حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت

تاريخ الفتوى: 02 فبراير 2025 م
رقم الفتوى: 21741
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الميراث
حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت

ما حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت؟ فأخو صديقي متوفًّى، وادَّعى رجلٌ من غير بينة أنَّ له دينًا عليه.

دعوى الدين على الميت لا تقبل إلَّا ببينة المدَّعي، ويُحلف يمين الاستبراء إن وصل الأمر إلى القضاء، فإذا لم تقم البَيِّنَة ولم يقر الورثة بالدَّيْنِ؛ فلا يلزمهم شيء، فإن ادَّعَى عليهم العلم بالدَّيْن ولم يقروا به لزمهم الحلف على عدم العلم، ولا يلزمهم شيء حينئذ، وإن رفضوا الحلف ثبت له الدَّيْن ووجب عليهم قضاؤه، وأما إذا لم تقم البَيِّنَة وأقر الورثة بالدَّيْن فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

المحتويات

 

حث الشرع الشريف على الاهتمام بقضاء الدين قبل الموت

من المقرر شرعًا أنَّ الديون المالية مِن أهم الحقوق التي يجب الوفاء والالتزام بها، فلا تزال ذمة الـمَدِين مشغولة بالدَّيْن حتى بعد موته، ولذا حَثَّت الأدلة الشرعيَّة على الاهتمام بقضاء الدَّيْن والتَّخَلُّص منه قبل الموت أو أن يبرئه الدائن؛ فأخرج الإمام أحمد في "المسند" والترمذي وابن ماجه في "السنن" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».

قال المجد ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي" (2/ 433، ط. مكتبة الرشد): [قوله: «معلقة بدينه» يريد أنها تطالبه بما تخلف عليه من الدَّيْن، ومؤاخذة به في الآخرة بعد الموت إلى أن يُوَفَّى ما عليه من الدَّيْن] اهـ.

بيان وجوب الوفاء بالدين إذا كان للميت تركة وثَبَتَ هذا الدَّيْن عليه بالبَيِّنَة

وجوب الوفاء والالتزام بالدَّيْن على الميت إنما يكون إذا ما كان للميت تركة وثَبَتَ هذا الدَّيْن عليه بالبَيِّنَة؛ فإنه حينئذٍ يُقضى من تركة الميت ما لم يصل إلى القضاء؛ فإن وصل لزم المدَّعي -صاحب الدَّيْن- أن يَحْلِفَ يمين الاستبراء بأنَّه ما استوفى هذا الدَّيْن من الميت بأي صورة من الصور على مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ولا يلزم الحلف وجوبًا عند الحنابلة، وإنما يحلف احتياطًا.

قال الإمام برهان الدين بن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" (8/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [نقولُ فيمن ادَّعى دينًا على ميت وأقام البينة: إن القاضي يحلِّفه بالله بما استوفيت هذا الدَّيْن ولا أبرأته منه؛ لأنَّ الميت عاجز عن النظر لنفسه بنفسه، فينظر له القاضي بالاستحلاف، وإذا استحلفه يحلف بالله ما قبضت هذا المال من هذا المدعى عليه، ولا يعلم أن رسولك أو وكيلك قبض هذا المال منه، ولا أبرأته ولا أحلته به على أحد، ولا اغتصبت مثله من جنسه ولا اغتصبت به؛ لأنَّ الواحد من هذا لا تحصل براءة المدعى عليه، فيحلفه على جميع ذلك على الثبات] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي في فقه أهل المدينة" (2/ 915، ط. مكتبة الرياض): [مَن ادَّعى على ميت دينًا وأقام بينة لم يقض له حتى يحلف أنه ما قبض منه شيئًا، ولا أبرأ، ولا وهب، هذا احتياط للميت] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "التنبيه" (ص: 255-256، ط. دار عالم الكتب): [وإن ادَّعى على ميت أو غائب أو صبي أو مستتر في البلد وله بَيِّنَة؛ سمعها الحاكم، وحكم بها، وأحلف المُدَّعِي أنه لم يبرأ إليه ولا من شيء منه] اهـ.

