21 مايو 2017 م

التكايا والزوايا ودورها في التربية ونشر العلم

التكايا والزوايا ودورها في التربية ونشر العلم

التكايا والزوايا من المؤسسات المهمة التي أنتجتها الحضارة الإسلامية؛ لتقدم نموذجًا فريدًا في خدمة المجتمع والرسالة الدينية والقيم الإنسانية، وقد كانت –تحديدًا- من ثمار التفاعل الصوفي مع الواقع وتيسير أفضل السبل لتحقيق الغاية من سلوك طريق التصوف.
وهناك عددٌ من المفاهيم لا بد من بيانها قبل الحديث عن أثر هذه المؤسسات الصوفية في الحضارة الإسلامية:
الخَانِقَاوات أو التَّكَايا: وهي منشآت كانت تخصَّصُ لإيواء المتصوفة والمنقطعين للعبادة، وتطلق على الحرم الكبير الذي تُشاد فوقه قبة عالية وتقام فيه الصلوات الخمس والأذكار، ويعين له المؤذنون والقرَّاء والمدرسون والمقدَّمون والمنشدون، وكانت تُسمَّى في الدولة العثمانية بالتَّكايا، ومفردها تَكِيَّة، وانتشرت هذه المؤسسات في الأقطار الإسلامية المختلفة، ولا سيما إيران ومصر والأقطار العثمانية.
أما الزَّاويَة: فهي مسجد لإقامة شعائر الدين الحنيف، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعهد لطلب العلم في الشريعة والحقيقة.
وهناك الرُّبط -جمع رِبَاط-: التي كانت تقام في المناطق المعرَّضة للهجوم العسكري، وكان من يقيمون بها يسمون المرابطين، وكانت للتهجُّد والتأمل والاستغراق بشهود عظمة الله تعالى، وفي الوقت ذاته معسكر يحمي بلاد المسلمين من هجوم الأعداء؛ ولذا انتشرت بأعدادٍ أكبر على السواحل الإسلامية مثل البحر الأبيض وغيره، وهذا هو سبب انتشار أضرحةٍ لأولياء صالحين في المدن السَّاحليَّة، حيث كانوا يقيمون مع مريديهم في هذه الربط لعبادة الله والتعليم والتأمل والجهاد.
لقد كانت التَّكَايا والزَّوايا والرُّبط إحدى الركائز الهامَّة للتربية الدينية والاجتماعية، فقد كانت تعتمد أنظمة دقيقة في إدارتها وتنظيم شؤونها، وتُعقد فيها حلقات الذكر، ومجالس العلم، وكان بعضها يُدَرِّسُ فقهَ أحدِ المذاهب والبعضُ الآخرُ يُدَرِّسُ أكثر من مذهب، وكانت نموذجًا تطبيقيًّا للتضحية والفداء من أجل خدمة العقيدة والدفاع عن المجتمع، وكان لاستشهاد الكثير من مشايخ وعلماء التصوف الموجودين في هذه المؤسسات أثناء مقاومة الغزو المغولي أو رد هجمات الصليبيين، أثر بليغ في ترسيخ المعاني السامية المتعلقة بحماية الأمة والمجتمع وبذل الغالي والنفيس من أجل حماية الأوطان والعقائد.
ومن نماذج تنظيم وإدارة هذه المؤسسات ما يذكره ابن بطوطة في "رحلاته" حيث قال: [ولكل زاوية شيخ وحارس وترتيب أمورهم عجيب، ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خُدَيْمُ الزاوية إلى الفقراء صباحًا فيعين له كل واحد ما يشتهيه من الطعام، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقة في إناء على حدة، لا يشاركه فيه أحد، وطعامهم مرَّتان في اليوم، ولهم كسوةُ الشتاء وكسوةُ الصيف، ومرتَّبٌ شهريٌّ من ثلاثين درهمًا للواحد في الشهر إلى عشرين، ولهم الحلاوة من السكر كل ليلة جمعة، والصابون لغسل أثوابهم، والأجرة لدخول الحمام، والزيت للاستصباح وهم أعزاب، وللمتزوجين زوايا على حدة، ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس، والمبيت بالزاوية، واجتماعهم بقبة داخل الزاوية، ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به، وإذا صلوا الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة، فيأخذ كل فقير جزءًا ويختمون القرآن ويذكرون، ثم يقرأ القرَّاء على عادة أهل المشرق، ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر، ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق؛ فيعلم البواب خُدَيْمُ الزاوية بمكانه فيخرج إليه ويسأله: من أي البلاد أتى وبأي الزوايا نزل في طريقه ومَنْ شيخُه؟ فإذا عَرَفَ صحةَ قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادته في موضع يليق به، وأراه موضع الطهارة فيجدد الوضوء ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ويصلي ركعتين ويصافح الشيخَ ومن حضر ويقعد معهم، ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم فيأتون المسجد ويصلي كل واحد على سجادته فإذا فرغوا من الصلاة قرؤوا القرآن على عادتهم، ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم] اهـ.
لقد كانت هذه الزوايا والخانقاوات نموذجًا عمليًّا للتربية على العبادة والنظام والانضباط والنظافة واحترام الراق وخدمة الناس والتعاون على البر والتقوى.
وكان لهذه التكايا والزوايا والخانقاوت أيضًا دور بالغ الأثر في نشر الإسلام في أواسط آسيا وأفريقيا، حيث كانت تفتح أبوابها للراغبين في التعرف على الإسلام والتعلم والمحتاجين والمرضى، وتستقبل المسافرين والقوافل؛ فحازت ثقة كثير من أبناء هذه المجتمعات التي انتشر الإسلام في كثير من بقاعها دون حرب أو قتال.
وقد اهتم السلاطين العثمانيون بالتكايا والزوايا بشكل كبير، ووفق تقديرات إحصائية لتكايا إسطنبول سنة 1640 م فإنها بلغت حوالي 557 تكية، و22000 زاوية وحجرة للشيوخ أو الدراويش الذين كانوا يعيشون فيها.
واهتم صلاح الدين بالتصوف وأقام الخانقاوات والربط والزوايا من أجل رفع الشعور الديني في الأمة وزيادة استعدادتها لمقاومة الأخطار التي تهدِّدُها، كما حُبِسَتْ عليها الأوقاف التي تُنفق على هذه المؤسسات وتوفر لها ما تحتاجه من نفقة ومؤونة، فانتشرت بكثرة في دمشق وفلسطين وسائر مدن الشام والعراق.
وكان أمراء المماليك أيضًا يهتمون ويتنافسون فيما بينهم في خدمة الصوفية وإنشاء الخانقاوات أو التكايا لهم، كما كانوا يهتمون بعمارتها، وتزيينها وزخرفتها، وفق تصور فني بليغ، ومن أمثلة ذلك، خانقاه بيبرس الجاشنكير التي بدأ في إنشائها الأمير بيبرس الجاشنكير بالقاهرة في سنة 706هـ/ 1306م قبل أن يتولى السلطنة، وأنشأ بجانبها رباطًا كبيرًا، وقرر بها 400 صوفي، وبالرباط 100 جندي وآخرين.
وفي وصف هذه الخانقاه يقول الدكتور حسن الباشا: [تتألف الخانقاه من صحن مستطيل التخطيط في جانبين متقابلين منه إيوانان كبيران معقودان أحدهما إيوان القبلة، وفي الجانبين الآخرين خلاوٍ للصوفية، بعضها فوق بعض، زخرفت أعتابها بمُقَرْنَصَات وعقود ذات أشكال متنوعة، ويتميز إيوان القبلة وهو أكبر الإيوانات بأنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ويتوسطه محراب حجري يتميز بالبساطة والخلو من الزخارف مما يتناسب مع طبيعة الخانقاه.
وكانت الخانقاه في عصر المماليك تجمع أحيانًا بين المدرسة والتكية والضريح، كما هي الحال بمدرسة أمير كبير قرقماس بالقاهرة، وخانقاه فرج بن برقوق، وخانقاه الأشرف برسباي] اهـ.
