نسبه:
هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفِيروزآبادي، أبو إسحاق الشيرازي.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ سنة 393 هـ بفيروزآباد وهي بلدة بفارس (وتسمى شهرستان من أعمال محافظة فارس بإيران)، ونشأ بها، ثم دخل شيراز وقرأ الفقه، ثم دخل البصرة وقرأ الفقه بها، ثم دخل بغداد في سنة 415 هـ وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري ولازمه واشتهر به وصار أعظم أصحابه ومعيد درسه.
وما برح يدأب ويجهد حتى صار أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه والمقدم على أقرانه وامتدت إليه الأعين وانتشر صيته في البلدان ورحل إليه في كل مكان.
شيوخه:
من شيوخ الشيرازي: أبو عبد الله البيضاوي، وابن رامين، والخرزي، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأبو حاتم القزويني، والزجاجي وطائفة آخرين.
وسمع الحديث ببغداد من أبي بكر البرقاني وأبي علي بن شاذان وأبي الطيب الطبري وغيرهم.
تلاميذه:
أما تلاميذه فمنهم: أبو القاسم الشافعي، وأبو عبد الله الحجاجي، وأبو بكر الفامي، وأبو بكر بن بجكم التركي، وابن طوق الموصلي، والخطيب، وأبو عبد الله بن محمد بن أبى نصر الحميدي، وأبو بكر بن الخاضبة، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البدر بن الكرخي وغيرهم.
مصنفاته:
له من المصنفات:
1- التنبيه.
2- المهذب في الفقه.
3- النكت في الخلاف.
4- اللمع وشرحه.
5- التبصرة في أصول الفقه.
6- الملخص.
7- المعونة في الجدل.
8- طبقات الفقهاء.
9- نصح أهل العلم، وغير ذلك.
مناقبه:
كان الشيرازي يضرب به المثل في الفصاحة والمناظرة، وأقرب شاهد على ذلك قول سلار العقيلي أوحد شعراء عصره:
كـفاني إذا عن الحـوادث صارم ... يـنـيـلــــنـي المـــــــأمــــــول بالإثــــر والأثـــــر
يقد ويفرى في اللــقــــــــــاء كـأنـــــه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وقال أبو بكر بن الخاضبة: سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق ببغداد يقول: كان الشيخ يصلي ركعتين عند فراغ كل فصل من "المهذب".
وقال ابن السمعاني إنه سمع بعضهم يقول: دخل أبو إسحاق يومًا مسجدًا ليتغدى فنسى دينارًا، ثم ذكر فرجع فوجده، ففكر ثم قال: لعله وقع من غيري، فتركه.
وقال: كنت أعيد كل قياس ألف مرة فإذا فرغت منه أخذت قياسا آخر وهكذا وكنت أعيد كل درس ألف مرة فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به حفظت القصيدة.
قال القاضي أبو العباس الجرجاني: كان أبو إسحاق الشيرازي لا يملك شيئا من الدنيا فبلغ به الفقر حتى كان لا يجد قوتًا ولا ملبسًا.
قال: ولقد كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، ليس يعتدل قائما من العري؛ كي لا يظهر منه شيء.
وقيل: كان إذا بقي مدة لا يأكل شيئًا جاء إلى صديق له باقلاني، فكان يثرد له رغيفًا ويثريه بماء الباقلاء، فربما أتاه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء، فيقف أبو إسحاق ويقول: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} ويرجع.
وحين ذهب الشيرازي إلى بسطام قيل له: قد أتى فلان الصوفي، فنهض من مكانه وعَدَا إليه، وإذا به شيخ كبير هم وهو راكب بهيمة وخلفه خلق من الصوفية بمرقعات جميلة، فقيل له قد أتاك الشيخ أبو إسحاق فرمى نفسه عن البهيمة، وقبَّل يده، وقبل الشيخ أبو إسحاق رجله، وقال له الصوفي: قتلتني يا سيدي، فما يمكنني أمشي معك، ولكن تتقدم إلى مجلسك، ولما وصل جلس الشيخ أبو إسحاق بين يديه، وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه ما جاوز الحد، ثم أخرج الصوفي خرقتين في إحداهما حنطة وقال هذه حنطة نتوارثها عن أبي يزيد البسطامي وفي الأخرى ملح فأعجب الشيخ أبا إسحاق ذلك وودعه وانصرف.
