نسبه:
هو الإمام عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي، ثم الدمشقي، الصالحي الفقيه، الزاهد الِإمام، شيخ الإِسْلام، وأحد الأعلام، موفق الدين أبو محمد.
مولده ونشأته:
ولد في شعبان سنة 541 هـ بجماعيل (قرية قرب نابلس).
ثم هاجر مع أهل بيته وأقاربه، وله عشر سنين، وحفظ القرآن، ولزم الاشتغال من صغره، وكتب الخط المليح، وكان من بحور العلم، وأذكياء العالم.
شيوخه:
رحل إلى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبد الغني سنة 561 هـ، فقرأ القرآن، وحفظ مختصر الخرقي، وسمع من والده، وأبي المكارم بن هلال، وأبي المعالي بن صابر وغيرهم.
وسمع الكثير من: هبة الله بن الحسن الدقاق، وأبي الفتح بن البطي، وسعد اللَّه الدجاجي، وأبي زرعة بن طاهر، وأحمد بن المقرب، وعلي ابن تاج القراء، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن محمد الرحبي، وحيدرة بن عمر العلوي، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وابن شافع، ويحيى بن ثابت، والمبارك بن خضير، وأبي بكر بن النقور.
وسمع بمكة من المبارك ابن الطباخ، وبالموصل من خطيبها أبي الفضل وخديجة النهروانية، ونفيسة البزازة، وشهدة الكاتبة، والمبارك بن محمد البادرائي، ومحمد بن محمد بن السكن، وأبي شجاع محمد بن الحسين المادرائي، وأبي حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي.
وتلا القرآن بقراءة نافع على أبي الحسن البطائحي، وبقراءة أبي عمرو على أستاذه أبي الفتح ابن المني، وعليه تفقه وقرأ المذهب، بعد أن حضر على الشيخ عبد القادر الجيلاني نحو أربعين يومًا قبل وفاته.
تلاميذه:
تفقه على الإمام ابن قدامة عدد كبير من الفقهاء والمحدثين، منهم ابن أخيه الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر، والمراتبي، وروى عنه ابن الدبيثي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، وسمع منه رفيقه أبو منصور عبد العزيز بن طاهر بن ثابت الخياط المقري.
وحدث عنه: البهاء عبد الرحمن، والجمال أبو موسى ابن الحافظ، وابن نقطة، وابن خليل، والضياء، وأبو شامة، وابن النجار، وابن عبد الدائم، والجمال ابن الصيرفي، والعز إبراهيم بن عبد الله، والفخر علي، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الكمال، والتاج عبد الخالق، والعماد ابن بدران، والعز إسماعيل بن الفراء، والعز أحمد بن العماد، وأبو الفهم ابن النميس، ويوسف الغسولي، وزينب بنت الواسطي، وخلق آخرهم موتا التقي أحمد بن مؤمن.
مناقبه:
كان – رضي الله عنه - عالم أهل الشام في زمانه.
قال ابن النجار: كان إمام الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة، حجة، نبيلا، غزير الفضل، نزها، ورعا، عابدا، على قانون السلف، عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه.
وقال عمر بن الحاجب: هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية، إلى أن قال: وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحلم ووقار، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم نر مثله، ولم ير مثل نفسه.
وقال سبط ابن الجوزي: كان إماما في فنون، ولم يكن في زمانه - بعد أخيه أبي عمر والعماد - أزهد ولا أورع منه، وكان كثير الحياء، عزوفا عن الدنيا وأهلها هينًا لينًا متواضعًا، محبا للمساكين حسن الأخلاق، جوادًا سخيًّا، من رآه كأنه رأى بعض الصحابة، وكأنما النور يخرج من وجهه، كثير العبادة، يقرأ كل يوم وليلة سبعًا من القرآن، ولا يصلي ركعتي السنة في الغالب إلا في بيته، اتباعًا للسنة، وكان يحضر مجالس دائما في جامع دمشق وقاسيون.
وقال أيضًا: شاهدت من الشيخ أبي عمر، وأخيه الموفق، ونسيبه العماد: ما ترويه عن الصحابة والأولياء الأفراد، فأنساني حالهم أهلي وأوطاني، ثم عدت إليهم على نية الإقامة، عسى أن أكون معهم في دار المقامة.
وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الخير، وصار في آخر عمره يقصده كل أحد، وكان كثير العبادة دائم التهجد، لم ير مثله، ولم ير مثل نفسه.
قال الضياء: كان الموفق لا يناظر أحدا إلا وهو يبتسم.
ومن كراماته – رضي الله عنه – ما حكاه أبو عبد الله بن فضل الأعتاكي قال: قلت في نفسي: لو كان لي قدرة لبنيت للموفق مدرسة، وأعطيته كل يوم ألف درهم، قال: فجئت بعد أيام، فسلمت عليه، فنظر إلي وتبسم، وقال: إذا نوى الشخص نية كتب له أجرها.
مصنفاته:
صنف الشيخ الموفق رحمه الله التصانيف الكثيرة الحسنة في المذهب الحنبلي، فروعا وأصولا، وفي الحديث، واللغة، والزهد، والرقائق.
ومن تصانيفه في أصول الدين: لمعة الاعتقاد الهادي إلى طريق الرشاد، والبرهان في مسألة القرآن، الاعتقاد، مسألة العلو، دم التأويل، كتاب القدر، فضائل الصحابة، رسالة إلى الشيخ فخر الدين ابن تيمية في تخليد أهل البدع في النار، مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام.
ومن تصانيفه في الحديث: مختصر العلل للخلال، ومشيخة شيوخه.
ومن تصانيفه في الفقه: المغنى في الفقه، ويقع في عشر مجلدات، الكافي في الفقه، ويقع في أربع مجلدات، المقنع في الفقه، مختصر الهداية، العمدة، مناسك الحج، ذم الوسواس، وفتاوى ومسائل منثورة، ورسائل شتى كثيرة.
ومن تصانيفه في أصول الفقه: روضة الناظر وجنة المناظر.
وله في اللغة والأنساب ونحو ذلك: قنعة الأريب في الغريب، التديين في نسب القرشيين، الاستبصار في نسب الأنصار.
وله في الفضائل والزهد والرقائق ونحو ذلك: كتاب التوابين، كتاب المتحابين في الله، كتاب الرقة والبكاء، فضائل عاشوراء، فضائل العشر، ومختصر منهاج القاصدين.
وفاته:
توفي رحمه الله يوم السبت (يوم عيد الفطر) سنة 620 هـ، بمنزله بدمشق وحمل إلى سفح قاسيون فدفن به، وشيعه جمع عظيم، فقد امتد الناس في طرق الجبل فملؤوه.
المراجع:
ذيل طبقات الحنابلة 3/281 : 297.
سير أعلام النبلاء 16/ 149 : 153.