مولده ونشأته:
هو أبو الحسين أحمد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، الفقيه البغدادي المعروف بالقدوري.
ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة 362هـ الموافق 973م.
وقد نشأ في بيت علم حيث كان أبوه عالما ومحدثًا، فحفظ القرآن الكريم وكان مُديمًا لتلاوته، وتعلم العلوم الشرعية المختلفة، واجتهد وفاق أقرانه حتى انتهت إليه رئاسة الأحناف بالعراق وبغداد التي كانت العاصمة العلمية للخلافة العباسية وقتها. وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه.
وكان حسن العبارة في النظر، طلق اللسان، مُديمًا لتلاوة القرآن.
شيوخه:
1- أخذ الفقه عن ركن الإسلام أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني (ت:398هـ)، وهو أخذ عن أبي بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي، عن أبي سعيد البردعي، عن أبي علي الدَّقاق، عن أبي سهل موسى بن نصر الرازي، عن محمد بن الحسن، رحمهم الله تعالى.
2- كما أخذ الحديث عن أبي الحسين عبيد الله بن محمد الشيباني المعروف بالحوشبي (294-375هـ).
3- كما روى الحديث كذلك عن أبي بكر محمد بن علي بن الحسن بن سويد المؤدِّب (ت:381هـ).
تلامذته:
وقد تفقه على القدوري وأخذ عنه جملة من الأعلام منهم:
1- أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي (392-463هـ).
2- قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني الكبير (398-478هـ).
3- أبو نصر أحمد بن محمد بن محمد المعروف بالأقطع (ت: 474هـ) وقد شرح مختصره.
4- عبد الرحمن بن محمد السرخسي (ت: 439هـ).
5- أبو الحارث محمد بن أبي الفضل السرخسي.
6- المفضل بن مسعود بن محمد بن أبي الفرج التنوخي الفقيه النحوي القاضي (ت: 442هـ).
مصنفاته:
صنف الإمام القدوري جملة رائقة من المصنفات الماتعة والتي تدل على طول باعه وعلو كعبه في الفقه نذكر منها:
1- «المختصر» المشهور، والذي يعرف عند الأحناف باسم «الكتاب» ككتاب سيبويه عند النحاة، وقد نفع الله تعالى به خلقًا لا يُحْصون، واعتُمِدَ أساسًا لاختبار المتقدمين لشغل وظائف القضاء بالحلول محل كتاب الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني. وقد قال عنه غير واحد من العلماء: «واعلم أن هذا المختصر مما تبرك به العلماء، حتى جربوا قراءته أوقات الشدائد وأيام الطاعون» ولا زال هذا المختصر يُدَّرس إلى الآن عند الحنفية وفي الأزهر الشريف.
وقد كان هذا «المختصر» موضع عناية العلماء، فتناولوه بالشرح والإيضاح والنقد والاختصار، فممن شرحه إسماعيل بن الحسين البيهقي في «الكفاية» وأبو نصر الأقطع تلميذ القدوري، وقام الإمام القاسم بن قطلوبغا بشرح غريب الأحاديث المذكورة في ذلك الشرح. كما شرحه كثرة كاثرة من العلماء وقد طبع من شروحه كتاب «الجوهرة النيرة» لأبي بكر محمد بن علي بن موسى الحدَّاد العبادي اليمني المتوفى سنة 800هـ. وكذلك «اللباب في شرح الكتاب» لعبد الغني الميداني المتوفى 1289هـ.
2- شرح «مختصر الكرخي» في عدة مجلدات.
3- التقريب (الأول). في خلاف أبي حنيفة وأصحابه مُجردًا عن الأدلة، في مجلد.
4- التقريب (الثاني). في خلاف أبي حنيفة وأصحابه مع ذكر أدلة كل فريق، في عدة مجلدات.
5- جزء في الحديث.
6- أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة.
7- «التجريد» في سبعة أسفار، يشتملُ على مسائل الخلاف بين الحنفية والشافعية، شرع في إملائه يوم الأحد 23 من ذي القعدة سنة 405هـ، وهو كتاب ماتع يُعدُّ موسوعة من موسوعات كتب الخلاف والفقه المقارن وبخاصة بين الأحناف والشافعية. وتكمن أهميته وجلالته في كونه أول كتاب فقهي كبير في الخلاف والفقه المقارن، وكذا اشتماله على جملة نصوص فقهية لا وجود لأصولها الآن حيث نقلها الإمام عن كتب لا وجود لها الآن فيما بين أيدينا من الكتب. وقد طبع الكتاب طبعة محققة في 12 مجلدًا.
وقد عُدَّ القدوري في الطبقة الرابعة وهي طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين.
وذكره أبو محمد الفامي، في «طبقات الفقهاء»، وأثنى عليه.
وقال: «كان له ابن فلم يُعلمه الفقه، وكان يقول: دعوه يعش لروحه. قال: فمات وهو شاب».
وفاته:
وقد مات الإمام القدوري ببغداد في يوم الأحد الخامس من شهر رجب سنة 428هـ، الموافق 24 من إبريل 1037م وله ست وستون سنة ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف، ثم نُقِلَ إلى تربةٍ في شارع المنصور ودُفِنَ هناك بجانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي.
مصادر الترجمة:
- تاريخ بغداد (6/31، 32).
- الأنساب للسمعاني (10/ 76).
- سير أعلام النبلاء (17/575).
- النجوم الزاهرة (5/24، 25).
- مقدمة التحقيق لكتاب التجريد (1/6- 11).