أثر ابتلاع الصائم بقايا الطعام التي بين أسنانه على صيامه

تاريخ الفتوى: 23 أكتوبر 2024 م
رقم الفتوى: 21748
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الصوم
أثر ابتلاع الصائم بقايا الطعام التي بين أسنانه على صيامه

ما أثر ابتلاع بقايا الطعام التي بين الأسنان على الصيام؟ فهناك رجلٌ نوى الصيام، وبعد أن تسحَّر وجد بقايا طعامٍ قليلةً بين أسنانه، فغسل فمه وأسنانه ما استطاع، لكن بقي شيء يسير من تلك البقايا بين أسنانه، وفي أثناء النهار تحلَّلَت وجَرَت مع الرِّيق من غير قصدٍ منه لابتلاعها، فهل يفسد بذلك صومه؟

لا يفطر الصائم بما يجري به ريقُهُ من بقايا طعامٍ قليلٍ لا يمكنه الاحتراز عنه وإخراجه من فمه بحيث يسبق إلى جوفه من غير قصد له إليه؛ وذلك لعموم قول الله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، فإن كانت تلك البقايا من الطعام كثيرةً يمكنه إخراجها من فمه وعدم ابتلاعها وَجَب عليه ذلك، ويفطر متى ابتلعها عمدًا، وعلى ذلك فلا يفسد صوم الرجل المذكور بجريان ريقه بشيء يسيرٍ من بقايا الطَّعام من غير قصدٍ منه لابتلاعها.

المحتويات

 

التيسير ورفع الحرج عن المكلفين في الشريعة الإسلامية

الناظر في الشريعة الإسلامية يجد أنَّ مبناها على التيسير ورفع الحرج عن المكلَّفين، رعايةً لحالهم، وتحقيقًا لمصالحهم، وممَّا يدلُّ على ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].

وعن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أخرجه الأئمة: أحمد والرُّوياني في "مسنديهما"، والطبراني في "المعجم الكبير".

ومن مظاهر التيسير ورفع الحرج عن المكلَّفين أنْ سَلَكَت الشَّريعة الغرَّاء مسلك "العفو في الصِّيام عمَّا يعسُر الاحتراز منه من المُفطرات"، كما في "الموافقات" للإمام الشَّاطِبِي (4/ 58، ط. دار ابن عفان).

أثر ابتلاع الصائم بقايا الطعام التي بين أسنانه على صيامه

ما يبتلعه الصَّائم من بقايا الطَّعام التي بين أسنانه لا يخلو من إحدى حالتين:

الأولى: أن يكون قليلًا جدًّا بحيث لا يتمكن الصائمُ من مَجِّه وإخراجه من الفم.

والثانية: أن يكون كثيرًا بحيث يستطيع الصائمُ تمييزَه والاحترازَ عنه بمَجِّه وإخراجه من فمه.

فأما إذا كان قليلًا بحيث لا يستطيع الصائمُ الاحترازَ عنه وإخراجَه من فمه، فلا يفطر به إجماعًا؛ لعُسر الاحتراز، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 49، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن لا شيء على الصائم فيما يَزْدَرِدُهُ مما يجري مع الريق مما بين أسنانه فيما لا يقدر على الامتناع منه] اهـ. و"يَزْدَرِدُهُ" أي: يبتلعه.

وأمَّا إذا كان كثيرًا بحيث يمكن مجُّه وإخراجُه من الفم، فإنَّه يجب على الصائم فِعلُ ذلك، فإن فَعَل صحَّ صومه، وإن ابتلعه عمدًا بطل صومه، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

غير أنَّ الحنفية قدَّروا القِلَّةَ التي لا يُمكن الاحتراز عنها ولا تؤثر على صحة الصوم، والكثرةَ التي يمكن الاحتراز عنها وتؤثر على صحة الصوم -بالحِمَّصَة، فما كان قدر الحِمَّصَة أو زاد عنها فهو كثير، وما كان دونها فهو قليل، والمعوَّل عليه عند الجمهور هو إمكان التمييزِ والمجِّ من عدمه، فاليسير هو ما لا يمكن تمييزُه ومَجُّه، والكثير هو ما يمكن تمييزُه ومَجُّه.

