كان ثوبانُ بن بجدد (أو جحدر) مولًى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان قد سُبِيَ من أرض الحجاز، فاشتراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعتقَه؛ فلزم ثوبانُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وصَحِبَه، وحفظ عنه كثيرًا من العلم.
طال عُمُر ثوبان، واشتهر ذكره، وكان يُكَنَّى أبا عبد الله، ويقال: أبا عبد الرحمن، وقد وقع له موقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نزل بسببه آيةً عظيمةً من آيات كتاب الله تعالى، وهي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 96].
فقد قال الكلبي: [نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان شديدَ الحبِّ له قليلَ الصَّبرِ عَنْهُ، فأتاه ذاتَ يومٍ وقد تغيَّر لونه ونحل جسمه، يُعرَفُ في وجهِهِ الحزن، فقال له رسول الله: «يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ»؟ فقال: يا رسول الله ما بي من ضُرٍّ ولا وجعٍ غير أنِّي إذا لم أَرَكْ اشتقتُ إليك واستوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاك، ثم ذكرتُ الآخرة وأخافُ ألَّا أراكَ هناك؛ لأنِّي أعرف أنَّك تُرْفَعُ مع النبيين، وأنِّي وإنْ دخلتُ الجنَّة كنتُ في منزلةٍ أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنَّة فذاك أحرى ألَّا أرك أبدًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية] اهـ.
وهذا من شدَّة حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعلُّقه به ورغبته الشديدة في ملازمته في الدنيا والآخرة، فبيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ السَّبيلَ لتحقيقِ هذه الغاية العظمى من صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة هي طاعة الله ورسوله والالتزام بالأوامر والنَّواهي الواردة منهما، فهذا سبيل صحبة هذه الطبقة الراقية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فهم أفضل رفقةٍ يصحبها المرءُ ويأنس بها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» متفق عليه.
ومن التزام سيدنا ثوبان رضي الله عنه بأمر الطَّاعة لله والرسول، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال -فيما رواه الحاكم في "المستدرك"-: «مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا فَأَتَكَفَّلَ لَهُ بِالْـجَنَّةِ» فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل الناسَ شيئًا، وذلك من شِدَّة التزامه بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته لله ورسوله.
وقد مات سيدنا ثوبان رضي الله عنه سنة أربع وخمسين من الهجرة، رضي الله عنه وأرضاه، وجمعنا به مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
المصادر:
- "أسباب النزول" للواحدي.
- "تفسير البَغَوي".