الإمام ابن الحاجب

الإمام ابن الحاجب

اسمه ونسبه ومولده:
هو الشيخ الإمام جمال الأئمة والملة والدين عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس أبو عمرو ابن الحاجب الكردي الدُّويني الأصل(1) الإسنائي المولد الإمام العلامة الفقيه المالكي الأصولي النحوي المقرئ. ولد سنة سبعين أو إحدى وسبعين وخمسمائة (570 أو 571هـ) -الشك من الشيخ نفسه- الموافق (1174 أو 1175م) بإسنا في صعيد مصر وكان أبوه جنديًّا كرديًّا حاجبًا للأمير عز الدين موسك الصلاحي -وهو ابن خال السلطان صلاح الدين- قدم به أبوه إلى القاهرة فحفظ القرآن وبدأ الاشتغال بالعلم في صغره.

شيوخه:
1- الإمام الشاطبي أبو محمد قاسم بن فِيرُّه بن أبي القاسم خلف الرعيني (538-590هـ)، تأدب عليه وقرأ عليه القرآن ببعض الروايات وسمع منه التيسير والشاطبية.
2- أبو الفضل محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الحنفي (522-599هـ). قرأ عليه جميع القراءات.
3- أبو الجود غياث بن فارس بن مكي بن عبد الله اللخمي (518-605هـ) قرأ عليه بالسبع.
4- أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري (506-598هـ) سمع منه الحديث وأخذه عنه.
5- أبو منصور شمس الدين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن علي الصنهاجي الأَبياري(2) (557-618هـ) وقد تفقه عليه وعليه اعتماده.
6- أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى البرمكي (583-637هـ).
7- أبو حامد محمد بن علي بن محمود كمال الدين بن الصابوني (ت: 680هـ).
8- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد الأرتاحي (ت:601هـ) سمع منه الحديث وهو آخر من حدث بالشام.
9- الحافظ بهاء الدين أبو محمد القاسم بن عساكر (527-600هـ). سمع منه الحديث بدمشق.
10- الإمام أبو الحسن الشاذلي تقي الدين علي بن عبد الله (571-656هـ) إمام الطريقة الشاذلية. قرأ عليه كتاب (الشفا) للقاضي عياض.
11- إسماعيل بن ياسين. سمع منه الحديث.
12- حماد الحراني. سمع منه الحديث.
13- فاطمة بنت سعد الخير. سمع منها الحديث.
14- أحمد بن الحسن أبو غالب المعروف بابن البنا. وقد تأدب عليه.
15- أبو الحسن بن جبير. أخذ عنه الفقه والأصول.

صفاته:
كان الشيخ - رحمه الله - فقيهًا فاضلا مفتيًا مناظرًا مبرزًا في عدة علوم مُتبحرًا فيها مع ثقة ودين وورع وتواضع واحتمال دون تكلف، وكان من أذكياء العالم، ضرب به المثل في حِدَّة الذِّهن وحسن التصور وكان رأسًا في علوم كثيرة منها: الأصول والفروع والعربية والتصريف والعروض والتفسير.

قال القاضي ابن خلكان: كان من أحسن خلق الله ذهنًا وجاءني مرارًا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب عنها أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، وذكره العلامة ابن أبي شامة فقال: كان من أذكى الأمة قريحة، ركنًا من أركان الدين في العلم والعمل بارعًا في العلوم الأصولية وتحقيق علم العربية متقنًا لمذهب مالك وكان ثقة حجة متواضعًا عفيفًا كثير الحياء منصفًا محبًّا للعلم وأهله ناشرًا له صبورًا على البلوى محتملا للأذى.

وفي الجملة فقد كان ابن الحاجب علامة زمانه ورئيس أقرانه استخرج ما كَمُنَ من درر الفهم ومزج نحو الألفاظ بنحو المعاني، وأسس قواعد تلك المباني وتفقه حتى ساد أهل عصره وكان من أنجم الهداية.

