الإمام خليل المالكي

الإمام خليل المالكي

اسمه ومولده:
هو الإمام العالم العامل القدوة الحجة الفهامة، حامل لواء المذهب، التقي الورع ضياء الدين أبو المودَّة وأبو الضياء خليل بن إسحاق بن موسى بن شعيب المعروف بالجندي -لأنه كان جنديا واستمر يلبس زي الجند إلى انتقاله- الكردي المصري المالكي.
ولم يقف أحد ممن ترجم له على تاريخ مولده تحديدا إلا أن المرجح مولده أوائل القرن الثامن.

إسناده في الفقه المالكي:
وهذا من المطلوبات المهمات والنفائس الجليات التي ينبغي للفقيه والمتفقه معرفتها، ويقبح به جهالتها، فإن شيوخه في العلم آباء في الدين ووصلة بينه وبين رب العالمين، وكيف لا يقبح جهل الأنساب والوصلة بينه وبين الكريم الوهاب مع أنه مأمور بالدعاء لهم والثناء عليهم والشكر لهم.

فالشيخ العلامة ولي الله تعالى خليل بن إسحاق صاحب المختصر أخذ الفقه عن الشيخ العالم العامل أبي محمد عبد الله بن سليمان المنوفي، وهو أخذ الفقه عن جماعة، منهم: شيخ المالكية الشيخ زين الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بالقوبع، وهو أخذ الفقه عن جماعة، منهم: الشيخ يحيى بن الفرج بن زيتون، ومحمد بن عبد الرحمن قاضي تونس، وأخذ عن ابن حبيش وابن الدارس، وأخذ القاضي عبد الرحمن بن خلدون عن جماعة، منهم: قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن عبد السلام، وأخذ ابن عبد السلام عن جماعة، منهم: أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون، الذي أخذ عن أبي القاسم أحمد بن يزيد بن أحمد بن بقي، وأخذ ابن بقي عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق، وأخذ محمد بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع، وأخذ أبو عبد الله ابن الطلاع والقاضي أبو الوليد الباجي عن أبي طالب مكي بن محمد بن مختار القيسي، وتفقه مكي بجماعة، منهم: الشيخ الإمام القدوة الورع جامع مذهب مالك وشارح أقواله أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وهو تفقه بجماعة، منهم: الإمام القدوة الزاهد أبو بكر محمد بن اللباب، وهو تفقه بجماعة، منهم: الإمام القدوة الزاهد مجاب الدعوة أبو زكريا يحيى بن عمر بن يوسف البلوي الإفريقي صاحب كتاب "اختلاف ابن القاسم وأشهب"، وهو تفقه بجماعة، منهم الإمامان: الحجة الزاهد أبو سعيد عبد السلام المدعو بسحنون، والعلامة القدوة أبو مروان عبد الملك بن حبيب، وهما تفقها بجماعة، منهم الإمامان: الفقيه القدوة أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي، والعلامة الزاهد أبو عمر أشهب بن عبد العزيز واسمه مسكين، وهما تفقها بالإمام المجتهد إمام دار الهجرة أبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث المدني، وهو تفقه بجماعة من علماء التابعين، منهم: ربيعة بن عبد الرحمن ونافع، وتفقه ربيعة على أنس وتفقه نافع على ابن عمر، وكلاهما ممن أخذ عن سيد المرسلين وإمام المتقين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى سائر النبيين.

حياته:
كان والد الإمام خليل -رحمه الله- جنديا، وكان صالحا يحب الصالحين ويحب مجالستهم، وكان على صلة بالإمام ابن الحاج المالكي ويجالسه مع كونه حنفيا؛ ولذا نشأ الإمام خليل مالكيا، وكذا كان على صلة بالولي الإمام عبد الله المنوفي، وكان الإمام خليل في صغره ينشغل بقراءة الحكايات، فقال له الشيخ عبد الله المنوفي: يا خليل، من أعظم الآفات السهر في الخرافات. قال: فعلمت أن الشيخ علم بحالي وانتهيت من ذلك الحين. واشتغل الإمام خليل بمذهب الإمام مالك تعلما وتعليما في زمانه بمصر حتى كان -رحمه الله- صدرا في علماء القاهرة، مجمعا على فضله وديانته، أستاذا متمكنا من أهل التحقيق، ثاقب الذهن أصيل البحث، مشاركا في فنون من العربية والحديث والفرائض، فاضلا في مذهب مالك، صحيح النقل، تخرج بين يديه جماعة من الفقهاء الفضلاء، وكان الشيخ من جملة أجناد حلقة المنصورة، يلبس زي الجند المتقشفين، ذا دين وفضل وزهد وانقباض عن أهل الدنيا، جمع بين العلم والعمل، وأقبل على نشر العلم فنفع الله به المسلمين، وجاور مكة وحج يُقرئ في الفقه والحديث والعربية، وله منسك وتقاييد مفيدة.

ودَرَّس بالمدرسة الصالحية الفقهَ والحديثَ والعربيةَ ثم بالمدرسة الشيخونية، وكان أول مدرس للمالكية بها، ولم يزل يدرس بها إلى أن مات.
وكان -رحمه الله- صدرا في العلماء، مجمعا على فضله وديانته، ثاقب الذهن أصيل البحث.

وشرع في الاشتغال بعد شيخه وتخرج به جماعة، ثم درَّس بالشيخونية وأفتى وأفاد، ولم يغير زي الجند، وكان صينا عفيفا نزيها، وله مختصر في الفقه، وكان أبوه حنفيا يلازم الشيخ أبا عبد الله بن الحاج ويعتقده، فشغل ولده مالكيا بسببه.

وكان -رحمه الله- من أهل الدين والصلاح والاجتهاد في العلم إلى الغاية حتى إنه كان لا ينام في بعض الوقت إلا زمنا يسيرا بعد طلوع الفجر؛ ليريح النفس من جهد المطالعة والكتابة، مقبلا على ما يعنيه من النظر والاطلاع، بعيدا عن الترف والكسل، وكان مدرس المالكية بالشيخونية وهي أكبر مدرسة بمصر، وبيده وظائف أخرى تتبعها، وكان يرتزق على الجندية؛ لأن سلفه منهم، وكان نزل من القاهرة مع الجيش؛ لاستخلاصها من أيدي العدو حين أخذت الإسكندرية عشر السبعين وسبعمائة.

