نسبه:
هو الإمام العالم العلامة محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، الحنفي، الشهير بابن عابدين، الفقيه الأصولي.
مولده ونشأته:
ولد بدمشق سنة 1198 هـ/ 1784 م.
وينتسب العلامة ابن عابدين إلى أسرة دمشقية عرف منها غير واحد في العلم والصلاح، فوالده السيد عمر عُرف عنه الصلاح والتقوى، وحب للعلم وأهله، اكتسب ذلك من أمه الصالحة التقية ابنة الشيخ محمد أمين المحبي صاحب كتاب خلاصة الأثر، ووالدة ابن عابدين كانت عابدة صالحة، وجدها هو العلامة محمد بن عبد الحي الداودي العلامة المشهور.
مناقبه:
الإمام ابن عابدين هو قطب الديار الدمشقية، وعمدة البلاد الشامية والمصرية، المفسر المحدث الفقيه النحوي اللغوي البياني العروضي الذكي النبيه، إمام الحنفية في عصره.
نشأ ابن عابدين في حجر والده الذي رباه على الفضيلة وحب العلم، فحفظ القرآن العظيم وهو صغير، وحفظ المتون كالجزرية والشاطبية والزُّبَد، وأتقن فن القراءات، وقرأ النحو والصرف، وتعلم الفقه الشافعي، قبل أن يتحول لاحقًا إلى المذهب الحنفي اتباعًا لشيخه شاكر العقاد.
لقد كان العلامة ابن عابدين مع إقباله على مجالس العلم والفتوى، على جانب عظيم من التقوى من قيام الليل، والمواصلة على العبادة، مع التواضع والأدب مع الناس عامة وخاصة مع أشياخه ووالديه، يهابه الحكام فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، محافظًا على وقته، لا يدع وقتًا يفوته دون علم أو طاعة أو إفادة، وكانت عنده كتب من سائر العلوم لم يجمع على منوالها، وكان كثير منها بخط يده، فقد جمع مكتبة عظيمة من مكتبة أسلافه وما اشتراه والده له، وما اقتناه لنفسه.
قرأ القرآن ثم جَوَّدَه على الإمام القدوة الشيخ سعيد الحموي شيخ القراء بها، وتلقى منه القراءات بأوجهها وطرقها حتى جمع عليه، وقرأ عليه طرفًا من النحو والصرف وفقه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وحفظ متن الزبد وكان شافعي المذهب وقتئذ، ثم لزم شيخه الشيخ شاكر العقاد - رحمه الله تعالى - فتفقه عليه وتحول بسببه إلى المذهب الحنفي حتى صار من أبرز أعلامه.
وكان شيخه السيد شاكر يتفرس فيه الخير ويأخذه معه ويحضره دروس أشياخه ويستجيزهم له فيجيزونه، وكان ذلك بإشارة حصلت له من الشيخ عبد النبي، أحد علماء الهند وصلحائها المشاهير، حين قدم إلى دمشق، فذهب مع شيخه لزيارته، ولما دخلا عليه جلس شيخه وبقي ابن عابدين واقفًا بين يدي شيخه كما هو دأبه معه، فطلب الشيخ عبد النبي من شيخ ابن عابدين أن يأمره بالجلوس، وقال له: إني لا أجلس إلا أن يجلس هذا الغلام، وقال إني أشم منه رائحة أهل البيت، وأنه ستقبل يده ويظهر فضله بين الناس وينتفع بفضله، فأمره شيخه حينئذ بالجلوس، فجلس، ومن وقتئذ زاد اعتناء شيخه به.
وأحضره مرة درس شيخه العلامة شيخ الحديث الشيخ محمد الكزبري واستجازه له فأجازه، وكتب له الإجازة، وكذلك حضر دروس الشيخ أحمد العطار مع شيخه فاستجازه له فأجازه عام ستة عشر وألف ومائتين.
وكان رحمه الله تعالى جعل وقت التأليف والتحرير في الليل فلا ينام منه إلا ما قل، وجعل النهار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أمر دنياه شريكه من غير أن يتعاطى بنفسه، وكان في رمضان يختم كل ليلة ختما كاملا مع تدبر معانيه، وكثيرا ما يستغرق ليله بالبكاء والقراءة، ولا يدع وقتا من الأوقات إلا وهو على طهارة، ويثابر الوضوء.