وقال الإمام شرف الدين الـحَجَّاوي الحنبلي في "الإقناع" (4/ 403، ط. دار المعرفة): [وإن ادَّعى على غائب مسافة قصر... أو ميت... بلا بينة؛ لم تسمع دعواه ولم يحكم له، وإن كان له بينة سمعها الحاكم وحكم بها في حقوق الآدميين... ولا يلزم المدعي أن يحلف أن حقه باقٍ والاحتياط تحليفه خصوصًا في هذه الأزمنة] اهـ.

ويمين القضاء أو الاستبراء المذكورة في كلام الفقهاء هي يمينٌ يوجهها القاضي للمُدَّعِي بعد إثباته لدعواه بدليلٍ كاملٍ استظهارًا للحقيقة في الدعاوى على الغائب، ويكون الغرض منها أن يتأكد القاضي أن المُدَّعِي -صاحب الدَّين- لم يستوف الدَّيْنَ الذي له على المدعى عليه الغائب أو الميت ، ولم يبرئه منه، وتسمى يمين الاستظهار أيضًا، كما قَرَّره الإمام بدر الدين الزركشي في "المنثور في القواعد" (3/ 381، ط. وزارة الأوقاف الكويتية)، وكذا الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 310، ط. دار الكتب العلمية)، والشيخ محمد ميارة في "الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام" (1/ 100، ط. دار المعرفة)، وهو ما أفادته أيضًا "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 354، ط. نور محمد)، وبَسَطَه شرحًا العَلَّامة السنهوري في "الوسيط" (11/ 592-593، ط. دار إحياء التراث).

حكم سداد الورثة دينًا ادّعاه رجلٌ على الميت وليس معه بينة

أمَّا إذا تُوفي الرَّجُل وتركَ خَلْفَهُ إرْثًا، وادَّعَى رجلٌ على الورثة أنَّ له دينًا على هذا الميت، وكان هذا الدَّيْنُ مُحتمل الثبوت عقلًا وعرفًا، معلومًا متميزًا، ولم يكن مع المُدَّعِي -صاحب الدَّيْن- بينة، ولم يعلم الورثة بهذا الدَّيْن؛ فإنَّه لا يلزم الورثة شيء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى المدعى عليه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظ لمسلم.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (12/ 3، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بَيَّن صلى الله عليه وآله وسَلَّم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه؛ لأنَّه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المُدَّعِي فيمكنه صيانتهما بالبَيِّنَة] اهـ.

ولأنَّه لو كان القول قولَ المدَّعِي -صاحب الدَّيْن- من غير بينة لما احتيج إلى البَيِّنَة من الكتابة والإملاء والإشهاد عليه ونحوه، فلما احتيج إليه دل على أن البَيِّنَة لازمة على المدَّعِي -صاحب الدَّيْن-. ينظر: "الكواكب الدراري" للكرماني (11/ 158، ط. دار إحياء التراث العربي).

وأَمَّا إن ادَّعى -صاحب الدَّيْن- على الورثة العلم بهذا الدَّيْن، وأنكروا، لزمهم الحلف على عدم العلم بهذا الدين، فإن حلفوا لم يثبت له الدَّيْن، وإن رفضوا ثبت له.

قال الإمام حسام الدين الشهيد الحنفي في "شرح أدب القاضي" (ص: 164، ط. دار الكتب العلمية) وهو يتحدث عما لو ادَّعى شخص على ورثةِ ميت أنه له عليه دينٌ ولا بَيِّنَة له وأنكر الوارث العلم بالدَّين: [(فإن لم يكن له بيّنة وأراد استحلافه، حلفه بالله ما تعلم لفلان هذا على أبيك هذا المال ولا شيئًا منه، فإن حلف تم الكلام، وإن نكل ثبت المال بنكوله)] اهـ.

وقال الإمام الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (4/ 229، ط. دار الفكر) وهو يتحدث عما لو ادَّعى شخص على ورثةِ ميت أنه له عليه دينٌ ولا بَيِّنَة له: [وإن لم يعلموا به حلفوا على عدم العلم إن ادَّعَى عليهم العلم، وإلَّا فلا] اهـ.