وحكي عنه أنه جاء يوما لمنزل بعض شيوخه، فوجد كنيف المنزل مفتوحا ولم يجد الشيخ هناك، فسأل عنه فقيل له: إنه شق عليه أمر هذا الكنيف، فذهب يطلب من يستأجر له على تنقيته، فقال خليل: أنا أولى بتنقيته، وشمر عن ذراعيه ونزل ينقيه، فجاء الشيخ فوجده على تلك الحال والناس حلقوا عليه ينظرون إليه تعجبا من فعله، فقال الشيخ: من هذا؟ قالوا خليل. فاستعظم الشيخ ذلك وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة، فنال بركة دعائه، ووضع الله سبحانه وتعالى البركة في عمره، فسبحان الفتاح العليم.

وسمعت شيخنا القوري يقول: إنه من أهل المكاشفة، وإنه مر بطباخ دلس على الناس، يبيع لحم الميتة، فكاشفه وتاب على يده. قلت: وغالب ظني أني وقفت على مسألة الطباخ في ترجمة المنوفي، ذكرها الشيخ خليل في مناقب شيخه، والله أعلم.

شيوخه:

  1. الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري الفاسي المعروف بابن الحاج (ت: 737هـ) صاحب المدخل، أخذ عنه الفقه.
  2. وتفقه على الإمام العالم العامل أبي محمد عبد الله بن محمد بن سليمان المنوفي (686- 747هـ) أحد شيوخ مصر علما وعملا، وكان يدرس بالمدرسة الصالحية بالقاهرة، فلزمه وانتفع به.
  3. سمع من عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن قدامة المقدسي (657- 749هـ) والذي أقدمه وزير بغداد إلى الديار المصرية، فحدث بصحيح مسلم بالصالحية.
  4. قرأ على برهان الدين إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي الشافعي (673- 749هـ) وكان يدرس ويقرئ ويخطب بجامع أمير حسين خارج القاهرة، قرأ عليه في العربية والأصول.
  5. الشيخ الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل المكي الشافعي (655- 777هـ) قرأ عليه سنن أبي داود وجامع الترمذي.

تلامذته:

  1. الشيخ عبد الخالق بن علي بن الحسين الشهير بابن الفرات (ت: 794هـ) أخذ عنه الفقه وشرح مختصره.
  2. الشيخ أبو الوفاء إبراهيم بن علي بن فرحون اليعمري (ت: 799هـ) صاحب الديباج المذهب.
  3. الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن علي بن عبد الدار الغماري (720- 802هـ) أخذ عنه الفقه واللغة.
  4. الشيخ العلامة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي ويقال له: الأقفاصي (ت: 823هـ) أخذ عنه الفقه وصار من رؤوس المذهب، وشرح مختصر شيخه.
  5. العلامة الهمام قاضي القضاة تاج الدين أبو البقاء الشيخ بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض المالكي الدميري (ت: 805هـ) أخص تلامذته وحامل لواء المذهب بمصر بعده، وأتم مختصره ثم شرحه ثلاثة شروح.
  6. الشيخ العلامة جمال الدين أبو الحسن يوسف بن خالد بن نَعيم البساطي (741- 829هـ) وشرح مختصر شيخه.
  7. الشيخ أبو عبد الله ناصر الدين محمد بن عثمان بن موسى بن محمد الإسحاقي (ت: 810هـ).
  8. مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي الشيرازي الشافعي (729- 817هـ).
  9. خلف بن أبي بكر التحريري (ت: 818هـ) أخذ عنه الفقه وبرع فيه.

مؤلفاته:
أ- المختصر: من أجل المختصرات على مذهب الإمام مالك، قصد فيه إلى بيان المشهور مجردا عن الخلاف، وجمع فيه فروعا كثيرة جدا مع الإيجاز البليغ، نسج فيه على منوال الحاوي، وكانت مقاصده جميلة رحمه الله تعالى، كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، واختص بتبيين ما به الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، لما تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله، وقد مكث في تأليفه عشرين سنة لم ير فيها نهر النيل وكانت داره بجواره، حتى قيل: إنه حوى ألف ألف فرع منطوقا ومثلها مفهوما، بيَّضه إلى باب النكاح، ووُجد باقيه في أوراق مسودة، فجمعه أصحابه، وألف الإمام بهرام باب المقاصة منها، وكمل الأقفهسي جملة يسيرة ترك المصنف لهما بياضا، وبعد أن ألفه الشيخ عكف عليه المالكية، وأقبل الطلبة على دراسته وتحصيله، واشتغل به العلماء درسا وإقراء وتحشية وتقريرا، حتى حكي عن العلامة ناصر الدين اللقاني أنه حيث عورض كلام خليل بكلام غيره كان يقول: نحن أناس خليليون -أي على قول خليل- مبالغة في الحرص على متابعته، وقال الشيخ ابن غازي في مدح المختصر: إنه من أفضل نفائس الأعلاق، وأحق ما رمق بالأحداق وصرفت له همم الحذاق، إذ هو عظيم الجدوى بليغ الفحوى، بين ما به الفتوى وما هو المرجح الأقوى، قد جمع مع الاختصار شدة الضبط والتهذيب، وأظهر الاقتدار على حسن المساق والترتيب، فما نسج أحد على منواله ولا سمحت قريحة بمثاله. وظل يدرس -مع شروحه وحواشيه- بالأزهر وغيره من معاهد العلم زمانا بل وإلى يومنا هذا.
    ومدحه الشيخ العلامة محمد الفارضي الحنبلي (ت: 981هـ) فقال: 

أطلاب علم الفقه مختصر الرضا خليل لكم فيه الحياة فعيشوا
ولله بيت ضمنوه مديحه به يهتدي مَن في الأنام يطيش
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها خليل بن إسحاق الإمام يعيش

إلا أنه لفرط الإيجاز كاد يعد من جملة الألغاز؛ ولذلك كثر على المختصر الشروح والتعاليق حتى أربت على المائة ما بين شرح وحاشية، نذكر منها جملة تغني عن غيرها، فمن تلك الشروح:

  1. شفاء العليل في شرح مختصر الشيخ خليل: وهو لتلميذ المصنف العلامة الهمام قاضي القضاة تاج الدين أبي البقاء الشيخ بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض المالكي الدميري (ت: 805هـ) وقد اعتنى بحل عبارته، وإيضاح إشارته، وتفكيك رموزه، واستخراج مخبآت كنوزه، وإبراز فوائده وتقييد شوارده، فشرحه ثلاثة شروح صار بها غالبه في غاية البيان والوضوح، واشتهر منها الأوسط في أماكن كثيرة غاية الاشتهار، واشتغل الناس به في سائر الأقطار مع أن الشرح الأصغر أكثر تحقيقا، وشروحه معتمدة في المذهب.
  2. شرح العلامة عبد الخالق بن علي بن الحسين المعروف بابن الفرات المصري، وهو من تلامذة المصنف، وكان حنفيا ثم انتقل إلى مذهب مالك، وهو شرح حسن.
  3. شرح الشيخ العلامة جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي، وسلكا في شرحيهما مسلك الشيخ بهرام وإن كان ابن الفرات أوسع من جهة النقل.
  4. شفاء العليل في شرح مختصر خليل: وهو شرح العلامة المحقق قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن نَعيم بن مقدم البساطي المالكي (ت: 842 هـ) وهو شرح أكثر فيه من الأبحاث والمناقشة في عبارة المصنف، وسلك مسلك الشارح في أغلب شرحه، وهو كثير الأبحاث اللفظية، قليل الفوائد الفقهية، ولم يكمله، وبقي منه اليسير أكمله تلميذه أبو القاسم محمد بن محمد النويري، فكتب من السَّلم إلى الحوالة.
  5. الكفؤ الكفيل بشرح مختصر خليل: وهو شرح الشيخ العلامة جمال الدين يوسف بن خالد بن نَعيم البساطي تلميذ خليل وابن عم الشمس البساطي.
  6. شرح نور الدين علي بن عبد الله السنهوري: عُنِيَ فيه بالجواب عن اعتراضات البساطي إلا أنه لم يتمه، كتب من أوله إلى الاعتكاف، ومن البيوع إلى الحَجْر. قال تلميذه أبو الحسن: لو تم لم يكن له نظير.
  7. شرح الشيخ سالم بن محمد السنهوري: وهو المراد بالسنهوري عند الإطلاق.
  8. الدرر في توضيح المختصر: وهو شرح كمال الدين محمد المعروف بابن الناسخ الطرابلسي (ت: 914هـ).
  9. تسهيل السبيل لمقتطِف أزهار روض خليل: شرح للشيخ إبراهيم بن فائد بن موسى الزواوي القسنطيني (ت: 857هـ) استوفى فيه النقول عن ابن عبد السلام، وابن عرفة، والتوضيح وغيرهم، وختمه بباب جامع لخص فيه فوائد من بيان ابن رشد وغيره، وهو شرحه الكبير على المختصر.
  10. تحفة المشتاق في شرح مختصر خليل بن إسحاق: وهو شرحه الأوسط.
  11. فيض النيل على مختصر خليل: وهو شرحه الصغير.
  12. شرح الشيخ الإمام ناصر الدين اللقاني المالكي، طبع بفاس سنة 1309هـ مع شرح على خطبة المختصر لأبي محمد عبد السلام بن الطيب القادري.
  13. شرح الشيخ كريم الدين البرموني تلميذ الناصر اللقاني.
  14. عطاء الله الجليل الجامع لما عليه من شرح جميل: وهو شرح الشيخ بدر الدين محمد بن يحيى القرافي.
  15. فتح الجليل في شرح مختصر خليل: وهو الشرح الكبير للعلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم التتائي (ت: 942 هـ) وفي شرحه هذا أوهام كثيرة نبه عليها المحقق الشيخ مصطفى الرماصي الجزائري في حاشيته.
  16. جواهر الدرر في شرح المختصر.
  17. شرح الشيخ يحيى بن عبد السلام القسنطيني العُلَمي: مال فيه إلى الاختصار، ولا يخلو من فوائد.
  18. المنزع النبيل شرح مختصر خليل: وهو شرح العلامة أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق التلمساني (ت: 842 هـ) وهو من الشروح المعتمدة وقيل: إنه لا نظير له.
  19. شرح الشيخ زروق، مال فيه كعادته إلى الاختصار مع التحرير، ولا يخلو عن فوائد.
  20. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: وهو شرح العارف بالله حامل لواء المذهب الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرعيني المالكي (ت: 954هـ)، وهو شرح يدل على كثرة اطلاعه، وسعة حفظه لقواعد المذهب وفروعه، أطال النفس في أوائله، وفي كتاب الحج بصفة خاصة حتى لم يكن له في الشروح نظير، لكن أدركه الملل بعد ذلك فيما يظهر؛ ولهذا شرح أبو علي بن رحال المعداني من كتاب النكاح إلى الآخر، وجعله تتمة لشرح الحطاب، وقد كان أبو علي أعجوبة في الاطلاع والجمع والتحصيل. وقد طبع شرح الحطاب بمطبعة السعادة سنة 1329هـ في مجلدين، ثم بالمطبعة الميمنية سنة 1331هـ في 6 أجزاء.
  21. المنهج الجليل في شرح مختصر خليل: وهو شرح الشيخ بركات بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب شقيق الإمام الحطاب السابق.
  22. شرح العلامة المحقق سالم بن محمد السنهوري (ت: 1015هـ).