وقد احتضنت أمثال هذه الخانقاوات العديد من العلماء الأجلاء الذين ملؤوا الأرض علمًا ونورًا، والخانقاوات الكبيرة كان يُعيَّن شيخًا عليها أحدُ العلماء الأجلاء، ويذكر ابن تغري بردي على سبيل المثال عددًا من الخانقاوات ودورها العلمي، فيتحدث عن الإمام ابن حجر العسقلاني أحد رواد خانقاه بيبرس الجاشنكير، فيقول عنه إنه قد [انتفع به الطلبة وحضر دروسَه جماعةٌ من علماء عصرنا وقضاة قضاتنا، وقرأ عليه غالب فقهاء مصر، وأملى بخانقاه بيبرس نحوًا من عشرين سنة، وتولى مشيخة خانقاه بيبرس الجاشنكير في دولة الملك المؤيد شيخ] اهـ.
ويقول عن الشهاب الحجازي إنه [سمع عَلَى أبي الحسن علي بن أبي المجد بالخانقاه الصلاحية جميع صحيح البخاري بلا فوت] اهـ.
وحين تحدث عن الأمير سودون من عبد الرحمن ذكر أنه [أنشأ بمنشأة خانقاه سرياقوس مدرسة تقام فيها الخطبة] اهـ.
كما ذكر أن ضياء الدين العفيفي القزويني الشافعي القرمي الملقب بقاضي القرم تولى تدريس الشافعية بخانقاه شيخو بعد الشيخ بهاء الدين السبكي، ثم ولي مشيخة الخانقاه الركنية بيبرس الجاشنكير.
وهناك الكثير من المصادر الأخرى التي تحدثت عن الخانقاوات والزوايا ودورها العلمي النافع وترتيب العمل بداخلها وإدارتها وآثارها، فقد كانت هذه المنشآت بمثابة مؤسسات دينية وعلمية واجتماعية وجهادية، أدَّت أدوارًا مهمة وتركت آثارًا بليغة على مختلف مناحي الحياة الحضارية في التاريخ الإسلامي.
المصادر:
- "موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي" لرفيق العجم (ص: 197-435، ط. مكتبة لبنان ناشرون).
- "مدخل إلى الآثار الإسلامية" للدكتور حسن الباشا (ص: 137-138، ط. دار النهضة العربية)
- "المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي" لابن تغري بردي (2/ 19، 2/ 190، 6/ 155، 7/ 404).
- "رحلات ابن بطوطة" (1/ 27).
- "دور التكايا والزوايا الديني في العالم الإسلامي" -نموذج تركيا- دراسة مقارنة، محمد محمد عبد الله حمدان، رسالة ماجستير، جامعة الزقازيق.
- "الخانقاوات والزوايا الدمشقية زمن سلاطين المماليك" (658-922هـ/ 1259-1516م)، بوران طاهر لبنية، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية.
 

الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة،


من المعالم الحضارية في الإسلام التكافل الاجتماعي الذي يوفر الحماية والرعاية والأمن والأمان النفسي للفرد في هذا المجتمع. والتكافل في الإسلام مظلة طمأنينة تشمل المجتمع كله؛ ذلك أن الإنسان كائن مدني بطبعه، لا يستطيع أن يحيا فردًا ولا تستقيم له حياة إلا في جماعة متعاونة متكافلة تحافظ على كرامة هذا الإنسان أيًّا ما كان دينه أو انتماؤه.


العدل من القيم الرفيعة السامية التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية، والعدل هو ميزان الكون وأساس الملك، وقد فرضه الله تعالى في كل الكتب المنزلة، واتفقت البشرية في قوانينها الوضعية على وجوب تحقيقه والتزامه وبناء الأحكام عليه، وكلما تحققت الأمم بالعدل ارتقت حضاريًّا، وكلما فشا الجور والظلم في أمة تخلفت وسقطت في درك الشقاوة والفقر والتخلف والجهل،


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54