وقد استوطن مصر ثم استوطن الشام ودرس بجامعها في الزاوية النورية المالكية ثم رجع إلى مصر مع العز بن عبد السلام فاستوطنها سنة 638هـ وذلك بعد أن أخرجهما والي دمشق لإنكارهما عليه أمورًا قام بها، وتصدر بالمدرسة الفاضلية بالموضع الذي كان يُدرِّس فيه الشاطبي وقصده الطلبة ثم توجه إلى الإسكندرية ليقيم بها فلم تطل مدته هناك، وقد نهل الفضلاء من علمه الزاخر وهو في كل ذلك على حال عدالة وفي منصب جلالة وصنف التصانيف المفيدة وخالف النحاة في مسائل دقيقة، وأورد عليهم إشكالات وإلزامات مفحمة تعز الإجابة عنها.

كان الشيخ -رحمه الله- ذا قدرة عجيبة على الاختصار حتى إنه كان يضن بالفاء أو الواو إذا كانت زائدة يتم المعنى بدونها وقد يختصر الخطبة التي تكون أول التصنيف بل قد يكتفي بالبسملة ويشرع في ذكر ذلك العلم الذي قصده. وله القدرة على إدراج المسائل الكثيرة في الألفاظ القليلة. ومصنفاته فيها حسن صناعة وجودة تصنيف تدل على تمكنه وحذقه وذكائه وقد رزقت القبول وطارت في الآفاق وسارت بها الركبان.

وكان ابن الحاجب وابن مالك -رحمهما الله تعالى- طرفي نقيض خالفا العادة؛ لأن ابن مالك مغربي شافعي وابن الحاجب كردي مالكي ومن هنا غلط بعض الشراح للمقدمة فجعله مغربيًّا لما سمع بأنه مالكي.
ومن شعره: 

إن تغيبوا عن العيان فأنتم في قلوب حضوركم مستمر
مثلما تثبت الحقائق في الذهـــن وفي خارج لها مستقر

ومنه إلى تلميذه منصور بن سليم: 

إن غبتم صورة عن ناظري فما زلت حضورًا على التحقيق في خلدي
مثل الحقائق في الأذهان حاضرة وإن ترد صورة في خارج تجد

ومنه: 

قد كان ظني أن الشيب يرشدني إذا أتى فإذا غيي به كثرا
يا واسع الرحمة اغفر واعف عن زللي قد عم عفوك من يأتيك منزجرا
ولست أقنط من عفو الكريم وإن أسرفت جهلا فكم عافى وكم غفرا
إن خص عفو إلهي المحسنين فمن يرجو المسيء ويدعوه إذا عثرا


تلاميذه:
1- الحافظ الإمام شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي ابن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري (ت:656هـ) وقد روى عنه الحديث.
2- الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسين بن شرف الدمياطي (613-705هـ) روى عنه الحديث.
3- شرف الدين عبد الله بن محمد بن علي الفهري المعروف بابن التلمساني (ت:644هـ).
4- كمال الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن خلف الأنصاري الزملكاني (ت:651هـ) أخذ عنه النحو.
5- الملك الناصر داود بن عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب. وكان سلطان دمشق بعد أبيه نحوًا من سنة (ت:656هـ). وقرأ عليه النحو.
6- عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان أبو شامة المقدسي (ت:665هـ).
7- الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي العلامة المشهور صاحب الألفية. يقول الخضري في حاشيته على ابن عقيل: «ونقل التبريزي في أواخر شرح الحاجبية أنه -أي ابن مالك- جلس في حلقة ابن الحاجب واستفاد منه» قال الدماميني: «لم أقف عليه لغيره ولا أدري من أين أخذه».
8- الإمام الحافظ منصور بن سليم بن منصور الإسكندراني الشافعي (607-637هـ) وقد روى عنه الحديث.
9- العلامة زين الدين عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس قاضي قضاة المالكية بدمشق (ت:681هـ).
10- الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور المعروف بابن المنَيِّر (ت:683هـ) تفقه به وأجازه بالإفتاء. وكان ابن الحاجب معجبًا به أشد الإعجاب لفرط ذكائه وكثرة بحثه، وفيه يقول: 