وكان رحمه الله تعالى حريصا على إفادة الناس وجبر خواطرهم، مكرما للعلماء والأشراف وطلبة العلم، ويواسيهم بماله.
وكان كثير التصدق على ذوي الهيئات من الفقراء الذين لا يسألون الناس إلحافًا، وكان غيورًا على أهل العلم والشرف، ناصرا لهم، دافعا عنهم ما استطاع.
تعرف ابن عابدين على شيخه في الطريقة النقشبندية الشيخ خالد النقشبندي، فأخذ عنه الطريقة وأجازه.
وبدأ في التصنيف وعمره 17 سنة، وتابع التصنيف والتدريس والإفادة حتى أصبح مرجع الفتوى، وتولى أمانة الفتوى في دمشق.
وفضائله لا تنكر، وشمائله لا تحصى ولا تحصر، وعباداته وورعه وإقباله على الله، يقضي له بالسعادة والفوز عند مولاه.
شيوخه:
من شيوخه رضي الله عنه الشيخ سعيد الحموي شيخ القراء بدمشق، وعليه أخذ القراءات وقرأ عليه طرفًا من النحو والصرف، وفقه الإمام الشافعي.
والشيخ شاكر العقاد الذي تحول ابن عابدين على يديه إلى المذهب الحنفي، وأخذ عليه الأصول والحديث والتفسير والتصوف والعلوم العقلية.
الشيخ الأمير الكبير المصري.
الشيخ سعيد الحلبي وهو من تلامذة شيخه العقاد أيضًا.
تلاميذه:
ومن تلاميذه الشيخ عبد الغني الميداني، وأمين بن عبد الستار بن إبراهيم الأتاسي الحمصي، وولده محمد علاء الدين، والشيخ محمد بن شاكر بن محمد بن إسماعيل الدمشقي الحنفي الشهير بالسكري، والسيد محمود بن نسيب أفندي مفتي دمشق الشام، والسيد مصطفى بن خليل الدمشقي الحنفي أمين فتوى الشام، والعلامة محمد أفندي جابي زاده قاضي المدينة المنورة، والعلامة الشيخ محمد أفندي الحلواني مفتي بيروت، والشيخ يحيى السردست، والشيخ حسن البيطار، والشيخ محمد أفندي البيطار، والعلامة أحمد أفندي الإسلامبولي، والشيخ يوسف بدر الدين المغربي، والشيخ عبد القادر الخلاصي، والشيخ أحمد المحلاوي المصري شيخ القراء في زمنه، وغيرهم كثير.
مصنفاته:
له العديد من المصنفات، أشهرها حاشيته (رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار)، وهي المشهورة بحاشية ابن عابدين، من أهم الكتب في المذهب الحنفي.
ومنها منحة الخالق على البحر الرائق، وحواشيه على شرح الملتقى للعلائي، وحواشيه على النهر الفائق، وحواشي على القاضي البيضاوي التزم أن لا يذكر فيها شيئًا ذكره المفسرون.
والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، والرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم في الفرائض والمواريث، وتنبيه الولاة والحكام في حكم شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام، وشرح على منظومة رسم المفتي.
وحاشية نسمات الأسحار على شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار، وسل الحسام الهندي لنصرة الشيخ خالد النقشبندي، وله من الرسائل في تحرير المسائل نيف وثلاثون رسالة.
وفاته:
توفي رضي الله تعالى عنه 21 ربيع الثاني سنة 1252 هـ/ 1836 م، عن أربع وخمسين سنة، وأقيمت عليه صلاة الجنازة في جامع سنان باشا، وتقدم للصلاة عليه إمامًا العلامة الشيخ حامد العطار رحمه الله تعالى.
ودفن بمقبرة باب الصغير بالتربة الفوقية إلى جانب قبر الإمام أبي حنيفة الصغير: العمدة العلائي صاحب الدر المختار، وقبره مشهور هناك.
المصادر:
قرة عيون الأخبار للسيد محمد علاء الدين ابن السيد محمد أمين عابدين: 1/7 وما بعدها، الطبعة العثمانية.
هدية العارفين للباباني: 2/167-168، ط دار إحياء التراث العربي.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر للميداني: مواضع متعددة، ط دار صادر.
معجم المؤلفين لكحالة الدمشقي: 5/275، 9/77، ط دار إحياء التراث العربي.
مقدمة محمد مطيع الحافظ لتحقيقه كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم: 19، ط دار الفكر.