هل تجب العدة على المرأة المختلعة قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة؟ فقد عَقَد رجلٌ على امرأة عقد زواج صحيحًا ولم يَدخُل بها، إلَّا أنه حصلت بينهما خلوة شرعية صحيحة، ثم رفعت المرأة قضية خُلْعٍ على هذا الزوج، وتسأل: هل عليَّ عدة بعد هذا الخلع؟
الفرقة الحاصلة بالخلع في العقد الصحيح بعد الخلوة الصحيحة -تعتبر طلاقًا بائنًا، وتوجب العدة على المرأة المختلعة كما توجبها على المطلقة المدخول بها، وهي ثلاثُ حيضاتٍ لِمَن تَحِيض، وثلاثةُ أشهُرٍ للتي لم تحض واليائس التي تَجاوَزَت سِنَّ الحيض وانقطع حيضها، فإذا انقضت عدتها حلَّ لها الزواج.
المحتويات
العدة هي مدة زمنية وضعها الشرع الشريف للتَّعرُّف على براءة رحم المرأة عند زوال عقد النكاح أو شبهته، سواء بالوفاة أو بحدوث فُرقة من فُرق النكاح، كالخلع، تلتزم فيها المرأة بالمكوث دون زواج حتى تنقضي تلك المدة.
قال العلَّامة فخر الدين الزيلعي في "تبيين الحقائق" (3/ 26، ط. المطبعة الكبرى الأميرية) في تعريف العدة: [(هي تربص يلزم المرأة)، أي: العدة عبارة عن التربص الذي يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته] اهـ.
الفرقة الحاصلة بين الزوجين بسبب الخلع تعتبر طلاقًا بائنًا على المعمول به إفتاءً وقضاءً، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والقول الجديد عند الشافعية.
قال الإمام شمس الأئمة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (6/ 171-172، ط. دار المعرفة): [إذا اختلعت المرأة مِن زوجها فالخلع جائز، والخلع تطليقة بائنة عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (2/ 593، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [الخلع ليس بفسخٍ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن] اهـ.
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "الروضة" (7/ 375، ط. المكتب الإسلامي): [وإن لم يجز إلَّا لفظ الخلع فقولان، الجديد: أنَّه طلاق يَـنقُص به العَدَد] اهـ.
ويدل على أَنَّ الخلع طلاق بائن قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 229].
ثم قال تعالى بعد هذه الآية: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، "فلما ذُكِر الخلع بَيْن طلاقين عُلِم أنَّه ملحق بهما"، كما في "الحاوي" لأبي الحسن الماوردي (10/ 9، ط. دار الكتب العلمية).
كما أنَّ العموم الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228] يدل على عدم التفرقة بين الخلع والطلاق، وهذا يقتضي أن يكون الخلع طلاقًا، كما قَرَّره الإمام أبو بكر الجَصَّاص في "شرح مختصر الطحاوي" (4/ 459، ط. دار البشائر الإسلامية).
وقد سَمَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخلع طلاقًا، فإنه لما أرادت امرأة ثابت بن قيس أن تفارق زوجها قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» رواه البخاري.
قد سار قانون الأحوال الشخصية المصري على رأي الجمهور، فنَصَّ في المادة 20 مِن القانون رقم 1 لسنة 2000م على أنه: [يقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن] اهـ.
ومعنى كون الخلع طلاقًا بائنًا أَنَّ الخلع يترتب عليه ما يترتب على الطلاق من أحكام.
قد اتفق الفقهاء على أنَّه إذا طُلِّقت المرأة بعد العقد وقبل الدخول والخلوة فإنه لا عِدَّة عليها، قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 94، ط. دار الآثار): [وأجمعوا على أنَّه من طَلَّق زوجته، ولم يدخل بها: طلقة، أنها قد بانت منه، ولا تحل إلا بنكاح جديد، ولا عدة له عليها] اهـ.
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة -وهو قول الإمام الشافعي في القديم- إلى وجوب العدة إذا طُلِّقت المرأة قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة باجتماعهما في مكان آمن مِن اطلاع الغير عليهما بغير إذنهما، وكان الزوج متمكِّنًا من الوطء بلا مانع حسيٍّ أو طَبْعيٍّ أو شرعيٍّ؛ "لأنَّ الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة؛ لكونها سببًا مفضيًا إليه، فأقيمت مقامه احتياطًا، إقامة للسَّبَب مقام الـمُسَبَّب فيما يحتاط فيه"، كما ذَكَر الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 191، ط. دار الكتب العلمية)، والاحتياط في باب الفروج واجب.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 148- 149): [والخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء سترٍ أو بابٍ مُغلَق يوجب المهر والعدة عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن جُزَي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 400، ط. دار ابن حزم): [وإن طَلَّقها بعد الخلوة واتفقا على عدم المسيس، فالعدة واجبة] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (3/ 384، ط. دار الفكر): [و(لا) تجب العدة (بخلوةٍ) مُجرَّدة عن وطءٍ (في الجديد)... والقديم: تقام مقام الوطء] اهـ.