لقد سئمت حياتي اليوم لولا مباحث ساكن الإسكندرية
كأحمد سبط أحمد حين يأتي بكل غريبة كالعبقرية
تذكرني مباحثه زمانا وإخوانا لقيتهمو سرية
زمانا كان لا يبارى فيه مدرسنا وتغبطنا البرية
مضوا فكأنهم إما مناما وإما صبحة أضحت عشية

11- الإمام العلامة المحقق أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله القرافي صاحب التآليف البديعة (ت:684هـ).
12- الشيخ أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم، الإمام العلامة رضي الدين القسنطيني الشافعي النحوي (607-695هـ). أخذ عنه العربية وشرح الكافية التي لشيخه.
13- الإمام المحدث زين الدين علي بن محمد بن المنير قاضي القضاة شارح البخاري (ت:695هـ).
14- موفق الدين محمد بن أبي العلاء بن علي النصيـبي البعلبكي (ت:695هـ). أخذ عنه القراءات.
15- الإمام ناصر الدين أبو علي منصور بن أحمد بن عبد الحق الزواوي (631- 731هـ).
16- أبو علي الحسن بن الجلال. روى عنه الحديث.
17- أبو الفضل الإربلي الذهبي.
18- جمال الدين أبو إسحاق الفاضلي.
19- الشيخة أم محمد وجيهة بنت علي بن يحيى بن سلطان السكندرية.
    وروى عنه طائفة بالإجازة منهم:
20- العماد بن البالسي.
21- عبد العزيز بن إبراهيم بن يَنَّة الهواري ولد سنة (617هـ).
22- أبو الحسن بن البقال.
23- ياقوت الحموي.
 

مصنفاته:
1- كتاب الجامع بين الأمهات في الفقه. وقد بالغ الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- في مدح هذا الكتاب وكان مما قال فيه: «هذا كتاب أتى بعجب العجاب ودعا قصي الإجادة فكان المجاب، وراض عصي المراد فأزال شماسه وانجاب، وأبدى ما حقه أن تصرف أعنة الشكر إليه، وتلقى مقاليد الاستحسان بين يديه، وأن يبالغ في استحسانه وتشكر نفحات خاطره ونفثات لسانه، فإنه -رحمه الله تعالى- تيسرت له البلاغة فتفيأ ظلها الظليل وتفجرت له ينابيع الحكمة فكان خاطره ببطن المسيل وقرب المرمى فخفف الحمل الثقيل وقام بوظيفة الإيجاز فناداه لسان الإنصاف: ما على المحسنين من سبيل».
وكان الشيخ كمال الدين الزملكاني يقول: «ليس للشافعية مثل مختصر ابن الحاجب للمالكية وكفى بهذه الشهادة فخرًا». وقد اعتنى العلماء شرقًا وغربًا بشرح هذا الكتاب وتدريسه.
2- كافية ذوي الأرب في معرفة كلام العرب. المعروفة بالكافية وهي مقدمة وجيزة في النحو. وكان أبو حيان يقول عنها: هذه نحو الفقهاء! وقد انتشرت انتشارًا فاق الحدود حتى إن مخطوطاتها في كل مكتبة من مكتبات العالم تقريبًا. وقد بلغت شروحها (67) شرحًا وثلاثة مختصرات وخمس منظومات. وقد طبعت طبعات عديدة.
3- الشافية وهي مقدمة وجيزة في التصريف. وقد اعتنى بها العلماء كذلك فبلغ عدد شروحها (26) شرحًا. وقد طبعت طبعات عديدة. وقد ظهرت بركة هذين الكتابين على الطلبة وأقبل العلماء عليهما بالدرس والشرح وتصدرا قائمة الكتب المدرسية في معاهد العلم شرقًا وغربًا.
4- شرح المقدمتين شرحًا مختصرًا. وقد طبع هذا الشرح بإستانبول ثم تكرر طبعه.
5- منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل وهو في أصول الفقه.
6- مختصر منتهى السول والأمل. وقد اعتنى العلماء بهذا المختصر فصار كتاب الناس شرقًا وغربًا واشتغل العلماء به. وشرحه كثرة كاثرة من العلماء والفضلاء.
7- الأمالي. وهو في غاية الإفادة اشتمل على فوائد عربية غريبة ونكات وقواعد وغير ذلك.
8- الإيضاح في شرح المفصل للزمخشري. وقد طبع بتحقيق الدكتور موسى العليلي ببغداد في جزأين.
9- نظم الكافية وسماه: الوافية في نظم الكافية.
10- شرح الوافية نظم الكافية. طبع بتحقيق الدكتور موسى العليلي بالعراق سنة 1981م.
11- شرح المقدمة الجزولية.
12- المقصد الجليل في علم الخليل. وهو نظم في العروض على وزن الشاطبية تقع في (171) بيتًا. وشرحها الإمام الإسنوي.
13- رسالة في العشر. وهي رسالة صغيرة في استعمال كلمة «عشر» في أول الكلام وآخره.
14- القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة.
15- كتاب في علم الكلام. وقد كتب عليه ثلاثة شروح.