  23. شرح الشيخ عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني (1020- 1099هـ) وهو شرح واسع، كثير الفوائد، حسن الجمع والترتيب، تشد إليه الرحال، فرغ من تأليفه سنة 1090هـ، وقد اعتنى به المتأخرون فكتبوا عليه الحواشي وبينوا فيها ما حصل له من وهم أو سهو. نذكر منها: حاشية الشيخ محمد بن حسن البناني المسماة "الفتح الرباني لما ذهل عنه الزرقاني" فرغ من تأليفها سنة 1173هـ، وهي من الحواشي الهامة واعتمدها المتأخرون في الإفتاء، وهي مطبوعة مع هذا الشرح بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1303، ثم بها أيضا سنة 1310هـ، وحاشية الشيخ التاودي بن سودة في مجلدين اسمها: "طالع الأماني على الشرح الزرقاني"، وحاشية الشيخ الأمير في جزأين لم تطبع، وحاشية الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف الشهير بالرهوني وهي أوسع الحواشي وأكبرها، طبعت بفاس سنة 1294هـ، ثم بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1306هـ في ثمانية أجزاء، ومعها حاشية أبي عبد الله سيدي محمد بن المدني بن علي كنون.
  24. شرح شيخ المالكية أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي (1010- 1102 هـ): شرحان؛ كبير في ستة مجلدات ضخام، وصغير، وقد طبع بمطبعة مصطفى محمد بالقاهرة سنة 1306هـ في 5 أجزاء، ثم طبع مع حاشية الشيخ علي الصعيدي العدوي (1112- 1189هـ) عليه بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة 1319هـ في 8 أجزاء.
  25. مواهب الجليل في تحرير ما حواه مختصر خليل: وهو شرح شيخ الإسلام العلامة أبي الإرشاد علي بن محمد الأجهوري (967- 1066هـ) وهو أحد شروح ثلاثة، كبير في عشرة أجزاء، ووسط في خمسة مجلدات، وصغير في مجلدين، وفي شروحه -خصوصا الكبير- فوائد وغرائب، على أوهام تقع منه في النقل والتخريج.
  26. شرح الفقيه الصالح خضر زين البحيري، جمعه من شرح التتائي وغيره.
  27. منن الرب الجليل على مهمات تحرير خليل: وهو شرح المحقق الشيخ أبي العباس أحمد بابا بن عمر التنبكتي (ت: 1036هـ) وهو شرح جميل لخص فيه لباب ما وقف عليه من الشروح، وهو أزيد من عشرة، واعتنى بتحرير ألفاظ المتن منطوقا ومفهوما، وتنزيلها على النقول.
  28. شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن مَرعِي بن عطية الشُبراخيتي (ت: 1106هـ): وهو شرح واسع.
  29. منح الجليل على مختصر الشيخ خليل: وهو شرح للشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد عليش (1217- 1299هـ) وألف عليه حاشية أسماها: "تسهيل منح الجليل" وقد طبع الشرح مع الحاشية بمطبعة بولاق سنة 1294هـ في أربعة مجلدات.
  30. الإكليل في شرح مختصر خليل: وهو شرح العلامة الأمير، وهو شرح مختصر لطيف ممتزج بالمتن امتزاج الروح بالجسد، عني مؤلفه ببيان الراجح من الخلاف، والمعتمد من الأقوال، والظاهر من التأويلات، فجاء مع اختصاره حسنا مفيدًا، وهو مطبوع.
  31. شرح الشيخ العلامة ومفتي فاس وخطيبها ومقرئها أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن غازي العثماني المكناسي، وقد تتبع في شرحه مواضع الإشكال، وفك مواضع من تراكيبه العسيرة، فأوضحها غاية الإيضاح وأفصح عن معانيها كل الإفصاح.
  32. الشرح الكبير على مختصر سيدي خليل: وهو شرح أبي البركات أحمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير (1127- 1201 هـ) أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني، واقتصر فيه على الراجح من الأقوال، وقد وضع عليه الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي (ت: 1230هـ) حاشية ماتعة، وقد طبع الشرح مع الحاشية بمطبعة بولاق سنة 1282هـ، ثم بها سنة 1287هـ ثم 1303هـ، ثم سنة 1310هـ في 4 مجلدات، ثم تكرر طبعه مرارا، وقد وضع الشيخ محمد عليش تقريرات على هذه الحاشية، طبعت معها بمطبعة التقدم العلمية بالقاهرة سنة 1328هـ.
  33. وللشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن حلولو (ت: 898هـ) شرحان: كبير في ستة مجلدات، وصغير في مجلدين، وفي شرحه الكبير أبحاث وفقه متين.
  34. شرح الشيخ النجيب بن محمد شمس الدين التكداوي: شرحان: كبير في أربعة أجزاء، وصغير في جزأين.
  35. شرح الشيخ داود بن علي بن محمد القلتاوي الأزهري: يميل فيه لحل الألفاظ مع الاختصار.
  36. شرح الشيخ أبي الحسن الشاذلي المنوفي: لم يكمله.
  37. شفاء الغليل في حل مقفل خليل: شرح للشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن غازي المكناسي (ت: 919هـ) اعتنى فيه بإيضاح المشكل وتصحيح الأوهام الواقعة، فأحسن فيه وأجاد.
  38. الشيخ محمد بن علي بن محمد الأصبحي الغرناطي: شرح صدره بمقدمة نفيسة ينقل عنه صاحب المعيار.
  39. التاج والإكليل في شرح مختصر خليل: وهو شرح الشيخ محمد بن يوسف العبدري الغرناطي الشهير بالمواق، قابل فيه عبارات المؤلف بما يوافقها أو يخالفها من كلام أهل المذهب كابن رشد، وابن شاس، وابن الحاجب، فإن لم يجد بيض لعبارة المؤلف، ولم يتكلم عليها بشيء، وعليه اعتمد ابن غازي في حاشيته كما بينه الشيخ أحمد بابا التنبكتي. وقد طبع بمطبعة السعادة سنة 1329هـ في مجلدين.
  40. العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل: وهو لمولاي عبد الحفيظ سلطان المغرب الأقصى سابقا، طبع بفاس سنة 1326هـ.
  41. جواهر الإكليل شرح مختصر الشيخ خليل في مذهب الإمام مالك إمام دار التنزيل: وهو شرح للشيخ صالح عبد السميع الأبي الأزهري، طبع بمصر سنة 1332هـ في مجلدين.