قال الإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 324، ط. المطبعة الكبرى الأميرية): [إذا أكَلَ ما بين أسنانه، فالمراد به ما إذا كان قليلًا من الذي بقي من أَكلِ الليل؛ لعدم إمكان الاحتراز عنه، وإن كان كثيرًا يُفطِرُهُ، وقال زُفَر: يُفَطِّرُهُ في الوجهين؛ لأنَّ الفم له حكم الظاهر، ألَا ترى أنه لا يفسد صومه بالمضمضة فيكون داخلًا من الخارج، ولنا: أنَّ القليل منه لا يمكن الامتناع عنه عادةً، فصار تبعًا لأسنانه بمنزلة رِيقِه، والكثير يمكن الاحتراز عنه، فجُعِل الفاصل بينهما مقدار الحِمَّصَة، وما دونه قليل] اهـ.

وجاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 271، ط. دار الكتب العلمية): [قلتُ: أرأيتَ الصائم... الشيءُ يكون بين أسنانه مثل فِلْقَة الحَبَّة أو نحوها فيبتلعه مع ريقه؟ قال مالكٌ: لا شيء عليه] اهـ.

وقال الإمام ابن أبي زَيْدٍ القَيْرَوَانِي في "النوادر والزيادات" (2/ 41، ط. دار الغرب الإسلامي) نقلًا عن الإمام أَشْهَب: [إذا ازْدَرَدَ فِلقة حبَّة بين أسنانه فعليه القضاءُ. قال أبو محمد: يريد: ويمكنه طرحُها] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 171، ط. دار الفكر): [(ولو) (بَقِيَ طعامٌ بين أسنانِه فجرى به ريقُهُ) من غير قصدٍ (لم يُفطر إن عجز عن تمييزه ومَجِّه) لعذره، بخلاف ما إذا لم يعجز ووصل إلى جوفه فيُفطِر؛ لتقصيره] اهـ.

وقال الإمام مُوَفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (3/ 126، ط. مكتبة القاهرة): [ومن أصبحَ بين أسنانه طعامٌ لم يخلُ من حالين: أحدهما: أن يكون يسيرًا لا يمكنه لفظُه، فازدَرَدَهُ، فإنَّه لا يُفطر به؛ لأنَّه لا يمكن التحرز منه، فأشبه الريق... الثاني: أن يكون كثيرًا يمكن لفظُه، فإن لَفَظَه فلا شيء عليه، وإن ازدَرَدَهُ عامدًا فسَدَ صومه] اهـ.

بينما ذهب بعض فقهاء المالكية -كالإمامين: ابن حَبِيب، وابن المَاجِشُون- إلى عدم فساد صوم مَن ابتلع ما بين أسنانه ولو عمدًا ما دام هذا المُبتَلَع باقيًا في فمه من قبل الإمساك للصوم، وهو قولٌ عند الشافعية، وعند الشافعية قولٌ ثالث، وهو أنَّه إن بذل ما يمكنه من إخراج ما بين أسنانه -بالخِلَّة ونحوها كفرشاة الأسنان- على العادة لا يفطر، وإن لم يفعل ذلك أفطر.

قال الإمام ابن أبي زَيْدٍ القَيْرَوَانِي المالكي في "النوادر والزيادات" (2/ 41) في بيان حكم الصائم إذا ابتلع في النهار ما يبقى بين أسنانه من طعامٍ أكَلَه قبل الإمساك للصوم: [قال ابن حَبِيب: وإنْ تعمَّدَ ذلك على علمٍ به، فذلك سواءٌ] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 424، ط. دار الفكر): [وقال ابن المَاجِشُون: وإن كان مُتَعَمِّدًا؛ لأنَّه ابتدأ أخذه في وقتٍ يجوز له] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 158، ط. دار الكتب العلمية) في بيانِ حكمِ ما يجري به ريقُ الصَّائم من بقايا طعامٍ بين أسنانه: [وقيل: لا يفطر مطلقًا، وقيل: إن نَقَّى أسنانه بالخِلال على العادة لم يفطر، وإلَّا أفطر] اهـ.