وفاته:
توفي الشيخ - رحمه الله - في السادس والعشرين من شوال سنة ست وأربعين وستمائة (26شوال 646هـ) الموافق 18 من فبراير سنة 1249م بالإسكندرية ضحوة النهار ودفن من يومه بباب البحر بمقبرة الشيخ الصالح بن أبي شامة -رحمه الله تعالى- وموضع ضريحه الآن في الطابق السفلي من مسجد أبي العباس المرسي.
ولما مات رثاه الفقيه أبو العباس ناصر الدين أحمد بن المنير وكتبت على قبره هذه الأبيات: 

ألا أيها المختال في مطرف العمر هلم إلى قبر الفقيه أبي عمرو
ترى العلم والآداب والفضل والتقى ونيل المنى والعز غيبن في قبر
وتوقن أن لا بد ترجع مرة إلى صدف الأجداث مكنونة الدر
فتدعو له الرحمن دعوة رحمة يكافئ بها في مثل منزله القفر

    رحم الله الإمام ابن الحاجب رحمة واسعة جزاء ما قدم للعلم وأهله وطيب ثراه وجعل الجنة مثوانا ومثواه.

مصادر الترجمة:
1- المنهل الصافي (7/421- 424).
2- الطالع السعيد للإدفوي ص (352 - 357).
3- البداية والنهاية (17/300- 302).
4- الديباج المذهب ص (289-291).
5- البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي ص (140).
6- غاية النهاية لابن الجزري (1/ 508، 509).
7- بغية الوعاة للسيوطي (2/ 134،135).
8- حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 456).
9- شذرات الذهب ص (5/234).
10- شجرة النور الزكية (1/ 167، 168).
11- الفتح المبين في طبقات الأصوليين (2/65، 66).
12- الذيل على الروضتين ص (182).
13- وفيات الأعيان (3/248).
14- نهاية الأرب (29/330).
15- سير أعلام النبلاء (23/264-266).
16- معرفة القراء الكبار (2/516).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدُّوِيني: بضم المهملة وكسر الواو نسبة إلى (دُوِين) بلدة في آخر حدود أذربيجان بقرب تفليس. (معجم البلدان 2/491).
(2) نسبة إلى أبيار بفتح الهمزة وسكون الباء جمع بئر. وهي بلدة بمحافظة الغربية. (الديباج 213، الفتح المبين 3/ 52).

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39