هذا ما رأينا أن نذكره من شروح المختصر وحواشيه مع بيان قيمتها العلمية بإيجاز، ليحيط القارئ بها علما في أيسر وقت، وأقرب مدة.

ومن عظيم الاهتمام بهذا المختصر أن طبع بكثير من بلاد العالم حتى بالبلاد الأوروبية منذ بواكير زمان الطباعة الأولى، فطبع في باريس سنة 1848م ومعه ترجمة فرنسية للمسيو بيرون، ثم بها أيضا سنة 1855م، كما طبع بفاس سنة 1301 ثم 1322هـ كما طبع في كونستاتين 1878م وفي الجزائر 1889 ثم 1908م وببولاق على القاعدة المغربية سنة 1293هـ، كما طبع مع ترجمة إيطالية وشروح في ميلان سنة 1919م بعناية جولدي وسنتييانا.

ب- التوضيح شرح جامع الأمهات لابن الحاجب: وبه عرف فضله، وضع الله له القبول وعكف الناس على تحصيله ومطالعته، انتقاه من ابن عبد السلام وزاد فيه عزو الأقوال وإيضاح ما فيه من الإشكال، شرح مبارك تلقاه الناس بالقبول، وهو دليل على حسن نيته. يجتهد فيه في عزو النقول ويعتمد كثيرا على اختيارات ابن عبد السلام ونقوله وأبحاثه، وهو دليل على علمه بمكانة الرجل، وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه، ولقد وضع الله القبول على توضيحه من زمانه إلى الآن، فعكف الناس على قراءته شرقا وغربا، والتوضيح هو أشهر شروح ابن الحاجب، ليس من شروحه على كثرتها ما هو أنفع منه ولا أشهر، ولقد اعتمد عليه الناس بل وأئمة المغرب من أصحاب ابن عرفة كابن ناجي وغيره مع حفظهم للمذهب، وكفى بذلك حجة على إمامته. وقد ذكر علماء المالكية أسانيدهم في تلقي الكتاب إلى مؤلفه، فوصلنا سند الشيخ الحطاب (ت: 954هـ) وسند أبي سالم العياشي (ت: 1090هـ)، وقد وضعت عليه الحواشي والتقييدات، فمنها:

  1. حاشية محمد بن أبي القاسم المشدالي (ت: 863هـ).
  2. تقييدات شمس الدين اللقاني (935هـ).
  3. حاشية ناصر الدين محمد بن حسن اللقاني (ت: 958هـ).
  4. تقييدات أحمد بن محمد الفيشي.
  5. حاشية علي بن إدريس (ت: 1259هـ).

  ت- المناسك: طبع بمكتبة دار الكتاب العربي بعنوان: منسك الشيخ خليل.
  ث- شرح مختصر ابن الحاجب الأصولي.
  ج- التبيين شرح التهذيب، لم يكمل، وصل فيه إلى كتاب الحج.
  ح- شرح على المدونة، لم يكمل، وصل فيه إلى كتاب الحج.
  خ- الجامع، وعليه عدة شروح.
  د- مناقب الشيخ عبد الله المنوفي. جمع فيه مناقب شيخه وجُل ما يتعلق بحياته وكراماته، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية.
  ذ- شرح ألفية ابن مالك.
  ر- ضبط الموجهات وتعريفها.

وفاته:
انتقل الشيخ خليل إلى رحمة ربه تعالى ليلة الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة 776هـ، كما ذكره تلميذه ناصر الدين الإسحاقي واعتمده ابن غازي، وقد ذكر ابن حجر وغيره أن وفاته كانت سنة 767هـ والأول أرجح، ودفن -رحمه الله- عند قبر شيخه بالصحراء خارج باب المحروق.

وقد ذكر التتائي عن ابن الفرات أن خليلا رئي بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ولجميع من صلى علي.
يقول أبو الحسن علي بن جماعة السلولي في مدحه: 

وحللت من قلبي مسالك نفسه والروح قد حكمته تحليلا
أخليل إني قد وهبتك خلة  وما مثلها يهب الخليل خليلا
فخليل نفسي من يَودُّ خليلَها وخلاه ثم أن أَحبَّ خليلا

رحم الله الشيخ خليلا جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين، وجمعنا به مع سيدنا رسول الله في عليين.

مصادر الترجمة:

  1. الدرر الكامنة (2/ 175).
  2. الديباج المذهب في ذكر علماء المذهب (186).
  3. نيل الابتهاج بتطريز الديباج (168).
  4. الذيل على العبر لابن العراقي (1/ 196).
  5. السلوك (3/ 1/ 124).
  6. تاريخ ابن قاضي شهبة (3/ 281).
  7. النجوم الزاهرة (11/ 92).
  8. حسن المحاضرة (1/ 460).
  9. توشيح الديباج للقرافي (92).
  10. الذيل التام للسخاوي (215).
  11. بدائع الزهور (ق1/ج2/ 41).
  12. البستان لابن مريم (96).
  13. مواهب الجليل للحطاب (1/ 20).
  14. درة الحجال (1/ 257).
  15. كشف الظنون (2/ 1628- 1629، 1831، 1842، 1855)
  16. الخطط التوفيقية (16/ 48).
  17. هدية العارفين (3/ 352).
  18. معجم المطبوعات (836).
  19. شجرة النور الزكية (223).
  20. الفكر السامي (2/ 243).
  21. فهارس الأزهرية (2/ 399).

 

نسبه:
هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، الفقيه الشافعي.

مولده ونشأته:
ولد أبو المعالي في 18 من شهر المحرم سنة 417 هـ، والجُوَيْنِيُّ هذه نسبة إلى (جوين) قرى من رستاق (مقاطعة) نيسابور، تفقه في صباه على والده الإمام أبي محمد الجويني، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وأُقرئ الأدب حتى أحكمه، وكان والده يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته وما يظهر عليه من مخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وهو يجد ويجتهد في الاشتغال والتحصيل، ولما توفي والده - ولما يبلغ أبو المعالي عشرين سنة - قعد مكانه للتدريس، وكان إذا فرغ منه مضى إلى الأستاذ أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني بمدرسة البيهقي يدرس عليه حتى أحكم علم الأصول على يديه، وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم سافر إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، وبالمدينة، يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، في أوائل ولاية السلطان ألب أرسلان السلجوقي، والوزير يومئذ نظام الملك، فبنى له المدرسة النظامية بمدينة نيسابور، فدرس بها، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلما له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاثمائة، وتفقه به أئمة، وانتهت إليه رياسة الأصحاب، وفوض إليه أمور الأوقاف، وكانت إليه الرحلة لطلب العلم من خراسان والعراق والحجاز.