والذي عليه الفتوى: أنَّ الصائم يفطر بابتلاع ما بَقِيَ من طعامٍ في فمِهِ إن كان يقدرُ على تمييزه ومجِّه؛ لأنَّه "بلعَ طعامًا يمكنه لفظه باختياره، ذاكرًا لصومه، فأفطر به، كما لو ابتدأ الأكل"، كما في "المغني" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة (3/ 126).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يفطر الصائم بما يجري به ريقُهُ من بقايا طعامٍ قليلٍ لا يمكنه الاحتراز عنه وإخراجه من فمه بحيث يسبق إلى جوفه من غير قصد له إليه، فإن كانت تلك البقايا من الطعام كثيرةً يمكنه إخراجها من فمه وعدم ابتلاعها وَجَب عليه ذلك، ويفطر متى ابتلعها عمدًا، ومن ثم فلا يفسد صوم الرجل المذكور بجريان ريقه بشيء يسيرٍ من بقايا الطَّعام من غير قصدٍ منه لابتلاعها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

هل هناك فرق في الاستعمال الشرعي بين لفظي الصوم والصيام؟ وهل يترتب على الفرق بينهما أيُّ أحكام شرعية؟


ما حكم الاجتماع في ليالي رمضان للاستماع لقراءة القرآن من القراء الذين يحسنون أداءه، وإنشاد المدائح والقصائد الدينية؟ حيث اعتدنا في قريتنا أن نجتمع بعد صلاة التراويح للاستماع لقارئ يقرأ القرآن الكريم، وأحيانًا يتبعه شيء من المديح النبوي وإنشاد القصائد الدينية، ويصحب ذلك تقديم بعض المأكولات والحلويات والمشروبات، وأحيانًا تقديم وجبة السحور؛ فرحًا بالشهر الكريم من ناحية، وفرحًا لتجمع الأهل والأحباب والجيران كبارًا وأطفالا أغنياء وفقراء من ناحية أخرى، ونسمي ذلك "سهرات رمضان"، فهل هذا يعد من إحياء ليالي رمضان؟ وهل نثاب عليه؟ وهل هو موافق أو مخالف للسنة النبوية؟


ما حكم تناول المرأة لأدوية لمنع نزول الدورة الشهرية لتتمكن من صيام شهر رمضان؟


ما هو توقيت الإمساك والإفطار للذي يسكن في ناطحات السحاب؟ فأنا أسكن في برج يتجاوز عدد طوابقه 150 طابقًا، ويختلف موعد شروق الشمس وغروبها نسبيًّا بين الطابق السفلي والطابق العلوي، مما يجعلني في حيرة من أمر الإمساك والإفطار؛ فما توقيت الإمساك والإفطار بالنسبة لي؟


ما كيفية ابتداء وإتمام صيام كفارة شهرين متتابعين إذا بدأ الصوم أثناء الشهر؟ فقد وجب عليَّ صيام شهرين متتابعين كفارةً، فهل يجوز لي أن أبدأ صيام الكفارة في أثناء الشهر الهجري، وكيف يُحْسَبُ الشهران إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر؟


هل يجب على المسافر الذي قدم بلده مفطرًا أن يمسك بقية اليوم؟ فقد سافرتُ في شهر رمضان المبارك قبل الفجر، ولَمَّا كان السفرُ طويلًا، أخذتُ بالرخصة فأفطرتُ في الطريق، وبعد أن وصَلْتُ إلى منزلي بعد العصر أكلتُ وشرِبْتُ، فهل كان واجبًا عليَّ الإمساك عن الطعام والشراب بمجرد وصولي إلى البيت؟