وقال الإمام محيي السنة البغوي الشافعي في "التهذيب" (8/ 248، ط. دار الكتب العلمية): [ولو ادَّعَى على ميت  دينًا فقال: لي في ذِمَّةِ أبيك ألف درهم، لا يسمع، حتى يقول: وأنت تعلم، والتركة في يدك يلزمك أداؤها منها؛ فإذا أنكر الوارث، حلف على نفي العلم؛ فيقول: لا أعلم أن لك في ذمة أبي كذا] اهـ.

وقال الإمام أبو السَّعَادات البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (15/ 159، ط. وزارة العدل السعودية): [ادَّعى على (ميت، أو صغير، أو مجنون، بلا بينة؛ لم تُسمع دعواه) لأنَّه لا فائدة فيها (ولم يحكم له) بما ادَّعاه؛ لحديث: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ"] اهـ.

أَمَّا إذا علم الورثة بهذا الدَّيْن وأقروا به؛ فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

قال الإمام الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (4/ 317، ط. دار المعارف): [وأما لو ادعى شخص على ورثة ميت أن له عليه دينًا ولابينة له به فالحكم أنهم إن علموا به وجب عليهم قضاؤه من تركته بعد يمين القضاء من رب الدَّيْن أن حقه باق إلى الآن] اهـ.

الخلاصة

بناء عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ دَعْوَى الدَّيْن على الميت لا تقبل إلَّا ببينة المدَّعي، مع يمين الاستبراء إن وصل الأمر إلى القضاء، فإذا لم تقم البَيِّنَة ولم يقر الورثة بالدَّيْنِ؛ لا يلزمهم شيء، فإن ادَّعَى عليهم العلم بالدَّيْن ولم يقروا به لزمهم الحلف على عدم العلم، ولا يلزمهم شيء حينئذ، وإن رفضوا الحلف ثبت له الدَّيْن ووجب عليهم قضاؤه، وأما إذا لم تقم البَيِّنَة وأقرالورثة بالدَّيْن فيجب عليهم قضاؤه لصاحبه ما لم يكن قد استوفاه من قبل بأي صورة من الصور.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

توفي رجل عن: أخت شقيقة، وثلاثة أبناء عم شقيق، وأولاد عم شقيق: ستة ذكور وأنثى، وابن عم شقيق، وابن عم شقيق. ولم يترك المتوفى المذكور أيَّ وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحقُّ وصيةً واجبةً. فما نصيبُ كلِّ وارث؟


امرأة تُوفيت وتركت بنتًا، وكان لها بنتان توفيتا حال حياتها بعد أن أعقبتا ذرية: البنت الأولى أعقبت بنتًا، والثانية أعقبت ولدًا وبنتًا، وأولاد ابن ابن عم ذكور وعددهم ثلاثة، وابن أخ من الأم فقط. فمن يرث، ومن لا يرث؟


توفيت امرأة عن: أولاد ابن: ابن وبنتين، وإخوة أشقاء: ذكرين وأربع إناث. ولم تترك المتوفاة المذكورة أي وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟


توفيت امرأة عن: زوج، وأم، وأخوين لأم: ذكر وأنثى، وأخوين شقيقين: ذكر وأنثى. ولم تترك المتوفاة المذكورة أي وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟


توفي رجل عن: أب، وجدة لأم. ولم يترك المتوفى المذكور أي وارث آخر غير من ذكرا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟


ما حكم ميراث المطلقة في مرض الموت؟ فرجل طلق زوجته المنكوحة له بنكاح صحيح طلاقًا بائنًا في مرض موته، ومات قبل انقضاء عِدَّتها من الطلاق المذكور من غير أن يكون ذلك بطلبها ورضاها، فهل والحالة هذه يكون الرجل المذكور فارًّا بالطلاق المذكور، وترِث منه الزوجة المذكورة إرث الزوجية، أم لا؟