شيوخه:
قرأ أبو المعالي الجويني الأصول على أبي القاسم الإسكافي الإسفراييني، وسمع الحديث في صباه من أبيه، وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي سعد محمد بن علي بن محمد بن حبيب الصفار، وأبي نصر منصور بن رامش، وأبي سعد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث باليسير.

تلاميذه:
تتلمذ على يد الجويني عدد ممن صاروا فيما بعد من أكابر العلماء، مثل: حجة الإسلام الغزالي، والكيا الهراسي، والخَوافي، والباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، والإمام أبو نصر، وعبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري، وهاشم بن علي بن إسحق بن القاسم الأبيوردي، وغانم الموشيلي، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وعبد الجبار بن محمد بن أبي صالح المؤذن، وأبو المظفر الأبيوردي، وأبو الفضل الماهياني، وسعد بن عبد الرحمن الأسترابادي.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.

مصنفاته:
صنف كتبا كثيرة جليلة في الفقه والأصول وعلم الكلام والسياسة الشرعية والجدال، وله في الفقه:
1- نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير مهم يبلغ نحو 20 جزءًا.
2- مختصر النهاية.
3- مختصر التقريب.
4- الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي أصول الفقه:
5- البرهان.
6- الورقات.
7- الغنية.
8- التحفة.
وفي الجدال:
9- العمد.
10- الدرة المضية فيما وقع من الخلاف بين الشافعية والحنفية.
11- الكافية في الجدل.
12- الأساليب في الخلاف.
وفي علم الكلام:
13- الشامل.
14- الإرشاد.
15- اللمع.
16- شفاء الغليل.
17- العقيدة النظامية.
18- قصيدة على غرار قصيدة ابن سينا في النفس.
وفي السياسة الشرعية:
19- غياث الأمم في التياث الظلم.

مناقبه:
كان الإمام الجويني يقول عن نفسه: قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا (يعنى كتابا ولعله يقصد قراءة 100 ألف كتاب)، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.

وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره.
وقال أبو إسحاق الفيروز آبادي: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان.

وقال أبو نصر بن هارون: حضرت مع شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بعض المحافل فتكلم إمام الحرمين أبو المعالي في مسألة فأجاد الكلام كما يليق بمثله، فلما انصرفنا مع شيخ الإسلام سمعته يقول: صرف الله المكاره عن هذا الإمام فهو اليوم قرة عين الإسلام والذاب عنه بحسن الكلام.

ونسب إلى أبي المعالي ميل إلى الاعتزال ظهر في بعض آرائه، لكنه رجع عنها، قال الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.

وفاته:
لما مرض الجويني في آخر حياته، حُمِلَ إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها بشتنقان موصوفة باعتدال الهواء وخفة الماء، فمات بها، ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء 25 من شهر ربيع الآخر سنة 478 هـ، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة ودفن من الغد في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه - رحمهما الله تعالى - وصلى عليه ولده أبو القاسم، فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع المنيعي، وقعد الناس للعزاء أياما، وأكثروا فيه المراثي.
ومما رثي به:

قلوب العالمين على المقالي ... وأيـــام الـــــورى شــبـــه اللـيـالـي
أيثمر غصــن أهل العلم يومًا ... وقد مات الإمام أبو المعالي

المصادر:
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله: 16/43، ط دار الكتب العلمية.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور لتقي الدين الصريفيني الحنبلي: 360، ط دار الفكر.
وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/167، ط دار صادر.
سير أعلام النبلاء للذهبي:14/17، ط دار الحديث.
مقدمة تحقيق أ. د/ عبد العظيم الديب لكتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لأبي المعالي الجويني: ص 183 وما بعدها، ط دار المنهاج.
 


نسبه:
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة.

مولده ونشأته:
ولد ابن مفلح سنة 708 هـ، ونشأ في بيت المقدس، وتفقَّه حتى برع في الفقه، ودَرَّسَ وأفتى وناظَر وصنَّف وحدَّث وأفاد، وناب في القضاء عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته، وأنجب منها سبعة، أربعة ذكور وثلاث إناث، وكان أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، وأحد الأئمة الأعلام.

شيوخه:
لازم ابنُ مفلح القاضي شمسَ الدين ابن مسلم، وقرأ على على القاضي برهان الدين الزُّرعي، وابن تيمية، وجمال الدين المرداوي، وسمع من عيسى المطعِّم، ومن الحجار وطبقته، وكان يتردد إلى ابن الفويرة والقحفاري النحويين، وإلى المزي والذهبي، ونقل عنهما كثيرًا، وكانا يعظمانه، وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثنى عليه كثيرًا.

أقوال العلماء فيه:
قال عنه أبو البقاء السبكي: ما رأت عيناي أحدا أفقه منه.
وقال ابن سند: كان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين، وشكرت سيرته وأحكامه.
وذكره الذهبي في المعجم فقال: شاب ديِّن عالم له عمل ونظر في رجال السنن، نَاظَرَ وسمع وكتب وتقدم.
وذكر قاضي القضاة جمال الدين المرداوي أن ابن مفلح قرأ عليه (المقنع) وغيره من الكتب في علوم شتى، قال: ولم أعلم أن أحدًا في زماننا في المذاهب الأربعة له محفوظات أكثر منه، فمن محفوظاته (المنتقى في الأحكام) قرأه وعرضه عليَّ في قريب من أربعة أشهر، وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية، ومدرسة دار الحديث العادلية.
وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.
وحضر ابن مفلح عند ابن تيمية، ونقل عنه كثيرًا، وكان يقول له: "ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح"، وكان ابن مفلح أخبر الناس بمسائله واختياراته، حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك.
قال ابن كثير: وكان بارعا فاضلا متفننا ولا سيما في علم الفروع، وكان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد.

مصنفاته:
1- كتاب الفروع، وقد اشتهر في الآفاق وهو من أجَلِّ الكتب وأنْفَسِها وأجْمَعِها للفوائد.
2- حاشية على المقنع.
3- النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن تيمية.
4- كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره ولكن فيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه.
5- الآداب الشرعية.

وفاته:
توفي – رحمه الله - ليلة الخميس 2 رجب سنة 763 هـ، وصلي عليه يوم الخميس بعد الظهر بالجامع المظفري، وكانت جنازته حافلة حضرها القضاة والأعيان، ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق.