وكان يمشي بعض أصحابه معه في طريق فعرض لهما كلب فقال الفقيه لذلك الكلب: اخسأ.. وزجره، فنهاه الشيخ، وقال: لم طردته عن الطريق، أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
وكان الإمام أبو بكر محمد بن علي بن حامد الشاشي يقول: الشيخ الشيرازي حجة الله على أئمة العصر.
وقيل: إن سبب تصنيفه المهذب أنه بلغه أن ابن الصباغ قال إذا اصطلح الشافعي وأبو حنيفة ذهب علم أبي إسحاق الشيرازي، يعني أن علمه هو مسائل الخلاف بينهما فإذا اتفقا ارتفع فصنف الشيخ حينئذ المهذب.
ولقد كان لأبي إسحق الشيرازي شعر ماتع، منه:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا ... وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقــلــــتُ يــا عـُـــدتي في كـــــــل نــائــبــــة ... ومـن عـلـيـه لكشف الضـر أعتمد
أشكو إليك أمـورًا أنت تعـلـــمــــــــهـــــا ... مالي على حملهـــا صبر ولا جـلــــد
وقــد مددت يدي بالضـــــر مبتهـــــــلا ... إليك يـــا خير مــن مـــدت إليه يــد
فلا تــــــــــردنـــهـــــــــــا يــــــا رب خــائـبـــــــة ... فبحر جودك يروي كل من يـــــرد
وحكي أن الشيخ قال: كنت نائمًا فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ومعه صاحباه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - فقلت: يا رسول الله.. بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرا أتشرف به في الدنيا، وأجعله ذخيرة في الآخرة، فقال لي: يا شيخ! وسماني شيخًا، وخاطبني به، وكان الشيرازي يفرح بهذا، ويقول سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخا، قال: ثم قال لي صلى الله عليه وسلم: من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره.
وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي يقول: من قرأ عليَّ مسألة فهو ولدي.
ويقول: العوام ينسبون بالأولاد، والأغنياء بالأموال، والعلماء بالعلم.
ولقد امتدحه كثير من العلماء، ومنهم الإمام أبو الحسن الماوردي وقد اجتمع بالشيخ وسمع كلامه في مسألة ما، قال: رأيت كأبي إسحاق لو رآه الشافعي لتجمل به.
وقال الموفق الحنفي إمام أصحاب الرأي: أبو إسحاق إمام المؤمنين في الفقهاء.
قال حيدر بن محمود بن حيدر الشيرازي سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول: خرجت إلى خراسان فما دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان قاضيها أو مفتيها أو خطيبها تلميذي أو من أصحابي.
فقد كانت الطلبة ترحل من المشرق والمغرب إليه، والفتاوي تحمل من البر والبحر إلى بين يديه، والفقه تتلاطم أمواج بحاره ولا يستقر إلا لديه.
وأما الجدل فكان مَلِكَهُ الآخذ بزمامه، وإمامه إذا أتى كل واحد بإمامه، وبدر سمائه الذي لا يغتاله النقصان عند تمامه، وأما الورع المتين وسلوك سبيل المتقين والمشي على سنن السادة السالفين، فذلك أشهر من أن يذكره الذاكر، وأكثر من أن يحاط له بأول وآخر، لن ينكر تقلب وجهه في الساجدين ولا قيامه في جوف الدجى، وكيف والنجوم من جملة الشاهدين.
وفاته:
توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 476 هـ، وغسله أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي، ودفن من الغد بمقبرة باب حرب، غرب بغداد.
المصادر:
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 4/215 وما بعدها، ط هجر للطباعة والنشر.
الوافي بالوفيات للصفدي: 2/76 ومواضع متعددة، ط دار إحياء التراث – بيروت.