارس العلمية الفلكية في تطوير هذا العلم.
المصادر:
- "التراث العلمي للحضارة الإسلامية" للدكتور أحمد فؤاد باشا (ص: 94 وما بعدها، ط. دار المعارف).
- "حضارة العرب" لجوستاف لوبون (ص: 472 وما بعدها، ط. هنداوي).
- "علم الفلك " للدكتور أحمد فؤاد باشا، والدكتور رفعت حسن هلال، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ص: 651 وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "المراصد الفلكية" للدكتور أحمد فؤاد باشا، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ص: 667 وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "علم الفلك العربي" للدكتور محمد صالحية، مجلة "شؤون عربية"، أبريل 1981م (ص: 174 وما بعدها).
 

الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة،


من المعالم الحضارية في الإسلام التكافل الاجتماعي الذي يوفر الحماية والرعاية والأمن والأمان النفسي للفرد في هذا المجتمع. والتكافل في الإسلام مظلة طمأنينة تشمل المجتمع كله؛ ذلك أن الإنسان كائن مدني بطبعه، لا يستطيع أن يحيا فردًا ولا تستقيم له حياة إلا في جماعة متعاونة متكافلة تحافظ على كرامة هذا الإنسان أيًّا ما كان دينه أو انتماؤه.


العدل من القيم الرفيعة السامية التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية، والعدل هو ميزان الكون وأساس الملك، وقد فرضه الله تعالى في كل الكتب المنزلة، واتفقت البشرية في قوانينها الوضعية على وجوب تحقيقه والتزامه وبناء الأحكام عليه، وكلما تحققت الأمم بالعدل ارتقت حضاريًّا، وكلما فشا الجور والظلم في أمة تخلفت وسقطت في درك الشقاوة والفقر والتخلف والجهل،


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39