المصادر:
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لأبي إسحق بن مفلح: 2/517، ط مكتبة الرشد ـ الرياض.
الأعلام للزركلي: 7/107، ط دار العلم للملايين.
السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حُمَيْد النجدي: 452، ط مكتبة الإمام أحمد.
 


نسبه:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الملقب بابن رشد الجد تمييزًا عن الفيلسوف والفقيه والقاضي أيضًا ابن رشد الحفيد، حفيده الذي يشترك مع جده في الكنية (أبو الوليد) والاسم (محمد بن أحمد) وفي العمل (تولى قضاء الأندلس)، وسنقتصر في هذه المساحة على الحديث عن الجد فقط.

مولده ونشأته:
ولد ابن رشد بقرطبة في شوال سنة 450 هـ.

أقوال العلماء وثناؤهم عليه:
يصفه القاضي عياض بأنه: زعيم فقهاء وقته بأقطار الأندلس والمغرب ومقدمهم المعترف له بصحة النظر وجودة التأليف ودقة الفقه، وكان إليه المفزع في المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، وكانت الدراية أغلب عليه من الرواية، كثير التصنيف مطبوعه، وكان مطبوعًا في هذا الباب حسن القلم والرواية، حسن الدين كثير الحياء قليل الكلام، مقدمًا عند أمير المسلمين عظيم المنزلة معتمدًا في العظائم أيام حياته، وإليه كانت الرحلة للتفقه من أقطار الأندلس مدة حياته.

ويقول ابن بشكوال: كان فقيها، عالما حافظًا للفقه، مقدما فيه على جميع أهل عصره، عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقار والحلم والسمت الحسن، والهدى الصالح، وكان الناس يلجؤون إليه، ويعولون في مهماتهم عليه وكان حسن الخلق، سهل اللقاء كثير النفع لخاصته وأصحابه، جميل العشرة لهم حافظا لعهدهم كثيرا لبرهم.
ويذكر أنه ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 511 هـ ثم طلب إعفاءه منها سنة 515 هـ.

شيوخه:
روى عن أبو جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه معه، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله محمد بن خيرة، وأبي عبد الله محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وسمع الجياني وابن أبي العافية الجوهري وأجاز له أبو العباس العذري ما رواه.

تلاميذه:
تتلمذ على يديه من العلماء: القاضي عياض، والفقيه أبو مروان عبد الملك بن مسرة، ومحمد بن أصبغ الأزدي، وابن الوزان، وابن سعادة، وابن النعمة، وابن بشكوال.. وغيرهم كثير.

مصنفاته:
ألف ابن رشد الجد العديد من الكتب، فألف (البيان والتحصيل)، و(المقدمات الممهدات)، و(النوازل وتسمى الفتاوى والأجوبة) وقد جمعها له تلميذه أبو الحسن بن الوزان، و(اختصار المبسوطة) ليحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي، و(تهذيب مشكل الآثار) للطحاوي، و(النوادر)، و(المسائل الخلافية)، و(حجب المواريث)، و(اختصار الحجب)، و(فهرسة)..

وفاته:
توفي رحمه الله، ليلة الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة 520 هـ، ودفن بمقبرة العباس، وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس، وأثنوا عليه ثناءً حسنا جميلا.

المراجع:
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض ص 54.
الصلة لابن بشكوال ص 839
سير أعلام النبلاء 14/ 359
مقدمة الدكتور محمد حجي لكتاب البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 11 وما بعدها.
 


اسمه ونسبه:
هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني (أو الكاشاني) ملك العلماء علاء الدين الحنفي، أمير كاسان (وهي المعروفة الآن بقازان عاصمة جمهورية تتارستان)، أقام ببخارى واشتغل بها بالعلم على شيخه الإمام علاء الدين محمد بن أبي أحمد السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه مثل: التحفة في الفقه، وشرح التأويلات في تفسير القرآن العظيم، وغيرهما من كتب الأصول، وسمع منه الحديث، ومن غيره وبرع في علمي الأصول والفروع، وزوَّجه شيخه السمرقندي بابنته فاطمة الفقيهة العالمة.

قال ابن عابدين معلقا على كتاب البدائع للكاساني: شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة بعدما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها وزوجها.

انتقاله إلى حلب:
يذكر ابن العديم قصة انتقاله من البلاد التركية أو بلاد الروم التي كان يحكمها السلاجقة، إلى حلب زمن نور الدين محمود، حيث قال: سمعت الفقيه جمال الدين أبا السرايا خليفة بن سليمان بن خليفة الكاتب قال: كان علاء الدين الكاساني قد أقام في بلاد الروم فتشاجر هو ورجل فقيه يعرف بالشعراني ببلاد الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطئ، فقال الشعراني: المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن كل مجتهد مصيب، فقال الكاساني: لا بل الصحيح عن أبي حنيفة: إن المجتهدين مصيب ومخطئ، والحق في جهة واحدة، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة، وجرى بينهما كلام في ذلك، فرفع عليه الكاساني المقرعة فشكي إلى ملك الروم، فقال سلطان الروم لوزيره: هذا قد افتات على الرجل فاصرفه عنا، فقال الوزير: هذا رجل شيخ وله حرمة ولا ينبغي أن يُصرف، بل ننفذه رسولا إلى نور الدين محمود بن زنكي ونتخلص منه بهذا الطريق، فسير من الروم رسولا إلى نور الدين إلى حلب، واتفق وصول الكاساني رسولا من الروم إلى نور الدين، مع ترك رضي الدين السرخسي ولاية مدرسة الحلاوية، فاجتمع فقهاء المدرسة وطلبوا من نور الدين أن يوليه التدريس بالمدرسة المذكورة، فعرض نور الدين عليه ذلك، فدخل المدرسة ورآها فأعجبته وأجاب نور الدين إلى ما عرضه عليه، وحدَّث بزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، ودرس بالمدرسة الجاولية، وكان حريصا على تعليم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد.