وقال الإمام الموفَّق ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (11/ 197، ط. دار عالم الكتب): [العدة تجب على كل من خلا بها زوجها وإن لم يمسها، ولا خلاف بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس، فأما إن خلا بها ولم يصبها، ثم طلقها، فإن مذهب أحمد وجوب العدة عليها، وروى ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر، وبه قال عروة، وعلي بن الحسين، وعطاء، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، والشافعي في قديم قوله] اهـ.
كما نَصَّت المادة الثالثة من موادِّ الإصدار للقانون رقم 1 لسنة 2000م على أنه: [تَصْدُرُ الأحكامُ طِبْقًا لِقوانين الأحوال الشخصية والوقف المَعمُول بها، ويُعمَلُ فيما لم يَرِدْ بشأنه نَصٌّ في تلك القوانين بِأرجَحِ الأقوال مِن مَذهب الإمام أبي حَنيفة] اهـ. وأرجح الأقوال مِن مَذهب الإمام أبي حنيفة وجوب العدة بالخلوة الصحيحة، وهذا يَقتضي أنَّ عِدَّةَ المختلعة من عقد زواج صحيح بعد خلوة صحيحة هي نفس عدة المطلقة.
والذي عليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً أنَّ عدة المرأة المطلقة ثلاثُ حيضاتٍ لِـمَن كانت تَحِيض، وثلاثةُ أشهُرٍ للتي لم تحض واليائس التي تَجاوَزَت سِنَّ الحيض وانقطع حيضها؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: 4].
بناء عليه وفي واقعة السؤل: فإنَّ الفرقة الحاصلة بالخلع في العقد الصحيح بعد الخلوة الصحيحة -تعتبر طلاقًا بائنًا، وتوجب العدة على المرأة المختلعة كما توجبها على المطلقة المدخول بها، وهي ثلاثُ حيضاتٍ لِمَن تَحِيض، وثلاثةُ أشهُرٍ للتي لم تحض واليائس التي تَجاوَزَت سِنَّ الحيض وانقطع حيضها، فإذا انقضت عدتها حلَّ لها الزواج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إجبار الزوج زوجته على قطع الرحم؟ فقد تزوجت ابنتي المهندسة منذ حوالي سنة، وزوجها يمنعها عن أسرتها -أبيها وأمها وإخوتها- ويمنعها عن خالاتها وأخوالها وعماتها وأعمامها وجدتها، وأيضًا عن العالم الخارجي من زميلات وصديقات، ولا يسمح لها أن ترد علينا في التليفون، وفي المرات البسيطة التي كلمناها فيها يكون هو معنا على السماعة يسمع كل الكلام أو يسجله؛ كما يقول لنا، وأيضًا هو لا يسمح لها بزيارة أسرتها ولا يسمح لأسرتها بزيارتها أو التحدث معها هاتفيًّا. فهل يجوز له أن يدفعها إلى عقوق والديها وقطع رحمها؟ وهل يجوز لها أن تعقَّ والديها وتقطع رحمها طاعة له؟
ما حكم الزواج العرفي بدون شهود؟ فقد تزوج رجلٌ بامرأة زواجًا عرفيًّا بصيغتي الإيجاب والقبول، لكن بدون شهود، ولم يُخبِرَا بذلك أحدًا خوفًا مِن أن يَعرف أحدٌ من أفراد العائلتين بهذا الزواج، ودخل بها، فهل يصح هذا الزواج شرعًا؟
هل يقع الطلاق أثناء الحيض؟ حيث قام رجلٌ بطلاق زوجته أثناء فترة حيضها طلاقًا رسميًّا، وأقرّ بأن هذا ثالث طلاق وقع بينهما، فما الحكم في هذا الطلاق؟
ما مدى أحقِّيَّة الطَّرَف المعافى مِن الزوجين في طلب التفريق بسبب إصابة الآخر بمرض ألزهايمر؟
ما حكم المرأة التي تستعمل شريط منع الحمل اللاصق الذي يستمر على جسمها أسبوعًا ولا يمكنها نزعه قبل هذه المدة؛ لأنه سيفقد فعاليته بذلك؟ وكيف يُغسل الجزء الملصوق بعد ممارسة الجماع؟
إذا ما تزوج رجل بأربعة نساء وجمع بينهن في آن واحد، ثم قام بتطليق إحداهن طلاقًا رجعيًّا مثلًا في أول يوم من الشهر. فهل يجوز له أن يتزوج بأخرى غير تلك التي طلقها؟ وهل يكون للرجل عدة، أو مثلًا ينتظر فترة العدة الخاصة بزوجته الرابعة التي طلقها حتى لا يقع في المحظور بمخالفة القاعدة الشرعية وهي عدم جواز أن يتزوج الرجل من خمسة نساء في آن واحد؟