يذكر العماد الأصفهاني في البرق الشامي منشورًا أنشأه لصلاح الدين لكي يقر فيه الإمام الكاساني على ولايته على عدد من معاهد العلم في زمنه جاء فيه: وَقد أقررناه على المستمر من عادته والمستقر من قاعدته فيما هو مفوض إليه ومعول فيه عليه من تولى المدارس التي تحت ولايته ونظره ورعايته بمدينتي حلب والرقة للحنفية وفقهم الله، وهي المدرسة النورية غربي الجامع عند باب الحلاويين ومدرسة الحدادين ومدرسة جاولي وخزانة الكتب بالجامع والمدرسة النورية بالرقة على الفرات وتولى أوقاف ذلك جميعه على الاستقلال والاستبداد وأن يستنيب في هذه المدارس من الفقهاء مدرسا ومعيدا ومفتيا ومفيدا، وإليه العزل والتولية والتبديل والعطاء والمنع والتسوية والتفضيل، وترتيب كل منهم في منزلته التي يستحقها بأهليته والنزيل فمن قَبِلَه فهو المقبل المقبول، ومن حرمه فهو المحروم المرذول فإنه ما يعتمد أمرا إلا بدليل مستنده المشروع والمعقول، وهو الذى دلَّت على الفروع ببيانه الأصول، وصحَّ بروايته وإسناده المسموع والمنقول.

مصنفاته:
صنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي سماه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي سماه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.

جهاده العلمي:
يذكر ابن العديم أن والده حدثه أنَّ علاء الدين الكاساني كان كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج إلى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع إلى قولها.

وعن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قال: قدم علاء الدين الكاساني إلى دمشق فحضر إليه الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة، فقال: أنا ما أتكلم في مسألة فيها خلاف أصحابنا، فعينوا مسألة، قال: فعينوا مسائل كثيرة، فجعل يقول: ذهب إليها من أصحابنا فلان، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب اليها واحد من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، فانفض المجلس، وعلموا أنه قصد الغض منهم فقالوا إنه طالب فتنة، فلم يتكلموا معه.

وقال الفقيه شمس الدين الخسروشاهي بالقاهرة لابن العديم: لأصحابكم في الفقه كتاب البدائع للكاساني، وقفت عليه، ما صنف أحد من المصنفين من الحنفية ولا من الشافعية مثله، وجعل يعظمه تعظيما.

ومن خصاله أنه كان لا يركب إلا الحصان ويقول: لا يركب الفحل إلا الفحل، وكان له رمح لا يفارقه وكان شجاعا، كما يذكر داود بن علي البصراوي.

تلاميذه:
من تلاميذ الإمام الكاساني: عمر بن علي بن محمد بن قُشام أبو حفص الحلبي الدارقطني، وخليفة بن سليمان بن خليفة بن محمد القرشي، ونجا بن سعد بن نجا بن أبي الفضل شمس الدين.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - بعد الظهر من يوم الأحد العاشر من رجب في سنة 587 هـ، قال ابن المغربي: حضرت الشيخ علاء الدين الكاساني عند موته، فشرع في قراءة سورة إبراهيم - عليه السلام - حتى انتهى إلى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» فخرجت روحه عند فراغه من قوله: «في الآخرة».

ودفن - رحمه الله - داخل مقام إبراهيم - عليه السلام - ظاهر حلب في قبة من شماليه كان دفن فيها زوجه فاطمة ولم يقطع زيارة قبرها كل ليلة جمعة إلى أن مات رحمه الله.

المصادر:
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/234) (2/191، 244 ـ 246) ومواضع أخرى.
بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم (4347 ـ 4353).
حاشية ابن عابدين (1/100)
تاريخ الإسلام لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (45 /163).
 


نسبه:
هو الإمام العلامة أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الإمام الشافعي – رضي الله عنه - وخال الإمام الطحاوي الحنفي.

مولده ونشأته:
ولد بمصر في سنة 175 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الليث بن سعد.

شيوخه:
روى الحديث عن الإمام الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد، ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه كما يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء.

تلاميذه:
أخذ عنه العلم عدد كبير من علماء خراسان والعراق والشام، ومن تلامذته: العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

وحدَّث عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

مناقبه:
كان المزني زاهد ورعًا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة، وكان إذا فاتته صلاة في جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل: تعانيت غسل الموتى ليرق قلبي فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي رحمه الله.
ويروي الذهبي أن المزني كان إذا فرغ من تبييض مسألة وأودعها "مختصره" صلى لله ركعتين.

اجتهاد الإمام المزني:
وللمزني آراء فقهية يستقل بها، وفي عدِّها من جملة مذهب الشافعي خلاف، لكن إمام الحرمين الجويني يقول في هذه المسألة: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق – الشافعي - في أصوله، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوِّ منصبه في الفقه، وتلقيه أصول الشافعي.. وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه في هذه المسألة (يقصد مسألة خُلع الوكيل التي كان يعلق عليها في سياق حديثه) بالمذهب؛ لأن من صيغة تخريجه(أي المزني) أن يقول: قياس مذهب الشافعي كذا وكذا. وإذا انفرد بمذهب، استعمل لفظة تشعر بانحيازه، وقد قال في هذه المسألة لما حكى جواب الشافعي: "ليس هذا عندي بشيء"، واندفع في توجيه ما رآه.

ثناء العلماء عليه:
قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي، وقال: لو ناظره الشيطان لغلبه.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي.
وقال أبو سعيد بن يونس: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان أحد الزهاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله.

مصنفاته:
ألف "مختصره" في الفقه وامتلأت به البلاد وشرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من "مختصر" المزني.
كما صنف الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمنثور المبسوط، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، والدقائق والعقارب، ونهاية الاختصار.

وفاته:
توفي – رضي الله عنه - في رمضان، لست بقين منه، سنة 264 هـ وله 89 سنة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي - رضى الله عنه - بالقرافة الصغرى بسفح المقطم.

المراجع:
سير أعلام النبلاء: 10/ 134، ط دار الحديث.
طبقات الشافعية للسبكي: 2/ 93، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع.
طبقات الشافعيين لابن كثير: 1/122، ط مكتبة الثقافة الدينية.
تاريخ ابن يونس المصري: 1/44، ط دار الكتب العلمية.
نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني: 13/480، ط دار المنهاج.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 10 أبريل 2025 م
الفجر
4 :4
الشروق
5 :34
الظهر
11 : 56
العصر
3:30
المغرب
6 : 19
العشاء
7 :39